بعد نحو ساعة من نشر إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ليل السبت، من أنه يهنئ بابتداء المفاوضات السياسية، نشر أعضاء مجموعة “حركة الليكود” (منتدى ناشطين ليس الصفحة الرئيسية للحزب، لكنه شعبي جدا بين مناصري الحركة) ستاتوسًا (حالة) شديد اللهجة موجَّهًا للقادة:
“إذا تجرأ بيبي، الذي عمل من أجله ودعمه أشخاص طوال سنوات، على التفكير في إطلاق سراح إرهابيين، تجميد البناء، أو طرد يهود، فإننا سنلقي به خارجًا سريعًا جدًّا! وإذا حاول أن يمارس مناورة شارون واستقال من الحزب، حينذاك أيضًا سيجد نفسه وحيدًا ومعزولًا. الليكوديون لا يتنازلون عن بلادنا وأمننا! شعب إسرائيل حي!”
رغم أنّ اقتباس حالة (ستاتوس) من الفيس بوك أمرٌ غريب، لكنّ هذه الأقوال تعكس الجو السائد في صفوف نشطاء الليكود في هذه الأيام. فعدد كبير من الوزراء وأعضاء الكنيست في لائحة الليكود – جدعون ساعر (رقم 2 في الحزب)، يسرائيل كاتس (5)، داني دانون (6)، زئيف ألكين (8)، ياريف لفين (9)، تسيبي حوطوبلي (10)، وموشيه فيجلين (14) – يعارضون بشدة وبصراحة إقامة دولة فلسطينية، وهم يستمدون قوتهم من قاعدة الليكود. إذا كانت الحال هكذا، فكيف سيتمكن رئيس الحكومة من التقدم في المفاوضات السياسية؟
قال نتنياهو إنّ “استئناف العملية السياسية مصلحة استراتيجية حيوية لدولة إسرائيل” وأنّه “إن حدث تقدم في المفاوضات، فإنه سيُطرح على استفتاء شعبي”، لكن أقواله تبلغ آذانًا صماء. استفتاء شعبي؟ سيبذل رجال الليكود قصارى جهدهم لتعطيل المفاوضات من أساسها.
فنائب وزير الأمن، داني دانون، الذي قال في مقابلة صحفية بداية حزيران (قبل الشروع في المفاوضات) إن الحكومة الإسرائيلية ستعيق أي حل يشمل دولتين، سارع إلى غرس عصا إضافية في الدواليب حين نشر في صفحته على الفيس بوك موقفه من الوسيط الذي اختاره الأمريكيون، بالتنسيق مع إسرائيل. مارتن إنديك ليس وسيطًا نزيها، كتب دانون، لأنه مدير مشارك في الصندوق الجديد لإسرائيل، الذي يموّل منظمات مضادة للصهيونية. في الليكود، في السنوات الأخيرة، يكفي ذكر العبارة “الصندوق الجديد لإسرائيل”، هيئة تجنّد ملايين الدولارات بهدف تقديم تبرّعات جمعيات اجتماعية ومدنية في إسرائيل، لتضفي عليها صبغة اليسار المتطرف.
ومن الجدير بالذكر أنّ دانون ليس نائبًا لوزير الأمن فقط. فهو انتُخب مؤخرا رئيسًا لمؤتمر الليكود، منصب يمنحه قوة إجرائية بشكل أساسي، لدى إدارة مؤتمرات الليكود. من جهة، يجري الحديث عن وظيفة حزبية داخلية، لكن يجب التذكّر أن استخدامه لصلاحياته يتيح له التحكم، إلى حد ما، في المحادثات الداخلية الليكودية. ففي بداية تموز، دعا دانون إلى مؤتمر لليكود، ودعا الوسائل الإعلامية لتغطيته. خطط رئيس الحكومة للمشاركة. لكنه عندما فهم إلى أين تجري الرياح مع القرارات الإجرائية لطابع المناسبة، استدار وتهرّب من المشاركة في اللحظة الأخيرة. بقي دانون في المكان، “حدائق العرض” (“غاني هتعروخا”)، وحيدًا، مع جميع الصحفيين الذين تحدثوا عن التهرّب.
توضح الأحداث المذكورة آنفًا كيف يقضم مسؤولو الليكود، رويدا رويدا، قدرة رئيس الحكومة على المناورة. فقد يطلبون مجددا إجراء استفتاء بين المنتسبين إلى الليكود (نحو 130 ألفًا في أنحاء البلاد)، كما فعلوا عام 2003 مع رئيس الحكومة إذّاك، أريئيل شارون. فشل شارون في استفتاء المنتسبين، واضطر إلى الانسحاب من الليكود وإنشاء حركة كاديما لتحقيق عملية فك الارتباط التي كان يدعمها. تعلّم ناشطو الليكود الدرس اليوم. ففي السنوات الأخيرة، ضمّوا عددًا كبيرًا من سكان الأراضي المحتلة، أصبح لديهم قدرات مادية وتنظيمية لقيادة عمليات جماهيرية. وهم يومئون إلى ممثليهم في الكنيست كيف يجب أن يصرّحوا ضد كل مفاوضات أو أية مبادرة لمسار سياسي.
إلى أين تجري الرياح في الليكود؟
قلة من زعماء الليكود معتدلون من حيث وجهات نظرهم. وأحدهم هو رئيس الكنيست السابق روبي ريفلين، الذي لديه نزاعات شخصية مع رئيس الحكومة. إلى أين سيتجه نتنياهو، إذا أراد إيجاد منصة بديلة؟ لن يهب ريفلين لمساعدته، وسيصعب عليه جدا، إن لم يكن مستحيلا، أن يبحث عن دعم إضافي. ولنتنياهو خلافات أيضا مع مسؤول آخر في الليكود، الوزير سيلفان شالوم. ورغم أنّهما يحافظان على الهدوء حاليا، فإنّ سيلفان شالوم لن يتردد بطعن نتنياهو في الظهر، عندما تسنح له الفرصة.
خلال خمس سنوات تواجد فيها نتنياهو في السلطة، انفصل رويدًا رويدًا عن القاعدة الشعبية. فهو لم يذهب للقاء ناشطين (ناشطي الليكود أو ناشطين اجتماعيين). وهو لا يتصفح الإنترنت، ويعرف شبكات التواصل الاجتماعي فقط مما يرويه له ليران دان، مستشاره الإعلامي. وفي مناسبة حزبية، نادرة نوعًا ما، قبل أسابيع قليلة، التقى بعدد من رؤساء البلديات المنتمين لليكود وناشطين مسؤولين. لكن خشية من الإحراج، منع وسائل الإعلام مسبقًا من الدخول وتغطية الحدث.
وكما ذُكر، فحتى الوزراء الذين يقودون الحزب، لا يرون به حليفًا. فكثيرون منهم خاب أملهم جدًّا من الاتحاد السياسي مع حزب “إسرائيل بيتنا”، ولن يتيحوا أي دمج بين الليكود و”إسرائيل بيتنا” إلا على جثتهم. فهم ينظرون إلى وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا) على أنه مرعب، وقد ملوا انتظار دورهم في التنافس على رئاسة الليكود. ونظرتهم اليوم إلى رئيس الحكومة – خلافًا لما كانت إبان ولايته الثانية – غير متوقعة.
بالمقابل، يحافظ رئيس الحكومة نتنياهو على علاقات احترام متبادل مع زعيمة المعارضة، شيلي يحيموفتش. فيحيموفتش، التي تعاني هي الأخرى من هجومات عليها من داخل حزب العمل، تقول مرارًا وتكرارًا إنها ستدعم رئيس الحكومة من الخارج، في حال حدث تقدم في عملية السلام. وتدعو يحيموفيتش هذا الدعم “شبكة أمان”. لكنها تشدّد على أنها لا تعتزم الانضمام إلى الائتلاف لدعم نتنياهو من الداخل، في حال استمرّ قسم من شركاء نتنياهو الائتلافيين في معارضته.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني