القذائف التي أطلقت من الجهة السورية واللبنانية على إسرائيل هي طبعا محاولة للإضرار بأمن المواطنين الإسرائيليين، لكنها تتعدى في وقت انتخابات كهذا ذات تداعيات الواقع اليومي للجيش والأمن.
خلال أقل من شهرين، سيتوجه ملايين المواطنين الإسرائيليين للتصويت وانتخاب تشكيلة الكنيست، وتشكيلة الحكومة. سيكون فيما يتعلق بالسؤال كيف سيكون الوضع الأمني عليه في دولة إسرائيل تأثير حاسم على نتائج الانتخابات.
السؤال المركزي في هذا السياق، ليس فقط من سيكون رئيس الحكومة، بل ما يجعل المصوتين يختارون حزب ما، لا غيره
تعرض الاستطلاعات إمكانيات كثيرة حول تشكيلة الأحزاب في الكنيست الإسرائيلية، وحول من سيكون رئيس الحكومة الإسرائيلية القادم. لكن السؤال المركزي في هذا السياق، ليس فقط من سيكون رئيس الحكومة، بل ما يجعل المصوتين يختارون حزب ما، لا غيره.
لذلك، أهم من فحص شعبية كل مرشح وحزب، هو فحص المعايير التي سيصوت بحسبها أغلب الإسرائيليين في الانتخابات. لكل مرشح أفضلية نسبية في مجال ما، وكلما كان المجال أكثر شيوعا على لائحة الإعلام اليومي الإسرائيلي، سيرفع من احتمال فوز مرشح ما.
دائما ما كان المعيار الأهم الذي بحسبه انتخب الإسرائيليون عند تصويتهم هو الجيش والأمن. هكذا فاز رئيس الأركان ووزير الدفاع الأسبق، إسحاق رابين، على وزير الحكومة المعين آنذاك إسحاق شامير في عام 1992، وهكذا فاز رئيس الأركان الأسبق، إيهود باراك على بنيامين نتنياهو سنة 1999 وهكذا فاز الجنرال أريئيل شارون على إيهود باراك سنة 2001. أصبح المرشح الذي نجح في إقناع المصوّتين أنه سيدافع أحسن دفاع عن أمن إسرائيل في نهاية المطاف رئيس الحكومة.
عام 2000 – أريئيل شارون يظهر التزامه بحميته ويرفض عرضًا سخيًا (AFP)
هذا هو السبب في أنه وحتى اليوم يحاول كل حزب في إسرائيل تجنيد رجال من الأمن والجيش بين صفوفه، ممن يملكون الخبرة في اتخاذ القرارات الأمنية في اللحظات الحاسمة. يضع بنيامين نتنياهو، ذو الخبرة، في الصف الأول وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق موشيه يعلون. يعد يتسحاق هرتسوغ وتسيبي ليفني بأن يعينا في هذا المنصب الجنرال الأسبق عاموس يدلين. وحتى موشيه كحلون، الذي يؤكد بالأساس الوسط الاجتماعي، جند بين صفوفه الجنرال السابق يوآف غلنت.
في استطلاع أجرته القناة العاشرة الإسرائيلية قبل أسابيع معدودة، تبين أن 48% سيقررون لمن سيصوتون وفقا لمسألة غلاء المعيشة
لكن شيئا ما في سلم أولويات هؤلاء المنتخبين قد تصدع في السنوات الماضية. في استطلاع أجرته القناة العاشرة الإسرائيلية قبل أسابيع معدودة، تبين أن 48% – تقريبا نصف الإسرائيليين- سيقررون لمن سيصوتون وفقا لمسألة غلاء المعيشة ومواضيع الرفاه. ومعنى ذلك أن هناك لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ما يقلق بشأنه.
نتائج استطلاع القناة العاشرة الإسرائيلية
يبدو نتنياهو في عيون الجمهور الإسرائيلي بلا منافس فيما يتعلق بالمجال السياسي. يعتمد الجمهور عليه، أكثر من غيره، في التعامل مع التهديدات الأمنية مثل حماس، حزب الله، داعش والنووي الإيراني. هذا هو السبب أيضا في أنه يذكّر في كل خطاب من خطاباته بما بذله من جهد في التعامل مع هؤلاء الأعداء. وهذا هو السبب أيضا في أن نتنياهو قد استجاب لدعوة الكونغرس الأمريكي ليخطب أمامه في الشأن النووي الإيرانيّ.
كلما ازداد الوضع الأمني سوءا، يزداد الجمهور انطباعا أن نتنياهو هو الوحيد الذي يمكنه أن يتعامل معه
ما يلفت النظر هو أنه حين يكون الوضع الأمني الإسرائيل متضعضعا، مثلما حدث في حرب غزة في الصيف الأخير أو موجة العُنف التي اجتاحت القدس قبل أشهر قليلة، فإن شعبية نتنياهو تزداد قوة. كلما ازداد الوضع الأمني سوءا، يزداد الجمهور انطباعا أن نتنياهو هو الوحيد الذي يمكنه أن يتعامل معه. وكلما قوي انطباع الجمهور الإسرائيلي من قدرات رئيس الحكومة في هذا المجال، سيصوت له أناس أكثر في الانتخابات.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يعانق ابنه أفنير (PMO Facebook)
إلا أنه إلى جانب ذلك، يُعتبر نتنياهو في الجمهور الإسرائيلي شخصا ذا تصورات اقتصادية متقشفة، تتساهل مع الأغنياء وتتعاسر مع الفقراء. إنه يعارض زيادة مخصصات الفقر ورفع نسبة الضرائب على الأغنياء. قبل التقرير في الأمور المصيرية في اقتصاد إسرائيل، يلتقي مع أصحاب الملايين المحليين ممن يمكن أن يستفيدوا من قراراته، وحسب التقارير الكثيرة يعيش هو وزوجته في بحبوحة من الغنى والتبذير.
إن كانت ستبقى نسبة المصوّتين الذين سيصوّتون حسب قلقهم على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بنسبة 48%، فمن المحتمل الافتراض أن كثيرا منهم سيصوّت لمرشح آخر عدا نتنياهو. سيكون موشيه كحلون، شريك نتنياهو السابق في حزب الليكود، الذي استقال منه مدعيا أن الليكود بقيادة نتنياهو قد نسي سبيله الاجتماعي، من بين المستفيدين من ذلك.
موشيه كحلون: “ليس لدي مشكلة إن كان نتنياهو قد سافر ليلقي خطابا في الكونغرس. لكن من المفضل أن يمر في المصانع ليرى ما هي الضائقة الحقيقية للمواطن الإسرائيلي”
قال كحلون اليوم، الذي التقى مع عمال أحد المصانع الفقراء شمال البلاد: “ليس لدي مشكلة إن كان نتنياهو قد سافر ليلقي خطابا في الكونغرس، بل ربما كان ذلك مهما. لكن من المفضل أن يمر في مصانع مثل هذه، ليرى ما هي الضائقة الحقيقية للمواطن الإسرائيلي”.
انتخابات 2015 – موشيه كحلون والسمكة (Flash90)
وهذا عمليا هو المغزى لخصوم نتنياهو: تفوق أهمية المجتمع والاقتصاد على أهمية الجيش والأمن. إن استمرت الأمور على ما هي عليه، يُحتمل أن يُعتبر كحلون قائدا بديلا لطريقة نتنياهو الاقتصادية. كذلك يتوقع ليتسحاق هرتسوغ، تسيبي ليفني، ويائير لبيد أن يفوزوا إذا ما فاز جدول الأعمال الاجتماعي.
على هذه الخلفية، يجب أيضا أن نفهم ملاحظات يوآف غالنت، المرشح في حزب كحلون، الذي قال إنه يمكن أن تكون هناك علاقة بين الهجوم الذي نُسب لإسرائيل والذي قُتل فيه جهاد مُغنية والجنرال الإيراني محمد علي الله دادي وبين توقيت الانتخابات المقتربة. نعم لقد تراجع غالنت عن أقواله وقال إن نتنياهو لم يبادر بالهجوم كي يزيد أسهمه من التأييد، لكن المغزى واضح: مصلحة نتنياهو في كل ما يتعلق بالانتخابات هي أن تزداد هذه الهجمات.
بكلمات أخرى، يمكن أن تكون أفضل الطرق لتوقع نتائج الانتخابات، هو فحص كم من العمليات، الهجمات، والحملات العسكرية ستقع قبل يوم الانتخابات.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني