قد يشهد الإعلان المفاجئ عن زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى واشنطن على تطورات جديدة سعيا لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. من المتوقع أن يلتقي لافروف مع نظيره الأمريكي، ريكس تيلرسون، على خلفية عمليتين تقودهما روسيا في الوقت ذاته: مبادرة للإعلان عن مناطق آمنة (أو “مناطق تشهد مستوى أقل من التصعيد”) في عدة مناطق في سوريا، ومحاولة تحريك اتفاق أوسع لتقسيم مناطق السيطرة في الدولة، قد يؤدي إلى وقف إطلاق النار في المستقبَل.
سبقت زيارة لافروف التي أعلنت عنها روسيا أول البارحة، محادثات هاتفية بين لافروف وبين نظيره تيلرسون وبين الرئيسين، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. من الصعب أن نصدّق أن لافروف كان سيبذل جهودا ويزور واشنطن للتحدث عن مواقع المناطق الآمنة فقط، التي يتعين على جيوش سلاحي الجو الروسي والسوري تجنب شن هجوم فيها. فهذه خطوة يمكن للوهلة الأولى أن تتفق عليها القيادة العسكرية، لا سيما أن ظاهريًّا تحاول الإدارة الأمريكية تجنب التدخل في القضية. يبدو أن روسيا تحاول حث أمريكا على استئناف عمليات لتحقيق اتفاق شامل.
في تصريحات رسمية، وفي الزيارات الأخيرة التي أجراها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، على حدة، إلى الولايات المتحدة وروسيا، أشارت القيادة الإسرائيلية إلى نقطتي اهتمام مركزيتين من جهتها في سوريا: متابعة الجهود لمنع تزوّد حزب الله بوسائل قتالية نوعية (من خلال شن هجوم جوي إسرائيلي في سوريا أيضا، الذي تتطرق إليه وسائل الإعلام العربية بشكل أساسي)، ومنع اقتراب عناصر حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني من الحدود السورية الإسرائيلية في هضبة الجولان.
بالنسبة للمناطق الآمنة، يبدو أن إسرائيل لديها مصلحتان واضحتان: الأولى – ألا تكون ملزمة بموجب أي اتفاق كهذا بعدم شن هجوم جوي، في حال كانت هناك حاجة أمنية طارئة من وجهة نظرها. الثانية – أن تتضمن المناطق الآمنة منطقة الحدود في هضبة الجولان (وهكذا تحصل إسرائيل على التزام بعدم شن هجوم جوي سوري على مقربة من حدودها). في محادثات في أستانة عاصمة كازاخستان، تم التطرق إلى المناطق الآمنة في سوريا، من بين أمور أخرى، إلى مدينة درعا الجنوبية، المجاورة للحدود الأردنية التي تقع على بعد نحو 40 كيلومترًا من شرقي الجولان السوري.
وقّع على مبادرة المناطق الآمنة في الأسبوع الماضي في أستانة ممثلو روسيا، تركيا، وإيران. إلا أنه رفض بعض تنظيمات الثوار السورية التي شاركت في المحادثات التوقيع على الاتفاق. لم تشارك تنظيمات متطرفة أكثر مثل جبهة النصر المحسوبة على القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في المفاوضات أبدا.
إضافة إلى المناطق الآمنة يبدو أن موسكو لديها نوايا وطموحات أكثر. فتعتقد روسيا أنه في حال نجحت مبادَرة المناطق الآمنة إلى حد معين، يمكن استغلال هذا النجاح لدفع حل سياسي قدما، إنهاء القتال في إطاره تدريجيا، وازدهار سوريا مجددا، كفدرالية غير مستقرة من حيث مناطق السيطرة، إذ ستُقسّم غالبية المناطق وفق طوائف. تعارض إيران ونظام الأسد هذه التسوية، بسبب خوفهما من أن توافق سوريا في ظروف كهذه على الإطاحة بالأسد من منصب الرئيس، بينما يتم ضمان سلامة الطائفة العلوية والحفاظ على المصالح العسكرية والاقتصادية الروسية المعروفة في سوريا.
احتلت التطوّرات في سوريا مكانة مركزية في زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الجنرال جوزيف دنفورد، إلى إسرائيل. التقى دانفور رئيس الحكومة، وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة، جادي أيزنكوت، وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي. إضافة إلى الخطوات الروسية في سوريا، تم التطرق إلى الهجوم بقيادة الولايات المتحدة على داعش في سوريا والعراق، وتشارك إسرائيل فيه بشكل أساسيّ من خلال نقل معلومات استخباراتية. هذه هي الزيارة الثالثة للجنرال دانفورد إلى إسرائيل منذ أن بدأ يشغل منصبا في أيلول عام 2015.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”