أطفال الدروز في إسرائيل (Kobi Gideon/FLASH90)
أطفال الدروز في إسرائيل (Kobi Gideon/FLASH90)

بحث وراثي يؤكد: الجينوم الدرزي الفريد يحافظ على نفسه منذ القرن الحادي عشر

البحث الذي أُجري على 40 عائلة مختلفة من الجليل والجولان، واستعان بمعطيات حول الدروز في الدول المجاورة، يوافق معتقدات الدروز حول زمن تكوّن هذه الطائفة، ولم يجد البحث في الطائفة أي تدخّل وراثي لطائفة أخرى

بحث وراثي جديد يؤكد أن الطائفة الدرزية بدأت بالتكوّن من ناحية وراثية في القرن الحادي عشر، وأنه منذ ذلك الحين وحتى وقتنا هذا لم تطرأ عليها تأثيرات جينية خارجية لمجموعات عرقية أخرى. وقد أجرى البحث فريق من الباحثين يترأسهم بروفيسور جيل عتسمون من جامعة حيفا، وبروفيسور جمال زيدان من مستشفى زيف في صفد، وبروفيسور إيتان فريدمان من جامعة تل أبيب ومستشفى شيبا.

“هذا هو البحث الوراثي الأول الذي وجد أن الأصل الوراثي للطائفة الدرزية يرجع لتلك الفترة”، يقول بروفيسور عتسمون. تلائم هذه النتائج الوراثية المعتقد السائد عند الطائفة الدرزية حول قضية أصل الطائفة وتكوّنها. فهم يؤمنون بحسب تقاليدهم أن الطائفة الدرزية تأسّست في القرن الحادي عشر، كطائفة دينية في زمن خلافة الخليفة الفاطمي السادس في مصر. في يومنا هذا، هناك مليون ونصف درزي على وجه الأرض، يسكن غالبيتهم في سوريا ولبنان، وسائرهم في إسرائيل والأردن. وبحسب التقاليد الدرزية، يجب أن يكون الزواج فقط من داخل الطائفة الدرزية.

هذا البحث الذي نُشر في مجلة European Journal of Human Genetics Nature، تجمّع حوله فريق دولي من الباحثين الذين أرادوا أن يبحثوا إنْ كان هناك للدروز المعاصرين اليوم مخزن وراثي مشابه، وإن وُجد، فمتى تكوّن.

في كلية الطب على اسم أينشتاين في نيويورك، د. شاي كرمي من كلية علوم الحاسوب في جامعة كولومبيا في نيويورك، و د. تيسير مرعي من جمعية الجولان للتنمية.

 

وراثة (Thinkstock)
وراثة (Thinkstock)

وشارك في البحث 120 شخصا من 40 عائلة، منهم 20 عائلة من قرية بيت جن في الجليل الأعلى، و 20 أخرى من مجدل شمس في الجولان. وقد تم اختيار العائلات بحسب الأصل الجغرافي للعائلة الموسعة، وذلك على أساس أسماء العائلة والمعلومات التي يتم تداولها من جيل إلى آخر.

تنتمي كل عائلة شاركت في البحث إلى حمولة مختلفة، وذلك لكي تكون العينة ممثّلة ولا تكون هناك قرابة عائلية من الدرجة الأولى أو الثانية بين مشتركيْن اثنين في البحث. في كل عائلة تم فحص الأب، الأم، والابن. وعلّق بروفيسور زيدان أنّ “البحث حوى أيضا معلومات عن دروز من لبنان والكرمل، وتضمّن أشخاصا من أماكن مختلفة وذلك من أجل فحص المبنى الجيني للطائفة الدرزية ومقارنتها بمجموعات عرقية أخرى”.

وأسفرت النتائج عن أن أبناء الطائفة الدرزية يتشابهون جدا وراثيا، ما يميّزهم بشكل كبير عن سائر الطوائف في الشرق الأوسط. ويقدّر الباحثون أن هذا التشابه الجيني بدأ قبل 22-47 جيلا (هناك جدل حول قياس مدة الجيل) في القرن الحادي عشر.

أمراءه درزية (Flash90Yossi Aloni)
أمراءه درزية (Flash90Yossi Aloni)

ويقدّر الباحثون أنه في تلك الفترة، نتج عنق زجاجة وراثي: انتهت موارد وراثية لأنسال كثيرة، فتضاءلت الطائفة، وأصبحت التفاصيل الخاصة بأبناء هذه الطائفة تشبه بعضها وراثيا. وبحسب أقوال بروفيسور عتسمون، فإن نتائج البحث تُقلّص “آباء” الطائفة الدرزية لبضع مئات من العائلات.

ووجد الباحثون بأنّه على طوال الألف سنة التي مرّت، ليست هناك شهادة أو دليل على دخول جينات جديدة لمخزن الجينات الدرزي، بمعنى، لم يكن هناك اختلاط جيناتي مع مجموعات عرقية خارجية أخرى. ووجد الباحثون أيضا شهادات على الاختلاف الوراثي بين الدروز أنفسهم في مناطق مختلفة مثل لبنان، الجليل، الجليل الأعلى، والكرمل، وهذا الاكتشاف يؤكد أن الزواج عندهم كان يتم فقط داخل الحمولة.

وتبيّن كذلك أنه قبل 500 سنة من تكوّن الطائفة الدرزية، مع ظهور الإسلام في القرن السادس الميلادي، بدأت تتكوّن مجموعة جينية كانت هي الأساس للطائفة الدرزية. بحسب البحث، الجينوم الخاص بالطائفة الدرزية غالبه يشبه الجينوم الخاص بطوائف عربية أخرى في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، وجدوا في الجينوم الدرزي بعض العناصر الوراثية من أوروبا، من جنوب مركز آسيا (منطقة إيران)، ومن أفريقيا.

نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس‎”

اقرأوا المزيد: 528 كلمة
عرض أقل
عائلة مثلية (Thinkstock)
عائلة مثلية (Thinkstock)

المثلية الجنسية: فطرية أم مكتسبة؟

دراسة جديدة تدعي أنّها أثبتت السبب الوراثي للمثلية الجنسية وتثير من جديد النقاش الطويل: هل يُولد المثليّون هكذا، أم إنّ هناك أيضًا عنصر الاختيار؟

منذ عقود طويلة يحاول العلم العثور على أسباب المثلية الجنسية. بدأت دراسة المثلية الجنسية من القرن التاسع عشر، بشكل مزعج بما فيه الكفاية، عندما تم الكشف عن “مرض نفسي جديد” وظنّوا إنّه يحتاج إلى أن يُدرس ككلّ مرض آخر من أجل التوصل إلى “العلاج”. ولكن للأسف الشديد، ففي مجتمعات دينية معينة بقي التعامل مع الظاهرة مماثلا حتى اليوم.

ومع ذلك، تطرح نتائج دراسة حديثة من جديد النقاش حول أسباب المثلية الجنسية، ومن شأنها أن تبدّد الآراء النمطية ووصمات العار ضدّ المثليّين.

النهج الوراثي

تعرضُ الدراسة، التي أجريتْ في الولايات المتحدة، أدلة إضافية على وجود أساس وراثي للمثلية الجنسية. وجد الباحثون الذين درسوا مئات الإخوة المثليين تشابها في منطقتين على اثنين من الكروموسومات، والتي تضيف بحسبهم مستوى آخر للشواهد التي تدلّ على أنّ الميل الجنسي هو أمر وراثي. تم نشر الدراسة في مجلة Psychological Medicine. درس الباحثون في جامعة إلينوي 800 أخ من ذوي الميول الجنسية المثلية، وأخذوا منهم عينات من الحمض النووي DNA من خلال الدم واللعاب.

وظهر من خلال المسح تشابه في المنطقة التي على كروموسوم X وعلى كروموسوم 8 لدى المشاركين، ممّا لم يتم العثور عليه في المجتمعات المغايرة. كروموسوم X هو واحد من كروموسومَين للجنس موجودين لدى الرجل (كروموسوم X ينتقل من الأم، بينما ينقل الأب الكروموسوم Y). وهكذا، تعزّز الدراسة الرأي القائل إنّ الجينات تؤثر على احتمالات أن يكون الشخص مثليّا، وأنّ هذه صفة تنتقل بالوراثة.

كما أنّ الإنسان لا يختار جيناته ولا يستطيع أن يختار بأن يُولد مع عيون خضراء أم لا، فهكذا أيضا لا يختار ميوله الجنسية.

استندت دراسات أخرى أجريت في المجال، تتبنى هي أيضا “النهج الوراثي”، بشكل أساسيّ على فحص الأزواج التوائم المتماثلة وغير المتماثلة، وكشفت عن تطابق كبير في ميول التوائم المتماثلة. وُجد أنّ احتمال أن يكون الأخ التوأم مثليّا هو أيضًا أعلى بكثير من احتمال أن يكون الأخ غير التوأم مثليّا. أي إنّ الجينات المماثلة لعبت هنا دورا، ولم يكن للشخص نفسه إمكانية للتأثير على ميوله.

وفي نهاية المطاف، استنادا إلى هذه الدراسات، فإنّ الاستنتاج الواضح هو: كما أنّ الإنسان لا يختار جيناته ولا يستطيع أن يختار بأن يُولد مع عيون خضراء أم لا، فهكذا أيضا لا يختار ميوله الجنسية.

من الأم للابن

منذ عام 1993 قال علماء أمريكيون إنّ المثلية الجنسية الذكورية تنتقل من الأم لابنها، بعد العثور على أدلة قوية لدى تحليل العديد من شجرة العائلة. ومع ذلك، فليس من الواضح إذا ما كان مصدر نقل هذه الصفات هو في الجينات الموجودة في كروموسوم X الذي تنقله كل أم لابنها، أم نتيجة تأثيرات مختلفة على الجنين في فترة الحمل، مثل الهورمونات على سبيل المثال.

يؤيّد هذا الاتجاه بعض علماء الأعصاب، الذين يقولون إنّهم نجحوا في الإثبات أنّ بُنية الدماغ لدى المثليين مختلفة عن تلك التي لدى متبايني الجنس، وفي الواقع يبدأ كلّ شيء من هذا الاختلاف. فحصت إحدى الدراسات المعروفة في المجال الفروق في بُنية الدماغ لدى المثليين والمغايرين الذين تمّ فحصهم بعد وفاتهم. وقد وُجد أنّ هناك فرق واضح في عضو صغير يصل بين جزئين من الدماغ لدى الذكور المغايرين والذكور المثليين، الذين كان هذا العضو لديهم مماثلا لشكله لدى النساء. ومع ذلك، فقد حظيت هذه الدراسة بانتقادات شديدة تتعلّق بحجم العيّنة التي اختارتها (عدد صغير جدّا ممّن تمّ فحصهم) وأيضا بحقيقة أنّ أولئك الذين تمّ فحصهم واستندت الدراسة إليهم كانوا أشخاصا متوفّين، حيث توفّي معظم المفحوصين المثليين بمرض الإيدز؛ وهو فيروس يؤثّر على الدماغ ومن ثم يغيّر بنيته.

من الأم للابن (Flash90/Yossi Zamir)
من الأم للابن (Flash90/Yossi Zamir)

أظهرت دراسات أخرى تم إجراؤها على الفئران، أنّ حقن الهورمون الذكري (التستوستيرون) بجنين أنثى يؤدي إلى سلوك ذكوري، وعلى العكس؛ فإنّ إخماد التستوستيرون لدى الأجنّة أدّى إلى سلوك أنثوي. الاستنتاج المطلوب بالنسبة للبشر هو أنّه عندما يتم تعريض الأجنّة في الرحم لمستوى معيّن من الهورمونات في الفترة الجنينية فإنّ ذلك يؤثّر على منطقة معيّنة في الدماغ هي التي تحدّد السلوك الجنسي للشخص.

تأثيرات بيئية

يعارض الكثير من علماء النفس هذه الأنواع من الأبحاث، وخصوصا لزعمهم بأنّنا نعيش في مجتمع فيه انقسام بين أشخاص ينجذبون لأبناء جنسهم وبين أشخاص ينجذبون لأبناء الجنس المختلف، ولكننا في الواقع نتجاهل أنّ غالبية الناس يعيشون في مكان ما في الوسط، ويمرّون طوال حياتهم بتجارب لا تتلاءم مع أي فئة بشكل حصري.

“من حقّ الإنسان أن يكون مثليّا بغضّ النظر عمّا إذا وُلد هكذا أو جعلوه هكذا”

على سبيل المثال، إذا كان لدى امرأة معينة تجربة جنسية مع امرأة أخرى، فهذا لا يقول بأنّها مثلية. مثال آخر وهو الأشخاص الذين عاشوا لسنوات طويلة كمغايرين، وفي سنّ كبيرة جدّا شعروا فجأة بالانجذاب للذكور، تأثروا وطوّروا علاقات مع الرجال. من الواضح أنّ جيناتهم لم تتغيّر، ولا النشاط الهورموني أيضًا، ولكن كان التغيير على مستوى التفكير والوعي.

في نهاية المطاف، من الواضح اليوم أنّ هناك عنصر وراثي واضح في المثلية الجنسية. ومع ذلك، من الممكن جدا أن تكون هناك تأثيرات بيئية أيضًا، دماغية أو هورمونية أضيفت إليه. وفي كلتا الحالتين، فإنّه من الواضح تماما أنّ هذا لا ينبع من الاختيار (هل يختار الرجل المغاير لمن ينجذب ولمن لا؟)، وبالتأكيد ليس مرضا يمكن علاجه. إنّ المرض الحقيقي موجود كما يبدو في المجتمعات التي تجد صعوبة كبيرة في تقبّل الظاهرة.

ولكن رغم أنّ مثل هذه الدراسات قد تساهم في إلغاء التنميط ضدّ المثليّين، فإنّ الكثيرين يعارضون وجودهم ذاته: “الانشغال بالبحث عن “مذنب” من أجل تعليق تفسير المثلية الجنسية به، ليس فقط أمرا غير مجدٍ، ولكنّه خطير أيضًا”، كما قيل. “إذا عثر الباحثون على جين من أي نوع يؤدي إلى المثلية الجنسية، يمكن للآباء غدا أن يرغبوا بالإجهاض بسبب هذا الجين فقط… من حقّ الإنسان أن يكون مثليّا بغضّ النظر عمّا إذا وُلد هكذا أو جعلوه هكذا”.

اقرأوا المزيد: 848 كلمة
عرض أقل