وحيد البلعوس

الدروز والأسد: حلفاء استراتيجيون (AFP)
الدروز والأسد: حلفاء استراتيجيون (AFP)

الدروز والأسد: حلفاء استراتيجيون

الجيش السوري لا يشارك بقوة في الدفاع عن جبل الدروز، فإن الجزء الأكبر من هذه المهمة يقع على عاتق حوالى10,000 عنصر من الميليشيات المحلية؛ فهؤلاء يعرفون المنطقة جيداً ولديهم حافز أكبر للدفاع عن وطنهم

على الرغم من أن الدروز يشكلون أقلية صغيرة نسبياً في سوريا وسعوا إلى تجنب التدخل بصورة أعمق في الحرب الدائرة في البلاد، إلا أن مكانتهم الاستراتيجية في المنطقة الجنوبية الجبلية من جبل الدروز تمنحهم بالضرورة النفوذ للتأثير على الجهات الطامحة إلى السيطرة على مستقبل سوريا. وحتى وقت قريب، تسنّت للمعارضة العربية السنية فرص متعدّدة للاستفادة من هذا النفوذ نظراً لأن ولاء الدروز لنظام الرئيس الأسد كان محدوداً في أحسن الأحوال. غير أن الأسد نجح في استغلال مخاوف هذه الطائفة وإقناعها بالتعاون معه بفاعلية أكبر للدفاع عن مركز دمشق، مستفيداً بالدرجة الكبرى من سلسلة أخطاءٍ ارتكبها المتمردون.

المكانة الاستراتيجية للدروز

اعتباراً من 2010، الذي هو العام الأخير الذي توفرت فيه أرقام موثوقة عن التعداد السكاني في البلاد، كان يعيش في سوريا حوالي 700,000 مواطن درزي، أي ما يعادل 3 في المائة من إجمالي عدد السكان. وكانت غالبيتهم تعيش في محافظة السويداء، التي بلغ عدد سكانها [آنذاك] 375000 نسمة – 90 في المائة منهم دروز، و-7% مسيحيون، و-3% من السنة. كما كان هناك250000 درزي آخر يقيمون في دمشق وضواحيها (جرمانا، صحنايا، وجديدة عرطوز)، بالإضافة إلى 30,000 درزي على الجانب الشرقي من جبل حرمون و 25,000 في أربعة عشر قرى في جبل السماق، شمال شرق إدلب. وقد غيّرت الحرب التوزيع السكاني في الجنوب بشكل كبير، حيث شُرِّد 100,000 شخص من السنة داخل البلاد، وهاجروا بعد ذلك إلى جبل الدروز. وقد فرَّ الكثير من دروز دمشق إلى جنوب البلاد أيضاً، مباشرة بعد أن أصبحت منطقة العاصمة غير آمنة.

الدروز والأسد: حلفاء استراتيجيون (AFP)
الدروز والأسد: حلفاء استراتيجيون (AFP)

تضطلع ضواحي دمشق الدرزية بدور رئيسي في الدفاع عن المدينة كونها تحيط بالبلدات الخاضعة [لسيطرة] المتمردين على غرار بلدة داريا، وتشكل حاجزاً فاصلاً يقطع الاتصال بين المناطق السنية في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية. وعلى نحو مماثل، تشكل القرى الدرزية في جبل حرمون معقلاً للموالين للنظام عند الأطراف الجنوبية الشرقية للعاصمة وتسمح للجيش السوري بالبقاء على اتصال مع مرتفعات الجولان. كما تمنع ارتباط المتمردين في محافظة درعا مع أولئك في القلمون شمالي شرقي دمشق. وفي الوقت نفسه، يشكل جبل الدروز منطقة عازلة في جنوب العاصمة، ويحافظ على الرابط البري الرمزي بين سوريا والأردن. ويأمل النظام بأن يمنع هذا العازل دون دخول المزيد من المتمردين إلى البلاد من تلك الجهة. بالإضافة إلى ذلك، تسهم القواعد الجوية العسكرية في المنطقة في الدفاع عن مواقع الجيش السوري في محافظة درعا. وعلى نطاق أوسع، يشكل المعقل الجبلي تهديداً مستمراً لقوات المتمردين في تلك المحافظة.

الأسد نجح في استغلال مخاوف الطائفة الدرزية وإقناعها بالتعاون معه بفاعلية أكبر للدفاع عن مركز دمشق، مستفيداً بالدرجة الكبرى من سلسلة أخطاءٍ ارتكبها المتمردون

[وبما أن] الجيش السوري لا يشارك بقوة في الدفاع عن جبل الدروز، فإن الجزء الأكبر من هذه المهمة يقع على عاتق حوالى10,000 عنصر من الميليشيات المحلية؛ فهؤلاء يعرفون المنطقة جيداً ولديهم حافز أكبر للدفاع عن وطنهم من دفاعهم عن النظام في حلب أو حمص. وفي الواقع، إن الاتفاق غير الرسمي الذي توصل إليه الأسد مع الزعماء الروحيين للطائفة الدرزية أو “شيوخ العقل” نصّ على إبقاء المجندين الدروز في محافظة السويداء، مع الإشارة إلى أن الأسد يعتمد اعتماداً كبيراً على هؤلاء الزعماء للتحكم بالدروز.

هجمات المتمردين على الدروز

ظهر التوتر مع المعارضة السنية في درعا في وقت مبكر من عام 2011 حينما بدأ بعض المتظاهرين والمتمردين المسلحين بإطلاق شعارات تربط الدروز بالأسد وتصفهم بالزنادقة (بتحريضٍ من الزعماء الدينيين السنة المتطرفين في غالب الأحيان). وقد تم أخذ بعض القرويين الدروز كرهائن وأُفرج عن بعضهم لقاء فدية أو تم قتلهم؛ وفي كانون الأول/ديسمبر 2012، على سبيل المثال، قامت «جبهة النصرة» [التي غيّرت اسمها لـ «جبهة فتح الشام» بعد فك ارتباطها بـ تنظيم «القاعدة» كما ادّعت] باختطاف أحد كبار أعيان الدروز المدعو جمال عز الدين مع ستة عشر من رفاقه. وفي ذلك الوقت، كانت تربطه علاقات جيدة مع كل من مسؤولي النظام والمعارضة، ولكنه قُتل بعد بضعة أشهر.

أما في المناطق الأخرى، فتعرضت ضاحية جرمانا في دمشق إلى هجمات عنيفة منذ ربيع عام 2012. وفي خريف ذلك العام شنّت فصائل المتمردين بقيادة «جبهة النصرة» هجوماً على جبل الدروز. ورداً على ذلك، تخلى الدروز عن موقفهم الحيادي السابق وشكلوا ميليشيا محلية بمساعدة الجيش السوري.

ومنذ ذلك الحين، لم تنفك «جبهة النصرة» عن القيام بهجمات منتظمة على جبل الدروز، من بينها معركة ضروس وقعت في الربع الشمالي الغربي في الفترة بين 17 و20 آب/أغسطس 2014، وبرزت فيها ميليشيا الشيخ وحيد البلعوس، التي كانت موالية للنظام في ذلك الوقت، بفضل الجهود التي بذلتها في تلك المواجهة. وفي حزيران/يونيو 2015، وبالتزامن مع هجوم «جيش الفتح» على شمال غرب سوريا، حاول متمردون ينتمون إلى «الجبهة الجنوبية» السيطرة على مطار الثعلة العسكري الذي يشكل ركيزة أساسية في الدفاع عن السويداء، إلا أن الجيش السوري والميليشيات الدرزية وقفت لهم بالمرصاد، بينما قاتل بعض هذه المليشيات بضراوة لحماية عاصمة المحافظة. إن هذا التطور ملفت بشكل خاص إذا تَذَكر المرء أن دروز السويداء ثاروا ضد النظام في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2000 مما أدى إلى [قيام الجيش السوري] بشن حملة عسكرية ضدهم خلّفت عشرات القتلى ومئات الجرحى.

نبذ المتمردين

الشيخ وحيد البلعوس (Facebook)
الشيخ وحيد البلعوس (Facebook)

حين بدأت الانتفاضة السورية تتنامى في ربيع عام 2011، كان الوضع في جبل الدروز متأججاً، حيث استمد السكان إلهامهم من ذكرى الزعيم الدرزي سلطان الأطرش الذي ثار ضد الاحتلال الفرنسي في عام 1925. فانطلقت الاحتجاجات في السويداء، إلا أن الأجندة السياسية المختلفة للمعارضة السنية (الصادرة عن “المجلس الوطني السوري” ومن ثم “الائتلاف الوطني السوري”) لم ترقَ إلى توقعات الدروز. ولم يأتِ أحدٌ على ذكر العلمانية التي يجد فيها الدروز الضمانة الوحيدة لأمنهم، بل أن مجلس المعارضة تبنى مفهوم “الدولة المدنية” الذي يعني في المصطلحات الإسلامية دولةً إسلامية خاضعة لأحكام الشريعة. ولا يزال انعدام الثقة تجاه المتمردين مرتفعاً حتى اليوم بسبب الحملات الدعائية التي يقوم بها النظام، والتي غالباً ما يتم فيها الاستشهاد بالفتاوى الشهيرة للعلاّمة السني ابن تيمية التي تدعو إلى إبادة الدروز.

الجيش السوري لا يشارك بقوة في الدفاع عن جبل الدروز، فإن الجزء الأكبر من هذه المهمة يقع على عاتق حوالى10,000 عنصر من الميليشيات المحلية؛ فهؤلاء يعرفون المنطقة جيداً ولديهم حافز أكبر للدفاع عن وطنهم

ولكن عندما بدأ التمرد، بقي بعض الدروز متأملاً بالانضمام إلى القتال. وفي آب/أغسطس 2011، انشق الملازم أول الدرزي خلدون زين الدين عن الجيش السوري وشكل تنظيم مسلح معادٍ للأسد أطلق عليه اسم “كتيبة سلطان باشا الأطرش”. وسرعان ما انضمت هذه الجماعة إلى تنظيمات المتمردين السنة في درعا. وشارك التنظيم في عدة هجمات ضد أهداف تابعة للنظام في جبل الدروز ولكنه فشل في كسب تأييد كبير من السكان المحليين. وفي عام 2013، اعتقلت «جبهة النصرة» أعضاء الكتيبة وحكمت عليهم بالإعدام ولكن تم في النهاية إطلاق سراحهم بفضل تدخل جماعات متمردة أخرى، ولكنهم شعروا بأنهم مضطرين إلى الفرار إلى الأردن. وقد خلّفت هذه المرحلة جروحاً عميقة وأقنعت الكثير من الدروز بأنهم ليسوا موضع ترحيب في الثورة. وقد اعتبر المتمردون عموماً أن أي مشاركة درزية تفتقر إلى الصدق، وفي بعض الحالات كان اعتناق المذهب الإسلامي السني السبيل الوحيد الذي أنقذ الدروز المحليين من الموت. وفي عام 2015 أرغمت «جبهة النصرة» سكان جبل السماق على تدمير مقاماتهم الدينية واعتناق المذهب السني.

مغريات الانشقاق

في الوقت نفسه، لا يزال الحل المتوفر أمام الدروز بربط مصيرهم كلياً بمصير الأسد حلاً غير مرضٍ لأن سقوط الأسد سيترك الدروز في مهب الريح. وتمثل إحدى الحلول البديلة التي تم النظر فيها في الماضي في إقامة منطقة مستقلة في جبل الدروز مع حدود مفتوحة مع الأردن تحت حماية دولية. وبدأت إمكانية تحقيق هذا الخيار تبدو أكثر تيسّراً حين بدا الجيش السوري على وشك الانهيار في ربيع عام 2015.

الدروز والأسد: حلفاء استراتيجيون (AFP)
الدروز والأسد: حلفاء استراتيجيون (AFP)

لقد كان الشيخ البلعوس أحد الدروز الأوائل الذين شكّلوا ميليشيات موالية للنظام، وبحلول عام 2014 نجح في تمييز نفسه في اشتباكات متعددة على غرار “معركة داما”. وقد طلب من الأسد تزويد ميليشيات جبل الدروز بأسلحة ثقيلة للدفاع بفعالية أكبر عن المنطقة، ولكنه دخل في الوقت نفسه في النقاش السياسي ليعبّر عن مخاوف أبناء طائفته من خلال انتقاد غلاء المعيشة والفساد المستشري وتجنيد الرجال الدروز للقتال على الخطوط الأمامية خارج جبل الدروز. وبحلول حزيران/يونيو 2015، ازداد عدد أفراد عناصر الميليشيا التابعة له إلى حوالي1,000 مقاتل، وكان يتلقى التمويل اللازم لشراء الأسلحة من جهات خارجية، بما في ذلك من الدروز الإسرائيليين القلقين على مصير إخوانهم في سوريا. ولكن في الخامس من أيلول/سبتمبر من ذلك العام، اغتيل الشيخ البلعوس في ظروف غامضة وتم حل ميليشايته.

اعتبر المتمردون عموماً أن أي مشاركة درزية تفتقر إلى الصدق، وفي بعض الحالات كان اعتناق المذهب الإسلامي السني السبيل الوحيد الذي أنقذ الدروز المحليين من الموت

ليس هناك شك في أن نظام الأسد مسؤول عن مقتل البلعوس، والسبب المرجح هو أنه أصبح طموحاً جداً في انفصال جبل الدروز عن الدولة. وفي حزيران/يونيو 2015، على سبيل المثال، وقف البلعوس وكتيبته على الحياد عندما حاول المتمردون بقيادة جبهة النصرة احتلال مطار الثعلة؛ وقد حثّ الدروز على الاستيلاء على مواقع الجيش ومباني الحكومة عوضاً عن القتال لصدّ الهجوم ولكنهم لم يفلحوا في ذلك. لعله ظنّ في ذلك الوقت أن الجيش كان يهمّ بالخروج من جبل الدروز نظراً للهجمات الناجحة التي نفّذها المتمردون في محافظة إدلب وفي محيط درعا (على سبيل المثال، سقطت البلدة الجنوبية الرئيسية “بُصرى الشام” في آذار/مارس من ذلك العام). ولعله كان قد شعر أيضاً أن سقوط الأسد بات وشيكاً ربما من خلال السماح لـ البلعوس بأن يصبح زعيماً على منطقة درزية آمنة. ولكن في كافة الأحوال، أدّى مصرعه والتدخل الروسي الذي أعقبه بفترة وجيزة إلى قلب موازين القوى بالكامل على الأرض، ولذلك من المستبعد أن يغامر الدروز بتنفيذ المزيد من المحاولات الانفصالية في أي وقت قريب.

الخاتمة

كما تبدو الأمور، سوف يكون من الصعب فصل جبل الدروز عن نظام الأسد بقوة الإقناع وحدها. ولا يمكن كسب ولاء الدروز ما لم تنقطع صلتهم عن دمشق، وحتى في هذه الحالة سيحتاجون إلى ضمانات ملموسة فعلية بأن القوى الدولية ستحميهم من التنظيمات الجهادية مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية. [وفي الواقع]، لا يريد أهالي جبل الدروز أن يلقوا المصير نفسه الذي لقيه إخوانهم في الدين في جبل السماق. ومن هذا المنطلق، إذا كانت واشنطن وحلفاؤها يريدون لهذه الأقلية الاستراتيجية أن تلعب أي دور في الإطاحة بالنظام أو في إنهاء الحرب بشروط ميسّرة، فلا بد لهم من طمأنة الدروز المحليين بشكل واضح بأنّ لديهم مستقبل آمن في سوريا من دون رعاية الأسد.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 1564 كلمة
عرض أقل
الضابط الإسرائيلي عليان مع القنطار والأسد
الضابط الإسرائيلي عليان مع القنطار والأسد

الدروز بين إسرائيل والأسد

مقتل سمير القنطار الدرزي يركّز على الحالة الخاصة بالطائفة في المعركة السورية وفي المجتمع الإسرائيلي، وهي حالة ضغوط من كل جانب

تثار مسألة أصل سمير القنطار الدرزي من جديد في أعقاب اغتياله في عملية منسوبة إلى الجيش الإسرائيلي. ومقابل مكانة الطائفة الدرزية في دولة إسرائيل، فإنّ مكانتها في العالم العربي قد تأثرت بشكل استثنائي في الحرب الأهلية الدموية الجارية في سوريا، إلى درجة أن الكثيرين من المسلمين السنة يعتبرون اغتيال القنطار نعمة.

يعتبر الدروز داخل المجتمع الإسرائيلي طائفة محترمة وكبيرة، وشريكا مهما للسكان اليهود في بناء دولة إسرائيل. فيقدّر الإسرائيليون الدروز ومواقفهم، والتي تتمثّل تحديدا بالوطنية والتطوّع في المناصب الأكبر في الجيش الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، يعتبر غسان عليان قائد لواء جولاني بطلا إسرائيليا لا سيّما على ضوء قيادته وبطولته في فترة الحرب في غزة.

مقاتلا الكتيبة الدرزية في الجيش الإسرائيلي
مقاتلا الكتيبة الدرزية في الجيش الإسرائيلي

وقد وُضع هذا الولاء على محك الاختبار في حادثَي الهجوم العنيفين لمواطنين دروز ضدّ سيارات الإسعاف التي نقلت جرحى سوريين للعلاج في إسرائيل في حزيران الماضي. الإسرائيليون، الذين يفضلون إبقاء موضوع علاج جرحى الحرب كمسألة إنسانية وليست سياسية، ليسوا معنيين بالتدخل في تهديدات عناصر جبهة النصرة تجاه دروز منطقة السويداء.

وتشير مظاهر الفرح لمقتل القنطار إلى أنّه ربما يعتبرُ الكثير من العرب الدروز في سوريا كموالين لنظام بشار الأسد. وذلك رغم حقيقة أنّ الكثير من الدروز لا يعتبرون القنطار لحما من لحمه، لأنه تزوج من امرأة فلسطينية ويعتبر في نظر الكثير فلسطينيا بكل معنى الكلمة.

وبشكل عام، لا تعتبر حالة الولاء لدى الطائفة الدرزية في سوريا واضحة في السنوات الأخيرة، ورغم ميلهم منذ سنوات طويلة في الوقوف إلى جانب النظام فقد أصبح ميلهم الآن في الاتجاه المعاكس.

الشيخ وحيد البلعوس (Facebook)
الشيخ وحيد البلعوس (Facebook)

منذ بداية “الربيع العربيّ” كان أبناء النخبة الدرزية من قادة النضال من أجل التغيير السياسي في سوريا. وقد دعا زعماء الطائفة قبل ثلاث سنوات الشباب الدروز إلى تفضيل الدفاع عن السويداء على الولاء للأسد. بل إنّ عشرات الآلاف من أبناء الطائفة مطلوبون من قبل الشرطة للخدمة العسكرية، بسبب مأزق القوى البشرية الصعب. وقد وصلت موجة التباعد بين السوريين والأسد إلى ذروتها مع اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، الزعيم الدرزي الأبرز والذي تزعم معارضة نظام الأسد.

على هذه الخلفية، عمل سمير القنطار على إعادة تجنيد الدروز في منطقة الجولان لشبكة عسكرية تعمل ضدّ إسرائيل. وفي الوقت الذي يغرق فيه حزب الله عميقا في المعارك الاستنزافية للدفاع عن بشار، كان يعمل القنطار على تجنيد الدروز من جديد إلى جانبه بمساعدة القتال ضدّ إسرائيل في هضبة الجولان. ورغم أنّ محور إيران وحزب الله وبشار الأسد قد صمد في الحرب رغم كل الصعوبات، فإنّ اغتيال القنطار يمس بأحد المشاريع الوحيدة للنضال ضدّ إسرائيل والذي لم يهمله حزب الله.

اقرأوا المزيد: 378 كلمة
عرض أقل
الشيخ وحيد البلعوس (Facebook)
الشيخ وحيد البلعوس (Facebook)

اغتيال الشيخ البلعوس: علامة فارقة في العلاقة بين الدروز ونظام الأسد

اغتيال الشيخ البلعوس، المظاهرات الحاشدة ضد النظام السوري وتفجير تمثال حافظ الأسد من قبل مُناصري الشيخ، كل هذه الأمور تنبئ بمستقبل مُتضعضع بالعلاقة بين الدروز وبين الأسد

انفجرت، في يوم الجمعة الأخير (04.09)، سيارتان مفخختان في مدينة السويداء، عاصمة جبل الدروز؛ جنوب سوريا. قُتل 28 شخصًا، من بينهم الشيخ وحيد البلعوس. كان يترأس البلعوس ميليشيا “رجال الكرامة” التي كانت تدافع عن جبل الدروز وتضم المليشيا بضعة آلاف من المُقاتلين. تم تمويل تلك الميليشيا من قبل دروز من إسرائيل والجولان.

وصف مسؤولون من الطائفة، في سوريا، في نهاية الأسبوع، حادثة اغتيال الشيخ البلعوس بأنها مُفترق طرق فيما يخص العلاقة بين الطائفة الدرزية وبين نظام الرئيس بشار الأسد.

تقول المُختصة الإسرائيلية بشؤون سوريا، إليزابيث تسوركوف، إن “الشيخ البلعوس كان يُعتبر أبرز الزعماء المُستقلين في الطائفة الدرزية؛ في سوريا. بخلاف القيادات التقليدية حيث لم يتم تعيينه من قبل نظام الأسد وكانت مواقفه معارضة للنظام. عارض البلعوس التحاق أبناء الطائفة الدرزية بالجيش السوري وحتى أنه حمى، بشكل شخصي، فارون دروز من خدمة الجيش. قادت مسألة، وجود الـ 27 ألف متخلف عن الخدمة العسكرية في الجبل، نظام الأسد للتهديد بأنه سيسحب قواته ويُسلم الجبل لقوات داعش المتواجدة في الشرق”.

بعد أن شاع خبر موت البلعوس، وبينما احتشد كثيرون من أبناء الطائفة بالقرب من المُستشفى الحكومي في المدينة، وقع تفجير آخر. تُشير تقديرات غير أكيدة إلى مقتل 30 شخصًا. سيطر مُسلحون من أبناء الطائفة، كرد على التفجير، على ثكنتين للمخابرات السورية في السويداء.

خرج سكان المدينة أيضًا، إثر تلك التفجيرات، بمظاهرات تم خلالها، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يُوثق ضحايا الحرب، حرق سيارات وتفجير تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد. تطورت تلك المظاهرات إلى تبادل لإطلاق النار قرب مركز للمخابرات السورية، لقي خلالها 6 أفراد من الأمن السوري حتفهم.

تدعم الغالبية من الطائفة الدرزية في سوريا النظام، ولكن هناك بينهم أيضًا مُعارضين له وأشخاص يؤمنون أن سوريا يجب أن تكون دولة ديمقراطية وحرة.

“ولكن من الصعب أن نعرف ماذا سيحدث غدًا، قد يكون اغتيال الشيخ وحيد البلعوس علامة فارقة في موقف المُجتمع الدرزي، في سوريا، تجاه نظام الأسد”، وفقًا لتحليل تسوركوف التي تتبع الأحداث السورية عن كثب.

حللت تسوركوف، في مقالة شاملة، أيضًا الخطة الأمنية التي فكر كثيرون بها؛ داخل القيادات الأمنية الإسرائيلية، وهي بناء جدار أمني حول جبل الدروز. “يحلل الإسرائيليون نداءات الاستغاثة التي يطلقها دروز سوريا على أنها دليل على أن تلك الطائفة يتهددها خطر وجودي. إلا أنه يبدو أن الدروز ما زالوا مُستمرين بتفادي اختيار البدائل الصعبة الموجودة أمامهم: الوقوف الكامل إلى جانب نظام الأسد الذي سيضمن لهم حماية ووسائل قتالية، ولكنه أيضًا سيجر أولادهم للالتحاق بالجيش والتشتت في كل أنحاء سوريا. بالمقابل، التقرب من المُعارضين في جنوب سوريا سيُعرّض الدروز إلى خطر ليس بأقل من ذلك، فذلك الأمر سيُعرض الجبل إلى الغارات والتفجيرات العنيفة، من قبل نظام الأسد، لأن المُعارضين لا يمكنهم ضمان حكم مركزي يوفر الاستقرار والحماية لكل أبناء الطائفة”، وفقًا لتحليل تسوركوف. توضح تسوركوف أن الدعم المكشوف من قبل إسرائيل للدروز من شأنه تعقيد وضعهم الأمني وتُعرضهم لمخاطر إضافية.

اقرأوا المزيد: 435 كلمة
عرض أقل