تبدو قاعدة سرب طائرات “أف 15” رقم 133؛ التابع لسلاح الجو الإسرائيلي والمُسمى “فرسان الذيل المتطابق”، أشبه بمكتب شركة تجارية ناجحة مثل جوجل أو فيس بوك. فهي تشتمل على غرفة نادٍ مُصممة بشكل جميل فيها كنبات مُريحة، شاشات تلفزيون كبيرة، وغرفة طعام خاصة تعمل فيه طباخة تُحضّر عجة البيض لكل طيّار وفق ذوقه. لا شك أن طيّاري سلاح الجو يحصلون على أفضل الشروط ليتمكنوا من التركيز على مهامهم.
مكتوب على جدار مبنى السرب شعار من التوراة يقول: يَطْرُدُ وَاحِدٌ أَلْفًا، وَيَهْزِمُ اثْنَانِ رَبْوَةً.
نادي الطيارين (Noam Moskowitz)
غرفة الطعام (Noam Moskowitz)
لم يُسمح لي بنشر الاسم الكامل للطيّار آساف، كما أنه يُحظر عليّ أيضًا نشر أي تفصيل يتعلق بالمهام القتالية التي شارك فيها
وهناك، في ثكنة سلاح الجو الإسرائيلي، التقيت آساف. لم يُسمح لي بنشر الاسم الكامل للطيّار آساف، كما أنه يُحظر عليّ أيضًا نشر أي تفصيل يتعلق بالمهام القتالية التي شارك فيها. آساف هو قائدة طائرة “أف 15″، ابن 30 عاما، طويل ومتين البنية. يتحدث بهدوء، ولكن بثقة عالية بالنفس. ورأيتُ شخص جاد يقف أمامي، وهو بالغ التركيز، مُقتنع بعدالة الطريق الذي يسلكه.
أردتُ أن يُخبرني كيفية حياة الطيّار الحربي الإسرائيلي، وما هي الأفكار التي تراوده عندما يُحلق في الجو بطائرته. وطلبتُ منه أن يوضح لي، بعد قضاء كل هذه السنوات في الجو، ما الذي يراه الطيّار الإسرائيلي عندما ينظر بالمرآة؟
فأجاب آساف: “ترى إنسانًا”. ولكن، لا بد أن هذه المهنة مُتكاملة، وتتحول لتُصبح جزًا من شخصيتك”.
الطيار آساف (Noam Moskowitz)
وعندما ينظر الآخرون إليك؟
“التواضع والاعتدال هما أهم صفتان، تحديدًا، تميّزان الطيّار. بينما يتوقع منك الناس شيئًا تُدرك أن هناك مسؤولية ملقاة عليك في كل حين، بدايةً من أصغر الأشياء. وعليك أن تهتم بمظهرك، وبكلامك”.
وحقا، كيف يؤثر كونك طيّارًا على الجانب العاطفي لديك؟
الطائرة لها سحرها، الطائرات جميلة جدًا والسماء مُلفتة
توردت وجنتا آساف وابتسم. فهو منذ 4 سنوات، على علاقة رومانسية جادة مع شابة. “هذا يُساعدني. الطائرة لها سحرها، الطائرات جميلة جدًا والسماء مُلفتة. والمهنة ذاتها تحكي شيئًا عنك، هذه مواصفات لجودتك”. على الرغم من ذلك، أكد على أنه لم يستغل يومًا كونه طيّارًا أبدًا لكي يأسر قلب تلك الشابة. “والتعارف لا يبدأ بكلمات: <<مرحبًا، أنا طيّار>>. رُبما هناك آخرون، وتحديدًا صغار السن، يتسلون بذلك”. فكّر آساف قليلاً وقال: “إلا أن تل أبيب مليئة بالطيارين، وهم يغمرون السوق”.
هل الإصرار الذي يُظهره الطيار في ساحة المعركة يرافقه أثناء علاقته الرومانسية؟
“الإصرار هو أمر شخصي، وعليّ أن أوضح أنه ليس هناك أية علاقة بين الإصرار في ساحة المعركة وبين الإصرار في السياق الرومانسي. المسألة هي مسألة ثقة بالنفس مع النساء، ولكنني أعترف بأن ذلك قد يُعزز الثقة بالنفس. وبالمناسبة، ليست جميع النساء تُحب هذه الصفة”.
آساف (Noam Moskowitz)
تراث سلاح الجو الإسرائيلي مغروس عميقا في قلب آساف الذي قال “أوضح ذلك التراث لي ماهية الاستعداد المطلوب منا، نحن الطيّارون، في كل حين وفي كل مهمة”.
هل تشعر بالخوف عند التحليق في الجو؟
“أحيانًا”، قال آساف، سكت قليلاً وراح يُفكر. “جميعنا بشر، وفي لحظات مُعيّنة عندما تكون مهددا تشعر بالخوف أيضًا. عادة ما تكون شديد التركيز بالمهمة لذلك يُوضع الخوف جانبًا”.
إلى أية درجة يؤثر الخوف من الوقوع في الأسر على الطلعة الجوية؟
“قليلاً جدًا. تأخذ ذلك بالحسبان وهذا سيناريو مريع ولكنه غير محتمل. الأمر أشبه بحادث طُرق: في النهاية نتجاهل تلك المخاوف لأننا إن لم نضعها جانبا فلا يُمكننا أداء مهامنا”.
أُريد أن أسأل سؤالاً وقحًا بعض الشيء، لا بُد أنك رأيت مُعاذ الكساسبة؛ الطيّار الأردني الذي وقع أسيرًا بيد داعش. ما الذي يخطر ببالك عند رؤية تلك الصور؟
“أشعر أنه من المُستحسن عدم الوقوع في قبضتهم أبدا”.
مسألة إلحاق الأذى بأشخاص أبرياء دائمًا حاضرة عند الحديث عن الجيش الإسرائيلي وتحديدًا سلاح الجو الإسرائيلي. على أية حال، هكذا أوضح لي آساف، القيم الإنسانية في الجيش هي جزء لا يتجزأ من أداء المهمة.
https://www.facebook.com/IDFarabicAvichayAdraee/videos/775428425841085/
هل هناك مُعضلات أخلاقية في أداء هذه المهمة؟
أنا إنسان ولستُ آلة. يُمكنني القول إنه من المهم بالنسبة لنا نحن، في سلاح الجو، أن نؤدي المهمة بشكل قيمي وأخلاقي، وهذا جزء من ثقافة الجهاز. هذا هو ضمير الجندي، تسبق القيم المهمة وهذا ما يتربى عليه الطيّار. إن راودتك، وأنت في الجو، مُعضلة أخلاقية يُمكنك اختيار القيّم التي تؤمن بها حتى ولو كان ذلك على حساب المهمة”.
إن وقع تصادم بين الضمير والهدف، هل ينتصر الضمير؟
“لن نتجاهل القيم التي تربينا عليها، وهي أهم بكثير من المهمة العينية. يعمل جميعنا وفق تلك القيم التي تستند على عدم المس بالأبرياء.
وبماذا يشعر الطيّار عندما يعرف أنه أضر بالأبرياء؟
“لحسن حظي أنني لم أُجرب ذلك. أنا واثق من أن الطيّار الذي يمر بمثل هذه التجربة يعيش تقلبات نفسية صعبة. حتى وإن حدث شيء سيء، ليس بسببه، بعد تفادي كل أسباب وقوع ذلك، أنا واثق بأن الطيّار الذي يعيش تلك التجربة يُعاني كثيرًا. إنه إنسان، كالجميع، والشيء الأخير الذي ترغب فيه هو أن يتأذى شخص لا علاقة له بالقتال”.
هل يعنيك أن تعرف ما رأي سكان غزة بك؟
كنت أود أن يعرفوا سكان غزة أننا بشرٌ مثلهم تمامًا
“أجل، هذا يعنيني. يصعب عليّ جدًا أن أعرف، لا يُمكنني أن أضع نفسي مكانهم. لا أعرف كثيرا، سوى ما أعرفه من الشاشات والصحف. لم أتجول يومًا في غزة ولم أتحدث يومًا مع الناس هناك، لذلك ليست لديّ صورة حقيقية. لو أمكنني أن أزور غزة، في ظروف آمنة، كنت أود أن أفعل ذلك”.
آساف (Noam Moskowitz)
وماذا كنت تُريد أن يعرفوا عنك؟
“كنت أود أن يعرفوا أننا بشرٌ مثلهم تمامًا، ونحن هنا لنُدافع عن وطننا”.
لو كنت تجلس الآن وجهًا لوجه، في هذه الغرفة، مع محمد ضيف؟ ماذا كنت ستقول له؟
“لا أريد أن أتحدث إليه. كنتُ أرغب في التحدث مع الأشخاص العاديين، أن أسألهم كيف يرون الحياة وما رأيهم بنا، هل لديهم فُرص بالحياة وما هي طموحاتهم. هذه هي الحقيقية، وأنا واثق أنهم لا يخبروننا، نحن الإسرائيليون، بكل الصورة الحقيقية”.
هل تعتقد أنه سيكون هناك سلام في يوم من الأيام؟
“أتمنى ذلك”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني