صمد، جراء مُعظم الوقائع الأكثر قسوة على مرّ تاريخ البشريّة، عددٌ من الصور، أو على الأقلّ صورة واحدة تقطرُ حزنا من كلّ حرب، لتنال الشهرة على نطاق العالم بأسره ولتروي مُجريات الحرب التي التُقطت أثناءها. أحيانا بمقدور صورة واحدة فقط أن تكون بمثابة ذاكرة مُؤلمة تمثيلا لإحدى الحروبات القاسية والمُدمِية، كما وأنها كفيلة بإحداث تغييرات عجزت صور عديدة سبقتها عن إحداثها.
فيما يلي عدد من الصور التي غيّرت وجه التاريخ البشريّ وظلّت كشاهدٍ للعالم على تلك الحروب.
جثّة الطفل السوريّ
جثة الطفل السوري (AFP)
الصورة الأولى هي الصورة التي نُشِرت في الأسبوع الأخير. أيّ صورة الطفل السوريّ إيلان كردي، ابن الثلاث سنوات، الذي حاول هو وعائلته الفرارَ والنجاة من الحرب في سوريا، ولكنّه لاقى حتفه أثناء ذلك.
صعدَ الطفل بمرافقة أهله وإخوانه إلى زورق خاصّ للاجئين خرجَ من تركيا، لكنّ القارب غرق بعد وقت قصير من إبحاره. قُذِفت جثّة الطفل إلى شواطئ تركيا، إذ هزّت صور جثمانه التي التُقطت العالمَ قاطبةً.
يظهر إيلان كردي الصغير في الصورة وهو مُلقى هامدا ودون روح على الرمال، في حين أنّ رأسه بالماء. احتلّت الصورة عناوين الصحف في إسرائيل، كما وتصدّرت نشرات الأخبار في العالم. خلق نشرُ هذه الصورة والتطرّق المُكثّف لها الشعورَ بأنّه قد طرأ تغيُّر بكيفيّة تناول ومُعالجة الحرب الضروس التي تدور رحاها على أرض سوريا منذ عدة سنوات، وبالتوجّه في فهم معاناة اللاجئين أيضا.
فِطر القنابل النووية
الهجوم النووي على هيروشيما وناجازاكي (Wikipedia)
باتت صور سحابات الفطر الدخانيّة التي علَت سماء مدينتيْ هيروشيما وناجازاكي في اليابان، بعد إلقاء المتفجّرات النووية عليهما، رمزا لتلك الحرب، وأدت أيضا إلى تغيّر ملحوظ في العالم. قُتِل ما بين 90 و160 ألف شخص في هيروشيما، وبين 60 و80 ألف شخص في ناجازاكي خلال الأشهر الأربعة التي تلت إلقاء القنابل الذريّة. توفّي الكثيرون أيضا نتيجة للضرر الذي ألحقته بهم الإشعاعات حتّى بعد سنوات من ذلك.
مثّلت سحابات الدمار فطريّة الشكل الهائلة رمزًا لقدرة القنابل النووية التي لم تُستعمَل البتة حتّى تلك الأيام. لم يُعرَف سابقا حجم الدمار الذي تلحقه القنابل الذريّة، أو تأثيرها القاتل على السكان، إلا حينما ألقت الولايات المتّحدة القنبلتين على المدينتيْن اليابانيّتين في الأيام الأخيرة من الحرب العالميّة الثانية.
أُلقيت القنبلتان الذريّتان على هيروشيما وناجازاكي بفرق ثلاثة أيام. في السادس من آب عام 1945 أُلقيت القنبلة الأولى على هيروشيما، في حين ألقيت القذيفة الثانية في التاسع من آب على مدينة ناجازاكي. وتمّت الإشارة إلى ذلك، أثناء بداية شهر آب الأخير، في مراسم تذكارية أعدّت في اليابان للذكرى التي بلغت سبعين عاما على القصف الأمريكيّ.
يدور، حتى الآن، نقاش في العالم حول ضرورة إلقاء القنابل حينها. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، لم يتمّ استعمال آخر للسلاح الذريّ ضدّ أي قطاع من السكان في أنحاء المعمورة.
صورة الطفل اليهودي في جيتو وارسو
الطفل اليهودي (Wikipedia)
تُعتبر صورة الطفل اليهوديّ، الذي يرفع يديه خضوعا، والتي التُقطت في جيتو وارسو، أحدَ الصور الأكثر شهرة مما خلّفته كارثة اليهود في أوروبا. وفقا للتقديرات، فقد تمّ التقاط الصورة في نيسان أو أيار من عام 1943. تصف الصورة عملية إخلاء اليهود من جيتو وارسو أثناء فترة قمع الانتفاضة اليهوديّة التي جرت في المنطقة. تمّ إرسال اليهود الذين قُبض عليهم بعد الانتفاضة وعمليّات التمرّد إلى معسكرات الإبادة.
أُخذت الصورة ضمن إطار إعداد تقرير حضّره أحد الضبّاط النازيّين ليقدّمه لقائده هاينريش هيلمر، الذي عُيّن أثناء الحرب العالميّة الثانية زعيما لقوات الـ “SS”، وقائدا للبوليس السريّ، الجيستابو، ووزيرَ الداخلية التابع للرايخ الألماني، والذي طبّق “الحلّ الأخير” في الواقع. إلى جانب الصورة، كتب الضابط لهيلمر: “أُخرِجوا من مخابئهم بالقوة”.
استحالت الصورة مشهورة جدّا بعد المحرقة. إذ بات الفتى، الملفوف بمعطف من الصوف والذي خضع رافعا يديْه للضابط النازي الواقف قبالته، رمزا يُشار إليه. أثيرت تساؤلات غفيرة حول هويّة هذا الصبيّ، ولكنّ حتّى اليوم، لم يتم الوصول إلى أيّ تحديد أو قرار نهائيّ. حاول كذلك العديد من الباحثين معرفة الشخصيّات المتواجدة في الصورة. معلوم مثلا أنّ الجندي الألماني الذي يظهر فيها قد حُكم عليه بالإعدام بعد الحرب.
بيانو وسطَ الحرب
https://twitter.com/HistoricalPics/status/638667740178423809
الصورة التالية هي لجنديّ روسيّ يعزف على بيانو مهجور في غابات الشيشان عام 1994.
وقعت الحرب الشيشانيّة الأولى بين روسيا وجمهورية الشيشان بين عامي 1994-1996. دخل الجيش الروسي مقاطعة الشيشان بغية منع محاولة استقلالها عن روسيا، ومن أجل مُحاربة الإسلاميّين الذين سيطروا هناك.
استمرّت الحرب لسنتين، وراح ضحيّتها آلاف الجنود الروس وآلاف الإسلاميّين المُسلّحين. قُتِل أيضا عشرات الآلاف من المدنيّين الأبرياء في الشيشان، وأصبح مئات الآلاف لاجئين. وانتهت الحرب بهزيمة فادحة للقوى الروسيّة.
نُشِرت الصورة بشكل خاص بسبب الصلة التي خلقتها بين أمرين شديديْ التناقض: بين الجندي الروسيّ وجوّ الحرب المهيب، وبين أداة العزف التي ترمز كليّا لنقيض ذلك. تتمثّل المفارقة في الصورة أيضا بين الألوان؛ بين لون الجندي والبيئة المحيطة به، وبين البيانو نفسه.
هويّة المُصوّر ليست معروفة. نُشرت الصورة في شتّى أرجاء العالم، ويعتقد الكثيرون إثرَ ذلك بأنّها تُدخِل لفكرة الحرب الضارية شعورا من الصفاء والطمأنينة وتُبدي الجانبَ الإنسانيّ للجنود والأملَ بتحقيق السلام.
الثائر المجهول
الثائر المجهول (Jeff Widener)
في الصورة الأخيرة التي سأعرضها، يبدو الملقبّ بـ”الثائر المجهول” أنّه طالبٌ صينيّ مجهول خُلِّدَ في إحدى أشهر الصور على الإطلاق في القرن العشرين.
تم تصوير الطالب هذا في تاريخ الخامس من حزيران عام 1989 أثناء احتجاجات الطلاب في ساحة تينامين في بكّين بالصين. يدور الحديث حول سلسلة من الاحتجاجات الشعبيّة التي جرت في الصين بين 15 نيسان عام 1989 و4 حزيران من نفس السنة. كان مركزها في ميدان تينامين.
طالبَ الطلاب الجامعيّون من شتّى أنحاء الصين بإجراء إصلاحات ديمقراطيّة في الدولة. تمّ التقاط الصورة على يد عدّة مصوّرين، لكن الصورة التي حازت على الشهرة الأكبر كانت للمصوّر جيف فايندر.
يظهر الشاب المجهول وهو يقف مقابل صفّ من الدبابات الصينيّة مانعا إياها من التقدّم. توقّفت الدبابات إلى جانبه ولم تقم بدهسه. حتّى أنّه قام بعد ذلك بتسلّق إحدى الدبابات وحاولَ إقناع الجنود بالتنازل عما يحاولون فعله. خلقَ هذا المُعارِض أسلوبَ احتجاج جديد يُصنّف من النوع السلميّ.
عرّفت في الماضي مجلّة “تايم” الأمريكيّة الشابَّ الذي في الصورة كـ “واحد من أهم مائة شخص ذوي التأثير في القرن العشرين”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني