الآلاف من المتظاهرين اليهود والعرب من أجل المُساواة (Miriam Alster/FLASH90)
الآلاف من المتظاهرين اليهود والعرب من أجل المُساواة
الآلاف من المتظاهرين في تل ابيب يطالبون بالحياة المشتركة وإيجاد حل للبناء في الوسط العربي، رافعين لافتات وشعارات ثنائية اللغة - "نرفع صوت الأمل والعقلانية"
تحت الشعار “هم يهدمون ونحن نبني مستقبل”، نُظمَت أمس (السبت) مظاهرة عربية – يهودية في تل أبيب إثر أحداث هدم المنازل في القرية البدوية أم الحيران في النقب. كانت هناك من بين مُلقي الخطابات دكتورة أمل أبو سعد، زوجة يعقوب أبو القيعان الذي تُوفي أثناء الأحداث واتُهم بقتل شرطي بعملية دهس . ذكرت أبو سعد زوجها والشرطي الذي قُتِل، مُضيفة أن موتهِما كان لا داع له، وأنه يجب حل مشكلة القرى البدوية غير المعترف بها في النقب من خلال التحاور مع القيادة العربية في إسرائيل.
شارك في المظاهرة الآلاف من بلدان مختلفة في أنحاء البلاد، وساروا في شوارع تل أبيب رافعين لافتات تطالب بالحياة المشتركة والمساواة بين كل سكان إسرائيل. خرجت 14 حافلة من مناطق مختلفة في البلاد متجهة نحو تل أبيب، ومن بينها من مدينة قلنسوة، ومن القرى العربية في الجليل، النقب، وغيرها.
الآلاف من المتظاهرين اليهود والعرب من أجل المُساواة (Miriam Alster/FLASH90)
كان من بين المتحدثين في التظاهرة، أعضاء الكنيست مثل أيمن عودة، محمد بركة، ودوف حنين (القائمة المشتركة)، وميخال روزين (ميرتس)، الذين تحدثوا عن هدم المنازل في الوسط العربي. قالت عضو الكنيست، ميخال روزين، من حزب ميرتس “كل إنسان هو مخلوق بشري، ورغم كل الاختلافات في الآراء، يستحق كل منا حقوق متساوية، ويجب أن يكون الجميع متساوين أمام القانون”. وأضاف عضو الكنيست، دوف حنين، قائلا: “يرفع آلاف المتظاهرين هذا المساء في تل أبيب صوت الأمل والعقلانية”. وطلب عضو الكنيست أيمن عودة إقامة لجنة تحقيق لفحص ظروف وفاة أبو القيعان والشرطي إيرز ليفي أثناء عملية إخلاء أم الحيران.
كما وألقت طالبتان من مدرسة ثنائية اللغة يهودية – عربية، خطابين قائلتين “علينا العيش حياة مبنية على الجيرة الحسنة، المساواة، الاحترام، خالية من التمييز العنصري، والتحريض ضد أيّة فئة سكانية كانت”. انضم إلى التظاهرة أيضا سكان “غفعات عامال” اليهود، الذين ناضلوا في الماضي ضد إخلائهم من منازلهم تضامنا مع السكان الذي يتم إخلاؤهم من الوسط العربيّ.
في الشهر الماضي، تم إخلاء القرية البدوية أم الحيران غير المعترف بها في النقب بعد سنوات من صراع قضائي لترتيب مكانتها، وفي مدينة قلنسوة هُدِم 11 منزلا غير قانوني.
مظاهرة عربية في تل أبيب ترفع شعار "لا لهدم البيوت" (Tomer Neuberg/Flash90)
لماذا يبنون دون الحصول على ترخيص في البلدات العربية في إسرائيل؟
التحدّي الذي يقف أمام إسرائيل لفحص البناء غير القانوني في البلدات العربية كبير. ولكن الاستجابة المناسبة للاحتياجات الأساسية للسكان العرب ستُصلح هذه السياسة الإشكالية للدولة فيما يتعلّق بها
في أواسط شهر نيسان (2015) هدمت السلطات في دولة إسرائيل منزلا في كفر كنا في الجليل. مرّت 48 ساعة وأصدرت وزارة الداخلية أوامر هدم مبانٍ في قرى غير معترف بها في سعوة في النقب ودهمش المجاورة للّد.
وفي أعقاب هدم المنازل قررت لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب إعلان إضراب عام في البلدات العربية ومظاهرة في تل أبيب. في المقابل، حاول رؤساء القائمة المشتركة طرح القضية للنقاش في الكنيست، ولكنهم لم ينجحوا في تجنيد توقيعات كافية من أعضاء الكنيست من أجل جمع جلسة الهيئة العامة للكنيست والتي كانت في عطلة. طلب أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة من المستشار القضائي للحكومة، يهودا فاينشطاين، تجميد أوامر الهدم، ولكنه رفض طلبهم.
لقد بُنيت المنازل سواء في كفر كنا أو في سعوة ودهمش بشكل غير قانوني. رغم أنّ المنزل في كفر كنا قد بُني على أرض تابعة لمالكها، ولكنه بُني خارج الخارطة الهيكلية للبلدة. في المقابل، في سعوة ودهمش، ليست هناك خطة رئيسية على النحو المطلوب لتشييد المباني.
المنازل التي تمّ هدمها هي منازل قليلة من بين عشرات آلاف المنازل التي بُنيت في البلدات العربية دون ترخيص. أصدرت وزارة الداخلية لـ 60 ألفًا منها أوامر هدم.
بجوار تجمّع المظاهرة الاحتجاجية نشر منظّموها بيانا للصحافة وفيه معطيات عن ضائقة السكن في المجتمع العربي. ومن بين أمور أخرى، جاء في البيان أنّه في عام 2014 نشرت دائرة سلطة أراضي إسرائيل نحو 1,800 مناقصة لبناء وحدات سكنية في البلدات العربية، بالمقارنة مع أكثر من 38,000 مناقصة تم تخصيصها للبلدات اليهودية. بكلمات أخرى، فقد حظي المواطنون العرب، الذين يشكّلون نحو 20% من مجموع سكان البلاد، في العام الماضي، بحصة من الحلول السكنية بنسبة أقل من 5% من مجموع السكان.
نطاق الأراضي المخصّصة للبناء السكني في البلدات العربية محدود للغاية منذ البداية، ولا يلبي حاجات السكن الأساسية. فهو لا يلائم – على سبيل المثال – معدّل نموّ السكان العرب. فضلًا عن ذلك، فمنذ إقامة الدولة صادرت السلطات من المواطنين العرب أراض لأغراض التطوير، وقد قلّصت هذه المصادرات واسعة النطاق بشكل أكبر احتياطي الأراضي لدى البلدات العربية.
هناك عشرات البلدات العربية في إسرائيل غير معترف بها. يضطر سكانها على مواجهة غياب البنى التحتية بالإضافة إلى حقيقة أنّه ليست هناك لبلداتهم خارطة هيكلية. ولذلك، فكل عملية بناء تتمّ بطريقة ليست قانونية يكون مصيرها الهدم.
عملية هدم منازل غير مرخصة في القدس الشرقية (Flash90/Sliman Khader)
وفقًا للقانون، فإنّ ترخيص البناء مشروط بخارطة هيكلية مفصّلة يُحدّد فيها تعيين المساحات (الطرق، الأراضي المفتوحة، مؤسسات تربويّة، دينية وما شابه)، نسبة البناء التي تمّت الموافقة عليها، ارتفاع البناء المسموح وغير ذلك. في الوضع السائد اليوم، من بين نحو 140 بلدة عربية، معترف بها وغير معترف بها، هناك لدى 41 منها فقط خارطة هيكلية محدّثة. لا يمكن استخدام معظمها لأنّها قديمة أو غير مفصّلة. وهذا الوضع سارٍ أيضًا عندما يتم البناء على أراض يملكها مقاول البناء.
طُلبت لجنة التحقيق الرسمية التي أنشئت بعد أحداث تشرين الأول 2000 وذلك لعدم وجود خرائط هيكلية في البلدات العربية. وقد تطرّق أعضاء لجنة “أور” في تقرير اللجنة أيضًا إلى قضية الأراضي؛ فقد تحدّثوا عن الاكتظاظ الكبير في البلدات العربية، عن ضائقة الأراضي السكنية بل وعن غياب الخرائط الهيكلية. بل وقد ألمحوا إلى التأخير المتعمّد: “تجهيز وتحديث خرائط كهذه”، كما جاء في التقرير، “يتطلّب وقتا دائما، ولكن في الوسط العربي كان هناك في بعض الأحيان تأخير غير معقول”.
بعد أكثر من 11 عاما من نشر لجنة “أور” (في أعقاب أحداث تشرين الأول 2000، والتي فقد خلالها 13 عربيا حياتهم في المواجهات مع القوى الأمنية) للنتائج، قررت الحكومة الإسرائيلية إنشاء “فريق الـ 120 يومًا”. وهو يتضمّن المسؤول عن الميزانيات في وزارة المالية، مدير سلطة أراضي إسرائيل ومديرين عامّين من وزارات الحكومة. كلّفت الحكومة هذا الفريق بتشكيل خطّة عمل في موضوع ضائقة السكن في البلدات العربية.
مظاهرات ضد مخطط برافر في النقب (Flash90/David Buimovitch)
التحدّي الذي يقف أمام “فريق الـ 120 يوما” هو تحدّ حقيقي. هناك عدة إجراءات من شأنها أن تقلّل من نطاق البناء غير القانوني في البلدات العربية، ومن بينها: الموافقة على خرائط هيكلية جديدة وتحديث الخرائط الموجودة بما يتوافق مع احتياجات البلدات العربية وسكانها؛ إقامة بلدة عربية جديدة؛ وضع الخطوط العريضة لحلّ قضية القرى غير المعترف بها في النقب والجليل، بالتعاون مع ممثّلي السكان المحليّين؛ تحديد الأراضي لاحتياجات البناء وتعزيز خطط البناء؛ بناء مساكن عامة في البلدات العربية، وغير ذلك.
إنّ الاستجابة المناسبة للاحتياجات الأساسية للسكان العرب ستصلح هذه السياسة الإشكالية للدولة فيما يتعلّق باحتياجات السكن لدى السكان العرب، والتي تجذّر انتهاك القانون في البلدات العربية بدلا من اقتلاعها من الأساس.