هاينريش هيملير

رئيس الإس إس، هاينريش هيملر (AFP)
رئيس الإس إس، هاينريش هيملر (AFP)

يوميات رئيس الإس إس: أوراق لعب، وجبات، وإعدامات

صحيفة بيلد الألمانية تنشر وثائق تصف الروتين اليومي لرئيس الإس إس، هيملر. من جهة أحبّ زوجته، ومن جهة أخرى، أشرف على قتل 400 يهودية بالغاز

يلعب هيملر بأوراق اللعب، يشاهد فيلما جيدا، ينظر إلى النجوم ويلتقي بأدولف هتلر – توفر يوميات رئيس الإس إس، هاينريش هيملر، التي كُشف عن أجزاء منها، هذا الأسبوع، في الصحيفة الألمانية الشعبية “بيلد”، لمحة مثيرة للاهتمام عن جدول أوقات أحد كبار مسؤولي النظام النازي.

توثق اليوميات سيرة حياة هيملر عام 1938 – وهو العام الذي حدثت فيه “ليلة البلور”، وكذلك عامي 1943-1944، وهما العامان الحاسمان في الحرب العالمية الثانية وهولوكوست يهود أوروبا.

لم يكتب هيملر نفسه اليوميات، ذات ألف صفحة وإنما كتبها مساعدوه. قد عُثر عليها مؤخرا في أرشيف عسكري في روسيا، حيث احتُفظ بها على مدى أكثر من 70 عاما منذ أن صادرها الجيش الأحمر في نهاية الحرب العالمية الثانية. وعُرّفت هذه اليوميات في معهد التاريخ الألماني في موسكو أنها “وثيقة ذات أهمية تاريخية منقطعة النظير”.

تولى هاينريش هيملر سلسلة من المناصب الكبيرة في النظام النازي، واعتُبر الرجل الثاني في أهميته في الرايخ الثالث. وكان أيضا رئيس الغيستابو وتولى منصب وزير الداخلية. عام 1945 سقط هيملر أسيرا لدى البريطانيين وانتحر من دون أن يُحاكم على جرائمه. لا تكشف اليوميات عن معلومات تاريخية استثنائية وتصف في معظمها جدول أوقات روتيني لرجل مسؤول ومشغول. ومع ذلك، فإنّ الدمج بين الاجتماعات، السفريات، الوجبات، التخطيط والتنفيذ للقتل الجماعي ليهود أوروبا، هو الذي يجعلها وثيقة مثيرة للاهتمام ومهمة.

على سبيل المثال، في أحد الأيام زار هيملر معسكر بوخنفالد في ألمانيا، تناول هناك “وجبة سريعة في مقهى كازينو الإس إس”. في يوم آخر زار معسكر الإبادة سوفيفور في بولندا المحتلة وكان شاهدا على قتل 400 طفلة وامرأة يهوديات عن طريق الغاز. ومن هناك استمر لتناول وجبة احتفالية مع عناصر الإس إس.

قال الصحفي الألماني، الذي كشف عن مقاطع من اليوميات قبل نشرها في كتاب، في مقابلة مع الصحيفة البريطانية “تايمز” إنّ “ما يثير الاهتمام في الوثائق هو الدمج”. بحسب كلامه، فمن جهة، يظهر هيملر كإنسان يحرص جدا على زوجته، بناته، أصدقائه، وسكرتيرته، والتي كان على علاقة غرامية بها، ومن جهة أخرى، فقد استمر في تنفيذ القتل الجماعي. “افتتح أحد الأيام بتناول وجبة فطور وتدليك من طبيبه الشخصي. بعد ذلك هاتف زوجته وابنته وحينها قرر قتل 10 أشخاص أو زيارة معسكر اعتقال”، كما قال. في مرة أخرى توثق اليوميات اللحظات التي أمر فيها هيملر بتجهيز معسكر أوشفيتز بكلاب حراسة جديدة يمكنها أن “تمزّق إربا إربا” ضحاياها.

اقرأوا المزيد: 355 كلمة
عرض أقل
الحاج أمين الحسيني وأدولف هتلر، برلين 1941
الحاج أمين الحسيني وأدولف هتلر، برلين 1941

المفتي وهتلر: الفلسطيني الذي ساند النازيين

الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس الكبير، تعتبره القومية الفلسطينية بطلا، وقد تعاون مع النازيين وأيّد "الحلّ النهائي" للقضاء على اليهود

بعض الصور الأيقونية المرتبطة بالهولوكوست محفورة في الذاكرة الجماعة في إسرائيل. يظهر في إحداها الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، وأدولف هتلر، الزعيم النازي المعروف، حين كانا يجلسان بجانب بعضهما في لقاء هادئ ومريح. في صورة أخرى، أقلّ شهرة، يظهر الحاج أمين وهو يشير بالتحيّة النازية بين صفوف الجنود النازيين.

بصرف النظر عن منصب الحاج محمد أمين الحسيني كمفتي للقدس، فقد كان أيضًا من القيادة الوطنية الفلسطينية الأولى وقاد الثورة العربية الكبرى في سنوات الثلاثينات، كان من أبرز المعارضين للصهيونية، بل وربّما هو مسؤولا عن تحويل كلمة “الصهيوني”، يهودي له صلة بأرض إسرائيل، إلى كلمة سيّئة السمعة في اللغة العربية (في حين أنّها تقال في اللغة العبرية في سياق إيجابي). إحدى الطرق التي سعى من خلالها إلى منع هجرة اليهود إلى إسرائيل في إطار تلك الصهيونية، كانت التعاون مع النازيين، وتشجيع هتلر وحلفائه على إتمام إبادتهم لليهود حتى في أوروبا.

الحاج أمين الحسيني وهو يشير بالتحيّة النازية بين صفوف الجنود النازيين
الحاج أمين الحسيني وهو يشير بالتحيّة النازية بين صفوف الجنود النازيين

كثيرًا ما يتمّ سماع إنكار الهولوكوست من قبل الفلسطينيين، وأحيانًا الاعتراف بها ولكن فقط بأرقام أقلّ من البيانات المؤكّدة، والتي قُتل حسبها نحو ستّة ملايين يهودي بين السنوات 1939 – 1945 في أوروبا (حتى محمود عباس، والذي هو رئيس السلطة الفلسطينية اليوم، ادعى في السابق أنّه قد قُتل في المحرقة عشرات الآلاف من اليهود فقط، وهو ادعاء لا أساس له وثبت أنّه خاطئ). ومع ذلك، فإنّ اشتراك الحسيني في “الحلّ النهائي”، كما سمّيت الخطّة النازية لإبادة كلّ يهود أوروبا، لا يمكن إنكاره. الحاج بنفسه لم يحاول أن يخفي ذلك، بل إنّه تفاخر فيه.

في 6 تشرين الثاني عام 1941 وصل الحسيني إلى برلين والتقى يواكيم فون ريبنتروب، أحد زعماء النظام النازي في ألمانيا. في وقت لاحق، اصطحب الحسيني بشكل شخصيّ إلى جولة تفقدية ولمتابعة عملية الإبادة في غرف الغاز في أوشفيتس، جنبًا إلى جنب مع أدولف إيخمان، والذي أعدم بعد سنوات في إسرائيل على جرائمه النازية ومسؤوليته المباشرة عن مقتل ما يقرب نصف مليون يهودي.

في 28 من نفس الشهر التقى مع هتلر نفسه، وبعد ذلك قال إنّه كان هناك توافق في الآراء بينهما، وإنّ هتلر قال له ينبغي حلّ المشكلة اليهودية “خطوة وراء خطوة”. تلقّى الحسيني وعدًا بأنّه حين يتم احتلال الشرق الأوسط فإنّ “هدف ألمانيا الوحيد سيكون إبادة العنصر اليهودي المقيم في المجال العربي تحت الحماية البريطانيّة”. لم يتطرّق لا هتلر ولا الحسيني للملاحقات وقتل المسلمين الذي مارسه النازيّون في أوروبا.

الحاج أمين الحسيني في زيارة إلى الفيلق العربي الحرّ، الوحدة العربية التي عملت في إطار الجيش الألماني. برلين، 1942
الحاج أمين الحسيني في زيارة إلى الفيلق العربي الحرّ، الوحدة العربية التي عملت في إطار الجيش الألماني. برلين، 1942

توقّع الحسيني أن يتقدّم الجيش الألماني، الذي حقّق انتصارات كبيرة خلال حملته في الشمال الأفريقي من هناك، بعد انتصاره، شرقًا نحو مصر وأرض إسرائيل. انضمّ إلى وحدة إس إس في البلقان، وهناك ساهم في تجنيد الجنود لشعبة الإس إس من المسلمين في البوسنة، وكذلك في تأسيس الفيلق العربي الحرّ، وهو وحدة عربية عملت في إطار الجيش الألماني (جيش دائم لألمانيا النازية).

بالإضافة إلى ذلك، تعاون الحسيني مع العمليات النازية داخل أراضي إسرائيل، وكان من مخطّطي “عملية أطلس”، تسميم خزّانات المياه من أجل إبادة يهود تل أبيب من قبل مظليّين ألمان وعرب هبطوا في منطقة أريحا. ووفقًا للتقديرات، كانت كمية السمّ قادرة على إبادة نحو ربع مليون شخص، ولكن في تشرين الأول عام 1944 قبضت الشرطة السرّية البريطانية على بعض المشتركين في العملية في منطقة أريحا، ولم يتمّ تنفيذها.

بين السنوات 1941 – 1945 كان الحسيني ناشطا في خدمة النازيين، بل وتلقّى منهم راتبًا شهريّا يقدّر بـ 50,000 مارك (ضعف راتب المشير في الجيش الألماني). في هذا الإطار، توجه الحسيني إلى حكومات إيطاليا، بلغاريا وهنجاريا طالبًا إلغاء التصاريح التي أعطوها لليهود في حين طالبهم بالتعجيل لطرد اليهود إلى بولندا، وهي خطوة تعني تسليمهم للنازيين.

جنود مسلمين من البوسنة خدموا في الإس إس
جنود مسلمين من البوسنة خدموا في الإس إس

كتب الحاج أمين في مذكّراته التي نشرت في صحيفة “الأخبار اليوم” القاهرية بعد الحرب: “كان أحد شروطنا للتعاون العسكري بين العرب وألمانيا، إعطاء الحرية في إبادة اليهود في فلسطين والدول العربية الأخرى. في رسالة بعثتُ بها إلى أدولف هتلر طالبت بإعلان صريح من قبل ألمانيا وإيطاليا بأنّ تعترفان بحقّ الدول العربية في حلّ مشكلة الأقليات اليهودية بشكل يلبّي تطلّعاتها العرقية والقومية، ووفقًا للطرق العلمية التي اتّخذتها ألمانيا وإيطاليا تجاه اليهود في بلدانهم”.

في تصريح أدلى به في تموز عام 1946 تطرّق مساعد أدولف إيخمان إلى مشاركة الحسيني في عملية إبادة اليهود: “أعتقد أنه كان للمفتي، المتواجد منذ 1941 في برلين، دورًا حاسمًا في قرار الحكومة الألمانية بإبادة يهود أوروبا. في جميع لقاءاته مع هتلر، ريبنتروب وهيملر، عاد وعرض إبادة اليهود. لقد رأى في ذلك حلّا مريحًا لمشكلة أرض إسرائيل. في بثّه بإذاعة برلين، تفوّق حتّى علينا في هجماته المعادية للسامية”.

في الواقع، فقد حقًّق الحسيني نتائج معاكسة لطموحاته، حيث إنّ ملاحقة اليهود في أوروبا زادت فحسب من الهجرة إلى أرض إسرائيل، والتي هي بالنسبة لليهود وطنهم التاريخي. بعد هزيمة الألمان عند انتهاء الحرب زادت هجرة اليهود الفارّين من أوروبا إلى إسرائيل، وفي نهاية الأمر، يمكننا أن نقول إنّه كان للنازيّين مساهمة كبيرة، حتى لو كانت فظيعة، في إقامة دولة إسرائيل عام 1948.

الحاج أمين الحسيني وهاينريش هينلر، برلين 1941
الحاج أمين الحسيني وهاينريش هينلر، برلين 1941

هناك جوانب كثيرة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وفي أكثر من مرّة يدخل النقاش حول الكارثة إلى دائرة الجدل. في الكثير من الأحيان تهدف محاولات إنكار المحرقة أو التقليل من مدى قتل “الآلة النازية” إلى إخفاء ارتباط اليهود بإسرائيل باعتبارها “أرض لجوء” للشعب اليهودي، وحتى اليوم فإنّ الفلسطينيين غير مستعدّين للاعتراف بيهودية الدولة. ولكن طريقة عمل الحاج أمين الحسيني حتى سنوات الأربعينات من القرن الماضي، تُظهر أنّه فهم بالفعل قوّة هذا الارتباط، وحاول منع حدوثه من خلال التعاون والمساهمة في إحدى أكثر الجرائم بشاعة في تاريخ البشرية.

لا عجب إذن أنّ العديد من الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يُكثرون من ذكر عمل الحاج أمين الحسيني مع النازيين في محاولة منهم أن يعرضوا للعالم “الوجه الحقيقي” للفلسطينيين الذين يطمحون، بحسب ادّعائه، إلى القضاء على دولة إسرائيل واليهود. يذكر نتنياهو هذه الأمور على قدم المساواة مع ادّعاءات منكري الكارثة والمحاولات المعاصرة للقضاء على إسرائيل.

لا نخطأ إذا افترضنا أن نشاط الحاج وآراءه قد ساهمت، أيضًا في تغذية الكراهية بين الفلسطينيين واليهود والتي كما نعلم ازدادت أكثر فأكثر مع السنين، وربّما، بخلاف مقصده الأساسي، أثر البطل القومي الفلسطيني إلى تأجيل إقامة الدولة الفلسطينية لسنوات طويلة كان بالإمكان أن تكون أقصر بكثير؟

اقرأوا المزيد: 923 كلمة
عرض أقل
هاينريش هيملير خلال زيارة في معتقل داخاو (Wikipedia)
هاينريش هيملير خلال زيارة في معتقل داخاو (Wikipedia)

تم الكشف عن رسائل هيملير: “أنا مسافر إلى أوشفيتس، قبلات”

رسائل قائد إس إس النازي التي اكتشفت في خزينة في تل أبيب، تكشف عن حياته الشخصية وهو القائد الذي أمر بموت الملايين

لمحة نادرة: رسائل كتبها قائد الـ إس إس، هاينريش هيملير، والذي نفّذ إبادة ملايين اليهود،  اكتشفت في خزينة بتل أبيب، وتدل على علاقاته الشخصية مع زوجته وابنته، التي قام بها خلال أمره بالفظائع الرهيبة في التاريخ.

تعود الرسائل إلى عائلة إسرائيلية وتم الاحتفاظ بها حتى اليوم في خزنة بنك في تل أبيب، ولكن ليس واضحًا كيف وصلت إلى هناك. قريبًا سيُعرض في إسرائيل فيلم يصف الكشف عن الرسائل المخفية. وتضمّ المجموعة التي تمّ الكشف عنها، رسائل كتبها هيملر لزوجته مارجا بين عامي 1929 و 1945، وكتاب مذكرات كتبتهُ، كتاب الطبخ الخاص بها ودفتر حسابات، إلى جانب مادة معادية للسامية.  وتضمّ المجموعة كذلك 135 صورة عائلية، يظهر فيها هيملر وهو يسبح في بحيرة، يقطف الأزهار مع زوجته وابنته  ويلعب التنيس.

عائلة هيملير (Wikipedia)
عائلة هيملير (Wikipedia)

ونشرت الصحيفة الألمانية “دي وولت” آخر الأسبوع مقاطع طويلة من هذه الرسائل. تظهر أجزاء كبيرة منها المزج المشير للاشمئزاز بين الأعمال الفظيعة وحرب النازيين وبين حياة هيملر الشخصية. على سبيل المثال، بعد يومين من الغزو الألماني لروسيا، في الوقت الذي كان فيه هيملر في طريقه إلى هتلر، وجد الوقت للاعتذار لزوجته: “أنا آسف أنني نسيت يوم زواجنا”، كتب لها في 7 تموز، بتأخر من أربعة أيام: “حدث الكثير من الأمور  هذه الأيام”، وأضاف: “الحرب قاسية جدًا، خصوصًا بالنسبة للـ إس إس”.

وقد تم الكشف من خلال رسائل مارجا هيملر عن ميولها المعادية للسامية. في 27 شباط، كتبت إلى هيملر عن “الحثالة اليهودية”. في 14 نوفمبر 1938، بعد ليلة الكريستال، كتبت في مذكراتها: “اليهود؛ متى تتركنا هذه الحثالات حتى نتمكّن من العيش بسعادة”. وهيملر نفسه تطرّق كثيرًا إلى عمله وكأنّه عمل عادي وليس صناعةً للموت. كتب في رسالة أخرى لزوجته: “أنا مسافر إلى أوشفيتس. قبلات. هايني الخاص بك”.

كان هانريش هيملر من كبار مسؤولي الحزب النازي طوال فترة حكمه، وعُرِف بقربه الشديد من أدولف هتلر. ومن بين أمور أخرى أدار هيملر الشرطة السرّية (الجستابو)، وقاد الاغتيالات في قيادة الحزب في سنوات الثلاثينات. أنشأ هيملر تأسيسات معسكرات التجميع والإبادة التي قُتل فيها الملايين، ومن ثمّ كان من كبار قادة عملية الإبادة. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 تم القبض على هيملر على يد قوّات التحالف وانتحر في سجنه.

اقرأوا المزيد: 332 كلمة
عرض أقل