الرموز الوطنية الإسرائيلية - صورة توضيحية (Hadas Parush/Flash90)
الرموز الوطنية الإسرائيلية - صورة توضيحية (Hadas Parush/Flash90)

معضلة النشيد الوطني الإسرائيلي لدى عرب إسرائيل

أثار اختيار أطباء إسرائيليون إنشاد "موطني" بدلا من نشيد "هاتيكفاه" المعضلة طويلة السنوات بشأن النشيد الوطني الإسرائيلي ثانية

07 أكتوبر 2017 | 09:29

يبدو أنه لا يمكن كسب رضى كل المواطنين العرب في إسرائيل بخصوص القضية الحساسة المتعلقة بالنشيد الوطني الإسرائيلي. لمعرفة الحيرة بشكل أفضل، نوصي بأن تقرأوا كلمات نشيد “هاتيكفاه” بالعربية:
طالما في القلب تكمن / نفس يهودية تتوق،
وللأمام نحو الشرق / عين تنظر إلى صهيون‏‎.‎
أملنا لم يضع بعد / أمل عمره ألفا سنة،
أن نكون أمّة حرّة في بلادنا / بلاد صهيون وأورشليم القدس.

من جهة، فإن كلمات هذا النشيد كُتِبت قبل قيام دولة إسرائيل وفق متطلبات الشعر، وهي ملائمة للشعب اليهودي بشكل خاص، ويتضح  هذا مثلا في المقطع:  “طالما في القلب تكمن، نفس يهودية تتوق”. ومن جهة أخرى، كما في كل دول العالم، ترى إسرائيل أن إنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي يمثل تضامن مواطني الدولة معها.

أول نسخة لنشيد "هاتيقفاه"
أول نسخة لنشيد “هاتيقفاه”

لهذا، عندما التحقت مجموعة من الأطباء العرب الإسرائيليين بدورة في كولومبيا وطُلِب منها إنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي كما يُطلب من المجموعات الأخرى المشاركة في الدورة، واختار أعضاؤها إنشاد “موطني”، أوضح الصحفيون الإسرائيليون أن هذه التصرفات تشكل تظاهرة غير مسبوقة من عدم الولاء للدولة وناشدوا وزارة الصحة الإسرائيلية بإقصاء منظم البعثة عن العمل مؤقتا.

“لا يمكن أن نطلب من المواطنين العرب إنشاد ‘هاتيكفاه’ لأنه لا يمث بهم بصلة ولا يمثلهم”

أوضح دكتور فخري حسن منظم البعثة في المقابلة معه الوضع المعقّد الذي تعرض له. “مَن كتب النشيد الوطني الإسرائيلي “هاتيكفاه” لم يأخذ بعين الاعتبار المواطنين العرب الإسرائيليين ولم ينوِ أن ينشدوه. لا أعرف أي عربي إسرائيلي يقف وينشد “هاتيكفاه”. اخترنا إنشاد “موطني” وهو نشيد مشهور يتحدث عن حب الوطن والأمل. لهذا ليس في وسع أي شخص أن يدعي أنه يتضمن كلمات عدائية”، وفق أقواله. وأضاف أن هذه البعثة هي بعثة خاصة لم تحظَ بتمويل الدولة. وتابع مجري المقابلة أن نشيد “موطني” لا يتماهى مع الفلسطينيين فحسب، بل مع العراق الذي استخدمه لفترة قصيرة بعد سقوط حكم صدام حسين أيضا.

ولكن دكتور فخري ليس أول من يتعرض لضجة جماهيرية في إسرائيل بسبب النشيد الوطني الإسرائيلي. حتى أن قاضي المحكمة العُليا، سليم جبران، قد تعرض لانتقادات لاذعة بعد أن شُوهد في احتفال يوم استقلال دولة إسرائيل وهو يقف مع كل الجمهور ولكن دون أن ينشد “هاتيكفاه”.

جنديات إسرائيليات في حفل رسمي (Shlomi Cohen/Flash90)
جنديات إسرائيليات في حفل رسمي (Shlomi Cohen/Flash90)

في ذلك الحين، دعمه القاضي اليهودي، إلياكيم روبينشطاين، معلقا على الانتقادات: “لا يمكن أن نطلب من مواطني إسرائيل العرب إنشاد “هاتيكفاه” لأن هذا النشيد لا يمثلهم”.  وأضاف: “على المواطنين الإسرائيليين من غير اليهود احترام “هاتيكفاه” والوقوف أثناء إنشاده لأنه هكذا من المعتاد أن يعمل الضباط غير اليهود في الجيش الإسرائيلي، الشرطة، ومصلحة السجون الذين يلقون التحية أثناء هذا النشيد، ولكن لا يمكن أن نطلب من المواطنين العرب إنشاده لأنه لا يمت إليهم بصلة ولا يمثلهم”.

كما ودعم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه (بوغي) يعلون، القاضي جبران قائلا: “إن الإصرار على أن ينشد مواطنو الدولة من غير اليهود نشيد “هاتيكفاه” يمثل محط خلاف ونزاعا”.

رغم المشاكل الكامنة في نشيد “هاتيكفاه” الحالي، لم تحظَ الاقتراحات الأخرى بالموافقة. فقد قدمت جهات مختلفة اقتراحات لتعديله، وليس بسبب المشاكل الحالية التي يثيرها النشيد لدى الأقلية العربية الإسرائيلية فحسب. مثلا، يمثل طابع النشيد، وموسيقاه تقاليد الشاعر اليهودي الأوروبي الذي كتبه، ولا يمثلان حضارة يهود الدول العربيّة. كذلك، ادعى آخرون أن نشيد “هاتيكفاه” يمثل اشتياق اليهود لإقامة الدولة قبل قيامها، وأن اليوم بعد قيامها لم يعد هذا النشيد ذا صلة.

لكن الاقتراحات لتبديل النشيد الوطني رُفضت كليا. بات معظم مواطني إسرائيل متضامنا مع “هاتيكفاه” ومن الصعب تغييره. أوضح بروفيسور إسرائيلي مسؤول المعارضة وراء تغيير النشيد، قائلا: “لا تشكل الأناشيد الوطنية العامل المشترك الأدنى بين السكان، بل تضامنا تاريخيا، ويعارض الكثيرون في المجتمعات الديمقراضية التضامن معها”.

سيظل الوضع الراهن ثابتا ويجب احترام نشيد “هاتيكفاه، ولكن لا يُفترض على الجميع إنشاده ويسري هذا الحال حتى يؤلف نشيد وطني يمثل كل سكان إسرائيل.

اقرأوا المزيد: 559 كلمة
عرض أقل
أفراد قوات الشرطة الإسرائيلية (Uri Lenz/FLASH90)
أفراد قوات الشرطة الإسرائيلية (Uri Lenz/FLASH90)

النقاش حول النشيد الوطني في إسرائيل

حاخام كبير في إسرائيل يقول: "النشيد الوطني الإسرائيلي هو أنشودة غبية"، وعضو الكنيست السابق يضيف: "كاتب النشيد الوطني كان سكّيرا". المعلّقون غاضبون من هذه التصريحات: "تصريحات مهينة"

النشيد الوطني الإسرائيلي، “هاتيكفاه”، الذي يعني الأمل، يقف مرة أخرى في مركز الجدل حول طابع دولة إسرائيل. صرّح الحاخام شالوم كوهين، الزعيم الروحي لحزب شاس الديني وخليفة الحاخام عوفاديا يوسف، في مؤتمر سياسي عُقد في الأسبوع الماضي، بتصريح حادّ حين قال إنّ النشيد الوطني الإسرائيلي هو “أنشودة غبيّة”.

كُتب “هاتيكفاه” من قبل نفتالي هيرتس إيمبر، وهو يهودي من شرق أوروبا ولم يكن متديّنا، ولكنه أعرب عن توق الشعب اليهودي الشديد لأرض القدس، وذلك بعد زيارة لأرض إسرائيل (فلسطين) في أواخر القرن التاسع عشر. تُوفّي في سنّ 53، بمرض نتج عن الاستهلاك المفرط للكحول.

شاهدوا أنشودة “هاتيكفاه” مترجمة إلى العربية:

https://www.youtube.com/watch?v=y5ThOfhrLhk

يرى الكثير من المتديّنين من الجناح المتطرّف في إسرائيل بالنشيد الوطني أنشودة علمانية، ليست مقدّسة، ولذا فلا يجب احترامها. هذا ما ظهر أيضًا في تصريحات الحاخام كوهين، الذي تحدّث عن تفضيل الصلاة على النشيد الوطني.

تحدّث الحاخام كوهين عن حادثة كان حاضرا فيها مع الحاخام الراحل عوفاديا يوسف، في مراسم تتويج حاخام آخر. قال كوهين إنّه مع انتهاء المراسم، قام جميع المشاركين وبدأوا بإنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي، وأضاف بأنّه عبّر عن دهشته من إنشاد النشيد الوطني في المراسم: “هل هؤلاء مجانين؟ لم أقف معهم”.

الحاخام  كوهين: “لقد كان الحاخام عوفاديا يوسف رجلا حقيقيّا، ولم يرغب بأنّ تؤثّر هذه الأنشودة الغبية عليه”

أما الحاخام عوفاديا فقد وقف في المراسم، ولذلك سأله الحاخام كوهين لماذا شارك في الأنشودة العلمانية؟ بحسب كلامه، أجابه عوفاديا بأنّه في الوقت الذي غنّى الجميع النشيد الوطني، غنّى هو بقلبه صلاة. لخّص كوهين قائلا: “لقد كان رجلا حقيقيّا، ولم يرغب بأنّ تؤثّر هذه الأنشودة الغبية عليه”.

أثارت تصريحات الحاخام كوهين غضبا في الأوساط الصهيونية الرئيسية في إسرائيل. قال وزير التربية الأسبق شاي بيرون إنّها “تصريحات مهينة”.

شلومو بنيزري “النشيد الوطني ليس نشيدا دينيّا، وهو يمثّل دولة لا تخشى الله”

وهُرع رئيس حزب شاس، أرييه درعي، للدفاع عن حاخامه وشرح قائلا: “في تلك المراسم، في مدارسنا لم ينشدوا النشيد الوطني. لم يقصد أي أحد الاستخفاف بأحد رموز دولة إسرائيل”.أضاف زميله في الحزب، عضو الكنيست السابق شلومو بنيزري، إلى كلام درعي بأنّ “النشيد الوطني ليس نشيدا دينيّا، وهو يمثّل دولة لا تخشى الله”، واشتكى من أنّ الأطفال اليهود في إسرائيل يعرفون كلمات النشيد ولكنّهم لا يعرفون كيف يصلّون.

وسوى ذلك، فقد هاجم درعي وبنيزري هوية كاتب النشيد الوطني، الذي لم يحرص على اتباع الدين اليهودي. وصف درعي إيمبر بأنّه “فاقد لهويّته الثقافية”، وأضاف أنّ إيمبر كان سكّيرا.

وتعيش في إسرائيل اليوم مجموعتان كبيرتان من السكان تجدان صعوبة في التماهي مع النشيد الوطني الصهيوني في البلاد. اليهود المتطرّفون هم المجموعة الأولى من بينهما فقط، ويُضاف إليهم نحو مليون ونصف مواطن عربي يعيشون في البلاد. وقد تمّ التأكيد على نظرة المواطنين الإسرائيليين تجاه النشيد الوطني بشكل أكبر عندما شوهد قاضي المحكمة العُليا، سليم جبران، قبل ثلاث سنوات في حفل رسمي وهو لا ينشد كلمات النشيد الوطني.

قاضي محكمة العدل العليا، سليم جبران (Isaac Harari/FLASH90)
قاضي محكمة العدل العليا، سليم جبران (Isaac Harari/FLASH90)

غضبت بعض الجهات في اليمين الإسرائيلي لفعلة جبران وطالبوا وزير العدل بإقالته من كرسي القضاء وسنّ قانون لا يسمح للعرب بتولّي منصبا في المحكمة العُليا. وقد دافع وزير الدفاع حينذاك، موشيه يعلون، الذي هو أيضًا شخصية يمينية، عن جبران قائلا: “إنّ الهجوم على سليم جبران يثير الدهشة وهو لا داعي له وتخرج منه رائحة سيئة من اضطهاده لمجرّد أصوله”.
وقد ذكّر يعلون أنّه في الجيش الإسرائيلي أيضًا يخدم جنود عرب من أبناء العرب، والبدو وأبناء الطائفة الدرزية والشركس، ويرفضون غناء “روح يهودية ما زالت تتحرّك شوقًا”
فضلًا عن ذلك، فإنّ أعداء إسرائيل أيضًا استطاعوا استغلال النشيد الوطني الإسرائيلي من أجل السخرية من اليهود والصهيونية:

https://www.youtube.com/watch?v=z1D7G-rs3YE

في هذه الأثناء، هناك من يدعو دولة إسرائيل إلى اعتماد نشيد آخر كنشيد وطني. اقترحت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي، حتى قبل انتخابها في الكنيست، تغيير النشيد الوطني اليهودي بنشيد يعكس طموحات كل فرد باعتباره إنسانا، نشيد يعبّر عن قيم عالمية.

من الصعب رؤية اقتراح ميخائيلي وهو مطبّق في أيامنا في دولة إسرائيل. لا يزال المجتمع الصهيوني يراه نصف مقدّس، بينما يستمرّ المتديّنون والعرب بالتخبط حول نظرتهم إلى هذا النشيد.

اقرأوا المزيد: 599 كلمة
عرض أقل