ولد فؤاد الياس ناصح خلاصجي في بغداد عام 1937، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل عام 1950 بعد أن تحوّل العراق إلى مكان يعادي مواطنيه اليهود. كان المجتمع اليهودي في الماضي يضم نحو 140 ألف شخص، وكان له دور مهم ومساهمة حقيقية في تطور العراق، لكن قيام دولة إسرائيل دمّر العلاقة بين هذه الجالية والعراقيين. وهذه الفترة التي عشاها الروائي فؤاد خلاصجي، أو باسمه العبري، إيلي عمير، في بغداد، ما زالت حية في ذهنه ورواياته.
يقول عمير في إحدى مقابلاته إنه أرجأ رحلة إلى القاهرة مرة قبل أن ينجز روايته “مطيّر الحمام” – التي تروي قصة هجرة اليهود من العراق وتدور أحداثها في أحياء بغداد وأسواقها- لكي لا تختلط عليه مشاهد القاهرة مع مشاهد بغداد، إذ أراد سرد الأماكن والأجواء في بغداد، العالقة في ذهنه منذ الطفولة، في منتهى الدقة. وبعد إنجاز الرواية المذكورة، سافر الروائي إلى القاهرة، وكانت المناسبة نقل روايته “ياسمين” إلى اللغة العربية ونشرها في مصر. وهي رواية تسرد قصة حب بين شاب يهودي وشابة فلسطينية مسيحية، تجري وقائعها في القدس في الحقبة الزمنية التي تلت حرب 1967 وغيّرت الواقع السياسي في القدس.
وكانت رواية ياسمين الكتاب الذي ختم ثلاثية روايات عمير التي انطلقت في العراق وروت قصة فرار اليهود منه، ومن ثم الوصول إلى أرض الميعاد ومشقات التأقلم، وانتهت بالصراع العربي – الإسرائيلي. وحين سئل عمير إن كان احتذى بثلاثية الروائي المصري العظيم، نجيب محفوظ، نموذجا للثلاثية التي ألّفها، قال إنه لم يكن قرأ ثلاثية محفوظ قبل بدء العمل على عمله الأدبي، لكن المقارنة دعته إلى قراءة كتب محفوظ. ورغم نفي عمير تقليد محفوظ، إلا أن المقاربة بينهما قائمة في إسرائيل، وهنالك من يلقبه ب “نجيب محفوظ الإسرائيلي”.
وعن صراع الهويات التي يعيشها الروائي يقول “لم أنسَ يوما جذوري ولغتي (العراقية والعربية)، لكنني لم أعارض تقبل حضارة ثانية (الحضارة الإسرائيلية – الغربية) وتبينها. الإنسان في العصر الحديث، باعتقادي، يملك هويات متعددة ولا يعيش هوية واحدة. أنا أعيش بسلام مع كوني إسرائيلي، وأنادي دائما لتعلم اللغة العربية والحضارة العربية على أدبها وقصائدها”.
وقد ناضل عمير طوال سنين نشاطه الأدبي والسياسي من أجل رفع شأن اللغة العربية في إسرائيل، مشدّدا على أهمية دراستها وإتقانها من أجل معرفة ثقافة العرب والإسلام. وإلى جانب ذلك، فهو إسرائيلي فخور بما أنجزت دولة اليهود، يعتز بكونه صهيوني. ويتجسد صراعه هذا في روايته “ياسمين” حيث يقول بطل الرواية عن نفسه: “أنا يهودي ابن عرب، يقدر إنجازات الغرب. يسمع الموسيقى الكلاسيكية في الصباح، والموسيقي العربية في المساء. عصفور مهاجر بين عالمين. قدم هنا وقدم هناك.. وفي مرات كثيرة تحتار قدماي”.
وتمتاز روايات عمير عن غيرها من الأدب الإسرائيلي بأنها ثرية بالكلمات العربية، وقصد الروائي من ذلك الحفاظ على اللغة التي تكلمها في صغره، وربط الحاضر الثقافي في إسرائيل بالماضي الشرقي. ومن هذه المصطلحات كما ظهرت في رواية “مطير الحمام”: استعمال كلمة “الجرّة”، والمقولة الشعبية “الهزيمة غنيمة”، و”الشاي خانة” التي تقدم الشاي فقط لزبائنها، وأكلة “السموبسك”، والحديث عن “شباب الإنقاذ” وهي اسم مجموعة يهودية تأسست سرا للدفاع عن اليهود في العراق في أعقاب أحداث الفرهود، والجلالة أي الأرجوحة وبعد.
وعدا عن نجاح الروائي الموهوب وتصدر كتبه قوائم الأكثر مبيعا في إسرائيل، يحتل عمير مكانة خاصة في قلوب الإسرائيليين، خاصة اليهود من أصول أوروبية، لكونه كاتب يمزج بين الشرق والغرب على نحو رائع. يحترم إنجازات الغرب وتقدمه مثلما يحب هويته الشرقية، أو كما يصف هو بنفسه “في الصباح أحب الاستماع لبتهوفن، وفي المساء لأم كلثوم”.
ويشدد عمير في مقابلاته على أنه يعتز بالحركة الصهيونية ويعرف نفسه على أنه كاتب “صهيوني يهودي إسرائيلي”، أينما كان، حتى في مصر. ومنبع هذا هو العناء الذي مر به اليهود في أوروبا والدول الإسلامية.
وعن عناء اليهود الشرقيين، يستهل عمير روايته “مطير الحمام” بمشهد شنق التاجر اليهودي الكبير في بغداد، شفيق عدس. فقد اتهمته السلطات العراقية افتراءً ببيع السلاح للمنظمات اليهودية، استنادا على مقالة نشرها محرر صحيفة في العراق رفض عدس التعامل معه، وكان عوّل على أصدقائه المسلمين بالوقوف إلى جانبه في وقت الضيق. وكانت نهاية عدس، إعدامه في أحد ميادين البلد على الملأ، وعلى وقع هتاف السكان المسلمين “الله أكبر”، الدليل القاطع بأن العراق لم يعد يريد سكانه اليهود، ولا أمل في البقاء فيه، على الرغم من أن هنالك في المجتمع اليهودي من دافع عن فكرة البقاء في العراق.
ويعيش عمير اليوم في حي جيلو في القدس، وهو حي يقع بعد حدود 1967. واختار هذا الموقع بالنسبة لعمير يمثل الجانب الصهيوني فيه، فهو يؤمن بأرض إسرائيل الكبرى، لكنه خلافا لغيره من اليهود، يعترف بوجود شعب آخر، وينادي إلى إقامة دولة فلسطينية تمكن هذا الشعب من تحقيق طموحاته. وعن رأيه في حل الدولتين يقول عمير: “أنا تاجر بغدادي. أطمح لأعيش في دولة يهودية وأعترف بطموح الشعب الآخر الذي يعيش بجواري.. لذلك أريد أن أشتري السلام بإعادة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل عام 1967”.
وقد اختير الروائي، الذي يبلغ من العمر 80 عاما، قبل وقت قصير، ليكون من موقدي مشاعل يوم الاستقلال، وحظي على هذا الشرف الإسرائيلي لمساهمته العظيمة في سرد تجربة هجرة اليهود الشرقيين، ومن ثم حياتهم في البلاد التي قامت حديثا وما زالت تبحث عن هويتها، والمعاملة السيئة التي لاقاها اليهود الشرقيين من المؤسسة العلمانية الأشكنازية في البلاد.