الناجية إيفا موزيس-كور وأختها في طفولتهما (لقطة شاشة)
أكثر من 100 مليون مشاهدة: ناجية تغفر للنازيين
في مقطع فيديو استثنائي، تغفر يهودية ناجية من الهولوكوست لدكتور منغيله "ملاك الموت من أوشفيتس" الذي ارتكب تجارب رهيبة ضدها وضد أختها التوأم. "ما اكتشفته عن نفس غيّر حياتي"
لم يترك مقطع فيديو استثنائي نُشر في صفحة الفيس بوك الأمريكية الشعبية “BuzzFeed” شخصا مباليا. ففي مقطع الفيديو، تحكي الناجية من الهولوكوست، ابنة 83 عاما، عن العذاب الذي مرت به هي وأختها التوأم في مختبر التجارب المعروف بسمعته السيئة للدكتور النازي “منغيله” وعن العملية المفاجئة التي مرت بها بعد عشرات السنوات لاحقا، وفي النهاية تغفر للمسيء بحقها.
تحكي الناجية إيفا موزيس كور في مقطع الفيديو كيف ابتعدت عن والديها وأخواتها الأكبر منها بعد مرور نصف ساعة فقط بعد أن وصلت العائلة إلى معسكر الإبادة أوشفيتس، وكيف لم تراهم لاحقا أبدا. ظلت إيفا وأختها على قيد الحياة لأن دكتور منغيله استخدمها هي وأخت كما استخدم الأشخاص التوأم الآخرين من أجل إجراء التجارب.
الناجية إيفا موزيس-كور وأختها في طفولتهما (لقطة شاشة)
وفق أقوالها، استخدمها دكتور منغيله وطاقمه واستخدموا أختها أيضا كعنصر بشري للتجارب العلمية. كان تؤخذ إيفا ثلاث مرات أسبوعيا إلى مختبر الدم، وكانت تتلقى فيه حقن لم تعرف ما هي المواد التي كانت تتضمنها أبدا. كادت تؤدي إحدى هذه الحقن إلى وفاتها، ولكن خلافا لتوقعات دكتور منغيله الذي اعتقد أنها ستعيش أسبوعين فقط، فقد ظلت على قيد الحياة.
ولكن اتضح بعد سنوات أن أختها عانت بعد هذه الحقن من تلوثات في الكلى كانت مقاومة للأدوية المضادة للجراثيم واستمرت طيلة حياتها. بعد سنوات من إطلاق سراحها من بين أيدي الأطباء النازيين، اكتشف الأطبّاء الذين فحصوها عندما كانت حاملا أن حجم كليتيها ظل كحجم كلى طفلة عمرها عشر سنوات بسبب الحقن.
قالت إيفا إن بعد مرور سنوات على الحرب العالمية الثانية، إنها التقت بطبيب نازي عن طريق الصدفة كان قد خدم في معسكر أوشفيتس، ووافق على أن يشهد ويوقع على المجازر التي شارك فيها بحق كل اليهود وأقلية أخرى أثناء الحرب. لم تعرف إيفا كيف تشكره، وقررت أن تكتب رسالة تغفر له عن خطاياه.
دكتور يوزاف منغيله (Wikipedia)
“ما اكتشفته عن نفسي غيّر حياتي. اكتشفت أنني قادرة على مسامحة الآخرين. ليس في وسع أحد أن يمنحني هذه القوة أو يأخذها مني. طيلة خمسين عاما كنت ضحية، ولم أفكر أنني قوية. مرت أربعة أشهر حتى كتابة رسالة المغفرة. قرأت معلمتي للغة الإنجليزية الرسالة وقالت لي: ‘كل الاحترام لأنك تسامحين دكتور مونتش النازي، ولكنه ليس هو مشكلتك الأساسية، بل دكتور منغيله.'” وقالت إيفا: “عندما عدت إلى المنزل تخيّلت أن دكتور منغيله يقف أمامي في الغرفة فقلته له عشرين جملة بذيئة. وفي النهاية، قلت له “رغم هذا أغفر لك”. بعد أن كنت طيلة 50 عاما فئر تجارب، شعرت بالقوة أمام ملاك الموت من أوشفيتس”.
شاهد أكثر من 100 مليون مشاهد مقطع الفيديو الذي نُشر قبل أيام قليلة. علق على المنشور أطفال وأحفاد لناجين من الهولوكوست، ودعم بعضهم إيفا وقال البعض الآخر إنه ليس في وسعهم المغفرة للأعمال النازية الرهيبة.
يعيش اليوم في بغداد 8 يهود فقط، بقية لجالية عريقة تعود جذورها إلى أكثر من 2500 عام. اقرأوا قصة هذه الجالية وتعرفوا إلى 5 إسرائيليين معروفين انحدروا منها
“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.
فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ، هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.
النموّ والازدهار
كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)
مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.
كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون . اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.
أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.
التدهوُر والمغادَرة
حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.
كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.
عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.
نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.
عائلة يهودية عراقية
منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.
جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.
خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.
لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:
الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل ، التي اشتُهرت بأداء جدّه. قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
إيلي عمير– الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.
أدولف هتلر وعشيقته إيفا براون صورة من عام 1942 (Wikipedia)
توثيق: هنا خطط النازيون للاختباء بعد خسارتهم
فريق من جامعة بونس آيريس أجرى أبحاثًا على ثلاثة مبانٍ غريبة عُثر عليها في منطقة نائية في الأرجنتين ووجد فيها إشارات الصليب المعقوف وقطع نقدية من فترة الحرب العالمية الثانية
يعتقد علماء آثار، من جامعة بوينس آيريس، بأنهم وجدوا مخبأ كان يُفترض أن يلجأ إليه القادة النازيون في حال هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، في منطقة نائية قريبة من الحدود بين الأرجنتين وباراغوي.
تفحصَ الباحثون، طوال شهرين، ثلاثة مبانٍ غريبة موجودة في أحد المنتزهات النائية في منطقة الحدود بين الأرجنتين وباراغواي. عُثر أيضًا، من بين موجودات أُخرى، على قطع نقدية ألمانية تعود إلى عاميّ 1938 -1941، قطع من طبق خزفي “صناعة ألمانية” وصلبان معقوفة على الجدران بسماكة نحو ثلاثة أمتار.
فيديو يوثق مكان المخبأ:
https://www.youtube.com/watch?v=DifcAC-xuv8
“لم نعثر على أية إجابة تدلنا على سبب بناء شخص ما لمثل هذه الأبنية، مع بذل أموال وجهود كثيرة في مكان ناءٍ تمامًا ومع استخدام مواد غريبة عن البيئة المحلية. يبدو أنه خلال الحرب العالمية الثانية أطلق النازيون مشروعًا لبناء ملاجئ لقادتهم في حال وقعت الهزيمة. تقع تلك الأماكن في مناطق نائية مثل مناطق صحراوية، جبال، جُرف صخرية أو غابات كثيفة، مثل هذا الموقع”، وفقًا لأقوال رئيس الفريق، الذي كرس عدة أشهر لدراسة الموقع.
دخل، بين عاميّ 1946 – 1955، آلاف الألمان النازيين إلى الأرجنتين وكذلك الأمر بالنسبة لناشطين في الحركة الفاشية الإيطالية والحركة الوطنية الكرواتية. منح رئيس الأرجنتين، في حينه، ملجأ للكثير من مُجرمي الحرب، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهذا رغبة منه بالحصول على دعم لبناء المصانع وتحسين الاقتصاد المحلي.
وتُشير التقديرات إلى أن نحو 5000 نازي هربوا من ألمانيا إلى الأرجنتين. من بينهم: أدولف آيخمان – الذي اختطفه الموساد ونقله إلى إسرائيل عام 1960. مات بعضهم في الأرجنتين وانتقل آخرون إلى أماكن أُخرى.
من منّا لا يعرف هتلر؟ كتب تاريخية، أفلام وثائقية، تفسيرات نفسية وما لا نهاية له من الكتب التي تحكي قصة حياة هذا الطاغية. ولكن ثمّة بعض الحقائق التي ربّما لم تعرفوها
يصادف في إسرائيل اليوم ذكرى الهولوكوست لتذكّر 6 ملايين يهوديّ تمّ قتلهم منهجيّا من قبل ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر. صعد هتلر، الزعيم الشمولي لألمانيا النازية، إلى الحكم عام 1933، وأحدث الحرب العالمية الثانية عام 1939، وكان مسؤولا – وفقًا لخطّة الحلّ النهائي – عن الإبادة المنظّمة لأكثر من ستّة ملايين يهوديّ، وأنهى حياته في قبور “الفوهرر” (مخبأ الزعيم) عام 1945.
هذه الحقائق معروفة لنا من دراستنا للتاريخ في المدارس. الأمور التالية، بالمقابل، قد تفاجئنا. حقائق عن الرجل الذي أباد الملايين من البشر وأشعل العالم في حرب عالمية دامية ومدمّرة:
لم يزر هتلر معسكرات الاعتقال أبدًا.
كانت المحبوبة الأولى لهتلر فتاة يهودية. لم يتحدّثا إطلاقًا، فقد كان يشعر بالحرج الشديد من أن يذهب إليها.
كان من الممكن أن يكون اسم هتلر “أدولف شيكلجروبر”، لولا أنّ والده قد غيّر اسم العائلة عام 1877.
خلال الحرب العالمية الأولى، أنقذ جنديّ بريطاني حياة جنديّ ألماني جريح، وقد كان هو أدولف هتلر.
قصف هتلر منزل ابن شقيقه في ليفربول، ومن ثمّ انضمّ ابن شقيقه للبحريّة الأمريكية لمحاربته.
ومن المفارقات الشديدة أنّ هتلر كان نباتيّا، بل وأصدر قوانين ضدّ الاعتداء على الحيوانات.
كان هتلر متورّطا في محاولة انقلاب فاشلة ضدّ الحكومة المركزية في برلين عام 1923. بسبب مناهضته للسلطات الحاكمة فقد حُكم عليه بالسجن لخمس سنوات، وأثناء وجوده في السجن، كتب هتلر توسّلا لشركة مرسيدس، طالبًا قرضًا لشراء سيّارة.
كان هتلر مرشّحا لجائرة نوبل للسلام عام 1939. فقد قدّم نائب برلماني سويدي اسم هتلر كمرشّح للجائزة المرموقة، ولكن بعد عدّة أيام من ذلك سحب ترشيحه.
قاد هتلر الحملة الأولى في التاريخ الحديث ضدّ التدخين.
حين كان شابّا، كان يطمح بأن يكون كاهنًا أو رسّامًا.
يصعب أحيانًا استيعابُ فظائع المحرقة. فحين نفكّر في العدد الهائل (6 ملايين يهودي) للقتلى، لا يمكن للعقل أن يستوعب فورًا معنى هذا العدَد. أمّا حين نهبط إلى المستوى الشخصيّ، ونسمع قِصَص الناجين، يمكن أن نبدأ في إدراك ما جرى هناك حقًّا.
لكلٍّ ناج قصّتُه. فثمة من اختبأ في الأقبية وقنوات المجارير، ثمّة مَن زيّف هويته، كما أنّ هناك مَن هرب إلى الغابات وقاتل المحاربين غير النظاميّين، فضلًا عن الذين انتقلوا من مكانٍ إلى مكان وامتلكوا حظًّا كبيرًا. لكنّ قصّة ميشكا زلبرشتاين، اليهوديّ الذي وُلد في بولندا ونجا من النازيين حين كان في العاشرة من عُمره، هو استثنائيّ وعجيب إلى حدٍّ بعيد.
حين اندلعت الحربُ، كان طِفلًا، وسكن مع والدَيه وأخوَيه في بياليستوك في بولندا. “كنتُ في العاشرة، على ما أظنّ. كنتُ معينًا لأبي الإسكافي، وكنتُ أتجوّل في المدينة، وأبحث عن أحذية مهترئة تحتاج إلى إصلاح”، يتذكّر. ويضيف: “حتّى أدخلونا إلى الغيتو (حيّ مطوَّق سجنوا فيه اليهود)، وضعوا لنا شارةً صفراء، وغير ذلك. أتذكر الجوع بشكل أساسيّ، وأبي يذهب ليبحث لنا عن طعام. يومًا ما، ذهب ولم يعُد. لم تسمح لنا أمّي بعد ذلك بمُغادَرة المنزل، لكن كان علينا أن نُدخِل شيئًا إلى فمنا”.
يروي زلبرشتاين أنه اعتاد الهروب من الغيتو لمقايضة الأغراض بالغذاء، رغم علمه أنه كان سيُقتَل لو أُلقي القبض عليه. “في إحدى المرّات، عدتُ إلى الغيتو عبر ثغرة في الجدار، لأجد فجأةً مسدّسًا مُصوَّبًا إلى صدغي”، يتحدث متابعًا: “عرفتُ أنّ كل شيء قد انتهى. وقف قبالتي شرطي من الـ “إس. إس” ويهودي من “اليودينترات” (مجلس اليهود)، وضرباني بالهراوى. كسَراني. ظنّا أنهما قضيا عليّ، ولكن أُغمي عليّ فقط. استيقظتُ منتصف الليل، وقلتُ لنفسي: (لن أعودَ إلى هناك)”.
يهود في غيتو بياليستوك، 1941
بدل العودة إلى الغيتو، قرّر ميشكا، ابن العشر سنوات، أن ينجو بجلده ويدخل إلى أعماق غابة خارجَ المدينة. فهرب من الغيتو، وبدأ بالركض دونَ توقُّف. “ركضتُ حتّى الصباح، حتّى وجدتُ كومةً من القشّ، غطّيتُ بها نفسي ونِمتُ. حين قُمتُ، أردتُ العودة إلى الغيتو، لكنني لم أعرف الطريق. رأيتُ سيّاراتٍ للألمان، صُعقتُ، وركضتُ نحو الغابة”.
من الصعب فهم كيفية نجاحه في النجاة، ويمكن أن نفهم من رواياته لمَ فقدَ كلّيًّا ثقته بالبشر.. “مكثتُ يومًا لدى مسنّة لأسبوعَين، وعملتُ مقابل الطعام، حتّى وصل الألمان”، يروي. ويتابع: “قبضوا عليّ ليلًا، وأكرهوني على خلع ثيابي ليرَوا إن كنتُ يهوديًّا” (أي إن كان مختونًا). في منتصف الليل، فيما كان عُريانًا كما كان حين وُلد وجاثيًا على رُكبتَيه، فحصوه بفانوسٍ على الأرضية المغطّاة بالثلج. لن ينسى في حياته هذه اللحظة المُذلّة. لم يعُد بإمكانه إخفاء يهوديّته. “رآني الضابط وقال أمرًا بالألمانيّة واستدار”، يصف بتوتُّر. “في الثانية التي كفّ عن النظر إليّ فيها، استجمعتُ قوّتي ولذتُ بالفرار. علمتُ أنه سيقتلني. بدأتُ بإطلاق النار صوبي، فركضتُ وركضتُ حتّى وقعتُ في بِئر. ظننتُ أنهم سيأتون خلفي، لكنهم لم يأتوا”.
“توقفتُ سريعًا جدًّا عن الثقة بالناس، فكانت الحيوانات كلّ ما تبقّى لي”، يقول متحدّثًا كيف نجح في البقاء. “كنتُ وحيدًا. كنتُ أسير في النهار، وفي الليل أحفرُ مكانًا صغيرًا، أغطّي نفسي بالأغصان، وأخلد إلى النوم. كان الطقسُ باردًا، ولم أمتلك سوى الخِرَق. كان البردُ لا يُحتمَل، فيتجمّد كلّ جسمي أحيانًا. كان شعري طويلًا، وأظفاري سوداء. كان لديّ قمل، وزحف الدود على جِسمي. وقعتُ يوما في بِركة ماء، وكان كلّ جسمي مملوءًا عَلَقًا”.
من أجل البقاء، اضطُرّ إلى تناوُل ما وجده في البريّة. “من الصعب تصديق ما كنتُ آكله. في الصيف، كان الأمر أسهل، لأنّ ثمة فطرًا، حلزونًا، وتوتًا بريًّا. كنتُ آكل العشب، والأغصان المُختلفة. كلّ ما رأيتُ الحيوانات تأكله أكلتُه أنا أيضًا. في الشتاء، لم تكن كلّ هذه الأمور موجودة، وكان بطني يلتصق بظهري من شدّة الجوع. أتذكّر أنني كنتُ أصنع كراتٍ من الثلج، وآكلها”. يتحدّث أنه اعتاد على أكل جثث الحيوانات التي وجدها في البريّة، كما حاول قتل حيوانات عبر حفر بِئر صغيرة. “كنتُ أحفر، أجلس جانبًا، وآمل أن تقع داخلها، ثمّ أقتل حيوانات، خصوصًا الأرانب، بعصاي”.
ميشكا زلبرشتاين
“حاولتُ مطاردة كلّ ما يمشي على أربع. كان صراخ الحيوانات يصل السماء. لم يكن لديّ سكين، لذا كنتُ أفترس الحيوانات. كنتُ آكلها نيئة ولا أبالي. كان كلّ همّي أن آكل شيئًا. أحيانًا، كنتُ أقبض على كلب في قريةٍ ما، وأعيده إلى الغابة معي، أقتله، وآكُلُه. اليوم، أُدرِك أنني أصبحتُ حيوانًا أنا نفسي”.
يمكن فقط تخيُّل كم كانت الأمور التي اختبرها هذا الطفل صعبةً وفظيعة. “تحدثتُ إلى الله، إلى والديّ. لكنّ أحدًا لم يستجِب”، يُخبر. ويتابع: “كلّ الوقت كنتُ أطلب الصفح من أمّي التي لم أعُد إليها. لكنها لم تُجِب. كنتُ حائرًا. لم أعرف ماذا كان يجري معي. أحيانًا، كنتُ أصلّي أن أموت على الفور. ربّما كان ذلك أسهل”.
لكنّ قصته عاشت نقطة تحوّل ملحوظة ومذهلة حين صادف يومًا قطيعًا من الذئاب. “اعتقدتُ أنها كلاب ذات أسنان ضخمة، لكنني لم أفزع. ففي تلك المرحلة، لم أعد أخاف شيئًا. كانت الذئاب على بُعد مئة متر عنّي ربّما. كانت تعوي: أوووو”، يقول دون أن يتردّد في تمثيل ذلك بنفسه. يقول: “إنه يَصُمّ الأذنَين”.
“لقد كانت جميلةً جدًّا، وكانت جراءً صغيرة”. يَروي مُضيفًا: “رأيتُ كيف كانت الأمهات تتقيأنَ الطعام ليأكله الصغار. كنتُ أرمي عظام الحيوانات للجراء، فكانت تأتي للّعب معي. كشفت الذئبة الأمّ أسنانَها، لكنها لم تفعل لي شَيئًا. كنتُ أسيرُ وراءَها، لا معها بالضبط، بل خلفها دائمًا. لقد رأَوني ورأيتُهم”.
ذئبة تغذي أشبالها
وجد مرّة جيفة حصان، فأعاد من لحمه إلى رُكنه. “لم أكُن أبالي بالذباب، فقد كنتُ مسرورًا بأنّ لديّ لحمًا، وأعطيتُ أيضًا للصغار فورًا”، يقول قاصدًا صِغارَ الذئاب. “كانت بيننا صداقة. نعم، صداقة. أعرفُ أنّ هذا يبدو غريبًا. إنهم أذكياء، نبلاء. في نظري، كانت الذئاب أفضل من البشَر. حتّى اليوم، لا أخاف منها”.
أحيانًا، كانت الذئاب يُخاصمُ أحدُها الآخَر. تتخاصم حقًّا. لكنها لم تمسَّني، كنتُ أسير خلفَها أسابيع طويلة، ثمّ كانت تختفي، وتعود إليّ من جَديد. بعد ذلك، لم أخشَ شيئًا. فقط حين كان على شفير الإعياء التامّ، كان يخرج إلى القُرى المجاورة، يسرق الغسيل عن الحبال، ويطلُب بعض الطعام. “طرقتُ أبواب الجارات، وطلبتُ بعض الخُبز”، يتذكّر ميشكا. “كانت تضربنَني أحيانًا، وتعطينني رغيفًا جافًّا أحيانًا أخرى. كان الأولاد في القرية يجرون ورائي ويدعونني “مجنونًا”. بحثتُ عن الطعام فقط. كنتُ أسير إلى زريبة الخنازير، وآكل من طعامها. كان حارًّا، وكانوا يُعطونني بقايا البطاطا.
بعد الكثير من المُعاناة في الأشهر الطويلة في الغابات، وصل ميشكا إلى روسيا البيضاء، وصادف جنودًا روسًا. سحبوني من الغابة، منحوني اسم ميشكا، وأرسلوني إلى معسكَر عمل في سيبيريا. في نهاية الحرب، نجح بصعوبة شديدة في العودة إلى مسقط رأسه، لكنه لاقى استقبالًا باردًا بشكل خاصّ من اليهود الذين بقوا على قيد الحياة. “مررتُ بكلّ هذا، ليهزأ بي اليهود أخيرًا”، يتذكّر. ويضيف: “لم يقبلوني كما كنتُ، قائلين: (ما هذا، إنه مجنون، إنه ليس يهوديًّا).
بدأتُ البحث عن والديّ وأسرتي”، ثم يتحدث عن العودة إلى المدينة التي وُلد فيها: “لكنني لم أتذكر أسماء الشوارع. لم أتذكّر شيئًا. ويبدو أنّ أحدًا منهم لم ينجُ”. ربط اليهود زلبرشتاين بحركة شباب هاجر في إطارِها إلى إسرائيل عام 1948.
بعد الحرب، هاجَر ميشكا إلى إسرائيل، تزوّج، وأنشأ أُسرة. احتفظ بقصّته المذهلة لسنواتٍ طويلة، حتّى كتبت حفيدته مؤلَّف “جذور” عن الأسرة، وبدأت بطرح الأسئلة، لتعرف عائلتها فقط أنه عاش مع حيوانات البَرّ.
من يعلم قصص الهولوكوست يعلم بالتأكيد قصة الطفلة اليهودية آن فرانك، التي وضعت إبان الكارثة دفتر يوميات خطّت فيه قصة حياتها وحياة عائلتها، الذين عاشوا في ظلام دامس في المخبأ في سقيفة مكاتب “أوبتيكا” في أمستردام، هربًا من ملاحقة النازيين. وإن كنتم لم تسمعوا عنها من قبل إليكم قصة حياتها المثيرة.
وضعت، آن (أنليس ماري)، شابة يهودية وُلدت في ألمانيا، انتقلت مع عائلتها إلى هولندا عام 1933 إبان الكارثة، دفتر يوميات، اشتُهر بعد الحرب العالمية الثانية. وكشفت مذكراتُها لقراء عديدين في العقود التالية البُعد الإنساني في حياة ضحايا تلك الفترة. وصدرت اليوميات، التي وثقّت فيها الفترة التي اختبأت فيها برفقة أبناء أسرتها من تهديد ملاحقة النازيين في مخبأ في مكاتب شركة “أوبتيكا” في أمستردام، ككتاب، وحظيت بشعبية واسعة، وتُرجمت إلى عشرات اللغات.
وكان أوتو فرانك، والد آن فرانك، الوحيد بين أفراد الأسرة الذي نجا من الكارثة، وتزوّج لاحقًا بناجية من الكارثة، وانتقل للعيش في مدينة بازل. توفي في آب 1980 في بازل جراء إصابته بسرطان الرئة. وعُزلت إديث فرانك، أمّ آن، عن ابنتَيها في أوشفيتس. وأُرسلت البنتان آن ومرغوت إلى معسكر برجن بلسن.
وتوفيت إديث فرانك في 6 كانون الثاني 1945 جرّاء الجوع والمرض. وروى شهود عيان أنّها بدأت في أيامها الأخيرة، جرّاء مرضها، تبحث عن ابنتَيها وتجمع طعامًا استعدادًا للمّ الشمل، الذي لم تعش لتراه. وبعد عشرين يومًا من وفاتها، حرّر جنود الجيش الأحمر معسكر الاعتقال.
توفيت مرغوت فرانك، الأخت الكبرى لآن، كما يبدو جراء مرض التيفوئيد في معسكر برجن بلسن. ووفقًا لشاهد عيان، توفيت قبل أيام معدودة من آن فرانك، لكن تاريخ وفاتها غير معروف بدقّة.
وكانت آن فرانك قد وثّقت في مذكراتها علاقتَها بأفراد أسرتها، ملاحظةً بدقة شديدة الفروق الشخصية بينهم. ووصفت آن نفسَها بأنها مقربة من أبيها، الذي ذكر لاحقًا أنه كان يشعر بقُرب خاصّ من آن، فيما كانت مرغوت أكثر ارتباطًا بوالدتها.
في 15 تموز 1944، قبل نحو ثلاثة أسابيع من اعتقالها، كتبت آن فرانك في يومياتها قولها الأكثر شهرة على الإطلاق: “أيامنا صعبة: أفكار، أحلام، وآمال مكتومة تمزقنا، ونحن محطّمون إزاء الواقع القاتم. من العجيب أنني لم أهجر مُثلي العليا. فهي تبدو غير معقولة في الواقع. رغم ذلك، فأنا ألتصق بها، لأنني أومن، رغم كل شيء، بأنّ البشر هم جيدون بالنسبة لي … من المستحيل بالنسبة لي بناءُ حياتي على أسس من الفوضى، الألم، والموت. أرى العالم بأسره يتغير ببطء، ويصبح برية مقفرة. أسمع الجلبة، التي ستُجهز علينا يومًا ما، تقترب …”
ويعود تاريخ آخر تسجيل في دفتر اليوميات، وهو الشهادة الرئيسية على ما حدث في المخبأ، إلى 1 آب 1944، يوم اقتياد العائلة للموت. ففي صباح ذلك اليوم، اقتحم شرطيون مكان الاختباء، إذ قام شخص لا يزال مجهولًا بإبلاغ الشرطة عنه.
ونجحت أسرة فرانك في الصمود في المخبأ نحو عامَين وشهر واحد، لكن مصيرهم كان قد حُدّد. وتوفيت آن نفسها في معسكر برجن بلسن في 31 آذار 1945. للمزيد من المعلومات حول حياة أسرة فرانك ودفتر اليوميات الذي خطته آن ، بإمكانكم زيارة موقع مكتبة علاء الدين.
بعض الصور الأيقونية المرتبطة بالهولوكوست محفورة في الذاكرة الجماعة في إسرائيل. يظهر في إحداها الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، وأدولف هتلر، الزعيم النازي المعروف، حين كانا يجلسان بجانب بعضهما في لقاء هادئ ومريح. في صورة أخرى، أقلّ شهرة، يظهر الحاج أمين وهو يشير بالتحيّة النازية بين صفوف الجنود النازيين.
بصرف النظر عن منصب الحاج محمد أمين الحسيني كمفتي للقدس، فقد كان أيضًا من القيادة الوطنية الفلسطينية الأولى وقاد الثورة العربية الكبرى في سنوات الثلاثينات، كان من أبرز المعارضين للصهيونية، بل وربّما هو مسؤولا عن تحويل كلمة “الصهيوني”، يهودي له صلة بأرض إسرائيل، إلى كلمة سيّئة السمعة في اللغة العربية (في حين أنّها تقال في اللغة العبرية في سياق إيجابي). إحدى الطرق التي سعى من خلالها إلى منع هجرة اليهود إلى إسرائيل في إطار تلك الصهيونية، كانت التعاون مع النازيين، وتشجيع هتلر وحلفائه على إتمام إبادتهم لليهود حتى في أوروبا.
الحاج أمين الحسيني وهو يشير بالتحيّة النازية بين صفوف الجنود النازيين
كثيرًا ما يتمّ سماع إنكار الهولوكوست من قبل الفلسطينيين، وأحيانًا الاعتراف بها ولكن فقط بأرقام أقلّ من البيانات المؤكّدة، والتي قُتل حسبها نحو ستّة ملايين يهودي بين السنوات 1939 – 1945 في أوروبا (حتى محمود عباس، والذي هو رئيس السلطة الفلسطينية اليوم، ادعى في السابق أنّه قد قُتل في المحرقة عشرات الآلاف من اليهود فقط، وهو ادعاء لا أساس له وثبت أنّه خاطئ). ومع ذلك، فإنّ اشتراك الحسيني في “الحلّ النهائي”، كما سمّيت الخطّة النازية لإبادة كلّ يهود أوروبا، لا يمكن إنكاره. الحاج بنفسه لم يحاول أن يخفي ذلك، بل إنّه تفاخر فيه.
في 6 تشرين الثاني عام 1941 وصل الحسيني إلى برلين والتقى يواكيم فون ريبنتروب، أحد زعماء النظام النازي في ألمانيا. في وقت لاحق، اصطحب الحسيني بشكل شخصيّ إلى جولة تفقدية ولمتابعة عملية الإبادة في غرف الغاز في أوشفيتس، جنبًا إلى جنب مع أدولف إيخمان، والذي أعدم بعد سنوات في إسرائيل على جرائمه النازية ومسؤوليته المباشرة عن مقتل ما يقرب نصف مليون يهودي.
في 28 من نفس الشهر التقى مع هتلر نفسه، وبعد ذلك قال إنّه كان هناك توافق في الآراء بينهما، وإنّ هتلر قال له ينبغي حلّ المشكلة اليهودية “خطوة وراء خطوة”. تلقّى الحسيني وعدًا بأنّه حين يتم احتلال الشرق الأوسط فإنّ “هدف ألمانيا الوحيد سيكون إبادة العنصر اليهودي المقيم في المجال العربي تحت الحماية البريطانيّة”. لم يتطرّق لا هتلر ولا الحسيني للملاحقات وقتل المسلمين الذي مارسه النازيّون في أوروبا.
الحاج أمين الحسيني في زيارة إلى الفيلق العربي الحرّ، الوحدة العربية التي عملت في إطار الجيش الألماني. برلين، 1942
توقّع الحسيني أن يتقدّم الجيش الألماني، الذي حقّق انتصارات كبيرة خلال حملته في الشمال الأفريقي من هناك، بعد انتصاره، شرقًا نحو مصر وأرض إسرائيل. انضمّ إلى وحدة إس إس في البلقان، وهناك ساهم في تجنيد الجنود لشعبة الإس إس من المسلمين في البوسنة، وكذلك في تأسيس الفيلق العربي الحرّ، وهو وحدة عربية عملت في إطار الجيش الألماني (جيش دائم لألمانيا النازية).
بالإضافة إلى ذلك، تعاون الحسيني مع العمليات النازية داخل أراضي إسرائيل، وكان من مخطّطي “عملية أطلس”، تسميم خزّانات المياه من أجل إبادة يهود تل أبيب من قبل مظليّين ألمان وعرب هبطوا في منطقة أريحا. ووفقًا للتقديرات، كانت كمية السمّ قادرة على إبادة نحو ربع مليون شخص، ولكن في تشرين الأول عام 1944 قبضت الشرطة السرّية البريطانية على بعض المشتركين في العملية في منطقة أريحا، ولم يتمّ تنفيذها.
بين السنوات 1941 – 1945 كان الحسيني ناشطا في خدمة النازيين، بل وتلقّى منهم راتبًا شهريّا يقدّر بـ 50,000 مارك (ضعف راتب المشير في الجيش الألماني). في هذا الإطار، توجه الحسيني إلى حكومات إيطاليا، بلغاريا وهنجاريا طالبًا إلغاء التصاريح التي أعطوها لليهود في حين طالبهم بالتعجيل لطرد اليهود إلى بولندا، وهي خطوة تعني تسليمهم للنازيين.
جنود مسلمين من البوسنة خدموا في الإس إس
كتب الحاج أمين في مذكّراته التي نشرت في صحيفة “الأخبار اليوم” القاهرية بعد الحرب: “كان أحد شروطنا للتعاون العسكري بين العرب وألمانيا، إعطاء الحرية في إبادة اليهود في فلسطين والدول العربية الأخرى. في رسالة بعثتُ بها إلى أدولف هتلر طالبت بإعلان صريح من قبل ألمانيا وإيطاليا بأنّ تعترفان بحقّ الدول العربية في حلّ مشكلة الأقليات اليهودية بشكل يلبّي تطلّعاتها العرقية والقومية، ووفقًا للطرق العلمية التي اتّخذتها ألمانيا وإيطاليا تجاه اليهود في بلدانهم”.
في تصريح أدلى به في تموز عام 1946 تطرّق مساعد أدولف إيخمان إلى مشاركة الحسيني في عملية إبادة اليهود: “أعتقد أنه كان للمفتي، المتواجد منذ 1941 في برلين، دورًا حاسمًا في قرار الحكومة الألمانية بإبادة يهود أوروبا. في جميع لقاءاته مع هتلر، ريبنتروب وهيملر، عاد وعرض إبادة اليهود. لقد رأى في ذلك حلّا مريحًا لمشكلة أرض إسرائيل. في بثّه بإذاعة برلين، تفوّق حتّى علينا في هجماته المعادية للسامية”.
في الواقع، فقد حقًّق الحسيني نتائج معاكسة لطموحاته، حيث إنّ ملاحقة اليهود في أوروبا زادت فحسب من الهجرة إلى أرض إسرائيل، والتي هي بالنسبة لليهود وطنهم التاريخي. بعد هزيمة الألمان عند انتهاء الحرب زادت هجرة اليهود الفارّين من أوروبا إلى إسرائيل، وفي نهاية الأمر، يمكننا أن نقول إنّه كان للنازيّين مساهمة كبيرة، حتى لو كانت فظيعة، في إقامة دولة إسرائيل عام 1948.
الحاج أمين الحسيني وهاينريش هينلر، برلين 1941
هناك جوانب كثيرة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وفي أكثر من مرّة يدخل النقاش حول الكارثة إلى دائرة الجدل. في الكثير من الأحيان تهدف محاولات إنكار المحرقة أو التقليل من مدى قتل “الآلة النازية” إلى إخفاء ارتباط اليهود بإسرائيل باعتبارها “أرض لجوء” للشعب اليهودي، وحتى اليوم فإنّ الفلسطينيين غير مستعدّين للاعتراف بيهودية الدولة. ولكن طريقة عمل الحاج أمين الحسيني حتى سنوات الأربعينات من القرن الماضي، تُظهر أنّه فهم بالفعل قوّة هذا الارتباط، وحاول منع حدوثه من خلال التعاون والمساهمة في إحدى أكثر الجرائم بشاعة في تاريخ البشرية.
لا عجب إذن أنّ العديد من الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يُكثرون من ذكر عمل الحاج أمين الحسيني مع النازيين في محاولة منهم أن يعرضوا للعالم “الوجه الحقيقي” للفلسطينيين الذين يطمحون، بحسب ادّعائه، إلى القضاء على دولة إسرائيل واليهود. يذكر نتنياهو هذه الأمور على قدم المساواة مع ادّعاءات منكري الكارثة والمحاولات المعاصرة للقضاء على إسرائيل.
لا نخطأ إذا افترضنا أن نشاط الحاج وآراءه قد ساهمت، أيضًا في تغذية الكراهية بين الفلسطينيين واليهود والتي كما نعلم ازدادت أكثر فأكثر مع السنين، وربّما، بخلاف مقصده الأساسي، أثر البطل القومي الفلسطيني إلى تأجيل إقامة الدولة الفلسطينية لسنوات طويلة كان بالإمكان أن تكون أقصر بكثير؟
هل سينشر عباس رسالة تعزية بخصوص قتل اليهود في الهولوكوست ؟
قال الحاخام مارك شناير، نائب رئيس الكونغرس اليهودي الذي التقى بالرئيس الفلسطيني، إنّه قد أطلعه على الإعلان المخطّط له وأعرب عن إحباطه إزاء المأزق المسدود في المفاوضات
نشرت صحيفة “هآرتس” اليوم (الإثنين) بأنّه من المرتقب الأسبوع القادم أن ينشر رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، رسالة تعزية خاصّة حول قتل الأبرياء، ومن بينهم اليهود، الذين قُتلوا خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازيين.
هذا ما قاله الحاخام مارك شناير لصحيفة “هآرتس”، وهو نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي ورئيس مؤسسة التفاهم العرقي. إذا حدث ذلك، ستكون هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها القيادة الفلسطينية رسالة من هذا النوع.
التقى الحاخام شناير مع عباس في المقاطعة برام الله أمس (الأحد) في ساعات الظهيرة. وقد أخبره بأنّ هدف اللقاء لم يكن الحديث عن عملية السلام أو القضايا السياسية، وإنما عن نشاطات التقارب بين المسلمين واليهود، والتي تهتم بها مؤسسة التفاهم العرقي.
قال شناير لعباس خلال اللقاء بأنّه ستحلّ في الأسبوع القادم ذكرى يوم الهولوكوست في إسرائيل، ومن المهمّ أن يسمع الناس في إسرائيل وحول العالم ما لديه ليقوله في الموضوع. قال شناير: “قاطع الرئيس عباس كلامي وقال لي إنّ المحرقة كانت المأساة الأكبر في التاريخ الحديث”. “بعد ذلك فورًا أضاف بأنّه ينوي نشر رسالة خاصّة للتعزية بقتل الضحايا الأبرياء على يد النازيين”.
قال شناير إنّ عباس أخبره بأنّه أعطى تعليمات منذ عدّة سنوات للسفراء الفلسطينيين في روسيا، بولندا ودول أخرى للمشاركة في كلّ مناسبة لذكرى الكارثة تتمّ دعوتهم إليها.
لا يعيش أكثر من ثمانية يهود اليوم في بغداد، لكنهم بقيّة جاليةٍ مجيدة تعود جذورها إلى أكثر من ألفَين وخمسمائة عام؛ وأيضًا: خمسة عراقيين إسرائيليين يجب أن تتعرفوا إليهم
“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.
فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ، هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.
شاهدوا حفل زفاف عراقيًّا يهوديًّا تقليديًّا:
http://youtu.be/Uu5skKgA_PM
النموّ والازدهار
كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)
مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.
كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون . اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.
أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.
التدهوُر والمغادَرة
حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.
كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.
عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.
نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.
عائلة يهودية عراقية
منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.
جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.
خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.
لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:
الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل ، التي اشتُهرت بأداء جدّه. قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
إيلي عمير– الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.
وزير الخارجية الايراني جواد ظريف في ميونيخ (ERIC PIERMONT / AFP)
وزير الخارجية الإيراني يتعرض لانتقادات بسبب موقفه من المحرقة
ذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم الاثنين أن شخصيات إسلامية محافظة في البرلمان الإيراني استدعت وزير الخارجية محمد جواد ظريف بشأن تصريحات علنية تندد بجرائم النازي ضد اليهود.
وأثار ظريف الذي يشغل أيضا منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين ضجة في أوساط المحافظين في إيران عندما وصف المحرقة “بالمأساة المروعة” وذلك في مقابلة مع محطة تلفزيونية المانية أواخر الشهر الماضي.
ومن المقرر أن يمثل أمام جلسة مغلقة للبرلمان غدا الثلاثاء استجابة لعريضة وقعها 54 نائبا.
وإنكار المحرقة مسألة متداولة في الكلمات العامة في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وذهب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لأبعد من ذلك بوصف جرائم النازي ضد اليهود بأنها “خرافة”.
وأضرت آراء أحمدي نجاد بصورة إيران الدولية وساعدت في إعطاء دفعة للجهود الدولية الرامية للحد من برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب أنه يستهدف الحصول على سلاح نووي لكن طهران تقول إنه سلمي تماما.
ويحاول الرئيس الإصلاحي الجديد حسن روحاني إصلاح الصورة بتبني نبرة أكثر تصالحية وبالانخراط في مفاوضات مع القوى العالمية لتسوية الخلاف النووي.
وفي انفصال حاد عن سلفه وصف روحاني نفسه المحرقة بأنها أمر مستهجن في مقابلة مع تلفزيون أمريكي.