نعرض أمام قرائنا الذين لا يعرفون المطربَين الإسرائيليَين ستاتيك وبن آل تبوري اللذين أصبحا في السنتَين الماضيتَين، المطربين الشابين الإسرائيليين المشهورين من خلال عروضهما، ويحظيان بمئات الاف المشجعين ولديهما عشرات “الكليبات” الناجحة التي حظيت بملايين المشاهدات وبُثت في محطات الإذاعة العالمية.
وما زال المطربان يحققان نجاحا من خلال أغنية منفردة جديدة يغنيان فيها بأسلوب البوب والراب بثلاث لغات: إسبانية، برتغالية، وعبرية.
نُشرت الأغنية المنفردة الجديدة “Tudo Bom” التي تعني بالبرتغالية “كل شيء على ما يرام” في بداية الأسبوع فقط وقد شاهدها أكثر من 2.5 مليون مشاهد في اليوتيوب. تُوجت الأغنية الجديدة بصفتها الأغنية الرسمية الإسرائيلية لصيف عام 2017.
يرافق أغنية “Tudo Bom” كليب مميز وأجواء لاتينية، وجريئة في شوارع المدينة الصيفية تل أبيب.
يبدو الكليب الذي تم تصويره خلال يوم واحد بدءا من ساعات الصباح الباكرة وحتى الساعة العاشرة والنصف ليلا بأسلوب الخيال العلمي، العصري، الخيالي والملوّن. وفق الحبكة المفاجئة، بعد رحلة طويلة بين الكواكب المختلفة سيطر فيها ستاتيك وبن آل على الكواكب، واكتسبا السعادة والألوان من المجرات المختلفة، يهبطان في وسط تل أبيب مباشرة وسط ميدان مركزي ويخرجان إلى الشوارع للتعرّف إلى أشخاص يعيشون روتينا يوميا.
قرر المطربان أن يسيطرا على كوكبنا أيضا من خلال الانتقال بين الأشخاص، دهن المدينة، وإضافة ألوان وسعادة إليها. حاول أفراد الشرطة، رجال القانون، والعلوم، وحتى رئيس بلدية تل أبيب، رون حولدائي (المشارك في الكليب) السيطرة على الفوضى. ولكن لم ينجحوا في تملك أنفسهم وشاركوا في المهرجان الكبير الذي تضمن 64 راقصا، عروضا نارية، أفراد شرطة، بهلوانيين.
يعزف في الأغنية الحالية 111 عازف طبل، حيث تنقل الأغنية رسالة مفادها أن كل شيء على ما يرام (TUDO BOM).
ليس بوسع مغني الراب تامر نفار أن يأمل باهتمام جماهيري عام أفضل بحفله أمس (الثلاثاء) في مهرجان في حيفا، وذلك بعد أن توجهت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، إلى بلدية حيفا مطالبة بمنع عرض حفله. بالإضافة إلى ذلك، دعا ناشطان من حزب الليكود إلى “تفجير” الحفل، وفي أعقاب ذلك اعتُقلا للتحقيق الشرطي. أقيم الحفل أمس كما هو مخطط له، رغم أنف الوزيرة ريغيف، شارك فيه الآلاف من الحضور. بعد يوم من الحفل، أجريت مقابلة مع الرئيس الإسرائيلي قال فيها إنّه فخور بالجمهور الذي جاء ليستمع إلى موسيقى نفار، رغم الخلافات في الرأي.
ورغم الصراع المغطى إعلاميا، يبدو نفار، ابن السابعة والثلاثين، تحديدا في ذروة عمله الفني. فقد صدر هذا العام فيلم “مفرق 48” ببطولته، والمبني على تجاربه بصفته مغني راب عربيا بدأ في مدينة اللد التي وُلد فيها، الواقعة في منطقة تل أبيب. فاز الفيلم بجائزة الموسيقى الأفضل في جوائز الأوسكار الإسرائيلية وبجوائز عالمية.
اعتاد نفار على أن ينظر المجتمع الإسرائيلي إليه نظرة استفزازية. وهو يعرّف نفسه كفلسطيني رغم أنّه يحمل بطاقة هوية إسرائيلية، وحاصل على جوائز من المؤسسة الإسرائيلية التي ينتقدها في أغانيه.
وبصفته “مغني الراب الفلسطيني الأول”، وهو أحد الألقاب التي يفخر بها، إنه يُعتبر مؤسس مشهد الراب بالعربية في الأراضي المقدّسة. لقد بدأ طريقه مع فرقة DAM (تتألف من تامر نفار، أخيه سهيل، ومحمود جريري)، التي تعتبر اليوم إحدى أشهر الفرق وأكثرها تقديرا في مشهد الراب العربي عموما. بالتعاون مع أعضاء فرقة DAM، يقيم نفار في أحيان كثيرة حفلات في أوروبا، ولكن أيضًا في اللد المدينة التي وُلد فيها، في مختلف المدن في أرجاء إسرائيل، وفي أراضي الضفة الغربية. من بين ألبومات الفرقة “ندبك عالقمر” (2012)، و “إهداء” (2006).
إضافة إلى الانتقادات تجاه المجتمع الإسرائيلي اليهودي، كرّس نفار وفرقة “دام” عدة أغان تتطرق إلى مكانة المرأة في المجتمع العربي، مثل الأغنيتين المنفردتين “مين إنت” و “لو ارجع بالزمن”.
إحدى النقاط الأكثر إثارة للاهتمام والأقل شهرة في السيرة المهنية لنفار كانت تعاونه المركّب مع ثنائي مغني الراب الإسرائيليَين الوطنيين “سابليمينال والظل”، اللذين أكثرا من الغناء عن الفخر القومي الإسرائيلي. أثناء الانتفاضة الثانية، واجهت العلاقة بين الموسيقيين وبين نفار عقبات، كانت ذروتها في شجار نُشر إعلاميا في نادي حفلات. فقد حظيت أغنية “مين إرهابي” التي نشرها نفار في تلك الفترة بشعبية هائلة وساعدت في انتشار الفرقة في أرجاء الشرق الأوسط والعالم. قال نفار في المقابلات إنه مهنيا قد تعلم الكثير من سابليمينال ويقدره، رغم الخلافات الحادّة في الآراء السياسية بينهما.
تدرس بلدية حيفا إلغاء حفل مغني الراب المتوقع أن يقام في المدينة وذلك في أعقاب دعوة وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، رئيس البلدية، يونا ياهف، إلى التفكير مجددا في إقامة الحفل.
في أعقاب توجه ريغيف أعلنت البلدية أنّها قصّرت مدة حفل نفار وأنه ربما لن يقام مطلقا. بعد إعلان البلدية نشر نفار منشورا في فيس بوك وكتب فيه أنّه غير مستعد لإلغاء حفله.
“يؤسفني أنّ مهرجانا مثل مهرجان السينما في حيفا، الذي أصبح رمزا للجودة وتقارب الشعوب والبلدان يختار إعطاء منصّة لفنان مثل تامر نفار، الذي يختار في كل فرصة ومن فوق كل منصة ممكنة الخروج ضد فكرة دولة إسرائيل ووجودها كدولة للشعب اليهودي”، هكذا كتبت ريغيف في الرسالة التي وجهتها إلى رئيس بلدية حيفا.
وفي رده في الفيس بوك كتب نفار: “إقامة حفلي في حيفا يوم الثلاثاء… أسمع فجأة عبر وسائل الإعلام أنّ بلدية حيفا أعلنت أنّني، على ما يبدو، سألغي حفلي. أفهم أن البلدية تتعرض إلى ضغوط وزيرة الثقافة وفرقة العنصريين التابعة لها، وتأمل بأن ألغي الحفل، ولكن لن أسمح لهم بإسكاتي وأنتظر لقاءهم جميعا يوم الثلاثاء في حيفا”.
لقد بدأ الاحتجاج ضدّ إقامة حفل نفار منذ أكثر من أسبوع، عندما أعلن نشطاء من الليكود (حزب رئيس الحكومة نتنياهو) في المدينة عبر الفيس بوك أنّه إذا أقام نفار الحفل فهم ينوون “تفجيره”.
وفي الشهر الماضي غادرت ريغيف مراسم جوائز “الأوسكار الإسرائيلي” بعد أن قدّم نفار وفنان إسرائيلي عرضا تضمن مقطعا قصيرا من أغنية محمود درويش “سجل، أنا عربي”. فقد غادرت ريغيف القاعة احتجاجا على العرض، وبعد بضع دقائق عادت وصعدت على المنصة لتمنح جائزة الفيلم الأفضل. أثار خطابها اضطرابا في القاعة، وغادر بعض الحاضرين المكان.
إيقاع القبيلة هو الألبوم الأولّ والوحيد لمحمود جريري، مُغنّي راب من مدينة اللد. بعد فترة قصيرة فقط من إصداره، حاز الألبوم على المرتبة الثانية في تصنيف عدد التنزيلات في تطبيق آي تيونز. لم تتطور موسيقى الراب في الشرق الأوسط، بل في أمريكا، لكّنها في تزايد مُتسارع بين جيل الشباب في الشرق الأوسط. ومحمود جريري هو شخصية هامّة في هذا المجال، نظرا لكونه عضوًا في فرقة الراب “دام” المشهورة، بالإضافة إلى تأسيسه موقعَ “إندي بوش” للموسيقى المُستقلّة.
نصوص جريريّ لاذعة وانتقاديّة، أيضا في ألبومه الخاصّ، إذ يتطرّق في الأساس لقضايا اجتماعيّة عميقة في المجتمع العربيّ. ففيها نرى أنّه يُهاجم الانقسام الطائفيّ ويحتجّ على تعنيف النساء. لم يتجاهل أيضا في تأليفاته، في أغنية “ذئب ذئب” على سبيل المثال، موضوعَ التطرّق لماهيّة هويّته وهوية أبناء جيله المعقّدة، الذين ترعرعوا كمسلمينَ حاملينَ لبطاقة الهوية الإسرائيليّة.
أحد الأغاني المثيرة للاهتمام والجريئة على صعيد خاصّ في ألبومه، هي أغنية بعنوان “الحق على اليهود”. رُغمَ اسمها، الذي يتم ترديده كشِعار على طول الأغنية، فإنّ الرسالة المركزيّة المنقولة هي أنّ اليهود ليسوا في الواقع السببَ الرئيسي للمشاكل في المجتمع العربيّ والفلسطينيّ.
“بتعرفوا كيف احنا بننهي كل نقاش؟ الحق على اليهود” هكذا ردّد جريريّ ليُشدّدَ في أغنيته على ظواهر ذات إشكاليات في المجتمع العربيّ، كالفساد وقتل النساء على خلفيّة شرف العائلة. لكل مشكلة أو ادّعاء يذكره جريريّ، نسمع إجابة واحدة ووحيدة، وكأنها صوت إيقاع القبيلة – “الحق على اليهود”. إجابة جريريّ على هذه الحجج، التي جاءت لترفض أيّ انتقاد أو محاولة لصنع التغيير، هي –”العالم مش بريء بس المشكلة فينا نحنا”. تبحث أغنية أخرى باسم “عماد” أيضا هذه القضايا إلى حدّ ما، ولكن من منظور طفل صغير.
أغنية أخرى ممُيّزة ويجدر ذكرها في الألبوم هي أغنية بعنوان “غسيل دماغ”، وفيها يُهاجم جريريّ التحريض الجامح في وسائل الإعلام، الإنترنت وأنظمة التربية والتعليم. إذ يستوجب حقّا الاستماع لكلّ من الألحان وكلمات النص في هذه الأغنية. وفي أغنية أخرى تلتها، بعنوان أوبتسميست، يُلخّص رأيه بالانتقادات الموجّهة لعمليات غسيل الدماغ الجماعيّة التي تحدّث عنها، على شكل رسالة – “كن الأول؛ الصوت الأول”.
حوَت فحوى المواضيع التي تناولها جريريّ كمغنّي راب السياسةَ والقضايا الاجتماعية دائما. فحتّى عندما يتكلّم عن مواضيع أخرى، مثلا عن الحب (في أغنية “كيميا”)، فإنّ مجاله المجازيّ يبقى متعلّقا بالسياسة (كما في كلامه “عيني عليها ككاميرا على عربي بالمطار” والمزيد). يبدو أنّه واعٍ جدّا لهذا الخيار، وأنه ليس مُهتما بكتابة أغاني الحب الزائفة ذات الكليشيات المبتذلة. (في حين أنّ تامر نفار، زميله في فرقة دام، يقول في أغنيته الجديدة المُسمّاة “يا ريت”، انه “يا ريت اكتبلك أغنية حب ملانة “كليشيهات” – ببدع فكل اشي واشي، وبَبلّم بالاشي هاد!”)
على الرغم من أنّ جريريّ قد بات مُغنيّا لأغاني نقديّة اجتماعيّة لأكثر من 15 عاما، إلا أنّه ما زال ناجحا في إنتاج موسيقى مُميّزة، مُثيرة ومُتّقدة حماسا، ويعود ذلك، إلى حدّ ما، إلى الفُكاهة التي يدمجها خاصّةً في المواضيع الأكثر حساسيّة (كما في أغنية “أنا من هناك” التي تتناول موضوع طفولته في مدينة اللد). حيث يقول في أغنية “شهاب” التي يختم فيها الألبوم “أنا بدي أكون نجم بالسماء”. يُمكن لجريريّ أن يكونَ مُطمئنّا، على الأقل من ناحية هواة الموسيقى العربية البديلة، وهو بالفعل هكذا.
الأشخاص الذين يعيشون في جانبي الجدار الذي يحيط بالقدس، يعتبرون القدس مركزا للاشتباك بين الأديان، الثقافات والشعوب، ولكن بالنسبة للقدس فلا يعيق الأمر أن ينمو من داخلها مشهد موسيقي بديل، ليس مستعداُ للتصالح مع الفصل.
يُدعى أحد الأماكن التي تُقام فيها مؤخرا حفلات كهذه، “هميفعال”. إنه بيت مهجور، عاش فيه سكانه الأصليون حتى عام 1948 ومنذ ذلك الحين بقي مهجورًا. قررت مجموعة من الطلاب تسمي نفسها “بيتا فارغا”، تجديده، وجعله مركزا للحفلات، الورشات، عرض الأفلام واللقاءات بين الشباب من كل أنحاء القدس. “لدينا حياة مختلفة جدا جدا – رغم أن كلينا يعيش في القدس”، يقول الدي جي رام شبينوزا، الذي تعاون على المستوى الموسيقي كثيرا مع مغني راب فلسطينيين، ومن بين أمور أخرى، أيضًا مع فرقة راب في “همفعال”.
وليس أنهم يتجاهلون وجود الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني – بل على العكس. يعمل معظمهم انطلاقا من وعي سياسي عال، ويسعون إلى الاعتراف بوجود الرواية الأخرى، وكذلك من خلال اللقاء والوجود المشترك – والموسيقى. يغني مغنو راب فلسطينيون دون تردد عن تجاربهم في ظل الاحتلال.
وفي حانة “التحرير” المقدسية، على سبيل المثال، والتي تركّز على الموسيقى العربيّة والشرقية من جميع أنحاء العالَم العربي، كان النجاح كبيرا حتى تقرر أن يُفتتح في الصيف الحالي مركزا كاملا لعروض “التحرير”. يمكن أن نسمع هناك كل أسماء أنغام العود، آلة السمسمية، وإذا جئتم في الوقت الصحيح – ستستمعون أيضًا إلى أغان لفريد الأطرش أو أسمهان. تظهر فرق موسيقية مثل “فرقة النور” و “ديوان البنات”، وستجدون بين الجمهور بسهولة مستمعين من بيت لحم والخليل.
تقول إحدى منظمات تلك العروض إنّ الاشتغال بالموسيقى لا يتم بمعزل عن الواقع، وإنما كجزء لا يتجزأ منه. ليس ذلك هروبا من الواقع، وإنما مواجهة. “نحن بحاجة إلى الاهتمام بشؤون تصاريح الدخول والحواجز والجيش. ليس أن الصعوبات في هذه المدينة تختفي بسبب أننا مستمتعين بالموسيقى. وإنما تحديدا في هذه المدينة، التي يعيش فيها الكثير جدا من الناس من أنواع مختلفة، فإنّ هذا اللقاء ضروري”.
في الأماكن المختارة، سواء كانت بيوتا مهجورة أو في قلب المنطقة السياحية في القدس، يرقص الشباب ذوي بطاقات هوية مختلفة، وبموجب تصاريح دخول أو من دونها. وبالرغم من انه لن تسمعونهم ينشدون هناك كما يبدو أناشيد للقدس، فهم يحبون المدينة المقدسة كسائر الأفراد، حبا شديدا.
موسيقى الراب، رغم كونها فنا غربيا تساعد التنظيمات الإرهابية مثل الدولة الإسلامية في تجنيد المؤيدين ومقاتلي الجهاد العالمي، مع إثارة نفوس آلاف الشبان المكتئبين في دول أوروبا والولايات المتّحدة
الموسيقى أداة ضرورية بالنسبة لأية حركة اجتماعية، سواء كانت متطرفة أو معتدلة. إنها تلعب دورا في التأثير على عناصر الحركة وتجنيد العناصر الجدد. عندما ننظر إلى مشهد الجهاد العالمي، فإنّ الأناشيد وأغاني الراب تحظى بأهمية كبيرة في فهم قدرة الحركة الجهادية في تجنيد العناصر واكتساب التضامن.
منذ الثمانينيات الأولى، أدركت جهات ذات خلفية جهادية قوة الموسيقى في تحقيق أهداف التنظيمات الجهادية. في مجموعة ضخمة، من مجلدين، لأناشيد من عام 1984، أوضح الكاتبان أحمد عبد اللطيف وحسني أدهم جرار أهمية هذه الأناشيد في نشر الإسلام ودعوة الشباب إلى أداء واجب الجهاد. قال كلاهما إنّ الإسلام بحاجة إلى هذه الأناشيد للتذكير بالأيام المجيدة في الماضي، ولتوثيق الجهاد المستمر وتمهيد الطريق نحو المستقبل. وقد أوضحا أيضًا أنّ الشباب بحاجة إلى سماع هذه الأناشيد ليفهموا أهمية التضحية بالنفس.
في السنوات الأخيرة، ولا سيما، بعد بداية الثورات في العالم العربي، وهي الفترة التي تُعرف باسم “الربيع العربيّ”، جنّد الكثير من الشبان المسلمين أغاني الراب وموسيقى الراب للثورة على الأنظمة الظلامية، سواء في الدول العربية أو دول أوروبا. والراب كما هو معلوم هو شكل من أشكال الاحتجاج الاجتماعي في متناول أيدي المراهقين والشباب في بداية طريقهم للتمرّد على المتفق عليه والتطرق إلى مشاكل اجتماعية شديدة مثل البطالة، الجريمة، المخدّرات وحروب العصابات.
استغلّت المجموعات الجهادية خلال السنين هذه الأداة البسيطة والحديثة لتجنيد المنضمّين الجدد ولإثارة رغبتهم في التضحية بالنفس في سبيل القيم العليا والمختلفة من حياتهم المريرة في العديد من الدول العربية وكذلك حياة الكثير من الشباب العاطلين عن العمل وذوي القدرات الاقتصادية الفقيرة في الدول الأوروبية، وهم أبناء (الجيل الثاني والثالث) لاجئين من الدول العربيّة.
إعدام الصحفي جيمس فولي (لقطة شاشة)
كما ذُكر آنفًا، فموسيقى الراب هي موسيقى في متناول الأيدي بحيث أن زعماء التنظيمات الإرهابية سواء في العراق، سوريا، ليبيا، تونس أو الصومال يستطيعون تجنيدها لصالح تجنيد الشباب وتأجيج أفكار المراهقين المهمشين للانضمام إلى حروب الجهاد. إن الدمج الناجح بين الراب ومواقع التواصل الاجتماعي وسع كثيرا من دائرة المنضمين إلى صفوف الجهاد.
صحيح أن جزءًا كبيرا من زعماء الدولة الإسلامية يعتبرون الثقافة الغربية وموسيقى الراب بضاعة أجنبية لا ينبغي إدخالها إلى الإسلام ولا يجوز استخدامها في أراضي الدولة الإسلامية، ولكن في العديد من الدولة الأوروبية وفي الولايات المتحدة يعتبرونها أداة مستخدمة بالتأكيد لتجنيد الشباب لأن جزءًا كبيرا منهم لا يتحدثون العربية وهذه هي الطريقة الأسهل والأكثر أمانا لتجنيدهم.
عبد الماجد عبد الباري
عبد الماجد عبد الباري
إحدى الشخصيات الأكثر شهرة في الإعلام هو الشاب عبد الماجد عبد الباري أو كما يُدعى حتى انضمامه إلى صفوف الإرهاب، J Linny.
نشرت وسائل الإعلام في بريطانيا في شهر آب عام 2014 أنّ قوات الأمن والاستخبارات البريطانيّة قد نجحت في التعرّف على أحد عناصر داعش والذي صدم مقطع الفيديو الذي ظهر فيه وهو يقطع رأس الصحفي جيمس فولي العالم بأسره. صدقت الشكوك التي ثارت في أعقاب اللكنة البريطانية التي برزت في حديثه، عندما اتضح أن المشتبه به الرئيسي هو موسيقي شاب في الخامسة والعشرين من عمره، ومن سكان العاصمة لندن.
بحسب صحيفة “الإندبندنت” وبعض الصحف الأخرى في بريطانيا، فهو عبد الماجد باري، ابن لأسرة مهاجرين مصرية. ونُشر كذلك أن والده هو عنصر إرهابي ينتظر في هذه الأيام محاكمته بتهمة التورّط في عمليات إرهابية شديدة في سفاراتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998.
دوالي عبد الله
دوالي عبد الله
تصدّر اسم مغني الراب دوالي عبد الله أو بحسب الاسم الآخر دوالي خالد العناوين للمرة الأولى بعد أن عُثر على جثّته في سوريا في آب عام 2014. دوالي هو مواطن أمريكي بحثت عنه وكالات الاستخبارات الأمريكية على مدى سنوات بل وأصدرت أمرا بمنعه من الخروج من أراضي الولايات المتحدة، ولكن سرعان ما عثر دوالي على طريق إلى تركيا ومن هناك تسلل وانضم إلى صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية على أرض سوريا.
اسم دوالي الحقيقي هو دوغلاس ماكين (تُوفي في الثالثة والثلاثين من عمره). كان ماكين في الأصل من سان دييغو في كاليفورنيا. وقد اعتنق الإسلام عام 2004. ووفقا لاستنتاجات وكالات الاستخبارات فماكين هو الأمريكي الأول الذي قُتل في صفوف داعش.
لم ينهِ ماكين دراسته الثانوية أبدا، وشهد أصدقاؤه أنّه أحب كرة السلّة بشكل خاص وكان مشجّعا لفريق NBA شيكاغو بولز. ارتكب ماكين خلال السنين جرائم جنائية مختلفة من بينها مخالفات مرورية، سلوك غير منضبط، وإعطاء الشرطة أسماء وهمية. وكما ذكرنا فقد دخل الإسلام عام 2005، وسافر إلى أوروبا ولكنه عاد بعد فترة قصيرة إلى سان دييغو عام 2013، حيث بدأ هناك العمل في مسجد.
كان ناشطا بشكل خاصّ في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد على الكتابة في تويتر تحت مسمى “دوالي خالد (Duale Khalid)” وفي الفيس بوك اعتاد على كتابة رسائل تحت مُسمّى “دوالي عبد الله (Duale ThaslaveofAllah)”.
قُتل ماكين في نهاية الأسبوع الـ 23/24 في آب عام 2014، لدى مشاركته في المعارك ضدّ قوات الجيش السوري الحر. عثر مقاتلو الجيش السوري الحر على جثّته حيث كان معه 800 دولار نقدا وجواز سفره الأمريكي.
Dirty kuffar
https://www.youtube.com/watch?v=SWP_95eSLBI
ومنعًا للخطأ حول ما ذكرنا فقد بدأ الربط بين الراب والتحريض والدعوة إلى الجهاد قبل الربيع العربيّ. في وقت ما عام 2004، بعد نحو ثلاث سنوات من أحداث الحادي عشر من أيلول وغزو الولايات المتحدة للعراق نشرت مواقع تواصل اجتماعي عديدة أغنية “Dirty Kuffar” (الكفار القذرون).
وهي الأغنية التي حظيت بمشاهدات وسماع وبيع تسجيلاتها في المساجد في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكانت من إنتاج فنانَين شابَين أطلقا على نفسيهما في مقطع الفيديو اسمي “Sheikh Terra” و “Soul Salah Crew”.
كانت تلك هي البراعم الأولى لموسيقى الاحتجاج الإسلامي التي تمزج بين الراب وكراهية الغرب، مما أدى بعد ذلك إلى إبراز مقاتلي داعش واستخدام “أدوات غربية” لنقل رسائل هدّامة ضدّ الكفار في الداخل والكفار في الخارج.
يظهر في مقطع الفيديو في البداية جنود أمريكيون يقاتلون في العراق وفي النهاية صور من اصطدام الطائرات في برجَي مركز التجارة العالمي في 11 أيلول في مدينة نيويورك مع صوت مغني الراب الضاحك.
تم إعداد الأغنية نفسها من أجل إدانة “الكفار القذرين”، توني بلير رئيس حكومة بريطانيا الأسبق والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن. بل إن الأغنية تدعو المؤمنين إلى إلقاء كليهما في نار جهنّم.