لقد فتح لي القرب من مدينة تل أبيب نافذة جديدة إلى عالم الأزياء والجمال. ليس لأنني لم أعرف مجال الأزياء قبل ذلك، ولكن الانشغال شبه اليومي بالأزياء، اتجاهات الموضة، ما الذي يُفضّل ارتداؤه في الشتاء وما الذي يُفضّل ارتداؤه في الصيف، ما هي الألوان الأفضل والقصّات الأكثر سخونة، شغلني أكثر فأكثر كلما التقيت أشخاصا اهتموا بهذا المجال.
الجمال يُقرّب القلوب (Noam Moskowitz)
في الأشهر الثلاثة الأخيرة شغلت الحالة الأمنية غير المستقرة الإسرائيليين جدا، العرب واليهود على حدٍّ سواء. ففي كل مرة كنت أصل إلى المنزل كنت أجلس مع شريكتي، نوفار، ونتحدث عن الوضع الصعب وفقدان الإحساس بالثقة بالنفس. في أحد الأيام أخبرتني نوفار، وهي أخصائية تجميل وشخصية مطلعة على عالم الموضة، عن مكان عملها في حيفا. “إنه رائع. فعندما أصل إلى مدرسة التجميل، “يوسي بيطون”، فهناك انقطاع تام. ترى طالبات عربيات ويهوديات يتعلّمنَ معًا ويتبادلن التجارب. لا تتوقف زبوناتنا العربيات عن الوصول إلى الفرع لشراء مجموعات المكياج لدينا، وترغب الفتيات اليهوديات اللواتي يأتينا إلينا بعد الخدمة العسكرية في البدء في العمل المهني في مجال المكياج وتصفيف الشعر، وتحضر المشاركات الدرزيات في الدورات من حين لآخر أطعمة لذيذة ويلطّفن لنا الأجواء الأسرية ويتجوّل مسوّقونا في المدن العربية والقرى دون خوف. هناك إحساس بالشراكة”، كما تخبرني.
بالطبع لم أستطع تجاهل كتابة مادة في مجلة في مجال الأزياء، وأكثر من ذلك عندما يكون الحديث عن أكثر أخصائي مكياج إسرائيلي محبوب من قبل الفتيات العربيات في إسرائيل، يوسي بيطون.
يعتبر بيطون اليوم أحد أخصائيي المكياج الأحدث والأنجح في إسرائيل عموما وفي الشمال بشكل خاص. تمنح التقنيات التي طوّرها بيطون خلال سنوات طويلة ميزة مهمة تجعله يتفوق على الكثير من منافسيه في هذا السوق المليء.
عندما وصلنا إلى أستوديو التجميل في حيفا، سمعنا مزيجا من اللغات التي اختلطت وامتزجت بشكل طبيعي مع التصميم الساحر للمكان. سمعنا اللغتين العربية والعبرية اللتين امتزجتا معًا. شاهدنا طالبات يتبادلن أسرار الجمال، زبونات يشترين منتجات مصنوعة من قبل بيت الأزياء نفسه وأجرت لنا نوفار جولة وعرّفتنا بطاقم المعلمات والطالبات.
هناك انجذاب واضح من قبل البنات العربيات نحو تقنيات التجميل لدى بيطون (Noam Moskowitz)
لدى دخولي إلى أحد الصفوف رأيت مشهدا غريبا، رجل يبلغ نحو الأربعين من عمره يجلس على كرسي وينتظر هو وابنه إحدى الطالبات. ذهبت للاطمئنان عليه وأخبرني الرجل أنّه يأتي كل يوم إثنين صباحا مع زوجته من قرية طرعان. “لماذا تأتي معها كل مرة؟ ألا تثق بالوضع الأمني”؟، سألته. “في الحقيقة، فإنّ الأوضاع صعبة في الفترة الأخيرة وزوجتي امرأة متدينة وترتدي الحجاب. أفضل مرافقتها إلى حيفا بحيث أشعر بأمان أكثر”، أجاب الرجل. فهمت من هذه المحادثة الودّية بيننا أنّ زوجته تعمل في مجال التجميل منذ سنوات طويلة وقد أصرّت في الشهرين الأخيرين على القدوم للتعلّم لدى بيطون من أجل اكتساب المهنية. وهو نفسه أيضًا يعمل مصففا للشعر، فتحمّس جدا من طريقة المكياج والإحساس الذي يضفيه بيطون على كل مكياج وآخر. “أعتقد أنّ أساليب المكياج التي تُعلّم في المدرسة هنا أيضًا تلائم المجتمع العربي في إسرائيل. لا تخاف النساء في مجتمعنا من الألوان والتلوّن ويوسي بيطون متخصص بهذه الطرق من المكياج”.
يوسي بيطون هو نجم مقدّر من قبل الكثيرين من زبائنه (Noam Moskowitz)
ولدى دخولنا إلى أحد الصفوف جذبتني طالبة أخرى واسمها عبير كانت هي أيضًا ترتدي الحجاب. اقتربت منها لإجراء مقابلة معها وقد تحمّستْ. فهي تعمل في مجال التجميل منذ 8 سنوات وتملك محلا في أم الفحم لتجميل العرائس. “الحقيقة أنني راضية جدا عن هذه الدورة وعن يوسي بيطون سواء من حيث تقنيات المكياج أو من حيث الألوان والمواد التي يسوّقها”. سألتها إن كانت لا تخشى من الوصول إلى حيفا من أم الفحم فأجابت بشكل تلقائي تقريبا “عمّ تتحدث. أشعر بأمان كبير هنا مع الصديقات. نحن نتبادل التجارب، ولا نتحدث عن السياسة. الجمال يشغلنا ونحن نرغب في النجاح، تماما كبيطون نفسه”. “تحب الفتيات في المجتمع العربي العناية بأنفسهن ويبحثن طوال الوقت عن التجديدات. أنا أتعلم هنا طرقا جديدة وأستخدم منتجات ذات جودة، ويهمّني أن أكون مواكبة للتجديدات”، كما تضيف عبير.
طالبات يعرضن أنواعا مختلفة من المكياج (Noam Moskkowitz)
لم أستطع ترك المكان دون أن أشعر بسحر بيطون يؤثر في طالباته والمعلمات اللواتي يعملن في مصلحته. في محادثة قصيرة في مكتبه المزيّن في طرف المدرسة، تحدث معي عن معتقده الشخصي. كان سهلا أن أحدد بأنّ الرجل الذي يجلس أمامي، يتعامل مع المهنة التي اختارها لنفسه كعبادة روحية. “أرى كيف تكون ردّة فعل النساء عندما أقوم بتجميلهنّ. أحاول الوصول إلى قلوبهن من أجل منحهنّ ما يرغبن به، الثقة بالذات، الجمال والتألق”. يوضح لي بيطون أنّه بخلاف بقية مدارس التجميل في إسرائيل فهو لا يعلّم التقنيات فقط، وإنما يعلم أسرار فنّ المكياج “عندما أدركتُ في شبابي أنّني أرغب بتطوير عملي في المكياج، فهمت فورا أنّ ذلك سيكون شيئا ما وراء المهنة، بالنسبة لي فهو فنّ بكل معنى الكلمة”. أدرك بيطون أنّه أراد ممارسة التجميل منذ سنّ صغيرة ولذا ذهب إلى باريس لدراسة فنّ المكياج المهني. بعد ذلك فورا بدأ عام 2004 بإقامة مدرسته، وأراد المضي قدمًا بمعرفته ورغبته، وقد نجح في ذلك.
خبير المكياج يوسي بيطون (Noam Moskowitz)
تطرقنا خلال الحديث إلى موضوعات أخرى غير المكياج والجمال. “الناس اليوم موجودون في مفترق تطور مهم. يريد كل شخص تصميم مستقبل البشرية وبسبب ذلك تحدث الصدامات الخطيرة في العالم. أؤمن بالإنسان وبقدرته على المضيّ قدمًا والتخلي عن النظرة السلبية والعثور على معسكر مشترك للتعاون سواء كنت عربيا أو يهوديا، بالنسبة لي فهذا لا يهم في الحقيقة”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني