مقاتلون من أجل السلام

مراسم الذكرى الإسرائيلية الفلسطينية عام 2018 (Tomer Neuberg/Flash90)
مراسم الذكرى الإسرائيلية الفلسطينية عام 2018 (Tomer Neuberg/Flash90)

“لون دموع العائلات الثكالى لا يختلف”

أفراد العائلات الثكالى من الجانب الإسرائيلي يلتقون أفراد العائلات الثكالى من الجانب الفلسطيني في تل أبيب ويوضحون لـ"المصدر" الذي حضر المراسم المشتركة ما الذي يتغلب على الفارق الهائل بينهم

لم يتخيل منظمو الذكرى الإسرائيلية الفلسطينية أنه سيشارك نحو سبعة آلاف إسرائيليّ في الذكرى. ولكن يبدو أنهم سيرسلون باقات أزهار احتفالا بالإنجاز الكبير إلى عدوهم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، الذي حاول حظر مشاركة الفلسطينيين في المراسم، وأثار جدلا إعلاميا أدى إلى أن يشارك أكبر عدد من المشاركين في السنوات الـ 13 الماضية.

رغم الانتقادات الكبيرة التي أعرب عنها الإسرائيلييون ضد المراسم، ورغم تجاهل الفلسطينيين التام لهذه المعارضة تقريبا، قررنا حضور هذه المراسم وسماع آراء بعض المشاركين من العائلات الثكلى ومعرفة كيف ينجح أبناؤها في التغلب على الفجوة بين العدو المسؤول عن خسارة أعزائهم، وبين العائلات التي تشعر بألم وتعيش ثكلا شبيها.

رغم أني وصلت إلى المراسم ساعتين قبل بدئها، تلقيت تحذيرات في خيمة الصحافيين أنه قد تسود ضجة في المنطقة ويُفضل أن أجد مكانا ملائما أكثر لإجرءا المقابلات. ولكن مقابل الخيمة تقع المنصة التي يجري فيها المشاركون الاستعدادات الأخيرة، وأطلق المُتظاهرون من ورائها هتافات ضد إجراء المراسم. أثارت هذه المراسم ضجة كبيرة ومتواصلة. لا يولي الطاقم المسؤول عن إجرائها اهتماما للمعارضات والانتقادات التي تسمع ضدها منذ سنوات.

مراسم الذكرى الإسرائيلية الفلسطينية عام 2018 (Tomer Neuberg/Flash90)

“خائنون” قال متظاهر عبر مكبّر الصوت، ولكن لم يقل رامي إلحنان، ابن 68 عاما، الذي قُتلت ابنته في سن 14 عاما أثناء عملية إرهابية شيئا. “لا نحظى بمعاملة خاصة بصفتنا عائلات ثكلى”، أوضح. في السنتَين الماضيتَين بدأ إلحنان يشغل منصب المدير العامّ الإسرائيلي لمنتدى العائلات الثكلى، ويتعاون مع المدير العامّ الفلسطيني، مازن فرج.

يتحدث إلحنان بشكل مباشر وواضح . “نحن لا نتعانق، ولا نتباد القبل، ولا نأكل الحمص معا، ولكن نحارب الوضع الذي يسيطر فيه شعب على شعب آخر. ونؤمن أنه إذا حققنا التسوية، فسننجح في مهمتنا”، أوضح وأضاف: “يجمعنا عامل مشترك وهو معرفة أن الاحتلال أدى إلى وفاة أولادنا وأن هناك حاجة إلى حل النزاع عبر التحدث والتسوية وليس العنف”، هكذا وصف النشاطات المشتركة بين العائلات الثكلى من كلا الجانبين.

لم يؤمن إلحنان دائما بالتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. فهو يصف نفسه بصفته كان متهكما، لم يؤمن بالأمل والحلم بمستقبل مشترك، حتى فقد أغلى ما عنده. “الكارثة التي تعرضت لها، واللقاء مع العائلات الثكلى الفلسطينية أديا إلى تغييري تغييرا جذريا”، أوضح. “التقيت والدة فلسطينية كانت تتقلد  صورة ابنها الذي كان عمره 6 سنوات عند وفاته، كما كانت زوجتي تتقلد قطعة مخروط عليها اسم ابنتنا سمدار، وقد تغييرت حياتي كليا بعد هذا اللقاء. كانت المرحلة التي مررت بها مميزة. فبعد أن اكتشفت الجانب الإنساني لدى الجانب الآخر، بدأت بخوض مرحلة طويلة من تقرير المصير مجددا، بصفتي إسرائيليا، يهوديا، وإنسانا”.

مراسم الذكرى الإسرائيلية الفلسطينية عام 2018 (Tomer Neuberg/Flash90)

وأوضح أن الألم والثكل، يشجعان على ممارسة نشاطات من أجل السلام، ويشكلان مسؤولية تجاه الأجيال القادمة. “وشعرت أنه رغم كوني ضحية، يجب أن تنتهي المعاناة في هذه اللحظة. وأنني لن أستخدم مأساتي لجعل الآخرين ضحايا أيضا. نحن نسعى إلى استغلال الاحترام الهائل المتبادل لدى العائلات الثكلى، ونلاحظ أن هذه العائلات تصغي إلينا”.

لقد خسرت روبي دملين ابنها في الحرب، بعد أن قتله قناص فلسطيني. وأصبحت اليوم المتحدثة باسم العائلات الثكلى. “انضممت إلى منتدى العائلات الثكلى بعد أن قُتِل ابني. بعد أن أخبرتني قوات الجيش عن وفاته. فقلت لها فورا: أرجو ألا تقتلوا أحدا انتقاما لابني. أردت منع تعريض الآخرين للألم الذي أشعر به. أضع قناعا على وجهي وأضحك، ولكن عندما أستيقظ كل يوم صباحا أواجه الألم من جديد. وعند الخلود للنوم ليلا، يكون لون الدموع شبيها لدى الجميع. لهذا يخاف الكثيرون من المراسم التي نجريها لا سيما أننا نثير الأحاسيس، ويصعب على الكثيرين مواجهة هذه الحقيقة”.

مراسم الذكرى الإسرائيلية الفلسطينية عام 2018 (Tomer Neuberg/Flash90)

وفق أقوال روبي، فقبل أن تخسر ابنها كانت ناشطة من أجل السلام مع الفلسطينيين، وكان ابنها ناشطا أيضا. “كان ابني ناشطا من أجل السلام. لا يفهم الأشخاص المعضلة التي يشعر بها ضابط شاب عندما يعود من الخدمة العسكرية ويقول لا أريد أن أخدم في الأراضي، ولكن ماذا يكون مصير الجنود الذي يعملون تحت إمرتي؟ وكان يوضح أنه نظرا لأن الخدمة العسكرية إلزامية، فسيحترم هذا القرار والجنود أيضا”.

ومع ذلك، وفق أقوالها، فهي تتعرض لتحديات حساسة أثناء النشاطات من أجل دفع الحوار مع الفلسطينيين قدما. “عندما ألقي القبض على الشاب الذي قتل ابني، شعرت بصعوبة كبيرة. ماذا يمر هذا الشاب المعتقل؟ أرسلت رسالة إلى عائلته. بعد ثلاث سنوات أرسل إليّ رسالة أوضح فيها أني مجنونة وطلب مني الابتعاد عن عائلته. كانت القضية معقدة. لقد خاف لأنه كان يُعتبر بطلا فلسطينيا بعد أن قتل عشرة أشخاص. وعرفت من والديه أنه شاهد في صغره كيف قتل الجنود عمه”.

مراسم الذكرى البديلة المشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين ( Tomer Neuberg / Flash90 )

يدفع كل من روبي وإلحنان ثمنا باهظا إزاء دعمهما لمراسم الذكرى المشتركة. يوضح إلحنان أنه يسمع انتقادات قاسية من المقربين منه: “يقول لي أصدقائي إنني أصبحت مجنونا. وقد توقف الكثير من أصدقائي عن التحدث معي، وبالمقابل بدأ أشخاص كثيرون يتحدثون معي. لدي علاقة جيدة مع أشخاص كثيرين. ونحن نلقي محاضرات في أحيان كثيرة في المدارس، وهذه المهمة ليست سهلة. فهذه الخطوة أشبه بخوض جبل بركاني. وإذا أعرب طالب واحد في الصف في النهاية عن رضاه فهذه أعجوبة. عندها أشعر وكأنني أمنع سفك نقطة من الدماء. هناك أهمية كبيرة لنقطة الدماء في اليهودية. ونحن نتلقى ردود فعل رائعة من الشبان”.

ورغم التقارب الذي نشأ بيننا وبين الفلسطينيين في منتدى العائلات الثكلى ومراسم الثكل المشتركة، لا يخفي إلحنان أحاسيسه التي يشعر بها منذ مقتل ابنه. “أشعر بغضب أتوقع أنه سيرافقني دائما. السؤال الذي يُطرح ما الذي يمكن العمل مع هذه المشاعر. يمكن استخدامها استخداما سيئا أو جيدا. لقد كانت وفاة ابنتي كارثة ولكني لم أفقد صوابي. أعرف أنه إذا قتلت شخصا أو ألحقت به ألما فهذا لن يعيد ابنتي ولا يخفف من ألمي. ليس هناك أي حجر في القدس يستحق سفك نقطة دماء الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء”.

اقرأوا المزيد: 853 كلمة
عرض أقل
صورة من لقاء أفراد عائلات إسرائيلية فلسطينية
صورة من لقاء أفراد عائلات إسرائيلية فلسطينية

المحكمة العليا تسمح ل90 فلسطينيا المشاركة بمراسم ذكرى في تل أبيب

واحدة من القضاة في الجلسة الخاصة التي نظرت في قرار ليبرمان منع فلسطينيين من المشاركة في مراسم ذكرى إسرائيلي – فلسطيني ثكلت ابنها في عملية فلسطينية وكتبت أن مشاركة الفلسطينيين تبعث رسالة تآخي وسلام

17 أبريل 2018 | 11:29

محكمة العدل العليا تقلب قرارا لوزير الدفاع الإسرائيلي منع ممثلين فلسطينيين الوصول إلى حفل الذكرى المشترك للعائلات الثكلى الإسرائيلية – الفلسطينية في تل أبيب: أصدرت محكمة العدل العليا، اليوم الثلاثاء، قرارا يلغي أوامر لوزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، بمنع أفراد عائلات فلسطينية ثكلى من دخول إسرائيل للمشاركة بحفل مشترك إسرائيلي فلسطيني للعائلات الثكلى في تل أبيب، استجابة لطلب منظمي الحفل الذين قدموا استئنافا ضد قرار ليبرمان.

وقرر 3 قضاة محكمة العدل العليا، برئاسة رئيسة المحكمة، إستير حيوت، السماح ل90 فلسطيني من الدخول إلى إسرائيل على وجه عاجل للمشاركة في الحفل الذي سيعقد اليوم مساءً في تل أبيب. وكتب القضاة في قرارهم أن اعتبارات ليبرمان لمنع الفلسطينيين من المشاركة في الحفل تفتقر إلى مراعاة مشاعر العائلات الإسرائيلية الثكلى الذين يريدون إقامة حفل مشترك مع الفلسطينيين.

واللافت في قرار المحكمة أن إحدى القضاة الذين بتّوا في القضية ثكلت نجلها في عملية نفذها فلسطيني، وهي القاضية عنات برون، والتي كتبت أن مشاركة الفلسطينيين تحمل رسالة طيبة وسلمية وأن الدولة لم توفر أسبابا مقنعة لرفضها الشامل لدخول الفلسطينيين.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي قد أعلن، أمس الاثنين، أنه يرفض التسوية التي اقترحها قضاء محكمة العدل العليا السماح لدخول وفد فلسطيني ممثل للعائلات الفلسطينية الثكلى للمشاركة في حفل الذكرى المشترك إثر الاحتجاج على قرار ليبرمان من قبل منظمي الحفل المشترك وتقديم شكوى للمحكمة.

وكتب ليبرمان أنه يحترم الهيئة القضائية العليا في إسرائيل لكنه لن يسمح بدخول إي فلسطيني إلى إسرائيل للمشاركة في الحفل وذلك لأن الحفل المشترك الذي يتزامن مع يوم ذكرى الشهداء الرسمي لإسرائيل يمس بمشاعر العائلات الثكلى الإسرائيلية حسب وصف ليبرمان. وأضاف أن يوم ذكرى الشهداء يعد يوما رسميا مقدسا ويجب أن يبقى كذلك.

وكان منظمو الحفل، حركة مقاتلين من أجل السلام الإسرائيلية ومنتدى العائلات الثكلى الإسرائيلي الفلسطيني ، قد قدموا شكوى للمحكمة مطلع الأسبوع احتجاجا على قرار ليبرمان منع 202 أفراد عائلات ثكلى فلسطينية من الدخول إلى إسرائيل. وكتب المحتجون أن قرار ليبرمان لم ينبع من اعتبارات موضوعية أو أمنية لأن القرار كان شاملا.

وأضاف هؤلاء أن دخول فلسطينيين للمشاركة بحفل مشترك يحمل رسالة سلام وتضامن ولا يمكنه أن يمس بمشاعر أحد، مشددين على ضرورة السماح للفلسطينيين المشاركة في الحفل الذي سيعقد اليوم مساءً وفق الأحكام العسكرية التي تقضي بتفتيش الفلسطينيين.

اقرأوا المزيد: 341 كلمة
عرض أقل
مراسم الذكرى الإسرائيلية - الفلسطينية (مقاتلون من أجل السلام/facebook)
مراسم الذكرى الإسرائيلية - الفلسطينية (مقاتلون من أجل السلام/facebook)

انتقادات لليبرمان لمنعه فلسطينيين من المشاركة في مراسم ذكرى مشتركة

لم يُسمح للفلسطينيين المدعوين للمشاركة مع الإسرائيليين بمراسم الذكرى المشتركة الدخول إلى إسرائيل لأن وزير الدفاع يعتقد أن "المراسم تفتقد إلى الحساسية"

قرر وزير الدفاع الإسرائيلي، ليبرمان، حظر دخول الفلسطينيين الثكالى المدعوين للمشاركة في مراسم مشتركة مع عائلات إسرائيلية ثكلى، وغرد في تويتر: “حظرت دخول 110 فلسطينيي إلى إسرائيل ومنعت مشاركتهم في “مراسم مشتركة”، إسرائيلية وفلسطينية، كانت ستجرى عشية يوم ذكرى شهداء الجيش الإسرائيلي. لن أسمح بتدنيس ذكرى شهدائها. لا تشكل هذه المراسم ذكرى للضحايا بل استعراضا عديم الحساسية يمس بمشاعر العائلات الثكلى الغالية”.

ولكن يعارض الكثيرون تصريحات ليبرمان، لهذا كتبت رئيسة حزب ميرتس، تمار زاندبرغ، “في منتدى العائلات الثكلى، تشارك عائلات فقدت أعزاءها، وجعلت من الألم أملا. من المؤسف أن وزير الدفاع يحاول القضاء على هذا الإنجاز السياسي، مستخدما صلاحياته الأمنية لمنع العائلات من إحياء هذه الذكرى وفق الطريق الذي تراه مناسبا: “طريق خوض السلام وإنهاء النزاع”.

مراسم الذكرى الإسرائيلية – الفلسطينية (مقاتلون من أجل السلام/facebook)

كما هي الحال في محاولات كثيرة للإضرار بنشاطات جمعيات ومنظمات مدنية، أدت معارضة السياسيين إلى دفع الكثيرين لدعم إجراء المراسم المشتركة بسبب معارضة ليبرمان. غردت متصفحة إسرائيلية في تويتر أن منظمي المراسم “لم يتخيلوا كسب اهتمام جمهوريا أفضل من تغريدة ليبرمان ضدهم”.

لقد ألغيت تصاريح دخول فلسطينيين إلى إسرائيل للمشاركة في المراسم، ولكن يبدو أن هذه الخطوة لن تمنعهم من المشاركة في المراسم عن بُعد. “في هذا العام أيضا، ستقام مراسم في بيت جالا أيضا وسيشارك فيها فلسطينيون لم يسمح لهم بالدخول إلى إسرائيل. سيوضح آلاف الإسرائيليين الذين سيشاركون في المراسم التي يجريها منتدى العائلات الثكلى في متنزه اليركون، لليبرمان أنه مخطئ”، غرد متصفح إسرائيلي آخر يدعم إجراء المراسم المشتركة.

مراسم الذكرى الإسرائيلية – الفلسطينية هي مراسم ذكرى مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين وتجرى منذ 13 عاما في عشية يوم ذكرى شهداء معارك إسرائيل وضحايا العمليات الإرهابية. تنظم هذه الذكرى حركة “مقاتلون من أجل السلام” بالتعاون مع “منتدى العائلات الثكلى”. يسعى منظمو الذكرى إلى نقل رسالة توضح أن على كلا الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، أن يسعيا إلى وقف سفك الدماء.

اقرأوا المزيد: 279 كلمة
عرض أقل
مراسم مشتركة لذكرى شهداء حروب ومعارك إسرائيل وضحايا الإرهاب (Noam Moskowitz)
مراسم مشتركة لذكرى شهداء حروب ومعارك إسرائيل وضحايا الإرهاب (Noam Moskowitz)

من داخل الألم ينمو الأمل

مراسم يوم الذكرى الاستثنائية والتي خلّد فيها إسرائيليون وفلسطينيون ضحايا الصراع من كلا الطرفين، توفّر منذ عشر سنوات على التوالي بديلا لدى من يعتقد أنّ هناك طريقا آخر. "الدم هو نفس الدم، والألم نفس الألم". تغطية خاصة

في ظلّ محاولات هيئات في اليمين الإسرائيلي لمنع مراسم مشتركة لذكرى شهداء حروب ومعارك إسرائيل وضحايا الإرهاب لمنظمة تدعى “مقاتلون من أجل السلام” و “منتدى العائلات الثكلى”، ورغم الدعوات إلى منع دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل للمشاركة في هذا الحدث، انعقدت أمس في تل أبيب، للسنة العاشرة على التوالي، مراسم إسرائيلية – فلسطينية لإحياء ذكرى الشهداء، والتي تسعى إلى تخليد ضحايا الصراع من كلا الطرفين، وتدعو إلى إيقاف دائرة العنف التي تولّدُ كلّ عام المزيد والمزيد من الضحايا. وقد سُجّل هذا العام حضور قياسيّ في المراسم، واضطرّ آلاف الإسرائيليين الذين حضروا للمشاركة بالمراسم إلى البقاء خارجًا لعدم وجود أماكن كافية، وشاهدوا المراسم على الشاشات.

في مساء يوم ذكرى الشهداء، وهو أحد أهمّ الأيام في التقويم الإسرائيلي، والذي تكتنفه أجواء من القداسة والفجيعة، اجتمع في تل أبيب أبناء العائلات الثكلى، من الإسرائيليين والفلسطينيين الذين فقدوا أغلى ما لديهم، بسبب الصراع المستمرّ، وأرسلوا رسالة واضحة: هناك طريق آخر. يمكن تذكّر وتكريم الذين سقطوا، ولكن دون الدعوة إلى الانتقام، بل إلى التغيير. دون التخطيط للحرب القادمة، وإنما التخطيط للسلام.

النصب التذكاري: "ضريح لضحايا الصراع المستقبليين" (Noam Moskowitz)
النصب التذكاري: “ضريح لضحايا الصراع المستقبليين” (Noam Moskowitz)

عند ساحة مدخل المراسم تم وضع نصب تذكاري: “ضريح لضحايا الصراع المستقبليين”. كتلة من الخرسانة الرمادية وفيها نوافذ صغيرة. من ينظر من خلالها، يرى قبرًا، نُقش عليه شعار منتدى العائلات الثكلى: “نحن لا نريدكم هنا”، بالعبرية، العربية والإنجليزية. وتمنح المجموعة المتنوعة من المرايا حول القبر للمُشاهد شعورا بأنّه ينظر إلى مقبرة ضخمة، مليئة بقبور ضحايا الصراع المستقبليين.

النصب التذكاري: "ضريح لضحايا الصراع المستقبليين"
النصب التذكاري: “ضريح لضحايا الصراع المستقبليين”

ويحكي هذا المنظر المزعزِع في الواقع قصة هؤلاء المشاركين: لقد فقدنا أحبّاءنا حقا. تعالوا نفعل كل شيء كي لا نفقد أحدا آخر بعد.

ومع ذلك، رغم رسالة المصالحة، وربّما بسببها، يعارض اليمين الإسرائيلي إقامة هذه المراسم، بل هناك من ذهب للتظاهر أمامها محتجّا. معظم الشعب الإسرائيلي مندهش إزاء اختيار مشاركة فلسطينيين في هذا اليوم الإسرائيلي جدّا.

“جاءت هذه المراسم، من بين أسباب أخرى، لتشير إلى حقيقة مهمّة جدّا، والتي – لسبب ما – يتنكّر لها الجميع: وهي أنّ البشر متساوون، ودمهم هو نفس الدم، وألمهم هو نفس الألم”

وفي محادثة مع أفنير هوروفيتس، وهو إسرائيلي يهودي ناشط في منظمة تدعى “مقاتلون من أجل السلام” وعضو منتدى العائلات الثكلى، ومع أحمد جعفري، فلسطيني مسلم ناشط هو أيضًا في المنظمة، حاولنا أن نفهم عميقًا أهمية هذا الحدث بالنسبة لمنظّميه والمشاركين فيه.

لامست قصّة أفنير قلبي فورًا. “ترعرعت في أسرة إسرائيلية عادية، من منتخبي اليسار. ومثل كل إسرائيلي وطني، يحبّ دولته، انضممت إلى الجيش وخدمت في سلاح المخابرات. عندما كنت في التاسعة عشر من عمري، سافر والداي في رحلة منظّمة للإسرائيليين إلى مصر. قرب الإسماعيلية، فتحت سيارة النار صوبهم، وتم إلقاء القنابل اليدوية. قُتل والديّ على الفور، وأصيبت أمّي بجروح طفيفة”. رغم الفقدان الصعب، واصل أفنير حياته الروتينية. في كل يوم ذكرى الشهداء، ذلك اليوم المخصّص للعائلات الثكلى، يتجنّب أفنير الذهاب إلى مراسم ذكرى الشهداء الرسمية. لا يشعر بالانتماء.

أفنير هوروفيتس (Noam Moskowitz)
أفنير هوروفيتس (Noam Moskowitz)

“كان صعبًا عليّ أن أستمع إلى النصوص”، كما يقول. “ليس فقط أنّها لم تساعدني، بل على العكس. لقد أثارت غضبي. فضّلت العزلة في معايشة حزني الخاصّ. لم أستطع الارتباط بهذا الحزن العام الذي يربط كلّ البلاد”. اتضح لي فورا ما هي “النصوص” التي تحدّث عنها أفنير. وهي نصوص نموذجية ليوم ذكرى الشهداء، عن أهمية التضحية من أجل الدولة، نصوص مليئة بالتأسّي وتمجيد الضحايا والمقاتلين. ولكن قبل ستّ سنوات حدث تغيير عند أفنير.

“وصلتُ صدفة إلى مراسم “مقاتلون من أجل السلام”، والتي كانت لا تزال صغيرة وغير معروفة. شعرت بإحساس من الراحة. شعرتُ فجأة بأنّني أستطيع الارتباط، وأن حزني هو جزء من حزن أكبر. فجأة أخذت وفاة والديّ دلالة أخرى، إضافية. منحني ذلك أملًا”.

في أعقاب المراسم انضمّ أفنير إلى “مقاتلون من أجل السلام”، ومنذ ذلك الحين وهو ناشط في المنظّمة، يلتقي مع النشطاء الفلسطينيين من منطقة نابلس، وينظّم معهم فعاليات ويخطّط لكيفية تغيير الواقع. يعيدون سوية إعمار المناطق التي تُدمّر في غارات الجيش الإسرائيلي، يجرون الفعاليّات للأسر والأطفال الفلسطينيين، ينظّمون جولات للإسرائيليين في الأراضي المحتلة ولقاءات مع فلسطينيين الذين يحكون لهم كم هو أمر مؤثّر أن  تحيا تحت حكم عسكري. الحدث الأكبر لدى المنظّمة هو يوم ذكرى الشهداء المشترك.

متظاهرون من اليمين الإسرائيلي أمام المراسم المشترك (Noam Moskowitz)
متظاهرون من اليمين الإسرائيلي أمام المراسم المشترك (Noam Moskowitz)

أسأل أفنير بخصوص ردود الفعل لدى الشعب الإسرائيلي حول هذه المراسم، وماذا يمكن أن يقال لكل أولئك الذين يعارضون إقامتها.

“أستطيع أن أتفهّم المعارضين. إنّه موضوع دقيق وحسّاس جدّا في المجتمَع الإسرائيلي، وأستطيع أن أتفهّم بأنّهم يتأذّون من مجرّد إقامة المراسم. ومع ذلك، أعتقدُ أن لديّ – كابن لأسرة ثكلى – الحقّ في إقامة هذه المراسم، التي تمنحني الراحة والقوة على مواجهة الفقدان. من يشعر أن المراسم تمس به، يمكنه ببساطة ألا يشارك. وصحيح أن الحديث عن “قدس الأقداس” لدى المجتمع الإسرائيلي، ولكنّه ينتمي لي أيضًا، ويجب أن يكون أكثر اتّساعًا ليقبلني ويقبل أشخاص ذوي آراء أخرى أيضًا. لست مستعدّا لإقصائي في هذا اليوم”.

ومع ذلك، فأنا أصر: أحد أصعب الأمور على العائلات الثكلى في إقامة هذه المراسم هو أن يتم فيها تخليد الأشخاص الذين شاركوا في دائرة العنف، الذين قُتلوا لأنّهم ألقوا الحجارة وحاولوا إيذاء الإسرائيليين، بالإضافة إلى ضحايا بريئين. ألا يوجد مكان في رأيك للقيام بهذا الفصل؟

“شعرتُ فجأة بأنّني أستطيع الارتباط، وأن حزني هو جزء من حزن أكبر. فجأة أخذت وفاة والديّ دلالة أخرى، إضافية. منحني ذلك أملًا”

“نحن لا نخلّد القتلة في هذه المراسم. ليس من الجانب الفلسطيني، مثل الإرهابيين الانتحاريين، ولا من الجانب الإسرائيلي، مثل باروخ غولدشتاين، الذي قتل المصلّين في الحرم الإبراهيمي”، كما يقول. “من يشارك في المراسم هم أشخاص يؤمنون بنبذ العنف. قد يكون في أسرتهم أشخاص يؤمنون بالعنف، أو أن ابنهم قُتل لأنّه ألقى الحجارة. ولكن بسبب ذلك تحديدا فنحن نرحّب بذلك؛ أي بالتغيير الذي قامت به هذه العائلات، عندما فهمت أنّ ذلك العنف ليس هو الطريق الصحيح. هنا يكمن الأمل؛ حيث يفهم الإسرائيليون والفلسطينيون على حدّ سواء بأنّ دائرة العنف تتغذّى على نفسها، ولا تقدّمنا إلى الأمام، وحان الوقت لكسرها”.

تلقيت رسالة مشابهة أيضًا من أحمد جعفري. أحمد أيضًا هو عضو في منتدى “العائلات الثكلى”، بعد أن فقد عمّان بسبب الصراع. قُتل أحدهما بعد أن أضرب عن الطعام في السجون الإسرائيلية وتوفي عندما فُرضت عليه “التغذية القسرية”. وقد مكث هو بنفسه في السجون الإسرائيلية لعدّة سنوات، في السنوات التي سبقت الانتفاضة الأولى، بسبب إلقاء الحجارة.

أحمد جعفري (Noam Moskowitz)
أحمد جعفري (Noam Moskowitz)

“تعلّمتُ العبريّة في السجون الإسرائيلية. مكّنني ذلك من التعرّف عميقا على الإسرائيليين، الذين عرفتهم من قبل فقط كجنود على الحواجز يعطونني الأوامر. درست أيضًا تاريخهم وروايتهم بتعمّق”، كما يقول. حتى بعد أن تم إطلاق سراحه من السجن، استمرّ في متابعة ما يجري في إسرائيل لاهتمامه بالمجتمع الإسرائيلي. صادف في إحدى المرات إعلانا يطلب متطوّعا لترجمة نشرة لتنظيم “مقاتلون من أجل السلام”. تطوّع وقام بالترجمة، وذهب بعد ذلك إلى فعالية للمنظّمة.

“ذُهلتُ لاكتشافي أنّ بعض أصدقائي الذين كانوا معي في السجون الإسرائيلية هم فجأة ناشطون في المنظّمة”، كما يتذكّر. ومنذ ذلك الحين فهو ناشط فعّال في المنظّمة.

كيف تتقبّل بيئتك نشاطك هذا؟ هناك معارضة للتطبيع وللعلاقات مع الإسرائيليين

“ما أقوم به ليس تطبيعًا. نشاطي مع الإسرائيليين ليس “حمّص وعناق”. نحن نعمل حول الصراع، وبشكل أساسي نبحث عن طرق لحلّه. عملنا المشترك هو الطريق للتوصّل إلى حلّ للصراع. لا يعارض المقربون مني ما أقوم به، ولكنّهم بالأساس يظنّون أنّه ليست هناك فائدة منه. مثل الكثير من الإسرائيليين، فإن الشعب الفلسطيني متشائم. إنّه يؤمن بحلّ الدولتَين ويريد التوصّل إلى مصالحة، ولكنّه لا يعتقد أنّ ذلك ممكنا. وأنا، بطبيعة الحال، أفكّر بشكل مختلف”.

عندما سألت أحمد ماذا لديه ليقول لأولئك الإسرائيليين الذين يعارضون قيام المراسم، أجاب: “الجهل وعدم الاعتراف بالآخر هما اللذان يؤديان إلى استمرار الصراع. جاءت هذه المراسم، من بين أسباب أخرى، لتشير إلى حقيقة مهمّة جدّا، والتي – لسبب ما – يتنكّر لها الجميع: وهي أنّ البشر متساوون، ودمهم هو نفس الدم، وألمهم هو نفس الألم”.

اقرأوا المزيد: 1163 كلمة
عرض أقل
"لا نريدكم هنا"
"لا نريدكم هنا"

فيديو: “لا نريدكم هنا”

فيديو يظهر فيه يهود وعرب يقولون "نحن لا نريدكم هنا" ينتهي بشكل مؤثر ومفاجئ – لا نريد المزيد من الأعضاء معنا في منتدى العائلات الثكلى

انتشر، في الأيام الأخيرة، في الشبكة الإسرائيلية فيديو إعلاني مؤثر جدًا يظهر فيه أشخاص من اليهود والعرب، الكبار والصغار، النساء والرجال، الفتيات والفتيان، ويقولون، كل واحد بلغته، “نحن لا نريدكم هنا”. في البداية لا يظهر القصد من وراء ذلك ويُخيّل لمن يشاهد الفيديو أن الحديث عن فيديو يُظهر الكراهية وكأن كل واحد من الجانبين لا يريد الآخر على أرضه.

حتى أنه في آخر الفيلم هنالك شخص يقول بعنف:”انصرفوا من هنا!”ولكن تثير اللهجة الهادئة والحزينة الموجودة في الفيديو وحقيقة مشاركة العرب واليهود الشكوك بأن هنالك مغزى مستتر من وراء ذلك.وبالفعل، يظهر “المغزى” في نهاية الفيديو، عندما تظهر عبارة:”نحن لا نريدكم هنا.”لا يريد منتدى العائلات الثكلى أن ينضم إليه أعضاء جدد”، والعبارة مكتوبة باللغتين، بالطبع.

كذلك كُتب:”فقد جميع المشاركين، إسرائيليين وفلسطينيين، أحد أفراد عائلتهم نتيجة الصراع.”منتدى العائلات الثكلى هي جمعية إسرائيلية فلسطينية مشتركة تأسست عام 1995 وتضم حاليًا أكثر من 600 عائلة من العائلات التي فقدت فردًا من العائلة نتيجة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المستمر.

ليس بالإمكان مشاهدة الفيديو دون التأثر والإحساس بالمرارة.شاهدوا أنتم أيضًا.

اقرأوا المزيد: 160 كلمة
عرض أقل
مشاركوالمَرسَم الإسرائيلي - الفلسطيني (Tomer Neuberg /Flash90)
مشاركوالمَرسَم الإسرائيلي - الفلسطيني (Tomer Neuberg /Flash90)

“السلام فقط سيوقف القتل”

في مرسم ذكرى مشترك، تذكّر إسرائيليون إلى جانب فلسطينيين ضحايا الصراع من كلا الجانبين، وتعرّف كلّ منهما على معاناة الآخر، وطالبا بإيقاف العنف وبدء الحوار

في مساء أمس (الأحد)، يوم الذكرى لمن قُتل من الجنود في معارك إسرائيل وضحايا الإرهاب، حيث تم في كلّ إسرائيل إقامة مراسم ذكرى إسرائيلية، فبرز مَرسَم  واحد أقيم في تل أبيب بتفرّده. كان ذلك مَرسَم مشترك إسرائيلي – فلسطيني نظّمتْه حركة “مناضلون من أجل السلام” للسنة التاسعة على التوالي.

تأسست حركة “مناضلون من أجل السلام”، كما تعرّف الحركة بنفسها، بشكل مشترك من قبل فلسطينيين وإسرائيليين، “ممن كانوا جزءًا نشيطا من دائرة العنف في منطقتنا: الإسرائيليون كجنود في جيش الإسرائيلي. والفلسطينيون كجزء من حركة المقاومة من أجل الحرية الفلسطينية”. بعد سنوات طويلة أمسكوا خلالها بالسلاح، و”ورأى الواحد منهم الآخر فقط من خلال فوهات البنادق”، قرّروا “أن يضعوا السلاح جانبًا، وأن يحاربوا من أجل السلام”.

ويعتبر مرسَم الذكرى المشترك الحدث السنوي الأكبر الذي تقيمه حركة “مناضلون من أجل السلام”. “في هذا اليوم الصعب تحديدًا ندعو كلا الجانبين إلى الاعتراف بالألم والأمل لأولئك الذين يعيشون على الجانب الآخر من الجدار وأن يحاولوا منع الحرب القادمة. هكذا، ربّما، في يوم الذكرى للعام القادم لن نضطرّ إلى عدّ المزيد من الضحايا”، كما جاء في موقع الحركة وفي الدعوة للمَرسَم.

صورة للقاء "مقاتلون من اجل السلام" عرضت خلال المراسم
صورة للقاء “مقاتلون من اجل السلام” عرضت خلال المراسم

أمس، في الساعة التاسعة مساءً، بعد نحو ساعة من سماع صفّارة الذكرى في أرجاء إسرائيل، اجتمع في قاعة كبيرة ومظلمة في تل أبيب المئات من الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين أتوا بسفريّات خاصّة من الضفة الغربية، بعد أن عملت الحركة بجدّ للحصول على تصاريح دخول لإسرائيل.

كانت غالبية الفلسطينيين الذين حضروا من أبناء عائلات ثكلى، ممن فقدوا طفلا، أختًا أو أحد الوالدين في الصراع. شارك من الجانب الإسرائيلي آباء لجنود قُتلوا في المعارك، إخوة لمواطنين أصيبوا في العمليات الإرهابية، والكثير من الآخرين الذين طلبوا التعبير عن تأييدهم للمَرسَم والأفكار التي من ورائه.

قال لنا أحد نشطاء الحركة عن المرسَم: “بدأ كلّ شيء من باب الحاجة إلى التواصل مع هذا اليوم. لدى الكثير منّا أشخاص قُتلوا في هذا الصراع، وصعوبة في التواصل مع المراسم التقليدية، حيث يتحدّث كلّ واحد عن ضحاياه، ولكنّه على الطريق يقوم بإعداد الجيل القادم مع الكثير من عناصر النزعة القومية والعنف.

نشعر أنّ الأمر الصحيح بالنسبة لنا، هو الاعتراف بأنّ هناك ضحايا من كلا الجانبين في هذا الصراع، وليس لدى طرف واحد فحسب. ومن أجل أن ينتهي هذا الصراع يجب علينا الاعتراف بضحايا الآخر. معظم الذين قُتلوا في هذا الصراع هم أشخاص طيّبون مع نوايا جيّدة، وعلينا أن نستمرّ قدمًا، وعدم البحث عن الجيل القادم من الشهداء، وإنّما إيقاف هذا الأمر هنا”.

ادارة مشتركة باللغتين
ادارة مشتركة باللغتين

صعد إلى المنصّة مقدّمان، إسرائيلي وفلسطيني، وأدارا المرسَم باللغتين العبرية والعربية. كان أحد الأمور الأكثر بروزًا في المَرسَم هو الاحترام المتبادل، والمساواة التامّة التي مُنحتْ لكلّ واحد من الجانبين، وهو مشهد نادر جدّا في إسرائيل في وقتنا الحاضر. بعد ذلك صعد إلى المنصّة نشطاء الحركة الذين طلبوا الحديث عن حزنهم، وعن الطريقة التي يتذكّرون بها ضحاياهم، أو كيف فقدوا أحبّاءهم نتيجة للصراع.

ولكنّ هذا المرسَم الفريد بعيد عن القبول بأذرع مفتوحة في إسرائيل. ربّما يعتبر يوم الذكرى الإسرائيلي “قدس الأقداس” للقومية الإسرائيلية. في يوم واحد يتوحّد كلّ الشعب في ذكرى الجنود والضحايا، والذين هم وفق الرؤية الإسرائيلية “قاتلوا من أجل إقامة الدولة، وبفضلهم نحن نقف هنا الآن”. في هذا اليوم يكون الجميع أكثر جدّية، وأكثر احترامًا، ويبدو الوقت وكأنّما هو لا يتحرّك. في المراسم الكثيرة في هذا اليوم، سواء كانت في المقابر أو في ميادين المدن، تحكي العائلات قصص الذين سقطوا، وتنفعل الجماهير معًا وتذرف الدموع.

ربّما بسبب ذلك، يجد الكثير من مواطني إسرائيل صعوبة في “ضمّ” حزن “غريب وخارجي”، وأكثر من ذلك، “حزن العدوّ”، مع هذا اليوم المهمّ. خلال الحفل تجمّع خارج القاعة نشطاء اليمين، لوّحوا بالأعلام الإسرائيلية، وهتفوا بشعارات عنف رهيبة ضدّ المرسَم و”الخونة” – بحسب تعبيرهم – الذين يقيمونه.

مظاهرة نشطاء اليمين خارج القاعة الحفل (Tomer NeubergFlash90)
مظاهرة نشطاء اليمين خارج القاعة الحفل (Tomer NeubergFlash90)

حين سألنا أحد نشطاء الحركة ماذا لديه ليقول لجميع هؤلاء الناس، قال: “أفهم من يجد صعوبة ويُعارض. بالنسبة لي أيضًا كان هذا اليوم “قدس الأقداس”، ولكن أن نحوّل ذلك إلى “قدس الأقداس” بالطريقة التي تمّت الآن، فهناك شيء من الصعب أن يتواصل معه الأشخاص الآخرون، حتى الأشخاص الذين كان أبناؤهم جنودًا أو قُتلوا في العمليات الإرهابية. والشعور هو أنّهم يستخدمون الضحايا التي كانت لهم من أجل استمرار التضحية والحرب.  نحن نريد الانتقال إلى مكان جديد.

وأضاف: “أعرف هذه الانتقادات. يسأل الكثيرون: لماذا في هذا اليوم تحديدًا؟ أستطيع التواصل مع مشاعر الذين يقولون ذلك، وأريد أن أقول لهم بأنّ هذا اليوم كان أيضًا مؤثّرًا عليّ، وأنا أيضًا أحتاج في هذا اليوم شيئا لأتعاطف معه. هناك قوّة لهذا اليوم، وفيه مشاعر صعبة، وفي هذا اليوم فقط يمكننا أن نقيم مراسم كهذه وأن نقول شيئا”.

وفي الجانب الفلسطيني، بطبيعة الحال، ليس من السهل تقبّل هذا التماهي مع الذكرى الإسرائيلية، والحزن على جنود الجيش الإسرائيلي، الذين هم الأعداء بالنسبة لهم. شاركني جمال، نشيط في الحركة، بقصّته الشخصية المؤثّرة، كيف اعتقل بعد إحدى المظاهرات التي شارك بها، وتلقّى الضربات أثناء التحقيق، حتى فقد وعيه وبصره في كلتا عينيه، وقدرًا فقط استطاع أن يبصر من جديد، ولكن علامات العنف ما زالت واضحة في الحَوَل الذي تركه المحقّقون عليه.

سمادار الحنان وعبير عرامين، طفلتين قتلتا في النزاع. والديهما من مؤسسي  حركة "مقاتلون من اجل السلام"
سمادار الحنان وعبير عرامين، طفلتين قتلتا في النزاع. والديهما من مؤسسي حركة “مقاتلون من اجل السلام”

بعد أن استعاد صحته، فهمَ أنّ العنف لن يؤدّي به، أو بالشعب الفلسطيني إلى أيّ مكان، وقرّر الانضمام للحركة. وهو ينفي ادّعاءات التطبيع، وقال عن معارضة المراسم: “صحيح أنّه في فلسطين أيضًا تُسمع هذه الدعوات، ضدّ فعاليّتنا وضدّ المراسم، ولكنّنا في داخلنا لم نعد نهتمّ لدعوات الإدانة والعنف، ونحن نعلم بأنّنا نفعل الشيء الصحيح. تمامًا كما أنّه في إسرائيل، فهم يقفون هنا في الخارج ويصرخون، فليصرخوا طوال الليل. هم يقولون ما يريدون ونحن نفعل ما نريد. وطريقنا هو الأكثر نجاحا”.

اقرأوا المزيد: 838 كلمة
عرض أقل