مسيحيّو مصر

الأقباط في الشرق الأوسط: بين القاهرة والقدس (AFP)
الأقباط في الشرق الأوسط: بين القاهرة والقدس (AFP)

الأقباط في الشرق الأوسط: بين القاهرة والقدس

حظر زيارة القدس، استفزاز الفتيات المسيحيات القبطيات في القاهرة ومضايقتهنّ، وسياحة الحجّ المزدهرة في عيد الفصح هي مزيج من العلاقات المعقّدة بين الأقباط، إسرائيل، ومصر

تُعتبَر الإزالة التدريجية للحواجز الجسدية بين الأقليات في الدول العربية المختلفة أحدَ الآثار الكثيرة للربيع العربي. وإحدى الحالات الخصوصية في هذا المجال هي الحضور المتزايد للحجّاج الأقباط في الأماكن المقدسة للعالَم المسيحي في القدس.

نذكر بدايةً أنه بعد التوقيع على معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، قرّر زعيم الكنيسة القبطية السابق، البابا شنودة الثالث (رحل عام 2012)، منعَ الأقلية القبطية في مصر من زيارة القدس “ما دامت تحت الاحتلال”، وما دام لم يجرِ حلّ القضية الفلسطينية. لكنّ البابا الحالي، تواضروس الثاني، بدأ عملية تغيير هذه السياسة.

أقباط مصر (AFP)
أقباط مصر (AFP)

فعلى سبيل المثال، أثار البابا تواضروس الثاني ضجة كبيرة في مصر والدول العربية حين قرّر زيارة القدس في تشرين الثاني 2015، للمشاركة في تشييع مطران الكنيسة القبطية للكرسي الأورشليمي، الأنبا أبراهام، الذي توفي حينذاك. وسرت شائعات في مصر أنه سافر في الطائرة نفسها التي سافر فيها السفير الإسرائيلي في القاهرة، الذي كان متوجها لقضاء عطلته الأسبوعية في إسرائيل. وكما ذُكر آنفًا، كان الأقباط قد توقّفوا عن زيارة أماكنهم المقدسة في القدس منذ حرب العام 1967.

يُذكَر أنّ هذه الزيارة النادرة لم تأتِ من فراغ. فمنذ وفاة شنودة عام 2012، وهو الذي أدان بشدة زيارة الأماكن المقدسة في القدس، ينتهز عدد متزايد من الأقباط غياب سياسة واضحة من أجل زيارة القدس في رحلات جوية مباشرة من مصر.

البابا تواضروس الثاني (AFP)
البابا تواضروس الثاني (AFP)

وإذا لم يكن ذلك كافيًا، بدأ الإعلام المصري قُبَيل عيد الفصح كلّ عام (بدءًا من سنة 2011 مع اندلاع أحداث الربيع العربي) يُثير السؤال: هل تنسجم زيارات الأقباط إلى القدس مع السياسة العربية تجاه إسرائيل؟

لا شكّ أنّ عادة الحجّ، التي تواصلت لقرون، في موسم عيد الفصح عمومًا، كانت أحد مصادر فخر الكنيسة القبطية في مصر. فالحجّ القبطي، المؤسس على رواية الكتاب المقدس حول فرار مريم، يوسف، والطفل يسوع إلى مصر من حُكم الملك هيرودس بالموت، مثّل العلاقة الخصوصية بين الكنيسة في مصر وبين البلاد المقدسة المجاورة. وكواحدة من الطوائف المسيحية الصغرى في القدس، لدى الكنيسة القبطية أملاك متواضعة في كنيسة القيامة، أضحت مراكز زيارة وجدانية بالنسبة للحجّاج الأقباط المصريين على مدى أجيال. ولكن بعد حرب الأيام الستة (نكسة 1967) وفرض السيادة الإسرائيلية على البلدة القديمة في القدس، توقف هذا التقليد ولم يُستأنَف حتى بعد التوقيع على اتّفاق السلام مع مصر.

مطران الكنيسة القبطية للكرسي الأورشليمي، الأنبا أبراهام (AFP)
مطران الكنيسة القبطية للكرسي الأورشليمي، الأنبا أبراهام (AFP)

مجتمع صغير، أقلية دينية كبيرة

الأقباط هم إحدى أقدم الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط. فقد كان معظم سكّان مصر مسيحيين حتّى ظهور الإسلام في القرن السابع، حين اعتنق الملايين الإسلام. وطوال التاريخ، شهد الأقباط فترات تمييز وفترات راحة بشكل متقطّع. فخلال العقود الثلاثة لعهد مبارك على سبيل المثال، نعم الأقباط بهدوء نسبي، ولكنهم بقوا ضحية للتمييز في الجامعات، الشرطة، والوظائف الحكومية. ولا تخلو الروايات الشعبية الواسعة الانتشار في مدن مصر الكبرى من الحديث عن فتيات قبطيات اختُطفنَ وأُكرهنَ على اعتناق الإسلام.

أقباط مصر (AFP)
أقباط مصر (AFP)

مع تولي محمد مرسي، المنتمي إلى الإخوان المُسلمين، رئاسة الجمهورية في حزيران 2012، ساد ذُعر لدى الأقباط في مصر ممّا قد يخبئه لهم المستقبل. بشكل عامّ، يُعارض الإخوان المُسلمون ممارسة العنف ضدّ الأقباط. فخلال عهده الرئاسي، أدان مُرسي مضايقة الأقباط، رغم أنه حمّلهم المسؤولية عنها، واهتمّ بتعيين أقباط في مناصب وزارية واستشارية في حكومته. أمّا مَن يُعتبَرون أعداء الأقباط فهم السلفيون، الذين تحالفوا مع الليبراليين في الاحتجاجات الأخيرة للإطاحة بمرسي.

https://www.youtube.com/watch?v=zgmO_W7ZHkU

يُشكّل الأقباط، البالغ عددهم 8 – 10 ملايين في مصر (من أصل نحو 50 مليونًا في العالم، بشكل أساسي في إثيوبيا، إريتريا، ومصر) نحو عُشر سكّان مصر والأكثرية الساحقة من المسيحيين فيها. وهم يسكنون في المدن الكبرى، مثل القاهرة والإسكندرية. ومنذ الانقلابَين اللذَين أطاحوا بالرئيسَين محمد حسني مبارك ومحمد مرسي، يُعاني الأقباط من مُضايَقات متكررة.‎ ‎فقد قُتل العشرات منهم في مواجهات في السنوات الخمس الأخيرة، أُحرقت كنائس، وأخبرت منظمات حقوق الإنسان عن الاعتداء على نساء يُضربنَ ويُكرهنَ على ارتداء الحجاب والتفوّه بالشهادتَين.

ومنذ عقود، يُغادر أفراد الطبقة الوسطى والمثقفون الأقباط مصر والشرق الأوسط – إلى الولايات المتحدة، بريطانيا، وأستراليا – بحثًا عن تعليم أفضل ومستقبل مهنيّ واعد أكثر.

الأقباط في إسرائيل

هل تنسجم زيارات الأقباط إلى القدس مع السياسة العربية تجاه إسرائيل؟ (Flash90/Nati Shohat)
هل تنسجم زيارات الأقباط إلى القدس مع السياسة العربية تجاه إسرائيل؟ (Flash90/Nati Shohat)

تعود الشهادات على حُضور للأقباط في القدس إلى أوائل القرن الميلادي التاسع. ومنذ عام 1236، عُيّن مطران قبطي على القدس، ولا تزال المطرانية القبطية موجودة فيها مذّاك. مبنى المطرانية موجود في دير مار أنطونيوس، المجاوِر لكنيسة القيامة. إضافة إلى ذلك، يمتلك الأقباط بعض أماكن الصلاة في كنيسة القيامة.

ويدور صراع قديم بين الأقباط وبين الكنيسة الإثيوبية حول ملكية دير السلطان، بناية موجودة على سطح كنيسة القيامة. وكان هذا النزاع قد نشأ حين سيطرت الشرطة الإسرائيلية في عيد الفصح عام 1970 على الأملاك القبطية في “دير السلطان”، إذ استبدلت الشرطة الأقفال في البطريركية القبطية وسلّمت المفاتيح لجيرانهم – رهبان الكنيسة الحبشية. نُظر إلى نقل المفاتيح إلى الرهبان الأحباش تحديدًا، إثر العلاقات الشائكة بين الكنيستَين وصراعهما التاريخي على “دير السلطان”، كخطوة استفزازية تهدف إلى تحسين العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا، وذلك إثر العلاقات السيئة بين إسرائيل ومصر قبل توقيع معاهدة السلام بينهما. يسكن اليوم في المبنى رهبان إثيوبيون وراهب قبطي واحد. وبسبب النزاع، فإنّ المبنى اليوم في حالة سيّئة.

يسكن معظم الأقباط في القدس في خان الأقباط، مبنى في حيّ النصارى بُني عام 1838. ولا يتعدى عدد الأقباط في القدس اليوم عشرات العائلات. كما يسكن بعض الأقباط في الناصرة، ويحملون اسم العائلة “قبطي” ويبلغ عددهم نحو ألفَين. في مدينة يافا الساحلية، كانت هناك جماعة قبطية لديها كنيسة ونزل، لم يبقَ منها اليوم سوى قليلين. كما يسكن عدد من العائلات المسيحية التي تحمل الاسم “قبطي” في مدينة حيفا.

زيارة القدس: علنًا أم سرًّا

لدى الكنيسة القبطية أملاك متواضعة في كنيسة القيامة (Flash90)
لدى الكنيسة القبطية أملاك متواضعة في كنيسة القيامة (Flash90)

انتُخب البابا تواضروس الثاني في تشرين الثاني 2012 لقيادة الكنيسة القبطية في مصر، وسُرعان ما واجه القضية. فقد ذكرت الصحافة المصرية أنّ هذا كان السؤال الأول الذي وجّهه إليه أفراد المجتمع القبطي. من أجل بلورة إجابة مدروسة، التأم “المجمع المقدس” للأساقفة في مصر برئاسته، وأعاد بحث المسألة. في النهاية، قرّر المجمع، مخيّبًا آمال أقباط عديدين، الإبقاء على الوضع القائم وعدم السماح للمعنيين بزيارة القدس أن يفعلوا ذلك. وكانت اعتبارات المجمع مبرّرة، إذ كان وضع الأقباط في مصر حسّاسًا حينذاك، إثر تعزيز مكانة الشريعة الإسلامية في الدستور المصري الذي كانت تتمّ صياغته. استنادًا إلى ذلك، اختار قادة الطائفة عدم التسبّب باحتكاك غير ضروريّ بين الأقباط وجيرانهم المُسلمين.

في شباط 2014، نُشر أنّ نحو 10 آلاف قبطي زاروا القدس عام 2013. وفي مصر، يعمل نحو عشرين شركة سفر على نقل الحجاج الأقباط ضمن رحلات منظّمة مدّتها أسبوع إلى القدس في أعياد الفصح. يتراوح سعر رحلة كهذه بين 9000-10000 جنيه مصري، وهي منوطة طبعًا بموافقة إسرائيل، التي تُمنَح للنساء والأطفال والرجال المولودين بعد عام 1970. قُبَيل عيد الفصح عام 2014، كتب الصحفي مجدي نجيب وهبة في موقعه على الإنترنت “صوت الأقباط المصريين” (مُغلَق حاليًّا) مقالة استثنائية في حدّتها حول الحظر الكنيسي على زيارة القدس. فقد انتقد البابا شنودة وخلفه، متّهمًا إياهما بالانجراف نحو الجوّ السياسي العربي ضدّ إسرائيل، ممّا أفاد القوى المعادية لمصر أيضًا. ولم يُخفِ وهبة في المقالة دعوته إلى عصيان الكنيسة وزيارة القدس.

أقباط مصر (AFP)
أقباط مصر (AFP)

تدلّ هذه الأقوال، التي تتحدى المؤسسة الكنسية القبطية من جهة وقواعد النقاش السياسي المصري من جهة أخرى، على تطوّرات في السلوك السياسي والاجتماعي للأقباط في مصر ونظرتهم إلى إسرائيل والمجتمع القبطي الصغير الذي لا يزال موجودًا في إسرائيل. صحيح أنّ النقاش حول الحجّ القبطيّ يتمّ على هامش الأحداث التاريخية التي تعيشها مصر اليوم، لكن لهذا السبب تحديدًا يمكن أن يدلّ على تعقيد الأحداث الجارية.

ففيما كان يبدو أنّ المجتمع في مصر يمرّ بعملية تسييس مُسرَّعة، يُبيّن الأقباط أنّ زيارة القدس هي شأن دينيّ بحت، لا يجب أن يُنسَب له أيّ معنى سياسي. وفيما كان يبدو أنّ الشارع المصري ينحو نحو التطرّف في شأن التطبيع مع إسرائيل، يجد الكثيرون من المسيحيين والمسلمين أنفسهم يزورونها أو يتعاونون معها، علانية أو في الخفاء.

نُشر جزء من المعلومات في هذا التقرير، حول العلاقة بين الأقباط المصريين والقدس، للمرة الأولى في مقالة للباحث الإسرائيلي، دوتان هليفي، في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 1181 كلمة
عرض أقل
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

المسيحيون في الشرق الأوسط- عالم يتلاشى

لماذا يغادر المسيحيّون الشرق الأوسط؟

أكثر من 100 ألف مواطن مصري مسيحي يتركون مصر في كل سنة، وخاصة منذ بدء “الربيع العربي”. في الواقع، هم لم يتركوا بل هربوا. يكشف معطى مثير للاهتمام عن ظاهرة واسعة منتشرة اليوم في كل دول الشرق الأوسط وتهدد تغيير المزيج الطائفي في إحدى الأماكن الحساسة دينيًّا، في العالم.

في العقد الأخير، طرأ تغيير ديموغرافي غير مسبوق مع هروب، ترك المسحيين بلادهم في دول الشرق الأوسط. في أوساط مجتمع محليّ يتألف من 12 مليون مسيحي في عدد من الدول العربية الإسلامية، بدأت هجرة عن محض إرادة أو عن عدمها لمئات آلاف المسيحيين إلى دول أوروبا، الولايات المتحدة وجنوب أمريكا.

إن الحروب الضارية في الشرق الأوسط، صعود حركات سلفية ونظام حكم موالي للإسلام، الحرب في العراق وطرد صدام حسين، والذي دافع نسبيًّا عن المجتمع المسيحي في العراق، تفكك سوريا في الحرب الأهلية القاسية وصعود حماس في غزة سدة الحكم، كل هذه سرّعت جدا رغبة الكثير من المسيحيين لترك الشرق الأوسط.

مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

ها هي الفرصة لفحص حالة الشريحة السكانية المسيحية في الشرق الأوسط على خلفية التغييرات الجارية في المنطقة. ويظهر فحص أوضاع المسيحيين صورة قاتمة جدّا من الاضطهاد المتزايد والهجرة السلبية.

بشكل عام، فإنّ الشريحة المسيحية في الشرق الأوسط يمكنها أن تقسّم اندماجها في الدول العربيّة إلى قبل وبعد أحداث “الربيع العربيّ” التي بدأت عام 2011. فإذا كان المسيحيون قد تمتّعوا حتى الربيع العربيّ بالأمن، فإنّهم يعانون بعده من المضايقات من الحركات الإسلامية، وفي الوقت الذي تجد السلطات صعوبة في حمايتهم، يختار الكثيرون الهجرة إلى أماكن أخرى يحيون بها دون اضطهاد وتهديدات مستمرّة، وفي الواقع فقد رافق الربيع العربيّ “تطهير عرقي” لم ير الشرق الأوسط مثله خلال مئات السنين.

الغالبية العظمى من المسيحيين الذين يعيشون في الشرق الأوسط هم ذوي قومية عربية، حيث إنّ لغتهم الأساسية هي العربية. في العقود الأخيرة كانوا جزءًا لا يتجزّأ من الدول التي عاشوا بها، ولكن كما ذكرنا فإنّ الاضطرابات القوية التي يمرّ بها الشرق الأوسط لم تقفز عنهم أيضًا.

يعارض الدين الإسلامي بشكلٍ رسميّ هذا الاضطهاد، ولكن حركات الجهاد المتطرفة تؤذي المسيحيين طوال الوقت، ولا تستطيع السلطات منحهم الحماية المرجوّة. يبيّن تقرير خاصّ أعدّه فريق البحث البريطانيّ سيفيتاس (Civitas) ونُشر قبل عامين، أنّ المسيحيين في دول الشرق الأوسط “أقلّ شأنًا من الناحية الاجتماعية، مضطهدون أو مقموعون بشكل كبير بسبب عقيدتهم”.

مصر

في الشرق الأوسط، فإنّ المكان الذي فيه أقوى موجة لاضطهاد المسيحيين على الإطلاق هو تحديدًا مصر، حيث رفرف فيها علم الربيع العربيّ مع المليونيات في ميدان التحرير. منذ سقوط نظام حسني مبارك، بدأت مضايقات الشريحة السكانية المسيحية، والتي احتدّت مع صعود “الإخوان المسلمون” إلى السلطة، وأدّت إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين (من بين شريحة سكانية تقدّر بسبعة ملايين مسيحي).

أقباط مصريون يسيرون في طريق الآلام  (JACK GUEZ / AFP)
أقباط مصريون يسيرون في طريق الآلام (JACK GUEZ / AFP)

يعاني المسيحيون في مصر من التحريض الكبير ضدّهم من قبل المجموعات التي تنتمي إلى الإسلام المتطرّف، بداية من القتل في ضوء النهار، حرق الكنائس، المذابح والشعور الكبير بغياب الحماية من قبل السلطات. ويمكن للأحداث التي جرتْ بعد اندلاع الثورة مباشرة أن تبيّن لنا أكثر الوضع الجديد وغير المشجّع لمسيحيّي مصر.

قبل نحو ثلاث سنوات، مع اندلاع الاحتجاجات، حدث انفجار في كنيسة قبطية في الإسكندرية قُتل فيه 21 من المصلّين المسيحيين وأصيب نحو مائة. بعد وقت غير طويل من ذلك، في تشرين الثاني عام 2011، تظاهر مسيحيّون أقباط في ميدان التحرير احتجاجا على حرق كنيسة وعدم كفاءة السلطات في حمايتهم. لم تنظر القوى الأمنية المصرية إلى هذه المظاهرة بإيجابية واشتبكت بعنف مع المحتجّين. قُتل في هذه المواجهات العنيفة جنديّان و22 مواطنا مصريّا، معظمهم مسيحيّون، وأصيب أكثر من 200.

فهم المسيحيون المصريّون أنّهم لن يحظوا على ما يبدو بحياة سلميّة في مصر فقط بسبب دينهم ومعتقداتهم. بالإضافة إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين إلى خارج مصر، نُشر مؤخرا أنّ مئات الآلاف من الآخرين قد قدّموا في السنوات الأخيرة طلبات للهجرة إلى دول أوروبية وإلى الولايات المتحدة.

لبنان

لم يؤدّ الربيع العربيّ إلى حدوث ثورة في لبنان، ولكنّ صعود قوّة حزب الله يؤثّر هو أيضًا على السكان المسيحيين في البلاد. المزيد والمزيد من المسيحيين يتحدّثون عن فقدان الأمن والشعور المتزايد لديهم بعدم الانتماء مقابل صعود قوة حزب الله.

حتى الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كانت نسبة المسيحيين من السكان نحو 50%، واليوم فإنّ التقديرات هي أنّ نسبتهم لا تتجاوز 35%. يهاجر الكثير من المسيحيين إلى خارج لبنان، وبالأساس إلى أوروبا، أمريكا الشمالية والجنوبية.

وقد تمّ في السنوات الأخيرة معاينة حالات كثيرة باع فيها مسيحيّون لبنانيّون أرضهم للمسلمين، حيث تمّ تمويل عمليات الشراء بواسطة شركات واجهة إيرانية مرتبطة بالنظام الإيراني، والهدف المعلن من العملية هو السيطرة على مناطق يعيش فيها المسيحيّون و”دفعهم” إلى خارج البلاد.

السلطة الفلسطينية، الضفة الغربية

كاهن مسيحي في بيت لحم (Flash90/Issam Rimawi)
كاهن مسيحي في بيت لحم (Flash90/Issam Rimawi)

 

تظهر بعض الدراسات أنّه بينما شعر المسيحيون والمسلمون الفلسطينيون بالمصير المشترك في السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل، فقد حدث انقسام بين المجموعات في العقود الأخيرة. يشعر المسيحيّون بنسبة أقلّ من الانتماء للرواية الفلسطينية، ونما لديهم شعور قويّ بالهوية الجماعية التي تعبّر عن غضبها من أنّ الرواية الفلسطينية تحوّلت باتجاه كونها رواية إسلامية، بحيث يُستثنى منها الجانب المسيحي.

وبالإضافة إلى هذه المشاعر، فإنّ حالات المضايقات وخصوصا من قبل الشباب المسلم الفلسطيني تجاه المسيحيين الفلسطينيين لم تعد أمرا نادرا، ومن الصعب القول بأنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتّخذ موقفا قويا تجاه هذه الظاهرة.

المحافظة التي يمكن أن نلاحظ فيها بصورة واضحة جدّا التغيير في أوضاع المسيحيين هي محافظة بيت لحم. تعتبر بيت لحم، والتي هي وفقا للمعتقد المدينة التي ولد فيها المسيح، مدينة مسيحية طوال الزمن. عام 1947 كان 85% من سكانها من المسيحيين، ولكن المسيحيّين اليوم يشكّلون نحو 20-25% من سكّان المدينة فقط. كانت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم دائما جزءًا لا يتجزّأ من مشاهد المدينة، ولكنها تقلّصت في السنوات الأخيرة. قبل نحو عام، ومع تصاعد هذا الشعور، تمّ وضع لافتة ضخمة في أحد الميادين المركزية في المدينة قبل عيد الميلاد، وكتب عليها “عيسى ولد وقام للإحياء. الوقت الذي لقلبك حيث يمكنك أن تكون سعيدا. عيد سعيد”. أثارت اللافتة البريئة ردود فعل غاضبة، وخلال أقلّ من أسبوعين تم قطع كابلات إضاءة اللافتة، وفي النهاية تمّت إزالتها.

هذه الظواهر، بالإضافة إلى الشعور بالاستثناء من الرواية الفلسطينية، أدّت بالكثير من الفلسطينيين إلى قرار الهجرة خارج أراضي السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، يعرب الكثير من المسيحيين الفلسطينيين عن قلقهم وخوفهم من إمكانية سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية كما سيطرت على قطاع غزة، بعد مشاهدتهم لاضطهاد المسيحيين الذين لا زالوا يعيشون في غزة مضطهدين من قبل السلطات. يهاجر المغادرون إلى خارج أراضي السلطة الفلسطينية بشكل أساسيّ إلى أمريكا الجنوبية، حيث تتواجد هناك جاليات فلسطينية كبيرة. في تشيلي، على سبيل المثال، هناك – وفق التقديرات – نحو نصف مليون فلسطيني.

 قطاع غزة

يعتبر قطاع غزة أحد الأماكن الأكثر اضطهادا للمسيحيين في الشرق الأوسط على الإطلاق. حتى في الماضي لم يشعر الكثير من المسيحيين بالأمان الكامل، ولكن أوضاعهم ساءت كثيرًا مع سيطرة حماس على القطاع عام 2007.

منذ سيطرة حماس على القطاع، وصعود قوّة الجهات الإسلامية المتطرّفة مثل الحركات السلفية، يعاني المسيحيّون من الاضطهاد، سواء من قبل المواطنين أو من الجهات الحكومية. بعد أشهر من الانقلاب، نفّذت حماس سلسلة من الاعتقالات في صفوف المسيحيين.

ويحاول المسيحيون الذين بقوا الحفاظ على الهدوء وضبط النفس من أجل البقاء على قيد الحياة. إنّهم يقيمون تقاليدهم بتواضع خشية اتهامهم من قبل حماس بمحاولات التنصير. ومن بين أمور أخرى، فهم يستخدمون النبيذ بصورة سرّية، بالأساس من أجل إقامة الشعائر الدينية، وذلك رغم حظر تناول الكحول في قطاع غزة وفقا للشريعة الإسلامية.

وتشير التقديرات المحدّثة أنّه بعد وقت ليس بطويل ستختفي الشريحة السكانية المسيحية تماما من قطاع غزة. حتى عام 2007 عاش في قطاع غزة نحو 3,000 مسيحي، وعام 2011 كان الرقم 1,400، ننيجة لهجرة المسيحيين من غزة إلى الضفة الغربية ودول أخرى، والتي هي بالأساس: أستراليا، الولايات المتحدة، السويد أو أي مكان لهم فيه أقارب.

المسيحيون في غزة (AFP)
المسيحيون في غزة (AFP)

هجرة سهلة نسبيًّا بالمقارنة مع المسلمين

إذا كان الأمر كذلك، فالظواهر التي يعاني منها المسيحييون في كلّ واحد من هذه الأماكن متشابهة: قتل المواطنين المسيحيين ورجال الكنيسة، تدمير الكنائس بل وهناك عدد من الشواهد على جبي الجزية بالقوة والتي لم تؤخذ من المسيحيين واليهود منذ القرن التاسع عشر.

يغادر المسيحيّون الذين يشعرون بالتهديد الشرق الأوسط بأعداد كبيرة. وبجميع الأحوال فإنّ الزيادة الطبيعية لديهم أقلّ من المسلمين، وظاهرة الهجرة السلبية تُقلّص من أعدادهم في المنطقة أكثر وأكثر. هناك من يشبّه تدفّق المسيحيين الحالي بتدفّق نحو 900,000 يهودي من الدول العربيّة، والذين فرّت غالبيّتهم العظمى من أماكن عيشهم بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، وذلك لشعورهم بالتهديد وانعدام الحماية من السلطات.

يمكنا أن نقرّر بالعموم أنّه يسهل على العرب المسيحيين أن يهاجروا أكثر من العرب المسلمين. نسبيّا فإنّ تعليمهم أعلى، وأوروبا وأمريكا هي دول مسيحية في غالبيّتها. ومع وصولهم إلى البلاد الجديدة فهم يحافظون عادةً على المجتمعات الأصلية، ولكنّ التأثير يقلّ مع مرور الزمن، ويعبّر الجيل الثاني عن رغبته بالاندماج في المجتمع الذي نشأ وترعرع فيه، والاندماج بالمجتمع المحلّي كبير، بالطبع مقارنةً مع الهجرة المسلمة.

إنّ النظر إلى هجرة المسيحيين في الشرق الأوسط يمكنه أن يشير إلى انتشار الحركات الإسلامية المتطرّفة، مثل “الإخوان المسلمون” والحركات السلفية. فالمضايقات الكثيرة للمسيحيين من مقبل هذه الجماعات، مقابل صمت وعدم تدخّل الغرب، تُسرّع من فرار المسيحيّين المهدّدين. يمكننا إذن أن نفهم بأنّ قوة سيطرة الإسلاميين في المنطقة هي أحد المعطيات في الشرق الأوسط ضمن معطيات فرار المسيحيين من المنطقة.

اقرأوا المزيد: 1397 كلمة
عرض أقل
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

المسيحيون في الشرق الأوسط- عالم يتلاشى

لماذا يغادر المسيحيّون الشرق الأوسط؟

تمثّل زيارة البابا فرنسيس إلى الأراضي المقدسة فرصة لفحص حالة الشريحة السكانية المسيحية في الشرق الأوسط على خلفية التغييرات الجارية في المنطقة. ويظهر فحص أوضاع المسيحيين صورة قاتمة جدّا من الاضطهاد المتزايد والهجرة السلبية.

بشكل عام، فإنّ الشريحة المسيحية في الشرق الأوسط يمكنها أن تقسّم اندماجها في الدول العربيّة إلى قبل وبعد أحداث “الربيع العربيّ” التي بدأت عام 2011. فإذا كان المسيحيون قد تمتّعوا حتى الربيع العربيّ بالأمن، فإنّهم يعانون بعده من المضايقات من الحركات الإسلامية، وفي الوقت الذي تجد السلطات صعوبة في حمايتهم، يختار الكثيرون الهجرة إلى أماكن أخرى يحيون بها دون اضطهاد وتهديدات مستمرّة، وفي الواقع فقد رافق الربيع العربيّ “تطهير عرقي” لم ير الشرق الأوسط مثله خلال مئات السنين.

الغالبية العظمى من المسيحيين الذين يعيشون في الشرق الأوسط هم ذوي قومية عربية، حيث إنّ لغتهم الأساسية هي العربية. في العقود الأخيرة كانوا جزءًا لا يتجزّأ من الدول التي عاشوا بها، ولكن كما ذكرنا فإنّ الاضطرابات القوية التي يمرّ بها الشرق الأوسط لم تقفز عنهم أيضًا.

يعارض الدين الإسلامي بشكلٍ رسميّ هذا الاضطهاد، ولكن حركات الجهاد المتطرفة تؤذي المسيحيين طوال الوقت، ولا تستطيع السلطات منحهم الحماية المرجوّة. يبيّن تقرير خاصّ أعدّه فريق البحث البريطانيّ سيفيتاس (Civitas) ونُشر قبل عامين، أنّ المسيحيين في دول الشرق الأوسط “أقلّ شأنًا من الناحية الاجتماعية، مضطهدون أو مقموعون بشكل كبير بسبب عقيدتهم”.

مصر

في الشرق الأوسط، فإنّ المكان الذي فيه أقوى موجة لاضطهاد المسيحيين على الإطلاق هو تحديدًا مصر، حيث رفرف فيها علم الربيع العربيّ مع المليونيات في ميدان التحرير. منذ سقوط نظام حسني مبارك، بدأت مضايقات الشريحة السكانية المسيحية، والتي احتدّت مع صعود “الإخوان المسلمون” إلى السلطة، وأدّت إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين (من بين شريحة سكانية تقدّر بسبعة ملايين مسيحي).

يعاني المسيحيون في مصر من التحريض الكبير ضدّهم من قبل المجموعات التي تنتمي إلى الإسلام المتطرّف، بداية من القتل في ضوء النهار، حرق الكنائس، المذابح والشعور الكبير بغياب الحماية من قبل السلطات. ويمكن للأحداث التي جرتْ بعد اندلاع الثورة مباشرة أن تبيّن لنا أكثر الوضع الجديد وغير المشجّع لمسيحيّي مصر.

قبل نحو ثلاث سنوات، مع اندلاع الاحتجاجات، حدث انفجار في كنيسة قبطية في الإسكندرية قُتل فيه 21 من المصلّين المسيحيين وأصيب نحو مائة. بعد وقت غير طويل من ذلك، في تشرين الثاني عام 2011، تظاهر مسيحيّون أقباط في ميدان التحرير احتجاجا على حرق كنيسة وعدم كفاءة السلطات في حمايتهم. لم تنظر القوى الأمنية المصرية إلى هذه المظاهرة بإيجابية واشتبكت بعنف مع المحتجّين. قُتل في هذه المواجهات العنيفة جنديّان و22 مواطنا مصريّا، معظمهم مسيحيّون، وأصيب أكثر من 200.

فهم المسيحيون المصريّون أنّهم لن يحظوا على ما يبدو بحياة سلميّة في مصر فقط بسبب دينهم ومعتقداتهم. بالإضافة إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين إلى خارج مصر، نُشر مؤخرا أنّ مئات الآلاف من الآخرين قد قدّموا في السنوات الأخيرة طلبات للهجرة إلى دول أوروبية وإلى الولايات المتحدة.

مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

لبنان

لم يؤدّ الربيع العربيّ إلى حدوث ثورة في لبنان، ولكنّ صعود قوّة حزب الله يؤثّر هو أيضًا على السكان المسيحيين في البلاد. المزيد والمزيد من المسيحيين يتحدّثون عن فقدان الأمن والشعور المتزايد لديهم بعدم الانتماء مقابل صعود قوة حزب الله.

حتى الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كانت نسبة المسيحيين من السكان نحو 50%، واليوم فإنّ التقديرات هي أنّ نسبتهم لا تتجاوز 35%. يهاجر الكثير من المسيحيين إلى خارج لبنان، وبالأساس إلى أوروبا، أمريكا الشمالية والجنوبية.

وقد تمّ في السنوات الأخيرة معاينة حالات كثيرة باع فيها مسيحيّون لبنانيّون أرضهم للمسلمين، حيث تمّ تمويل عمليات الشراء بواسطة شركات واجهة إيرانية مرتبطة بالنظام الإيراني، والهدف المعلن من العملية هو السيطرة على مناطق يعيش فيها المسيحيّون و”دفعهم” إلى خارج البلاد.

السلطة الفلسطينية، الضفة الغربية

تظهر بعض الدراسات أنّه بينما شعر المسيحيون والمسلمون الفلسطينيون بالمصير المشترك في السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل، فقد حدث انقسام بين المجموعات في العقود الأخيرة. يشعر المسيحيّون بنسبة أقلّ من الانتماء للرواية الفلسطينية، ونما لديهم شعور قويّ بالهوية الجماعية التي تعبّر عن غضبها من أنّ الرواية الفلسطينية تحوّلت باتجاه كونها رواية إسلامية، بحيث يُستثنى منها الجانب المسيحي.

وبالإضافة إلى هذه المشاعر، فإنّ حالات المضايقات وخصوصا من قبل الشباب المسلم الفلسطيني تجاه المسيحيين الفلسطينيين لم تعد أمرا نادرا، ومن الصعب القول بأنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتّخذ موقفا قويا تجاه هذه الظاهرة.

المحافظة التي يمكن أن نلاحظ فيها بصورة واضحة جدّا التغيير في أوضاع المسيحيين هي محافظة بيت لحم. تعتبر بيت لحم، والتي هي وفقا للمعتقد المدينة التي ولد فيها المسيح، مدينة مسيحية طوال الزمن. عام 1947 كان 85% من سكانها من المسيحيين، ولكن المسيحيّين اليوم يشكّلون نحو 20-25% من سكّان المدينة فقط. كانت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم دائما جزءًا لا يتجزّأ من مشاهد المدينة، ولكنها تقلّصت في السنوات الأخيرة. قبل نحو عام، ومع تصاعد هذا الشعور، تمّ وضع لافتة ضخمة في أحد الميادين المركزية في المدينة قبل عيد الميلاد، وكتب عليها “عيسى ولد وقام للإحياء. الوقت الذي لقلبك حيث يمكنك أن تكون سعيدا. عيد سعيد”. أثارت اللافتة البريئة ردود فعل غاضبة، وخلال أقلّ من أسبوعين تم قطع كابلات إضاءة اللافتة، وفي النهاية تمّت إزالتها.

هذه الظواهر، بالإضافة إلى الشعور بالاستثناء من الرواية الفلسطينية، أدّت بالكثير من الفلسطينيين إلى قرار الهجرة خارج أراضي السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، يعرب الكثير من المسيحيين الفلسطينيين عن قلقهم وخوفهم من إمكانية سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية كما سيطرت على قطاع غزة، بعد مشاهدتهم لاضطهاد المسيحيين الذين لا زالوا يعيشون في غزة مضطهدين من قبل السلطات. يهاجر المغادرون إلى خارج أراضي السلطة الفلسطينية بشكل أساسيّ إلى أمريكا الجنوبية، حيث تتواجد هناك جاليات فلسطينية كبيرة. في تشيلي، على سبيل المثال، هناك – وفق التقديرات – نحو نصف مليون فلسطيني.

 قطاع غزة

يعتبر قطاع غزة أحد الأماكن الأكثر اضطهادا للمسيحيين في الشرق الأوسط على الإطلاق. حتى في الماضي لم يشعر الكثير من المسيحيين بالأمان الكامل، ولكن أوضاعهم ساءت كثيرًا مع سيطرة حماس على القطاع عام 2007.

منذ سيطرة حماس على القطاع، وصعود قوّة الجهات الإسلامية المتطرّفة مثل الحركات السلفية، يعاني المسيحيّون من الاضطهاد، سواء من قبل المواطنين أو من الجهات الحكومية. بعد أشهر من الانقلاب، نفّذت حماس سلسلة من الاعتقالات في صفوف المسيحيين.

ويحاول المسيحيون الذين بقوا الحفاظ على الهدوء وضبط النفس من أجل البقاء على قيد الحياة. إنّهم يقيمون تقاليدهم بتواضع خشية اتهامهم من قبل حماس بمحاولات التنصير. ومن بين أمور أخرى، فهم يستخدمون النبيذ بصورة سرّية، بالأساس من أجل إقامة الشعائر الدينية، وذلك رغم حظر تناول الكحول في قطاع غزة وفقا للشريعة الإسلامية.

وتشير التقديرات المحدّثة أنّه بعد وقت ليس بطويل ستختفي الشريحة السكانية المسيحية تماما من قطاع غزة. حتى عام 2007 عاش في قطاع غزة نحو 3,000 مسيحي، وعام 2011 كان الرقم 1,400، ننيجة لهجرة المسيحيين من غزة إلى الضفة الغربية ودول أخرى، والتي هي بالأساس: أستراليا، الولايات المتحدة، السويد أو أي مكان لهم فيه أقارب.

المسيحيون في غزة (AFP)
المسيحيون في غزة (AFP)

هجرة سهلة نسبيًّا بالمقارنة مع المسلمين

إذا كان الأمر كذلك، فالظواهر التي يعاني منها المسيحييون في كلّ واحد من هذه الأماكن متشابهة: قتل المواطنين المسيحيين ورجال الكنيسة، تدمير الكنائس بل وهناك عدد من الشواهد على جبي الجزية بالقوة والتي لم تؤخذ من المسيحيين واليهود منذ القرن التاسع عشر.

يغادر المسيحيّون الذين يشعرون بالتهديد الشرق الأوسط بأعداد كبيرة. وبجميع الأحوال فإنّ الزيادة الطبيعية لديهم أقلّ من المسلمين، وظاهرة الهجرة السلبية تُقلّص من أعدادهم في المنطقة أكثر وأكثر. هناك من يشبّه تدفّق المسيحيين الحالي بتدفّق نحو 900,000 يهودي من الدول العربيّة، والذين فرّت غالبيّتهم العظمى من أماكن عيشهم بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، وذلك لشعورهم بالتهديد وانعدام الحماية من السلطات.

يمكنا أن نقرّر بالعموم أنّه يسهل على العرب المسيحيين أن يهاجروا أكثر من العرب المسلمين. نسبيّا فإنّ تعليمهم أعلى، وأوروبا وأمريكا هي دول مسيحية في غالبيّتها. ومع وصولهم إلى البلاد الجديدة فهم يحافظون عادةً على المجتمعات الأصلية، ولكنّ التأثير يقلّ مع مرور الزمن، ويعبّر الجيل الثاني عن رغبته بالاندماج في المجتمع الذي نشأ وترعرع فيه، والاندماج بالمجتمع المحلّي كبير، بالطبع مقارنةً مع الهجرة المسلمة.

إنّ النظر إلى هجرة المسيحيين في الشرق الأوسط يمكنه أن يشير إلى انتشار الحركات الإسلامية المتطرّفة، مثل “الإخوان المسلمون” والحركات السلفية. فالمضايقات الكثيرة للمسيحيين من مقبل هذه الجماعات، مقابل صمت وعدم تدخّل الغرب، تُسرّع من فرار المسيحيّين المهدّدين. يمكننا إذن أن نفهم بأنّ قوة سيطرة الإسلاميين في المنطقة هي أحد المعطيات في الشرق الأوسط ضمن معطيات فرار المسيحيين من المنطقة.

اقرأوا المزيد: 1256 كلمة
عرض أقل

مسيحيّو مصر مستهدفون لكنّهم مرتاحون لسقوط مرسي

"لن ننسى أن الكاتدرائية ضُرِبت بالرصاص في عهد الإخوان المسلمين"، بهذه العبارة لخّص المواطن المصري القبطي ممدوح حلمي رأي مسيحيّي مصر في حكم الرئيس المعزول محمد مرسي. فالمسيحيون زادت شكوكهم ومخاوفهم بعدما اعتلى مرسي الحكم، وهي المخاوف التي عزّزتها تصريحات رسمية "طائفية" بلغت ذروتها حدّ تبرير الهجوم على الكاتدرائية المرقسية في العباسية في شهر أبريل الماضي، وهو الهجوم الذي وصفه بابا الأقباط تواضروس الثاني بأنه "عار في تاريخ مصر".

28 يوليو 2013 | 12:46