“القوة الخفية”، وفق ما نعتها أحد الصحفيين الإسرائيليين. ظاهريا، سارة نتنياهو ليست صاحبة تأثير. فهي لا تشغل وظيفة مرموقة. إنها أخصائية نفسية تربوية، ومؤخرا نُشر أنها تعمل وظيفة بساعات قليلة جدا أسبوعيا. يصل أجرها إلى أقل من 300$ دولار، وتشغل منصب قائمة بأعمال غير هام في منظومة علم النفس في بلدية القدس.
“القوة الخفية”، ما هو مدى تأثير سارة نتنياهو في زوجها، الذي يشغل المنصب الأهم في إسرائيل، منذ أربع ولايات؟ (facebook)
ولكن تعود قوة سارة الحقيقية إلى مدى تأثيرها في زوجها، الذي يشغل المنصب الأهم في إسرائيل، منذ أربع ولايات. ترافق السيّدة نتنياهو زوجها على المستوى الشخصي والجماهيري منذ أكثر من عقدين. جاء في الكثير من التعيينات في بيئة رئيس الحكومة أن سارة نتنياهو صاحبة تأثير في هذه القرارات. وفق أقوال المقرّبين، تشارك سارة في القرارات حول مَن يشغل مناصب رفيعة في ديوان رئيس الحكومة – وكذلك مناصب أقل أهمية في خدمة الدولة.”كان يمكن على مر السنوات أن نلاحظ أن مَن يحظى بإعجاب سارة يتم دفعه قدما نحو شغل مناصب أعلى بينما تتم الإطاحة بمَن لا يحظى بإعجابها”.
ربما لا تتخذ سارة نتنياهو القرار حول إذا كان يجب شن الحرب أو التوقيع على اتفاقية سلام، ولكن يمكن أنها تختار الأشخاص المسؤولين عن هذه القرارات.
2. أييلت شاكيد
أييلت شاكيد وقادة الطائفة الدرزية في إسرائيل | قد قالت أنها “لا تستبعد إمكانية ترشحها لرئاسة الحكومة في المستقبَل” (facebook)
من الصعب أن نصدّق أن أييلت شاكيد التي باتت الشخصية الأقوى اليوم في السياسة الإسرائيلية، وقالت هذا الأسبوع إنها لا تستبعد إمكانية ترشحها لرئاسة الحكومة في المستقبَل، كانت حتى قبل بضع سنوات مهندسة كمبيوتر غير مشهورة.
بصفتها وزيرة العدل منذ عامين، تترأس شاكيد أجندة دفع إصلاحات واسعة، من بين أمور أخرى، العمل على هيمنة قرارات الكنيست على قرارات المحاكم. خشي الكثيرون من اليسار الإسرائيلي من شغل شاكيد منصبها، ولكن اضطر معارضوها إلى الاعتراف بأنها تنجح بشكل رائع في تحقيق أهدافها. “تعمل شاكيد كالعاصفة”، كُتب عنها في مجلة إسرائيلية “ذا ماركر”، فخلال وقت قصير دفعت موجة إصلاحات قدما وطرحت مجددا مشاريع قانون منسية. يثني كبار المسؤولين في وزارة العدل على قدرة شاكيد التعليمية، واستعدادها للعمل الدؤوب لدفع الإصلاحات قدما”.
شغلت شاكيد قبل أن وصلت إلى وزارة العدل ودخلت المجال السياسي الوطني، منصب إدارة ديوان نتنياهو قبل انتخابه رئيسا للحكومة. توقفت عن العمل، وكذلك نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، في ديوان نتنياهو، على ما يبدو، بعد أن تشاجرا مع سارة نتنياهو، المرأة القوية الأخرى في هذه القائمة.
3. كارنيت فلوغ
كارنيت فلوغ.. الخطوة الأولى التي اتخذتها بعد أن بدأت بشغل منصبها هي أنها اهتمت بتعيين امرأة نائبة لها (wikipedia)
ربما لم تسمعوا من قبل عن كارنيت فلوغ، ولكنها صاحبة التأثير الأكبر في الاقتصاد الإسرائيلي، إذ تشغل منصب محافظة بنك إسرائيل. بلوغ هي المرأة الأولى التي تشغل هذا المنصب الهام، والخطوة الأولى التي اتخذتها بعد أن بدأت بشغل منصبها هي أنها اهتمت بتعيين امرأة نائبة لها.
توجت مجلة غلوبل فايننس بلوغ في أحيان كثيرة بصفتها واحدة من سبع محافظي البنوك الأفضل في العالم. إضافة إلى ذلك، تم اختيارها كمحافظة البنك المدهشة في العالم، وفق وكالة الأنباء بلومبرغ.
4. لوسي هريش
لوسي هريش، “لو كنت أخاف من التهديدات، كنت سأظل في المنزل” (facebook)
يعرف كل إسرائيلي تقريبًا هريش. لا تعرب الصحفية العربية المسلمة الكبيرة في إسرائيل عن ندمها على آرائها ولا على مكانتها، ليس أمام الجمهور اليهودي ولا العربي.
عندما كانت في السادسة من عمرها، أصيبت في عملية ألقى فيها فلسطينيون حجارة على سيارة عائلتها. تشجب هريش أعمال العنف للمقاومة الفلسطينية، ولكنها تتحدث كثيرا أيضا عن العنصرية ضد العرب خاصة وضد الجمهور عامة. “قبل أن تصعد إلى الصفّ الأول، قالت لها والدتها “أريد أن تكوني فخورة دائما بكونك عربية، مسلمة، وإسرائيلية”.
تدفع هريش قيم السلام والتعايش قدما وتحظى بالكثير من أوقات المشاهدة عبر التلفزيون الإسرائيلي، ولكن هناك مَن يغضب تحديدا من شهرتها ومن حياتها المستقلة كشابة مسلمة. “لو كنت أخاف من التهديدات، كنت سأظل في المنزل”، تقول هريش في إحدى المقابلات معها، “أتعرض لتهديدات كهذه يوميا، تهديدات بالقتل. ولكني لا أرضخ لها”.
قبل بضعة شهور، أطلقت هريش مونولوج شديد اللهجة في التلفزيون الإسرائيلي بهدف رفع الوعي لدى المجتمع الدولي حول عدد الضحايا في الحرب الأهلية السورية. أصبح مقطع الفيديو منتشرا كالنار في الهشيم، وحظي بملايين المشاهدات حول العالم.
5. مرجليت صنعاني
صنعاني هي يهودية إسرائيلية ولدت في اليمن عام 1948، تشكل حجر الأساس في الثقافة الإسرائيلية، وهي أيضا شخصية ملونة جدا. رغم عمرها المتقدم، ما زالت تتصدر العناوين. إضافة إلى عملها الذي يحظى بالتقدير والاحترام في مجال الموسيقى، فقد تورطت صنعاني في قضايا جنائية. شاركت في لجنة الحكام في برنامج واقع إسرائيلي مشهور، كانت مسؤولة عن برنامج صباحي وحتى أنها بدأت طريقها على المسرح كراقصة. إضافة إلى الأغاني بالعبرية، تغني صنعاني أغاني عربية كثيرة أيضا.
على مدى عشرات السنوات، تحتل الموسيقى اليمنية مكانا آخذا بالازدياد في بانثيون الموسيقى الإسرائيلية. ففي السنوات الماضية، بشكل خاصّ، بات الشبّان من أصول يمنية يعودون إلى جذورهم، ويغنون بلغة أجدادهم. ولكن على مدى سنوات، جعل عدد من المطربين البارزين الموسيقى الشرقية عامّةً واليمنية خاصّةً علامة فارقة لهم، وحققوا بفضلها نجاحا منقطع النظير، محاولين إدخال الموسيقى اليمنية إلى قلوب الجمهور الإسرائيلي.
اخترنا لكم المطربين الخمسة البارزين الذين شكّلوا علامة فارقة في تاريخ الموسيقى اليمنية في إسرائيل:
زوهر أرجوف
كان اسم زوهر أرجوف في صغره زوهر عرقوبي، وكان والداه يمنيَين يعيشان في إسرائيل. أرجوف ليس المطرب اليمَني الإسرائيلي الأكثر نجاحا في كل الأوقات فحسب، بل هو أحد المطربين المسؤولين عن النجاح الكبير للموسيقى الشرقية في إسرائيل أيضا. فهو يُعتبر “ملك” الموسيقى الشرقية خاصة، وأحد كبار المطربين الإسرائيليين عامّةً. ويغني أرجوف أغاني موسيقى شرقية “كلاسيكية، بشكل أساسيّ، ولديه الكثير من الأغاني المشهورة، ومن بينها “هابيرح بكاني” (الزهرة في بستاني)، “إلينور”، “يام شيل دماعوت” (بحر من الدموع)، “تسيل عيتس تامار” (ظل نخلة)، وغيرها. في بداية الثمانينيات، أحرز أرجوف ذروة نجاحه، ولكن للأسف الشديد، أصبح مُدمنا على المخدّرات، التي أثرت في أدائه وجودة أغانيه، مؤدية إلى انتحاره عام 1987.
مرجليت صنعاني
وُلدت مرجليت صنعاني والتي تُعرف أساسًا باسم “مرجول” في اليمن عام 1948، وهاجرت إلى إسرائيل وهي في جيل سنة. بدأت تغني في سن صغيرة جدّا، ولكن باتت مشهورة في الثمانينيات، ومنذ ذلك الحين أصبحت تُعتبر “إلهة الغناء” (Diva) للموسيقى الشرقية في إسرائيل. تغني مرجليت أغان شرقيّة مدمجة بموسيقى السول وحتى بموسيقى بلوز أمريكية، ويمكن أن نجد في الكثير من ألبوماتها قوافٍ لأغانٍ عربية شعبية وموسيقى يمنية أصلية. في الألفية الثانية، كانت مرجليت عضوا في لجنة الحكم لبرنامج الواقع، فهذا ساهم في أن تشتهر بين الجيل الشاب، وتنشر طيلة السنوات ما يزيد عن عشرة ألبومات. من بين أغانيها الأكثر شهرة: “نعري شوفيه إلاي”، “عود يهيه لي”، “عيتس ياروك مبلاستيك”، وغيرها.
مرجليت صنعاني تغني باليمنية:
عوفرا حازا
كان والدا عوفرا من قرية “الحاز” في اليمن. عوفرا هي إحدى المطربات الإسرائيليات الأوائل التي حققت شهرة عالمية ناجحة. وحدث ذلك في الثمانينيات، عندما مثلت إسرائيل في الأوروفيزيون. في الأصل، لم تكن عوفرا تغني أغانٍ شرقيّة، ولكن بعد أن اشتهرت بدأت تعمل على ألبوم كان مكرسا للموسيقى اليمنيّة (جزء منها بالعربية والآخر بالعبرية). في أعقاب تسجيل جديد لإحدى الأغاني في الألبوم، “إم ننعالو”، حظي الألبوم بنجاح عالمي منقطع النظير، لا سيّما في أوروبا وحتى في الدول العربيّة، واليمن أيضا. قدّمت عوفرا عروضا عالمية، مُرتدية ملابس يمينية تقليدية. انتهت سيرة حياة عوفرا حازا المهنية بسبب وفاتها عام 2000 بعد أن عانت من أعراض مرض الإيدز.
أهوفاه عوزري
أهوفاه هي “عملاقة الموسيقى اليمنية”، في إسرائيل، ووُلِدت وترعرعت في حي “كيرم هتيمانيم” (كرم اليمنيين) في تل أبيب. كانت أهوفاه مطربة بارزة في “المشهد الذكوري” للموسيقى الشرقية في إسرائيل، وجزءا من مجموعة المطربين اليمنيين الذين وُلدوا في كيرم هتمانيم. فهي كانت مطربة، مؤلفة، ملحنة، عازفة، وكاتبة موهوبة بشكل خاصّ، وعلّمت تحسين الصوت لمطربين آخرين، ومن بينهم أرجوف المعروف. من بين أغانيها المشهورة: “هيخان هحيال شلي”، “تسلتسولي هبعمونيم”، “عيمك هبراحيم”، “هأيش هاهو”، وغيرها. في عام 2000، أصيبت بسرطان الأوتار الصوتية، لذلك اجتازت عملية جراحية أدت إلى ضرر كبير في صوتها وخسارة قدرتها على الغناء تقريبًا. ولكن بعد أن خسرت قدرتها على الغناء، تابعت، الإبداع، التلحين، الكتابة، وأصدرت ألبوما بمشاركة مطربين إسرائيليين رائدين. تُوفيت أهوفاه متأثرة بمرضها عام 2016.
رفيد كحلاني
كحلاني هو ممثل “الجيل الشاب” في قائمة المطربين. عمره 37 عاما فقط، ولكن نجح نجاحا باهرا في العالم كلّه. خلافا للمطربين المذكورين أعلاه، فهو ليس مطربا معروفا في إسرائيل، ورغم ذلك، يظهر مع أعضاء فرقته “يمن بلوز” في العالم كله ويتألقون في المشهد الموسيقي الإسرائيلي البديل. تدمج موسيقى كحلاني بين الأصول اليمنية وتأثيرات الصحراء الكبرى، وبين موسيقى الفانك وموسيقى السول الأمريكية. مَن يسمعه وهو يغني لن يستطيع أن يعرف أبدا أن الحديث يدور عن مطرب إسرائيلي، وإضافة إلى صوته الرائع فهو يتمتع بطلة جميلة ويتحرك بسرعة جنونية. شاهدوا المقطع التالي المُصوّر في القدس للتعرّف إلى هذا المطرب المميّز.
ينطلق اليوم في مدينة إيلات السياحية الحدث الأكبر للطائفة اليهودية اليمنية في إسرائيل، والذي يدعى ال “يمنيادا”، وهو مهرجان غنائي خاص بالموسيقى اليمنية. وسيستمع زائرو المهرجان لمدة ثلاثة أيام إلى أفضل المطربين الإسرائيليين من أصول يمنية، وأهمهم إيال جولان، وتسيون قولان المعروف جدا حتى في اليمن.
ويقام المهرجان هذه السنة تحت شعار “65 عاما” لقدوم يهود اليمن إلى إسرائيل. ولهذا المهرجان تاريخ طويل، إذ أقيم في إسرائيل على مدار 28 عاما، ناجحا في استقطاب إسرائيليين كثيرين من مختلف الطوائف.
وقال المطرب قولان، في تطرقه إلى المهرجان، إن بهجة المهرجان هذا العام خاصة، لا سيما أنه يحل بعد نهاية الحرب التي شغلت إسرائيل خلال الشهر الأخير. وقال المطرب ذو الجذور اليمنية إنه يعيش مع عائلته في الجنوب وأن العائلة تنتظر بفارغ الصبر السفر إلى إيلات. وأضاف أن المهرجان هو عبارة عن عيد يوحّد العائلات الإسرائيلية ذات الجذور اليمنية.
المطرب الإسرائيلي إيال جولان (Flash90/Nati Shohat)
وعدا عن الموسيقى اليمنية التي تميّز المهرجان سيتمتع زائرو المهرجان بالمأكولات اليمنية المعروفة بمذاقها الحاد. وأفاد منظمو الحفل أن الإقبال على المهرجان هذه السنة كبير، لا سيما أن كثيرين يريدون أن يفرّغوا عن أنفسهم بعد مشقات الحرب الأخيرة.
يذكر أن حوالي 150,000 يهودي من أصل يمني يعيشون اليوم في إسرائيل، وهم منخرطون في كل مجالات الحياة الإسرائيلية، ويتقدمون في مجالات التعليم، الموسيقى والفنون الإسرائيلية.
يهود من اليمن مع رئيس دولة إسرائيل شمعون بيريس (Yossi Zeliger/Flash90)
التحيّات من صنعاء وذمار
نجت الجالية القديمة ليهود اليمن من الانقلابات التاريخية، ولكن حتى بعد استقرارها في إسرائيل لم تتوقّف معاناتها. وأيضًا: خمسة مطربين يهود يمنيّين يجب أن تعرفوهم
لا يُعرف الكثير عن الأيام الأولى للجالية اليهودية في اليمن، ولكن من المعلوم للجميع أنّ اليهود الأوائل قدِموا إلى اليمن منذ فترة طويلة جدّا. تعود الأدلة الأثرية الأقدم إلى القرون التي سبقت عام صفر ميلادي، وهناك من يدّعي أنّه قد قامت في اليمن جالية يهودية قبل أكثر من 2,500 عام. في قرية بيت الخضر القريبة من العاصمة صنعاء عثر على أدلة على قيام كنيس قديم من تلك الفترة.
وتظهر أدلة أخرى أن اليهود قد عاشوا في مملكة حِمْيَر، والتي قامت في جنوب شبه الجزيرة العربية، قبل ظهور النبي محمد. تقرّب ملك هذه المملكة، يوسف ذو نواس (الذي اسمّي بهذا الاسم بسبب الضفائر التي زيّنت رأسه) من اليهودية والحاخامات اليهود الذين أقاموا في تلك الفترة في فلسطين (أرض إسرائيل)، وهناك من يقول إنّه قد تهوّد. في أعقاب ذلك، قام بذبح الكثير من النصارى الذين وصلوا من إفريقيا، معظمهم حبشيّ، وذلك في محرقة نجران. في نهاية المطاف، أثار الملك غضب الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، والتي هزمته وجعلته ينتحر.
أحكام قاسية إلى جانب الازدهار في العهد الإسلامي
تمتّع يهود اليمن في الفترة القصيرة التي سيطر فيها الفرس على المنطقة بعلاقات مع جالية بابل الكبيرة، والذي تشعّب من الجزيرة العربية حتى العراق. ولكن مع صعود الإسلام أصبح وضعهم غير مستقرّ، على الرغم من تمتّعهم بمكانة أهل الذمّة. من الصعب أن نعرف كيف كان وضع يهود اليمن بالضبط في تلك الفترة، حيث إنّ الأدلة قليلة جدّا.
أطفال يهود يتعلمون التوراة في اليمن (AFP PHOTO/KHALED FAZAA)
ما نعرفه أنّه أثناء تواجد الجاليات اليهودية في العالم العربي، في العصور الوسطى، كانت أوضاع يهود اليمن صعبة للغاية. فرض ملك في تلك الفترة يسمّى عبد النبي أحكام قاسية على اليهود. ولكن ازدهر الفكر والفلسفة اليهودية في تلك الفترة باليمن أكثر من أي وقت مضى.
يهودي يمني في القدس في اواخر القرن التاسع عشر (Wikipeida)
هناك شخص مذكور أكثر من الجميع وهو ناتانئيل الفيومي، رئيس حاخامات اليمن الذي ألّف الكتاب الفلسفي “حديقة العقول”، وهو نصّ يجمع بين الاعتقاد بإله واحد، أهمية التوبة والإيمان بالخلاص واليوم الآخر. أثّرت الكثير من المصادر على الكتاب، من اليهود والمسلمين، وهناك من يعتبره نسخة يهودية من المذهب الشيعي الإسماعيلي. ويعرف الحاخام نتانئيل بجداله مع المسلمين، واقتبس من القرآن لإثبات ادعائه بأنّ عقيدة اليهود أبدية، من سورة المائدة: “وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله”.
بعد سنوات طويلة من الحرب نجح اليمنيّون في طرد العثمانيين من بلادهم وبدأ حكم الزيديين في اليمن (1635). في البداية، كان هذا الحكم متسامحًا تجاه اليهود، ولكن في عام 1678 أقرّ الملك أحمد بن حسن المهدي قرارات بالنفي لتطهير اليمن من يهودها. ألغيت القرارات بعد عامين وعاد يهود اليمن إلى منازلهم، وحاولوا تأسيس مجتمعهم من جديد. بعد ذلك عاد العثمانيّون واحتلّوا اليمن.
الهجرة إلى إسرائيل
كلّما تطوّرت الصهيونية، تزايدت في اليمن الرغبة بالوصول إلى فلسطين (أرض إسرائيل). وقد ازدادت هذه الرغبة بشكل خاصّ في نهاية القرن التاسع عشر لدى يهود اليمن، والذين كانوا الأوائل من بين الدول العربيّة الذين وصلوا بأعداد كبيرة إلى فلسطين (أرض إسرائيل). هاجر نحو 2,500 يهودي يمني إلى إسرائيل في سنوات الثمانينات من القرن التاسع عشر.
قدوم يهود اليمن إلى إسرائيل في الخمسينات (Wikipedia)
تزايدت في بداية القرن العشرين القوانين المعادية لليهود في اليمن. حُظر على اليهود أن يركبوا الخيول أو السير في الشوارع المعبّدة. رفضت المحاكم اليمنية سماع شهادات اليهود ضدّ المسلمين. وفي ذروة الموجة المعادية لليهود دخل إلى حيّز التنفيذ قانون قديم يقضي بأنّ كلّ يهودي لم يبلغ 12 عامًا بعد سيُجبرعلى اعتناق الإسلام. في أعقاب هذه القرارات، هاجر نحو 17,000 يهودي يمني إلى إسرائيل في الأعوام بين 1922-1945. حتى تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، تمكّن نحو نصف يهود اليمن من الهجرة إلى إسرائيل.
وكما في جميع الدول العربيّة، فقد زاد قيام دولة إسرائيل من التعرّض لليهود المحلّيين وفرضت عليهم أوضاعًا صعبة. توصّل عشرات الآلاف من اليهود إلى طريق، من خلال عدن، لفلسطين (أرض إسرائيل)، وتبقّى العديد من اللاجئين في عدن في حالة صعبة. هاجر إلى إسرائيل في هذه السنوات 50,000 من يهود اليمن، وأصبحت الجالية اليمنية في إسرائيل هي الأكبر. بقي في اليمن اليوم أقل من 200 يهودي، بحيث إنّ معظمهم قد تجاوز الستّين من عمره.
عائلة حباني اليمنية تحتفل بعيد الفصح للمرة الأولى في إسرائيل (GPO)
المحنة وحوادث الاختطاف
لم تنته معاناة يهود اليمن مع وصولهم إلى إسرائيل. لم تحرص المؤسسة الإسرائيلية، التي تألفت حكومتها بالأساس من مهاجري أوروبا، على معاملتهم بالمساواة. تمّ إيواؤهم في ظروف من الفقر. أدّت السنوات الطويلة التي مرّت على يهود اليمن باعتبارهم مجتمع مقطوع الصلة عن بقية العالم العربي، إلى تعامل يهود الدول العربيّة باشتباه تجاه يهود اليمن، ولقد استمروا في إسرائيل أيضًا على العيش كمجتمع منعزل.
خيّمت قضية رئيسية على علاقة المجتمع اليمني في إسرائيل مع المؤسسة
أب يمنى يهودي وابنه (Wikipedia)
والمجتمع وهي قضية الأطفال المختطفين. كان من المعتاد في مخيّمات استيعاب المهاجرين ألا ينام الأطفال مع والديهم، ففي الوقت الذي عاش فيه الوالدان في الخيام، تمّ نقل الأطفال إلى أكواخ. أُخبر العديد من الآباء الذين جاؤوا لزيارة أبنائهم في الأكواخ بأنّ أطفالهم قد توفّوا ودُفنوا، رغم أنّهم أُخذوا منهم وهم بصحّة وعافية. لم يتمّ عرض شهادة الوفاة في أيّ من الحالات، وفي الكثير من الحالات أيضًا لم يكن هناك قبر.
وجد بعض الآباء صعوبة في تقبّل هذا الخبر القاسي، وبعد أن بكوا، صرخوا واشتكوا لكون الطفل الذي أُخذ منهم كان معافى، تمّت إعادة الطفل إليهم وهو في حالة جيّدة، رغم إخبارهم بأنّه قد توفّي. تقبّل بقية الآباء الأخبار القاسية ولم يجادِلوا. أثارت حقيقة أنّ بعض الأطفال أعيدوا إلى آبائهم الاشتباه في أن يكون الأطفال قد خُطِفوا وأُخذوا لعائلات أخرى.
ووفقًا للاشتباه، فإنّ المؤسسة الإسرائيلية لم تثق بالآباء اليمنيّين بأنّ يربّوا أطفالهم في ظروف مناسبة، ولذلك قامت باختطافهم وتسليمهم إلى أسر أخرى. أقيمت ثلاثة لجان تحقيق في إسرائيل على مدى سنوات من أجل معالجة هذه المزاعم، ونوقش أكثر من 800 حادثة اختطاف.
وقد استُمع في اللجان إلى شهادات لمسؤولين كبار كانوا مسؤولين عن عملية استيعاب المهاجرين، حيث قالوا إنّ بعض الأطفال قد نُقلوا لتبنّيهم في الولايات المتحدة. قرّرت لجان التحقيق بأنّه ورغم هذه المزاعم، فإنّ معظم الأطفال الذين اختفوا توفوا فعلا، ولكن لا يزال هناك شعور لدى الكثيرين بأنّ العدالة لم تظهر حتّى الآن.
أصوات العنادل
الشيء الذي يربط المجتمع اليمني في إسرائيل بشكل كبير مع كل الشعب الإسرائيلي، هم أولئك المطربون الرائعون الذين خرجوا من أبناء وبنات هذا المجتمع. ليس الحديث فقط عن المطربين الذين يؤدّون الأغاني بالأسلوب اليمني التقليدي، وإنّما عن مجموعة واسعة من الأساليب التي تمزج بين القديم والجديد.
هل تعلمون، على سبيل المثال، بأنّه في كلّ المرات الثلاث التي فازت فيها إسرائيل بالأوروفيزيون، كان الممثّلون الإسرائيليون من أصول يمنية؟ المطرب يزهر كوهين الذي مثّل إسرائيل عام 1978، المطربة جالي عطري التي مثّلتها عام 1979 والمطربة دانا إنترناشيونال التي مثّلتها عام 1998؛ جميعهم كان من أصول يمنية.
القائمة طويلة وفيها أسماء كثيرة، ولكننا اخترنا للقرّاء خمسة ممثّلين بارزين من أفضل مطربي إسرائيل، والذي قدِم آباؤهم من اليمن:
هل تم تتويجه بلقب “الملك” عبثًا. أوصلت أغاني زوهر أرجوف، الذي غيّر اسم عائلته حيث كان في الأصل يدعى “عورقبي”، الموسيقى الشرقية لكل بيت في إسرائيل، وأصبح نجمًا بلا منازع. ولكن توهّج نجاح زوهر في حياته، وأصبح مدمنًا على المخدّرات واضطرّ في نهاية المطاف للانتحار في الزنزانة في الشرطة الإسرائيلية.
عوفرا حازا
بكت البلاد جميعها حين توفيت عوفرا حازا عام 2000، فقد كانت تعاني المطربة المحبوبة جدّا في سنّ صغير من مرض الإيدز الذي أصيبت به. ليس هناك شخص لا يعرف صوت الطفلة الصغيرة التي ولدت في حيّ فقير بتل أبيب لأسرة مكوّنة من تسعة أطفال، وأصبحت المطربة الأكثر شهرة في إسرائيل. استمعوا إلى أغنية عوفرا حازا باللغة العربية:
بوعاز شرعبي
المطرب صاحب الاسم اليمني المثالي والذي ولد لأسرة مكوّنة من عشرة أطفال، يمزج بين أسلوب الروك الكلاسيكي والجاز وبين الجذور العميقة في اليمن. وهو يزعم أنّ أخته قد اختطفت خلال قضية عمليات الخطف التي ذكرناها في السابق. تزوّج شرعبي ثلاث مرّات، كان من بينها زواج من امرأة اسمها هالين وكانت مدمنة على المخدّرات وانتحرت في السجن. ولكن لم يؤثّر شيئًا من هذه المآسي الشخصية على الموسيقى الرائعة التي ينتجها.
http://youtu.be/P9byhmQ0-bQ
مرجليت صنعاني
ولدت مرجليت صنعاني والتي تعرف أساسًا باسم “مرجول” في اليمن عام 1948، وهاجرت إلى إسرائيل وهي في جيل سنة. تمزج في أغنياتها بين الروك، البلوز والموسيقى اللاتينية، ويُلاحظ في أغنياتها تأثير الروح الأمريكية من أصول إفريقية. وهي تعرف في إسرائيل ليس فقط كمطربة وإنّما كمقدّمة لبرامج تلفزيونية كثيرة. اخترنا أن نعرض لكم إحدى أغانيها اليمنية التقليدية:
شوشانة ذماري
كانت شوشانة ذماري، التي ولدت في اليمن عام 1923 المطربة الأولى التي لم تكن من أصول أوروبية وأصبحت أسطورة إسرائيلية، وكانت مقبولة ومحبوبة بين جميع شرائح الشعب. بل هناك من وصفها بـ “المطربة الوطنية”، في أعقاب 70 عامًا لنشاطها في إسرائيل. رافقت الأغنية العبرية منذ السنوات التي سبقت قيام دولة إسرائيل، ولا يوجد من لا يعرف صوتها العميق والرنّان في إسرائيل. في هذه الأغنية التي تدعى “في كروم اليمن” تعبّر عن شوقها للمكان الذي ولدت فيه.