البلدة التحتى في حيفا
البلدة التحتى في حيفا

بيروت الإسرائيلية.. البلدة التحتى في حيفا تزدهر

من منطقة مهجورة إلى مركز ثقافي، ترفيهي للعرب واليهود، في النهار والليل.. التغيير الكبير الذي طرأ على البلدة التحتى في حيفا

في نهاية الأسبوع الماضي، تصدرت البلدة التحتى في حيفا العناوين بعد أن تحولت تظاهرة جرت فيها إلى عنيفة وأثارت ضجة كبيرة. ولكن حيفا مشهورة أكثر بصفتها مدينة التعايش بين العرب واليهود، لا سيما بفضل التغييرات الهامة التي طرأت على البلدة التحتى في السنوات الماضية، التي تعرض تعدد الثقافات في المدينة. بعد سنوات طويلة من الإهمال والتدهور، بدأ ترميم البلدة التحتى، ما أدى إلى تطوّرها.

شوارع البلدة التحتى بعد مشروع التأهيل البلدي

أقام ظاهر العمر، حاكم الجليل، البلدة التحتى في حيفا في منتصف القرن الثامن عشر. مع مرور الوقت، بُني ميناء على ساحل الشاطئ، وأصبحت البلدة التحتى مركزا تجاريا إقليميا مزدهرا. بعد إقامة دولة إسرائيل، بدأت المصالح التجارية تزدهر في حي الهدار وحي الكرمل وتدهورت في البلدة التحتى. ولكن بعد مرور 50 عاما، بدأت تزدهر المنطقة ثانية بعد نقل مبان عامة وحكومية إليها وإطلاق المشروع البلدي لإعادة تأهيلها الفريد من نوعه في العالم. في إطار المشروع، الذي بادرت إليه بلدية حيفا وما زال قيد العمل في هذه الأيام، بدأت تشهد البلدة التحتى ازدهارا، وأصبحت موقعا للطلاب الجامعيين، يدمج حياة ترفيهية، تجارية، يجري جميعها في ظل أجواء علمانية ومتنوعة.

شارع الميناء في البلدة التحتى

إضافة إلى الجهود التي تستثمرها بلدية حيفا، فإن ازدهار البلدة التحتى في حيفا طرأ في السنوات الخمس الأخيرة بفضل مبادرات مستقلة لأصحاب مصالح تجارية ومواطنين، بدأوا يستخدمون المباني التجارية والمنازل التي كانت مهجورة لأكثر من 15 عاما. لقد ساهمت النشاطات الأكاديمية التي بدأت تُجرى في البلدة التحتى، إضافة إلى إقامة شقق سكنية لطلاب الجامعات، في أن تصبح هذه البلدة مركزا نابضا بالحياة. افتُتح في مركز البلدة التحتى “مجمّع 21” – وهو مجمع يعمل فيه مصممون وفنانون، ويتضمن مصالح تجارية ومعارض فنية لفنانين عرب ويهود.

معرض في البلدة التحتى

يمكن أن يلاحظ من يزور البلدة التحتى في حيفا إضافة إلى التعايش العربي اليهودي، الذي يتضمن تعايشا بين فئات دينية مختلفة، أنه في السنوات الماضية ازدهرت حضارة عربية عصرية، علمانية ومفتوحة. بعد أن كان الحي الألماني وجادة بن غوريون منطقتي جذب وسياحة في حيفا لوقت طويل، يبدو أن الشبان العرب واليهود بدأوا يزورون أكثر البلدة التحتى، التي تبعد نحو كيلومتر عن تلك المنطقتين.

مطعم “لحظة” في البلدة التحتى

في السنوات الثلاث الماضية، أصبحت البلدة التحتى، التي كانت مهجورة تماما، مركزا ليليا نابضا بالحياة. ففيها مطاعم ومقاه، وحانات قديمة ومطاعم تاريخية، إضافة إلى المقاهي الجديدة والحانات الجذابة. في ساعات بعد الظهر المتأخرة، يصل زوار كثيرون إلى البلدة التحتى ويزداد عدد الشبان الذين يزورون الحانات والمطاعم في ساعات الليل. إضافة إلى المواقع الترفيهية العادية، فمنذ السنوات الماضية، بدأت تزدهر نواد ليلية وحانات صغيرة مميزة، يتمتع فيها الزوار بعروض موسيقية، أمسيات غنائية وحفلات رقص.

شبان في حانة في البلدة التحتى

في كل يوم مساء، تُجرى لقاءات بين الأصدقاء، يتم تناول وجبات عشاء مشتركة ولقاءات مواعدة في البلدة التحتى. “الحانة مفتوحة حتى الساعة الرابعة أو الخامسة فجرًا، خلال أيام الأسبوع أيضا”، قال أكرم، ابن 25، الذي يعمل مسؤولا عن وردية في إحدى الحانات في البلدة التحتى ويعيش في المنطقة. “عندما انتقلت للعيش والعمل في البلدة التحتى دُهشت من الحياة الليلية فيها”، أوضح أكرم. وفق أقواله، “يزور البلدة التحتى العرب واليهود، الطلاب الجامعيون وأشخاص كبار في العمر، والجمهور مختلط تماما”.

يعتقد ماهر، ابن 32 من عسفيا، الذي يزور حيفا كثيرا للتمتع بأجوائها مع أصدقائه، أن هناك في حيفا تعايشا حقيقيا. وفق أقواله، “ليس هناك توتر في البلدة التحتى”.

حانة في البلدة التحتى

تحدث عنان، ابن 33 عاما من حيفا، عن التغييرات الكبيرة التي طرأت على البلدة التحتى في السنوات الماضية. “في البداية، في عام 2009، عندما بدأت أزورها كانت فيها حانتان فقط، وكانت المنطقة مهجورة. ولكن في السنوات الأربع الماضية، طرأ تغيير كبير، وافتُتح الكثير من الحانات”، وفق أقواله. وأضاف: “بما أن المدينة هي مدينة علمانية فهذه أفضلية. يعيش اليهود والعرب جنبا إلى جنب، يحترمون بعضهم، وهذه هي طبيعة العلاقة بينهم”.

كما أن أودليا وأوري في الثلاثينات من عمرهما، يزوران البلدة التحتى كثيرا. “عدت إلى إسرائيل بعد أن عشت لسنوات في الولايات المتحدة، ودُهشت عندما شاهدت كيف ازدهرت البلدة التحتى في السنوات الماضية. أصبح التعايش واضحا، وازداد الأمان الشخصي جدا”، قالت أودليا. “جرى لقاء المواعدة الأول بيننا هنا، في البلدة التحتى، في أحد المطاعم”، قال أوري.

شبان ومتقدمون في العمر في حانة في البلدة التحتى

كما تشكل البلدة التحتى موقعا ترفيهيا للشبان من خارج حيفا، الذين يصلون بشكل خاص للتمتع بأجوائها وقضاء الوقت فيها إلى جانب الحيفاويين. يسافر يوسف، ابن 29 عاما، من الناصرة العليا إلى حيفا، كل يوم ثلاثاء لمدة ساعة، للمشاركة في حفلات رقص السالسا في حانة “Kabareet”، المعدة لحفلات الرقص المميزة، التي تشكل مركزا ثقافيا للشبان في حيفا، ومسؤول عنه طاقم “جزر كرو” – طاقم فن عصري فلسطيني محلي.

“بدأ كل مواطني حيفا يزورون البلدة التحتى بعد أن كانوا يقضون أوقاتهم في جادة بن غوريون”، قال يوسف. وأضاف: “يرقص الجميع معا ولا نشعر بالعنصرية، ونرحب بكل الزوار. يزور الحانة ضيوف من أعمار مختلفة، وتشغّل الموسيقى الشرقية، الهيب الهوب وغيرها”. وصف يوسف الأجواء المميزة في البلدة التحتى، التي تجذب الكثيرون، قائلا: “حيفا هي المكان الأفضل في الشمال. كل من يريد قضاء الوقت يزور حيفا”.

حفلة سالسا في حانة “Kabareet”
اقرأوا المزيد: 741 كلمة
عرض أقل
الحياة المثلية في حيفا (Flash90/Shay Levy)
الحياة المثلية في حيفا (Flash90/Shay Levy)

مثليو المدينة ومثليو القرية

بقدروا المثليين يعيشوا حياة قروية هادية؟ وإذا كان بقدروا، عندها وين بكونوا قرى المثليّين؟ وهل بتسير الأمور مثل كل قرية ثانية بالعالم؟ وراح تكون مشاهد حياة ليلية نابضة وعدة فعاليات؟

من زمان، قبل الانقلاب المثليّ، كانوا المثليّين يتجمعوا بالمتروبولين القريبة عبيوتهم، مش مهم من أي قرية، ضاحية أو مدينة زغيرة أنت جاي. لأنه للمثليّ في دايمَا حلم المدينة الكبيرة. مدينة مزدهرة، فيها بقابل باقي اخوته في “الكفاح”.

السنة هي 2002 أنا بسكن بيافا بصف العاشر، خمس دقايق من تل أبيب. يافا بتبين مثل ذرة رمل زغيره مقابل المشهد الفاخر المزهر في تل أبيب. أنا باخذ على نفسي المهمة إني أكون قسم منها. ما تفهموني غلط، في مثليّين كثير وسحاقيات اللي راح ينبسطوا إنه يكونوا في مكان زغير وهادي، لكن أغلب المجموعة بتفضل تكون قسم من المجموعة الكبيرة والمعروفة. شو بجذبنا للمجموعة هالقدة؟

بدائل وتغييرات

في إشي ثاني بحصل: إن كان مرة من المرات البديل لحياة المثليين في إسرائيل إنه انحصر في مدينة تل أبيب، معناها اليوم نظام العالم تغيّر. للمثليين العرب في إسرائيل بديل ثاني، للمثليين العرب في الشمال في خيارات أكثر وهني أبعدوا حالهم عن الحلم التل أبيبي. المشهد المثليّ العربي تجمع من كل أرجاء القرى في الشمال، من ترشيحا وحتى كفر ياسيف في مكان واحد واضح وبارز اللي بعطيهم ملجأ: مدينة حيفا.

خضر أبو سيف (Facebook)
خضر أبو سيف (Facebook)

في المدة الأخيرة تحولت حيفا للجواب العربي لمتربولين المثليّين في البلاد. لتمييزهم عن الإسرائيليين اليهود، المثليّين العرب كانوا بدهم يبنوا الدفيئة تاعتهم في بيت تربية ودي بمنحهم استجابة لحاجات المجموعة العربية المثليّة. أهلا وسهلا في حيفاـ المتروبولين العربي المثليّ الأول لعرب إسرائيل، (اللي اسمهم عرب 48 كمان).

ليش حيفا؟

هي قريبة أكثر من القرى العربية بالشمال، هناك في تركيز للمجموعة العربية الأكبر في إسرائيل. حيفا فيها أماكن ترفيه منوعة اللي بتخدم أعضاء المجموعة: مقاهي، نوادي، وحياة ليلية صاخبة.

من المعروف إنه كل مجموعة بتميل لأنه تميز نفسها عن المجموعات الثانية، المثليّين العرب الحيفاويين متماشين مليح مع المثليّن العالميين.

وبخصوص السؤال ليش إحنا منميل نهرب من القرية؟ الجواب هو منطقي جدًا: القرية نفسها هي مجموعة مقلصة اللي بتتجمع حول حالها. هي كمان عالأغلب مش راح تعطي الحاجات المطلوبة للمثليّ المتوسط. المثليّ بالقرية الزغيرة مش قليل اللي بتلقاه من النقد والغمز والازعاج. الملجأ الوحيد هو الانتقال للمدينة الكبيرة وفي حالة المثليين العرب في إسرائيل: حيفا.

في منهم اللي بصلوا المدينة الكبيرة من “أجل الحب”، وفي منهم بصلوا عشان يدوروا على انتماء، فهم وتحمّل. لكن كلهم، بلا استثناء بروحوا عشان يبدو الحياة من جديد. القرية هي مش خيار من ناحية أعضاء المجموعة العربية المثليّة في إسرائيل. القرية هي بس محطة وسطى في الطريق لحياة جديدة.

اقرأوا المزيد: 367 كلمة
عرض أقل