هناء زياد (Youtube / لقطة شاشة)
هناء زياد (Youtube / لقطة شاشة)

المدوّنة المقدسية صاحبة الرقم القياسي في النت

تعرفوا إلى هناء زياد، مدوّنة ونجمة اليوتيوب الشابة من القدس، التي أصبحت خلال سنة ونصف السنة إحدى نجمات اليوتيوب الأكثر نجاحا في إسرائيل

في موقع يوتيوب, موقع مقاطع الفيديو الشعبي في غوغل، الأكثر نجاحا من القنوات التلفزيونية الأخرى، لأنه يجعل نجومه مشهورين وأثرياء، ليس عجبا أن يهتم الكثير من الشبان والشابات الإسرائيليين بإنشاء قنوات يوتيوب، آملين أن يحققوا عددا كبيرا من المتابعين وأن يصبحوا نجوما مؤثرين.

المثير للاهتمام هو أن هناء زياد من القدس، المدوّنة التي فتحت قناة يوتيوب قبل عام ونصف العام، التي تعتني بالأزياء، العناية ونمط الحياة، بدأت ترفع فيه مقاطع فيديو باللغة الإنجليزية. بعد أن بدأ يتابع هناء 13 متابعا، قررت الشابة بناء على نصيحة والدتها أن تبدأ برفع مقاطع الفيديو باللغة العربية. اليوم، بعد مرور سنة ونصف السنة، أصبح يتابع قناة هناء نحو 430.000 متابع من دول مختلفة في الشرق الأوسط.

وتقول هناء إنها في بداية حياتها المهنية كانت تخشى من رفع مقاطع الفيديو باللغة العربية، ولكن على الرغم من ذلك، اتضح أن هذه الخطوة حققت نجاحا كبيرا: “فكّرت في ذلك وشعرت بالخوف، ولم أعرف السبب. فقد خشيت من أن أكتب باللغة العربية، وهي لغتي الأم. خفت من ردود الفعل، ومن ألا يحبن المتابعون أعمالي، ولكن كانت هذه الخطوة ناجحة كثيرا. طالب المنتسبون المزيد من المحتويات بالعربية، وأصبحوا يشكلون الأكثرية من بين متابعي قناتي”.

منذ بداية حياتها المهنية حتى الآن، عملت هناء على إنتاج، تصوير، تحرير، وتحميل كل مقاطع الفيديو وحدها، وهذه المهمة مثيرة للتحدي، ولكن يبدو أنها مجدية، أيضا، لأنه وفق أقوال هناء فإنها تكسب حوالي 6000 شاقل (نحو 1720 دولارا) شهريا من قناتها على يوتيوب فقط.

حظيت قناة هناء خلال نصف سنة بمليون مشاهدة، وأصبحت تعتبر اليوم واحدة من أنجح نجوم اليوتوب في إسرائيل. “يجب أن تكونوا جريئين وتعبّروا عن رأيكم”، وفق أقوالها. “الوقت الملائم للتنفيذ هو فورا عندما تخطر في بالكم فكرة، وإذا لم يحدث ذلك فستفقد الفكرة من أهميتها. ارفعوا على النت كل ما تحبونه، ولا تخشوا من التعبير عن أنفسكم”.

اقرأوا المزيد: 282 كلمة
عرض أقل
نصير ياسين، "ناس" (Facebook/Nas Daily)
نصير ياسين، "ناس" (Facebook/Nas Daily)

الشاب العربي الذي أصبح المدوّن الإسرائيلي الأكثر نجاحا

من عمل بأجر عال في مانهاتن إلى السفر في أنحاء العالم مع كاميرا وكمبيوتر - هكذا أصبح "ناس" ابن 25 عاما أحد المدونين الأكثر اهتماما في الإنترنت

يتابع صفحة “ناس ديلي” (Nas Daily) التي تتضمن أفلام فيديو مدتها دقيقة فقط ويديرها شاب عربي عمره 25 عاما أكثر من نصف مليون متابع وحظيت بأكثر من 80 مليون مشاهدة. نشر “ناس” اليوم فيلم الفيديو الـ 337 الخاص به. فهو ينشر منذ 337 يوما أفلام فيديو يوميًّا مدتها دقيقة يصف فيها تجاربه حول العالم، أو قضية يرغب في طرحها.

اسم “ناس” الحقيقي هو نصير ياسين، ولد وترعرع في إسرائيل، في قرية عرابة في الجليل، قبل أن يسافر إلى أمريكا للعيش والعمل فيها. لذلك يتحدث نصير الإنجليزية، العربية، والقليل من العبريّة. يدعي أن لا داعي أن نحسده على الحياة الحرة التي يعيشها أثناء رحلاته حول العالم. فوفق أقواله، يفكر أحيانا أربع ساعات حول إنتاج مقطع فيديو طوله دقيقة. وهكذا يكرس يوميا ساعات كثيرة من أجل أفلامه الفيديو.

نصير في زيارته إلي “واحة السلام” وهي بلدة مشتركة يهودية – عربية في إسرائيل:
https://www.facebook.com/nasdaily/videos/784360568382764/

للحظة الأولى، ليس واضحا لماذا قرر السفر. لم ينقصه شيئا قبل ذلك أيضًا. فعمره 25 عاما وقد نجح في إنهاء تعليمه في مجال الاقتصاد وعلوم الحاسوب في جامعة هارفرد وحصل على وظيفة مرموقة – مهندس في شركة باي بال (PayPal). كان يربح نحو 10,000 دولار شهريًّا، ولكن وفق أقواله لم يكن مرتاحا في عمله. فبعد مرور نحو سنة ونصف استقال من عمله المحترم وفي اليوم التالي صور مقطع الفيديو الأول لصفحة “ناس ديلي”.

“أرغب في إنتاج مضامين لفتى عمره 15 عاما من نيبال ورجل عمره 50 عاما من نيويورك”، قال نصير في مقابلة معه نُشرت مؤخرا في صحيفة “ذا ماركر” الإسرائيلية. وعندما يقول نصير إنه يرغب في إنتاج مضامين تلائم أشخاص مختلفين، فهو يقصد أشخاصا ذوي آراء تختلف عن آرائه تماما، مثل الإسرائيليين والفلسطينيين. فمن جهة، يعرّف نفسه بصفته إسرائيليا، ولكن من جهة أخرى، كرس مقاطع فيديو للوضع في الضفة الغربية، عرض فيها مخيّمات اللاجئين وجدار الفصل.

“ناس” في مقطع فيديو مع صديقه اليهودي في نيويورك:
https://www.facebook.com/nasdaily/videos/713736832111805/

ومع ذلك، فإن مقاطع الفيديو الخاصة به سهلة للمشاهدة، وليست هناك أهمية إلى أية درجة المواضيع التي يتطرق إليها جدية وهامة. “إذا أنتجت مقطع فيديو سلبيا تمامًا فلن يصل إلى الأشخاص الذين من المفترض أن يصل إليهم”، قال لصحيفة “ذا ماركر”. “مثلا، مقطع الفيديو حول أوضاع الفلسطينيين – إذا كان مثيرا للإحباط، فكان سيتحدث الفلسطينيون بينهم عن وضعهم، ولكن سيتجاهله اليهود. عندما تنجر أعمالا إيجابية تصل إلى أكبر عدد من الأشخاص”.

اقرأوا المزيد: 361 كلمة
عرض أقل
نجوم يوتيوب العرب (لقطة شاشة)
نجوم يوتيوب العرب (لقطة شاشة)

نجوم يوتيوب العرب

الشبّان العرب الذين يكتسحون عشرات ملايين المشاهدات باستخدام ميزانية قليلة، إنترنت، والقليل من الفكاهة

جمعنا لكم بعض مدوني اليوتيوب العرب الأكثر نجاحا، إضحاكا وإثارة. يتابع صفحاتهم عشرات ملايين المتابعين، وهناك مبدأ واحد وراء أعمالهم وهو العمل وفق رغبة الجمهور. يقدم جزء منهم نصائح للمتابعين، ويعرض جزء آخر ألعابا وتحديات مثيرة للضحك، والأهم هو أن المتابعين لا يشعرون بالملل أبدا.

هند دير: يتابع قناتها ‏نحو 1,060,000‏ متابعين. عمرها ‏25‏ عاما، هي عراقية الأصل وتعيش في أوهايو، أمريكا.
تظهر في قناة يوتيوب الخاصة بها آراء، فيديوهات تعليمية، “فتح صندوق”، تمثيل وكوميديا، نصائح، طبخ وأعمال يدوية.

الفيديو الأكثر مشاهدة في القناة:

موها: يتابع القناة نحو ‏‎1,090,000‎‏ متابعين. اسمه محمد وهو أخ نجود مدونة اليوتيوب. يعيش في السعودية.
تركّز قناته على تحديات وألعاب مضحكة.

معلومة أخرى: خفض ‏40‏ كيلوغراما من وزنه ويتحدث عن هذا في جزء من مقاطع الفيديو الخاصة به.

الفيديو الأكثر مشاهدة في القناة:

نجود: يتابع القناة نحو ‏‎1,060,000‎‎‏ متابعين، وعمرها ‏21‏، وهي أخت موها. لديهما أخ آخر نشط في النت وهو لوفان.

تركز قناة اليوتيوب الخاصة بها على العناية بالبشرة، المكياج، وعلى الكثير من مقاطع الفيديو المضحكة مع إخوتها.

الفيديو الأكثر مشاهدة في القناة:

إسوارة: يتابع القناة ‏‎1,613,627‎‎‏ متابعين، واسمها الحقيقي ميمي. وهي تعيش في هولندا وأصلها من المغرب.

تركز قناة يوتيوب الخاصة بها على الأعمال اليدوية، والنصائح التجميلية.

معلومة أخرى: يشارك في جزء من أفلام الفيديو زوجها الهولندي.

الفيديو الأكثر مشاهدة في القناة:

سعودي ريبورترز: يتابع القناة نحو ‏‎2,300,000‏‎‎‏ متابعين، القناة للأخوين عبد الله وعبدالعزيز. يعيشان في السعودية بالطبع.

تقدم قناة اليوتيوب التابعة لهما أفلام فيديو مضحكة ومتنوعة، ومن بينها تحديات ومباريات، وأسئلة. فهما يستخدمان الكثير من الأنيميشن ويعملان على تحرير أفلام الفيديو.

الفيديو الأكثر مشاهدة في القناة:

اقرأوا المزيد: 237 كلمة
عرض أقل
المدونتان الشابتان من غزة (لقطة شاشة)
المدونتان الشابتان من غزة (لقطة شاشة)

المدونتان الشابتان من غزة

أختان فلسطينيتان تحظيان بملايين المشاهدات وآلاف المتابعين عبر يوتيوب، وتظهران الجوانب الإيجابية للعيش في غزة

“مرحبا، كيفكم؟ انشالله تمام. هلا بقناتنا تو سيسترز تيوب” هكذا تتحدث هيا (15 عاما) ومرام (13عاما) في بداية فيديوهاتهما، أمام مئات آلاف المشاهدين. أصبحت الأختان اللتان تنشران أفلام فيديو مصنّعة منزليا جزءا من الصرعة المنتشرة بين الشبان في العالم كلّه، ولكنهما تعيشان في قطاع غزة.

عمر كل منهما ‏13‏ و 15 عاما، ولكنهما تتفوقان في عدد متابعيهما على عدد المتابعين لهيئات كبيرة مثل قناة “الميادين”‏.‎ ‎نشارككم يومياتنا وأفكارنا ولحظات كتيرة من حياتنا”، هذا ما كُتِب في قناة اليوتيوب الخاصة بهما، ولكنهما لا تحضّران أفلام الفيديو وحدهما. فوالدهما هو مصور ومحرر، ولكن وفق أقواله فابنتاه تبدعان الأفكار وهو يساعدهما على دفعها قدما فقط.

https://youtu.be/I0W2ec7d9Ag?t=9m11s

تحاول هيا ومرام التطرق إلى الجوانب الإيجابية التي تشغل معظم الأولاد في عمرهما، ولكنهما تتطرقان إلى الخصائص المدينة التي تعيشان فيها. فمن بين المواضيع التي تتطرق إليها الشابتان هناك التعليم، الأكل، اللعب، ولكنهما تتطرقان إلى كيف يمكن وضع الحجاب، وإلى توفير الكهرباء المحدود. تعرض الشابتان أمام المشاهدين البحر أيضا، المجمعات التجارية وأماكن الترفيه في غزة. “في مجتمعنا في مراح وفي ترفيه ولكن في حروب أيضا”، هكذا تقولان في إحدى المقابلات معهما مؤخرًا.

حظيت أفلام الفيديو الخاصة بهما والتي تُنشر في حساب “Two Sisters Tube” بإعجاب كبير ويشاهدها نحو 140,000 متابع في يوتيوب، إضافة إلى 12,000 في الإنستاجرام والآلاف في الفيس بوك.  مؤخرًا، اشتهرتا في أماكن أخرى إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن تعرفت قنوات إعلامية رائدة في العالم العربي عليهما وبدأت بالاهتمام بهما.

اقرأوا المزيد: 223 كلمة
عرض أقل
رائف البدوي
رائف البدوي

بالفيديو: جلد علني لمدون سعودي ازدرى الإسلام

سارعت الرياض بالتنديد بقتل الصحفيين في مجلة "شارلي ايبدو"، ولكن ناشط حقوق الإنسان الذي انتقد الدين جُلد خمسون مرة، ضمن ألف جلدة صدرت بحقه مع عشر سنوات سجن

على ضوء مظاهرات الملايين التي أُقيمت البارحة (الأحد) في شوارع فرنسا عقب المذبحة في مكاتب “شارلي ايبدو”، في الغرب هناك نقد شديد للسعودية. هذا، بسبب عقاب ألف جلدة وعشر سنوات سجن حُكِم على ناشط حقوق الإنسان في الدولة. سارعت السلطات في الرياض بإدانة الهجوم على المجلة الساخرة التي أساءت إلى النبي محمد والإسلام، حيث أن وزير الخارجية قد شارك بالمسيرة البارحة، ولكن السياسة الداخلية للمملكة ما زالت على حالها فهي تهاجم كل من ينتقد نظام الحكم والدين.

https://www.youtube.com/watch?v=eua1SvrRUq0

أُدين ناشط حقوق الإنسان، رائف بدوي، في شهر مايو الأخير بإهانة الإسلام في الموقع الإلكتروني “سعوديون ليبراليون أحرار” الذي أقامه وتم إغلاقه منذ ذاك الوقت. ‎ في يوم الجمعة الماضي، بدأت فترة عقوبة بدوي، الذي تم جلده خمسين مرة علنيًّا خارج المسجد في مدينة جدة. في الفيلم الذي يُوثّق تنفيذ العقوبة يظهر الجمهور المُتفرِج الذي يشاهد تنفيذ العقوبة العلنية مبتهجًا ويهتف ويصرخ “الله أكبر”.

حث الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤيدون آخرون الرياض على أن تلغي تنفيذ العقوبة، وقد أفادت وزارة الخارجية البريطانية: “تُدين المملكة المتحدة استخدام العقوبة القاسية والمهينة، مهما كانت الظروف”.

“احتجت حكومات كثيرة حول العالم على العقوبة التي تلقاها”، قالت انصاف حيدر البارحة لصحيفة “الغارديان” البريطانية، زوجة بدوي اللاجئة في كندا. “كنت متفائلة حتى اللحظة الأخيرة، ولكن الحكومة السعودية تتصرف مثل داعش”. المملكة العربية السعودية واحدة من خمسة الدول العربية المشاركة في الاتحاد الدولي ضد “الدولة الإسلامية”، إلا أنه هناك من يدّعي أن تصرف المملكة السعودية لا يختلف كثيرًا عن التنظيم السنيّ المتطرف، على ضوء تطبيق الشريعة الإسلامية على أرض الواقع.

في الرسوم الكاريكاتيرية التي تحظى في الآونة الأخيرة بالشعبية في الشبكة نرى شخصًا يشبه بدوي حين يتم جلده بالسوط، وإلى جانب الرسمة كُتِب عليها بالعربية: ” نحن نُدين ونستنكر الهجوم الإرهابي على حرية الرأي … إلخ إلخ”.

https://twitter.com/zinzibare/status/554203712986832898

اقرأوا المزيد: 274 كلمة
عرض أقل
عتمة الإنترنت: عالَم الإنترنت المُظلِم (Thinkstock)
عتمة الإنترنت: عالَم الإنترنت المُظلِم (Thinkstock)

عتمة الإنترنت: عالَم الإنترنت المُظلِم

مواقع مشترَيات تعرض مخدّرات وقتَلة مأجورين، موادّ إباحيّة فاحشة، مرشِدون غير شرعيين لإعداد متفجّرات من موادّ بيتيّة، معلومات سريّة لهيئات حكومية وجيوش، تجارة بالبشر، وتنظيمات إرهابية بأسرها: الشبكة التي تحت الشبكة، التي تحوي كلّ شيء

أعترف أنني لم أفهم القصد حين سمعت للمرة الأولى مصطلح “Dark Net‏” (الشبكة المظلمة). فأنا أعرف الإنترنت منذ ما يزيد من عقد، أعرف البحث عن الموادّ التي أهتمّ بها، الحصول على آخر التحديثات من مواقع التواصل الاجتماعي، إجراء المشتريات من مواقع آمنة، والتحدّث إلى الأصدقاء والمعارف في إسرائيل والعالم كلّه.

وإذا بي في ذكرى الهولوكوست الأخيرة، قبل بضعة أيام، في ساعة متأخرة من الليل، أدرك أنني، مثل أي متصفح عادي، لا أعرف سوى رأس الجبل الجليديّ. فقد كشف تقرير بُثّ في القناة الثانية من التلفزيون الإسرائيلي النقابَ عن ظواهر قذِرة ومقلقة جدًّا للّاسامية تنتشر عبر الإنترنت في أرجاء العالم. لم يكن هذا جديدًا، لكنّ المذيع ومقدّم البرنامج نجح في إرباكي. فقد روى في التقرير عن عالَم إنترنت كامل لا ترصده محرّكات البحث العاديّة التي نعرفها جميعًا، مثل جوجل، ولا سلطات فرض القانون والحُكومات. إنه عالَم كامل وذو نطاق واسع، أكبر بكثير من عالَم “الشبكة النظيفة” (Clean Net)، الذي نعرفه نحن المستخدِمين العاديين. هو عالِم مظلم وكبير جدًّا. يُخبر الاختصاصيّون في الإنترنت أنّ محرّكات البحث العادية، مثل جوجل، تعرف أو تنجح في رصد بين 20 و28 من المئة من المحتويات التي نرفعها إلى شبكة الإنترنت. صُدمتُ لمعرفة هذه المعلومة. فنحن لا نعرف سوى أطراف أطراف الإنترنت، فيما يتواجد تحت السطح عالَم هائل من المعلومات المشفَّرة وغير المعروفة.

الأمر بسيط

يمكن تشبيه شبكة الإنترنت بجُزر متّصلة إحداها بالأخرى بحِبال. جوجل،هو جزيرة مركزية تخرج منها حبال إلى مواقع عديدة (Thinkstock)
يمكن تشبيه شبكة الإنترنت بجُزر متّصلة إحداها بالأخرى بحِبال. جوجل،هو جزيرة مركزية تخرج منها حبال إلى مواقع عديدة (Thinkstock)

يمكن تشبيه شبكة الإنترنت بجُزر متّصلة إحداها بالأخرى بحِبال. جوجل، على سبيل المثال، هو جزيرة مركزية تخرج منها حبال إلى مواقع عديدة أخرى، تحتوي هي بدورها على وصلات (حبال) إلى مواقع أخرى – قسمٌ منها متوفّر في جوجل، والقسم الآخَر غير متوفّر. إذا أردتم، بإمكانكم أن تطلبوا ألّا تظهر صفحتكم على فيس بوك لدى البحث في جوجل، وهكذا تقطعون الحبل بين جوجل وبين صفحتكم، لكن لا يزال بالإمكان الوصول إلى صفحتكم عبر الفيس بوك نفسه.

في الشبكة، كما في الواقع، مصطلَح “الأبواب المغلَقة” قائم، لكنه غير شائع. تُعرَف شبكة الإنترنت بأنها مشاع، أي إذا رفعتم شيئًا إلى الإنترنت، سواء إلى فيس بوك، منتدى ما، مدوّنتكم الخاصة، أو غير ذلك، فإنّ المعلومات أصبحت مِلكًا عامًّا، يمكن إيجادها عبر بحثٍ بسيط.

الافتراض الأساسيّ هو أنه عدا الرسائل الخاصّة بيننا وبين شخص آخر في مواقع مثل فيس بوك أو خدمات مثل “جوجل توك” و”مسنجر”، فإنّ كلّ شيء موصول بأشياء آخر، وكلّ شيء معروف، المعلومات ملك للعموم…

عوالِم مُوازِية

للإنترنت طبقتان أخريان لا يُدرك معظمنا وجودهما، وهما أكبر من الشبكة المعروفة، وهما مخيفتان أكثر (Thinkstock)
للإنترنت طبقتان أخريان لا يُدرك معظمنا وجودهما، وهما أكبر من الشبكة المعروفة، وهما مخيفتان أكثر (Thinkstock)

يبدو أننا – أنتم وأنا – مخطِئون. فليس كلّ شيء عامًّا، ولا يمكن الوصول إلى كلّ شيء. فللإنترنت طبقتان أخريان لا يُدرك معظمنا وجودهما، وهما أكبر من الشبكة المعروفة، وهما مخيفتان أكثر.

الجزء الهائل وغير المعروف من الإنترنت هو في الواقع المنطقة غير المُرسَّمة – مجموعة هائلة من المعلومات، مواقع وملفّات غير مسجَّلة في عنوان معيَّن (Domain)، متوفِّرة فقط لمَن يعرف الاتّصال بها. هكذا مثلًا، يمكن طباعة عنوان IP معيَّن والوصول إلى موقع ما، لا يمكن الوصول إليه بأية طريقة أخرى. فإذا لم تعرفوا عنوان الـ IP الخاصّ بالموقع، لن تعلموا أبدًا بوجود الموقع أو بفحواه. تحتوي الشبكة غير المعروفة على معلومات مثيرة للريبة أكثر قليلًا من الشبكة العاديّة، لكن ليس هناك أمر يحبس الأنفاس. فيمكن الوصول إلى هذه المعلومات من متصفّحات عاديّة جدًّا.

ولكن تحت هذه الشبكة غير المُرسَّمة، في مكانٍ لن نجده وإن بحثنا عنه، توجد الشبكة الأدنى: الشبكة المجهولة، الشبكة المظلمة (Darknet)، أو الويب العميق (Deep Web). تتطلب هذه الشبكة اتّصالًا محميًّا ومجهولًا عبر عددٍ من الخوادِم (servers)، المحميّة عبر عناصر مجهولة الهويّة.

القاعدة الأساسية للّعب هي السرية، ويصعب جدًّا رصد مَن تصفّح، من أين، ومَن يحمي الموقع ويقوم بصيانته. بين مواقع الشبكة المظلِمة ثمّة مواقع مشتريات تعرض مخدّرات وقَتَلة مأجورين، مرورًا بِالموادّ الإباحيّة الخاصّة بالأطفال، المرشِدين غير القانونيين لإعداد متفجّرات من موادّ موجودة في البيت، المعلومات السرية لهيئات حكومية وعسكرية، الاتّجار بالبشر، وصولًا إلى المنظمات الإرهابية الكاملة.

كيف يجري الاتّصال إذًا؟ عبرَ البصل

موقع TOR (تصوير شاشة)
موقع TOR (تصوير شاشة)

للاتصال بالشبكة العميقة، ثمة حاجة إلى وسيلة خاصّة باسمِ TOR، اختصار المصطلَح The Onion Routing ‎‏ أي “مسار البصل”. يمكن تنزيل TOR مجانًا عبر الشبكة العاديّة. بمجرد بحث قصير في جوجل، تجدون الوصلة إلى الموقع. يعرض البرنامج شاشة مراقبة تصلكم بالشبكة العميقة عبر بضعة خوادِم ثانويّة، وتقدّم لكم عنوان IP جديدًا ومزيفًا كثيرًا، بهدف تحويلكم من متصفّحين عاديّين هويتهم معروفة إلى متصفّحين مجهولين. بعد الاتّصال، يفتح TOR متصفّحًا، يتيح لكم استبدال الهويات الخفية بضغطة زر وبدء التجوّل في غياهب المواقع المُظلِمة.

لا تنتهي أسماء المواقع في “الشبكة المظلمة” بـ COM كما هو متعارف عليه، بل بخاتمة Onion، وهي شفّافة من حيث محرّكات البحث الاعتياديّة. هوية منشئي هذه المواقع مجهولة، ومكانها سريّ.

بعد ظهور المتصفِّح، تظهر أمامكم صفحة “أهلًا وسهلًا”، وفيها عنوان الـ IP المزيَّف الخاصّ بكم، ومحرّك بحث غريب اسمه Startpage. في ذلك المتصفِّح، يمكنكم فعل كلّ ما تفعلونه حتّى الآن – تصفُّح جوجل، وما شابه. مع ذلك، إذا عرفتم عمَّ تبحثون، يمكنكم بلوغ مواقع أخرى، مواقع لا يعرف المتصفِّح العاديّ ومحرّك البحث الاعتياديّ بوُجودها.

ويكيبيديا حفيّة، متجر عامّ، طريق الحرير، وصناديق بريد مستترة

Hidden Wiki (تصوير شاشة)
Hidden Wiki (تصوير شاشة)

إذا تعمّقتم في الأمر، فهذا جزء من المواقع التي قد تجدونها. الموقع الأكثر شهرة في الشبكة الخفيّة هو The Hidden Wiki، الموسوعة الخفيّة. موقع على شكل ويكيبيديا يحوي وصلات إلى مواقع مختلفة، مع معلومات مفصَّلة حول مواضيع متنوعة، جميعها دون رقابة، على سبيل المثال: معلومات سريّة لمؤسسات حكوميّة ومعلومات استخباريّة مسروقة، وصلات لأسواق حرّة اختصاصها إرسال المنتجات غير الشرعية: السلاح غير المرخَّص، العبيد، المخدّرات الثقيلة، أدلّة إنتاج القنابل والأسلحة الكيميائية والبيولوجية، مقاطع الفيديو والصُّور التي تعرض قطع رؤوس جنود من قِبل تنظيمات إرهابية، والمنتديات – الكثير جدًّا من المنتديات.

وهنا أيضًا، كما في “الشبكة النظيفة”، ثمّة موادّ إباحيّة. لكن في الشبكة المظلمة، الموادّ الإباحيّة أخطر بكثير. ‏‎ ‎الأكثرية الساحقة للموادّ الإباحية في الشبكة الخفيّة غير شرعيّة، أي مواد إباحيّة خاصّة بأطفال مثيرة للاشمئزاز، موادّ إباحية تشمل الحيوانات، وكذلك موادّ إباحيّة لمشاهير نُشرت وأزيلت من الشبكة المعروفة.

Slik road (تصوير شاشة)
Slik road (تصوير شاشة)

إلى جانب الفنّ الإباحيّ، هناك أيضًا شبكة مبيعات. فالنظير المظلِم لموقع eBay هو موقع يُدعى Silkroad، أي طريق الحرير. موقع المشترَيات هذا، خلافًا لما قد تظنّون، مخصَّص لشراء كلّ ما محظور. سوق لمنتجات غير شرعية: سلاح، مخدّرات ثقيلة مثل الهيروين والكوكايين، مجلّات تُعنى بالاستغلال الجنسيّ للأطفال، أدلّة لإعداد السلاح، مستندات هويّة مزوّرة، وموادّ مسروقة من منظّمات وحُكومات.

كذلك، يعرض موقع يدعو نفسه “المتجر العامّ” تنوّعًا من المخدّرات بتسعيرة منظّمة، وقتَلة مأجورين يعرضون خدماتهم مع تسعيرة – 20 ألف يورو للشخص العاديّ، 40 ألفًا لرجل المافيا، 50 ألفًا للرسميّ الحكومي، و60 ألفًا للصحفيّ. وتشمل منظومة الردود المتّصلة بالموقع ردودًا إيجابية جدًّا حول قتَلة مأجورين، إذ يؤكّد مَن نالوا الخدمات في الماضي أنهم سيقومون بعملهم ولَن يهربوا بأموالكم.

تجري إدارة الرسائل الإلكترونية عبر منظومة بريد إلكتروني غير مراقَبة باسم Tormail، يستخدمها كثيرون بهدف نسج علاقات وإجراء محادثات ومراسَلات سرّيّة.

أروني المال

حتّى الآن، نجحنا في الإدراك أنّ ثمة عالمًا كهذا، قاسيًا ومحميًّا، يصعب بلوغ محتوياته الخطِرة. لكن لم نفهم كيف يجري تسويقه، فإذا أردتُم شراء سلاح مع كاتم صوت عليكم الالتزام بالدفع بطريقةٍ ما، أو إذا أردتم تنزيل موادّ سريّة حول أمرٍ ما، عليكم دفع رسوم. باختصار، كيف يُدار النظام الماليّ؟

العملة المحليّة المستخدَمة في الشبكة العميقة هي عملة خاصّة تُدعى Bitcoin. المال العاديّ (الشاقل، الريال، الدولار، واليورو) يُحفَظ في المصارف، وتتحكّم بقيمته الحكومات التي تُتاجِر به، بحيث يمكن خفض قيمة المال بزيادة إنتاجه، وبالتالي إنتاج تضخم. فضلًا عن سلطة الحكومات على المال، يمكن أيضًا تعقّبه عبر وَسْم الأوراق الماليّة، وطبعًا في الإنترنت عبر أرقام بطاقات الائتمان وأرقام الحسابات المصرفيّة. Bitcoin هي عُملة عبر الإنترنت موجودة منذ سنوات وناجحة جدًّا، وهي محميّة من قِبل قوّة حساب حواسيب، موضوع يُدعى Crypto-Currency.

Bitcoin هي العملة المحليّة المستخدَمة في الشبكة العميقة (AFP)
Bitcoin هي العملة المحليّة المستخدَمة في الشبكة العميقة (AFP)

يمكن لحواسيب خاصّة إعداد Bitcoin بنجاعة كبيرة، ويمكن لخدمات خاصّة تحويل شواقلكم، دولاراتكم، أو يورواتكم إلى هذا المال الإنترنتي. الفائدة الأكبر للشبكة المظلمة هي أنّ هذا الـ Bitcoin غير محفوظ في المصرف وغير مُوجَّه، وحسابكم سريّ كاملًا بحيث يمكنكم أن تدفعوا دون أن يدري أيّ إنسان بهوّيتكم.

لا معطيات لا سياسات

المشكلة ليست في ما نعرفه، بل في ما لا نعرفه، وفي حالة الشبكات المظلمة، المخفيّ أعظم. فالاختصاصيون في الشبكة يقدِّرون أنّ نحو نصف مليون شخص في أنحاء العالم يتصفّحون عبر TOR يوميًّا. لا يمكن أن نعرف كم منهم إسرائيليون، أردنيّون، سعوديّون، أمريكيون، مصريون، أو كم منهم يستغلّون الشبكة لأهدافٍ جنائيّة. الأكيد هو أنّ استخدام الشبكة المظلمة آخذ في التسارُع.

في تقرير للأمم المتحدة نُشر عام 2010، جاء أنّ “أحد التحديات الكبرى ذات الصلة بجرائم السايبر هو غياب المعلومات الموثوق بها حول نطاق المشكلة، كما حول الاعتقالات، تقديم الشكاوى، والإدانات. لا يوفّر القليل من الإحصاءات المتوفّرة معلوماتٍ موثوقًا بها لصانعي القرار حول مدى الجنايات المرتكَبة”. يؤدي غياب المعطيات إلى غياب السياسات. ففي كلّ ما يتعلّق بالإشراف على الجرائم في الشبكة المظلمة خاصّةً، وجرائم السايبر عامّ، قدرات السلطات القانونية في البِلاد والعالَم محدودة. وعدا التحديّات التقنيّة في تحديد مصدر الجريمة، من المهمّ التذكّر أنّ تصفح الشبكات المظلمة شرعيّ، شأنه شأن استخدام وسائل الدفع المجهولة الهويّة.

أنونيموس(Sliman Khader/FLASH90)
أنونيموس(Sliman Khader/FLASH90)

إنها ظاهرة عالميّة، تتخطّى الحُدود. فضلًا عن ذلك، يعبّر الاختصاصيون في شتّى أنحاء العالم عن قلقهم الشديد من “سياسة اللا حول ولا قوّة”. أدرك العالم منذ وقتٍ طويل أنّ التعاوُن الدولي حاسم من أجل مواجهة جرائم الإنترنت. فمنذ 13 عامًا، جرت بلورة “معاهدة بودابست”، الهادفة إلى محاربة جرائم كهذه، لا سيّما في حالات الخداع، التحرّش بالأطفال، والمسّ بالأمان. وقّعت 47 دولة في العالم على المعاهدة التي تهدف إلى خلق سياسة مشتركَة وإلى التعاوُن. لكنّ إسرائيل ليست من ضمنها.‎ ‎تدّعي مصادر رسمية أنّ عملية المصادقة تعرّضت للمماطلة في الكنيست لأسباب تشريعية، وتعتقد أنه سيجري التوقيع على المعاهَدة قريبًا.

من المهمّ أيضًا ذِكر حقيقة ليست بديهية، وهي أنّ لكلّ عملة وجهَين. فإلى جانب الموادّ المشكوك فيها وغير الشرعية التي تملأ الزوايا المظلمة من الشبكة الخفيّة، يمكن أيضًا إيجاد معلومات حقيقيّة لعناصر تفضّل عدم الكشف عن هويّتها. يمكن أن يكون هؤلاء مسرِّبين يكشفون مستَندات سريّة، بعضها هامّ وذو تأثير علينا جميعًا، أشخاصًا ذوي آراء لا تحظى بالشعبيّة في الشبكة النظيفة (مثلًا تنظيمات لإسقاط أنظمة مظلمة تعمل داخل دولها، ويمكن أن يؤدي كشف هويتها إلى السجن)، ومجرّد مدوّنات تفضّل إبقاء آرائها بعيدةً عن الأعيُن. كلّ هذه ظواهر إيجابية، وثمّة الكثير من الخطر في منح تفويض للمواقع العملاقة مثل جوجل بترسيم خريطة هذه الشبكة. تشكّل شبكة البصَل المجهولة الهوية المكان الذي وصل منه معظم وثائق WikiLeaks، التي رفعها أفراد المجموعة إلى الشبكة الاعتياديّة. إنه المكان الذي يمكن فيه كشف معلوماتٍ حسّاسة دون الخوف من الفضيحة، مناقشة مواضيع حسّاسة مع آخَرين، وحتّى مساعدة تنظيمات نثق بها.‎ ‎كذلك من المهمّ كشف وثائق سريّة للجيش الأمريكي حول أفعال غير أخلاقية تصل إلى حدود اللا شرعيّة في غوانتانامو، من أجل كشف الجور اللا إنسانيّ الذي يُنفَّذ على البشر.

تتيح الشبكة المجهولة لجميع هؤلاء أن يزدهروا. أمّا السؤال المطروح فهو: إلى أين؟ أإلى جريمة خطيرة ولا أخلاقية أم إلى كشف النقاب عن الفساد، إسقاط الأنظمة الظلامية، ودعم المنظمات والأشخاص الذين يريدون نشر السلام والأُخوّة؟

اقرأوا المزيد: 1646 كلمة
عرض أقل
شباب إسرائيليون في تل ابيب خلال احتجاجات الإسكان عام 2011 (Flash90)
شباب إسرائيليون في تل ابيب خلال احتجاجات الإسكان عام 2011 (Flash90)

البُخلاء الجُدد

حتّى في حقبة حضارة الوفرة، التي لا يمكن أن تكون فيها الثلاّجة فارغة، حين خزانة الثياب مليئة لا تتّسع لشيء إضافيّ، والحملات لا تتوقّف أبدًا، ثمة مَن لا يستسلِمون للإغراءات، ويتبنّون أسلوب حياة متواضعًا دون تبذير. أولئك هم البُخلاء الجُدد

نعيش في أفضل الأزمنة وأسوأها في آنٍ واحد. نعيش في عصر العقل وعصر الجهالة على حدٍّ سواء. نعيش في عصر الثقة وعصر الشكّ في آنٍ معا. إنها أيّام نيّرة، وفي الوقت نفسه أيّام مظلِمة. إننا نعيش حياة وفرة وثراء، ولكن أيضًا حياة فقر وعَوَز.

لم يكن وضع الجنس البشريّ يومًا أفضل في أماكن كثيرة كاد الفقر والجوع يختفيان فيها. وإذا كان البشر يومًا يعملون ليحصلوا في نهاية اليوم على قوت يومهم، فإنّ معظم الناس في العالم الغربيّ اليوم يعملون ليشتروا نظّارات شمسيّة جديدة، سيّارة جديدة، أو طرازًا جديدًا من الآيفون. لا أحد بإمكانه أن يجادل في كون هذه الوفرة مُربِكة. فمن كلّ حدب وصوب، تصرخ المنتجات الاستهلاكيّة – أحدث الأجهزة، الثياب، السيّارات، الألعاب، وغيرها – داعيةً إيّانا إلى شرائها! إنها تصرخ عاليًا: اشترِني!

قرّرت مدونَتان إسرائيليتان في السنوات الماضية مواجهة تلك الظاهرة “للخروج من سباق الفئران المجنون” – كما تسمّيانه – الذي تفرضه علينا حضارة الاستهلاك الرأسمالية.

إليكم كلمة جديدة: “المُتكالِب”. المُتكالِب هو من يجعل نفسه كلبًا، أي يتنازل عن نمط الحياة التبذيري والشهوانيّ، لا يشتري أحذية جديدة، ولا ينفق أيّ قرش دون ضرورة، بل يعيش بأقلّ ما يُمكن. “المُتكالِب” هو أيضًا اسم مدوّنة إسرائيلية تنشط في السنوات الأخيرة، وتسدي نصائح عملية وظريفة لمواجهة غلاء المعيشة في إسرائيل.

خلف المدوَّنة رجل يُدعى عيدان كوهين، طالب جامعيّ سابق، يوضح الأسباب التي دفعته إلى إنشاء المدوَّنة: “المتكالب هو أسعد إنسان، لكونه يقوم بالتراجع خطوة عن سباق الحياة المجنون، ويعيش مثل الكلب. لا يؤمن المتكالِب بحضارة الاستهلاك. إنه يحتقرها. يحيا المُتكالِب حياةً بسيطة. ليس المُتكالِب بخيلًا، بل يعرف ماذا يشتري ومتى، وكيف يدَّخر – من أجل مُستقبلٍ أفضل”.

بنيامين نتنياهو وشعار "المُتكالِب" (صورة فوتوشوب من صفحة "المُتكالِب" على الفيس بوك)
بنيامين نتنياهو وشعار “المُتكالِب” (صورة فوتوشوب من صفحة “المُتكالِب” على الفيس بوك)

يتمتّع متابعو المدوَّنة بالكثير من النصائح، التي تُصاغ بشكل عامٍ على شكل قصصٍ مسليّة، تساعدك على العَيش في المدينة الكبرى (في حالة “المُتكالِب” – تل أبيب) دون المعاناة من عجز في الحساب المصرفيّ. لكن فضلًا عن النصائح مثل “كُلوا أقلّ”، “اشتروا ما تحتاجون إليه فقط”، و”اشتروا ما عليه تخفيض فقط”، يروي “المُتكالِب” قصّة إنسانٍ يحاول عدم الخضوع للضغط الذي لا يتوقّف لثقافة الاستهلاك، إذ يلازم بيته فيما يخرج جميع أصدقائه للاستجمام، ويبقى جائعًا فيما يملأ الجميع أطباقهم بالطعام.

ثمّة مَن يقول إنّ “المتكالِب” هو ببساطةٍ كسولٌ وربّما سارق أيضًا. في إحدى قصصه، يوضح كيف ذهب إلى المطعم ووضع في الصحن شعرةً اقتلعها من رأس صديقته. وحين تذمّر للنادل من الشعرة في صحنه، وافق النادل على عدم تقاضي ثمن الوجبة التي أكلَها. بخيل، لصّ، أم عبقريّ؟ القرار لكم.

“المتكالِب” ليس وحيدًا. فمن اللطيف التعرّف إلى التوأم الأنثوي والمتطوِّر لـ “المُتكالِب”، واسمها “الراسخة”. الراسخة، مثل اسمها، ومثل صديقنا المذكور آنفًا، تسعى إلى الحفاظ على العقلانيّة في عصرٍ رأسمالي. فكيف يفعل المرء ذلك؟ بالتقليص، والتوقّف عن العمل. نعم، كما قرأتم، التوقف عن العمل. فقد أحالت “الراسخة”، التي تقول إنها في ثلاثيناتها، نفسها إلى التقاعُد.

أوّلًا، توضح “الراسخة” أنه يجب الادّخار. وفي تقرير أوجزت فيه عام 2013، أجرت “الراسخة” حسابًا يُظهر أنّها تنفق كلّ شهر أكثر من 3873 شاقلًا (أي ما يعادل 1100 دولار أو 7700 جنيه مصري أو 4125 ريالًا سعوديًّا أو 790 دينارًا أردنيًّا) فقط للحفاظ على مستوى معيشة مرتفع.

صورة توضيحية (Thinkstock)
صورة توضيحية (Thinkstock)

في صفحة مدوَّنتها، توضح طريقة الحياة المميَّزة التي اختارتها: “لديّ ما يفتقر إليه رفاقي. لديّ وفرة من الوقت. لذا، أستثمر وقت فراغي في أمورٍ هامّة بالنسبة لي. فأنا أقوم بالتطوُّع، الرسم، النحت، ركوب الدراجات، ممارسة الرياضة، والسباحة، كما أعزف قليلًا، أرقص، أقرأ كتبًا، أكتب مدوّنة، أدرس لُغات، أدرس البرمجة، وبشكل خاصّ أحاول أن أكون الأفضل في ما أقوم به”.

طبعًا، ثمّة ثمن لذلك. فـ “الراسخة” لا عائلةَ لديها ولا أولاد. لقد اختارت هذه الحياة فقط. في نهاية المطاف، قامت بخيارها الخاصّ، وخرجت من السباق. فهل الثمن الذي تسدّده مقابل ذلك باهظ جدًّا؟ إذا سألتُموها، فإنّ إجابتها هي لا. لكن في العالم الذي يشجّعنا فيه محيطنا على الشراء أكثر وأكثر، ودفع أكثر ما يمكن من المال في الطريق نحو السعادة المستحيلة، فإنّ خيار “الراسخة” هو مثير للاهتمام على أقلّ تقدير.

 

اقرأوا المزيد: 602 كلمة
عرض أقل