لن ينسى جنازة ياسر عرفات في رام الله، كل من شارك فيها. فهي كانت حاشدة وكادت تخرج عن السيطرة. بعد حصار طويل في المقاطعة ومرض عرفات السريع والغريب، كان يبدو أن هذه الأحداث والصدمة أدت إلى مشاعر خرجت عن السيطرة لدى الكثيرين. لكن الجنازة المهيبة لم تبشر بالسنوات الهادئة والمستقرة التي تلت ذلك. يبدو أن الجماهير في الضفة الغربية، التي دخلت حالة من دوامة العنف والحرب فى السنوات الأخيرة من عهد عرفات، أرادت العودة الى الحياة الطبيعية فقط.
بعد 13 عاما على وفاته، أصبح عرفات يتصدر مرة أخرى العناوين الرئيسية، بعد أن خرج من الوعي الوطني والإقليمي. كانت مراسم الذكرى السنوية على وفاته هذا العام أكبر بكثير مما شهدته في السنوات السابقة، وخاصة في غزة. ماذا يمكن أن نتعلّم من هذه الحقيقة؟
فلسطينيون يرفعون صور للقيادي محمد دحلان الى جانب صور ياسر عرفات في غزة (Flash90/Wissam Nassar)
1. إن الإحساس بالتحرر بين نشطاء فتح في غزة بعد المصالحة مع حماس كبير جدا – للمرة الأولى منذ سنوات خرج النشطاء إلى الشوارع في مظاهرة سياسية مثيرة للإعجاب شارك فيها عشرات الآلاف. تعتبر المنافسة، وفق قوانين الرأسمالية، أمرا إيجابيا، لأن الصراع بين مؤيدي عباس ومؤيدي دحلان، الذين أجرى كل منهم مسيرة منفصلة في يوم مختلف، أدى إلى أن كلا الجانبين حاولا تجنيد أكبر عدد من المؤيدين قدر المستطاع..
2. أصبحت حماس في غزة ضعيفة – صحيح أن قيادة حماس سمحت بإجراء نشاطات لذكرى عرفات، حتى أن بعض أعضائها شاركوا في هذه الأحداث (في إحدى المظاهرات، عُلِقت صورة ضخمة للشيخ أحمد ياسين، إلى جانب صورة عرفات)، لكن عرفات لم يكن رمزا للشعب الفلسطيني كله، بل كان أولا وقبل كل شيء زعيما أسطوريا لحركة فتح. وخلال المحادثات حول الوحدة، أصر أبو مازن موضحا أن على حماس أن تسمح لحركة فتح بأن تكون حاضرة في المجال العام، وأن تطئ قدمها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس.
مراسم الذكرى السنوية لوفاة عرفات في قطاع غزة (Flash90/Wissam Nassar)
3. شعور الفراغ القيادي – على الرغم من أنني أعتقد أنه لو أجري استطلاع وطُرِح سؤال على سكان الضفة الغربية عما إذا كانوا قد يشتاقون إلى عهد عرفات – فإن الغالبية العظمى كانت ستجيب سلبا. مع ذلك، كلما ازدادت النزاعات حول الخلافة في اليوم التالي لأبو مازن، أصبح من الواضح أن اليوم ليس هناك أي أحد في قيادة فتح يتمتع بالصفات القيادية ذاتها. بالمناسبة، هذه حالة طبيعية، وتنطبق على إسرائيل أيضا- بعد غياب شخصية تاريخية مثل بن غوريون، الذي كان أول رئيس حكومة إسرائيلي وأقام الدولة في الواقع، ظهر عدد من القادة “المدنيين” الذين كانوا أقل أهمية وقوة مقارنة به.
4. الحنين إلى الماضي – في عالم تم فيه دفع القضية الفلسطينية إلى الزاوية، وفي ظل الكوارث المستمرة في الشرق الأوسط، أعرب العديد من الفلسطينيين عن التوق إلى الأيام الأبسط التي تصدرت قضيتهم فيها نشرات الأخبار في البلاد والعالم. ويمكن رؤية ذلك في شبكات التواصل الاجتماعي حيث رفع المستخدمون صور قديمة لعرفات من الستينيات، السبعينيات، والثمانينات.
الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (Wisam Hashlamoun/Flash90)
إسرائيل تتابع بقلق تدهور حالة عباس الصحية
يأمل الجيش الإسرائيلي أن انخفاض حدة الأحداث في الضفة قد يؤدي إلى هدوء تدريجي. بالمقابل، فإن تدهور حالة رئيس السلطة الفلسطينية الصحية قد تسرّع تبديل نظام الحكم في السلطة
تتابع المنظومة الأمنية الإسرائيلية بقلق حالة رئيس السلطة الفلسطينية الصحية، محمود عباس. دخل عباس أمس صباحا (السبت) المستشفى ومكث فيها ساعات قليلة فقط وأجرى فحوص في مستشفى في رام الله ومن ثم أطلِق سراحه. ادعى قادة السلطة أن الرئيس الفلسطيني دخل المستشفى لأنه كان متعبا، وذلك في أعقاب الأحداث التي طرأت في الأسبوعين الماضيين – التوتر الخطير مع إسرائيل في أعقاب الأزمة في الحرم القدسي الشريف.
وفرضت الأزمة مع إسرائيل على رئيس السلطة جدول أعمال مزدحم من أجل متابعة هذه الأحداث، شمل اجتماعات مكثّفة مع مستشاريه وقيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وإجراء اتصالات مكثّفة مع زعماء عرب ودبلوماسيين غربيين. خلال الأزمة، وفي سائر أيام الأسبوع الماضي، صعّدت السطلة من تصريحاتها ضد إسرائيل، ومن بين أمور أخرى، ناشدت لإقامة “يوم غضب” في القدس والضفة الغربية أمس الأول، الجمعة. يبدو أن هذا التوجه جاء بشكل أساسيّ بسبب المنافسة بين عباس وحماس حول قيادة الفلسطينيين في صراعهم حول المسجد الأقصى.
ورغم أنه يبدو أن في بيئة رئيس السلطة الفلسطينية هناك رغبة في تقليل حدة الصعوبات التي يعاني منها الرئيس وتقديم تعليلات بديلة، هناك انطباع فلسطيني وإسرائيلي يشير إلى أن حالة عباس الصحية آخذة بالتدهور إلى حد معين في الأشهر الأخيرة وقد يسرع هذا التدهور التغييرات في الحكم في السلطة. بات عباس قلقا من تعزيز العلاقة بين حماس ومحمد دحلان (برعاية مصرية) ويخشى أن ينسق الجانبان خطوات سياسية أخرى ضده.
ويبلغ عباس 82 عاما وصحته جيدة غالبا. في بداية العقد الماضي، عانى محمود عباس من سرطان البروستات ومن ثم من مشاكل قلبية. ويعد الرئيس الفلسطيني مدخنا ثقيلا، حتى أنه في السنة الماضية أجرى تغييرا وبدأ يستخدم السجائر الإلكترونية.
هذا المقال هو جزء من مقال نُشر للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”
منذ يوم أمس، أصبحت الشبكات الفلسطينية مليئة بصور زهوة عرفات، ابنة الزعيم الفلسطيني المشهور، بمناسبة تخرّجها من جامعة مالطا. تظهر زهوة في الصور وهي ترتدي ثوبا طويلا وقبعة تشير إلى انتهاء دراستها، وتعانق والدتها سُهى، جدتها، ريموندا الطويل، وكذلك القيادي في حركة فتح، محمد دحلان.
زهوة وسوعى عرفات
هناك صور لزهوة ودحلان وهما متعانقان، وحتى أن دحلان رفع صورة كبيرة في صفحته على الفيس بوك للسيدة سُهى، وعليها لافتة “ألف مبروك”، مهنئا وكاتبا تهنئة حارة: “غاليتي زهوة ببالغ الفرح علمت خبر تخرجك من جامعة مالطا اليوم، كنت أتمنى أن يكون ياسر عرفات حاضرا بيننا ليراكي بثوب التخرج فأنت من زاحمتي حب فلسطين في قلبه، بك رأى مستقبل شعبنا، من بسمتك استمد الأمل، ومن لمساتك الصغيرة استعاد العزيمة. زهوة يا ابنة فلسطين، اليوم أبارك لك جهدك، فأنت ابنة أبيكي ابنة هذا الشعب.. السلام لروحك ياسر عرفات، قائدنا ومعلمنا الأول..”
تهنئة دحلان لزهوة عرفات (لقطة شاشة)
في الواقع، لا يدور الحديث عن تهنئة لزهوة، بل عن كلمات اشتياق لياسر عرفات. من أجل الحقيقة، رغم أن دحلان يعرف زهوة وكان على علاقة مع العائلة طيلة سنوات، فصورته مع زهوة وكذلك التهنئة التي نشرها في صفحته على الفيس بوك، تهدف إلى تقصير الطريق السياسي فقط، واستغلال مشاعر حنين الشعب الفلسطيني إلى زعيمهم الراحل.
وحافظ دحلان طيلة سنوات على علاقة متينة مع العائلة، ومع سهى بشكل أساسي، فالتقى مع العائلة في مناسبات كثيرة. الآن، بينما يجتاز نقطة تحوّل هامة فيما يتعلق بعودته إلى الحلبة السياسية الفلسطينية، وحتى أنه من المتوقع أن يعود إلى قطاع غزة وفق تقارير مختلفة، فلا شك أنه يستغل علاقته مع عائلة الرجل الذي يشكل رمزا للصراع الفلسطيني.
وبينما يعود أبو مازن بخيبة أمل من الإنجازات في مصر، يتفاخر دحلان بعلاقته مع عائلة عرفات آملا تجنيد أكبر قدر من الرأي العام الفلسطيني. وفق عدد اللايكات والمشاركات التي حظي بها في شبكات التواصل الاجتماعي يبدو أنه في الطريق الصحيح…
“رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، سيلقي خطابا يوم الأربعاء بعد الظهر” أعلنت رسائل نصية كثيرة، وتغريدات عبر تويتر، ومنشورات في صفحات الفيس بوك المحسوبة على حماس. وفي خطوة هادفة إلى تحدي المهلة السعودية، قامت قناة الجزيرة في بث الخطاب على نحو مباشر أمام أنظار العالم العربي، رافعة مكانته من رئيس منظمة إرهابية حسب الولايات المتحدة، إلى رئيس دولة عظمى.
تحدث هنية بإسهاب في خطابه، عارضا أفكاره الأيديلوجية التي بدا ميثاق حماس الجديد في ظلها تاريخا بعيدا. فطال شؤون كثيرة تتصدر النقاش العامّ، مثلا الحائط الغربي في القدس، وهو أحد المواقع الهامة لدى اليهود، موضحا أنه جزءًا لا يتجزأ من المسجد الأقصى. وذكر أيضا قضية عرب 48، معرفا الضفة الغربية كمركز الصراع الفلسطيني – إسرائيلي.
لكن اسما واحدا لم يذكر في خطاب هنية، رغم توقعات صحفيين كثيرين بأنه سيذكر، وهو اسم محمد دحلان. نجح حديث هنية عن المقاومة في الضفة الغربية وعن الأماكن المقدسة في القدس في تشويش حقيقة أن وراء الكواليس تتبلور “صفقة” ثلاثية أو قد تكون رباعية بين حماس – مصر – دحلان وربما بين إسرائيل، بموجب الصمت علامة الرضا.
تشعر حماس بإحراج في ظل الصفقة مع دحلان. فمن جهة، الخيارات الكامنة أمامها محدودة: يضيق أبو مازن عليها اقتصاديا فارضا عقوبات غير ممكنة، ومن جهة أخرى تعرف حماس أنه دون فتح معبر رفح، فإن حكمها في غزة سينهار مع مرور الوقت.
رغم الماضي الصعب بين حماس ودحلان، فقد اختارته حماس شريكا بمقتضى الضرورة، وهو يعتبر خصم أبو مازن اللدود، ومصدر قلق كبير لديه. كان هدف حماس من “مغازلة” دحلان هو دب الرعب في قلب أبو مازن وجعله “يتنازل” في كل ما يتعلق بالعقوبات التي يفرضها على غزة.
إلا أن أبو مازن الذي يتماسك بآرائه دائما، يرفض الخنوع، فبقيت حماس على علاقة مع دحلان كشرط للاتفاقات مع مصر.
سيكون من الصعب جدا على حماس إقناع مؤيدها بـ “الصفقة” المتبلوة مع دحلان. فدحلان بعيون عناصر حماس رمزا لكل ما هو سيء في السلطة الفلسطينية وفتح. وحماس التي تهتم جدا بالرأي العام، تفضّل عدم إظهار دور دحلان والتركيز على التقدم مع مصر.
بالمناسبة، تتعامل إسرائيل مع هذه التطوّرات معاملة اللامبالاة – فإذا كان الفلسطينيين منقسمين حتى الآن بين حماس وفتح، فمنذ الآن سيتوسع هذا الانقسام أكثر وسنحصل على حماس، وفتح “أ” وفتح “ب”.
يعيش نحو مليون وأربعمائة ألف شاب فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم ليسوا راضين عن وضعهم الاقتصادي، الأمني، والاجتماعي. في حال لم يطرأ تغيير هام حتى عام 2018، فستندلع انتفاضة ثالثة صعبة
يعيش نحو مليون وأربعمائة ألف شاب في عمر 15—29 في يومنا هذا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم يشكلون 30% من السكان الفلسطينيين. كما هي الحال في سائر الدول العربية، يعاني الفلسطينيون من زيادة سريعة في عدد السكان، تؤدي إلى ضرر بالنمو الاقتصادي.
في الوقت الذي ينشغل فيه زعماء المنطقة في التحضيرات لقمة سلام إقليمية برعاية أمريكية ستُعقد على ما يبدو في الصيف، وينشغل أبو مازن في الحرب اللانهائية ضد معارضيه، تصفية حسابات سياسية، وتحسين علاقاته مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ويكمل يحيى السنوار إجراءات دخوله لمنصبه الجديد ودخول القيادي في حماس، الحركة التي تسيطر على غزة بيد حديدية، وفي الوقت الذي تواصل فيه أجهزة الأمن الإسرائيلية مواجهة العمليات العدائية التي تحدث أحيانا، عمليات الدهس والطعن من قبل الشبان الفلسطينيين، وبينما ما زال السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية يجرون مفاوضات حول شروط اعتقالهم، ويهددون بالإضراب الجماعي عن الطعام بقيادة مروان البرغوثي، هناك شعور عام من الغضب الجماهيري، في الداخل الفلسطينيي، يهدد بالاندلاع في وجه القيادة الفلسطينية وإسرائيل أيضا.
دوار المنارة رام الله (Flash90\Zack Wajsgras)
لفهم العمليات المختلفة التي يمر فيها الجيل الشاب في المجتمَع الفلسطيني (يتطرق المصطلح الشاب إلى الرجال والنساء في عمر 15-29)، جيل المستقبل الفلسطيني، حاولنا رسم خطوطه. حاولنا معرفة ما الذي يهتم به جيل المستقبل، ماذا يؤثر فيه، يحفزه، ممّ سئم، وهل سيشن هذا الجيل في المستقبَل القريب، انتفاضة عامة؟
في محادثة مع الباحثة الإسرائيلية حول المجتمَع الفلسطيني، دكتور رونيت مرزان، حاولنا رسم خطوط جيل المستقبل الفلسطيني. [(تم الحصول على المعطيات بالأرقام التي تظهر هنا من مصادر مختلفة: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أوراد – مركز العالم العربي للبحوث والتنمية، والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR)].
تدعي دكتور مرزان أن من بين الشبّان (في عمر 15-29)، فإن الشبان الذين يعربون عن غضبهم ضد إسرائيل من خلال عمليات الطعن، الدهس، وإلقاء الحجارة، في عدة مناطق في الضفة الغربية هم شبان عمرهم 15 حتى 19 عاما. وهم يشكلون نحو %40 من إجمالي السكان الشباب.
يؤمن 32% من الشبّان الفلسطينيين أن الاحتلال سيستمر إلى الأبد، على مدى 50 عاما إضافيا على الأقل. بالمقابل، يؤمن %53 أن الاحتلال سينتهي قريبا، خلال 5 حتى 10 سنوات
ثمة ظاهرة أخرى تحدث بين الشبّان في الدول العربيّة وهي الزواج في سن متأخر. هناك 16% من الشبّان (في عمر 15-29) متزوجون مقارنة بـ 41% من الفتيات المتزوجات. تكمن المشكلة المركزية في التكاليف المادية الباهظة للزواج. ثمة معطى آخر هام يشهد على ثقافة هؤلاء الشبان إذ إن %40 ينهون دراستهم الثانوية وتنهي مجموعة ضئيلة جدا، نسبتها %13 التعليم للقب الأول.
استعمال الإنترنت: يستخدم معظم الشبّان الفلسطينيين، 70%، الإنترنت في أحيان قريبة، بالمُقابل فإن %23 من الشبّان يعرفون كيف يتصفحون الإنترنت ولكنهم لا يفعلون ذلك، بالمُقابل، قال %7 فقط إنهم لا يعرفون كيف يتصفحون الإنترنت ولا يستخدمونه.
لا يرى الشباب الفلسطيني أي أفق سياسي (Flash90\Wisam Hashlamoun)
من جهة الضائقة التي يعاني منها الشبّان الفلسطينيون (وفق الاستطلاعات التي نُشرت عام 2016)، ادعى %79 من الشبّان الفلسطينيين أن المشكلة الرئيسية التي يرغبون في حلها هي إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة. أعرب %7 فقط أنهم معنيون بتحسين ظروف حياتهم. توضح دكتور مرزان أن إنهاء الاحتلال يعني بالضرورة تحسين وضع الشبان سياسيا، لا سيّما تحسين الوضعَين الاقتصادي والاجتماعي الصعبين. وفي هذا الصدد، يؤمن 32% من الشبّان الفلسطينيين أن الاحتلال سيستمر إلى الأبد، على مدى 50 عاما إضافيا على الأقل. بالمقابل، يؤمن %53 أن الاحتلال سينتهي قريبا، خلال 5 حتى 10 سنوات. إن الاعتقاد أن الاحتلال سينتهي سريعا، أقوى لدى الشبّان في غزة من الشبان في الضفة الغربية، في أوساط نشطاء حمساويين وأشخاص يعرفون أنفسهم متديّنين أكثر.
لماذا لا تندلع انتفاضة شاملة يشارك فيها فلسطينيون كثيرون، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، نقص الأفق السياسي، واستياء الشبان من القيادة الحاليّة في الضفة وقطاع غزة على حدِّ سواء؟
إذا لم تحدث عملية سياسية حتى عام 2018، وبقي وضع الشبّان الفلسطينيين دون تغيير، فإن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة فلسطينية كبيرة وشاملة كبير جدا (Flash90\Hadas Parush)
تعتقد دكتور مرزان أن حقيقة عدم اندلاع انتفاضة مسلحة كبيرة وشاملة لا تشهد على الوضع الحقيقي للشبّان الفلسطينيين. فهي تعتقد أن هناك غضبا عارما بطيئا ومتواصلا نجح في جذب اهتمام زعماء الدول العربية أيضا.
فإذا لم يأخذ بالحسبان زعماء الدول العربيّة، حتى قبل بضع سنوات، رأي الشبّان الفلسطينيين، لأنهم كانوا مشغولين في ثورات داخلية، ففي الأشهر الماضية طرأ تغيير في وجهة النظر وبدأ الشبان الفلسطينيون يتصدرون سلم أولوياتهم ثانية. إثباتا على ذلك تشير دكتور مرزان إلى عقد مؤتمرات في القاهرة، إسطنبول، طهران، رام الله، والدوحة، للبحث في قضايا ذات صلة بالشبان الفلسطينيين وحقوق الإنسان.
ادعى %79 من الشبّان الفلسطينيين أن المشكلة الرئيسية التي يرغبون في حلها هي إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة (Flash90\Hadas Parush)
هناك دور مركزي للشبان الفلسطينيين فيما يحدث في المنطقة، وكلما ازداد غضبهم تزداد احتمالات حدوث مقاومة في الدول العربيّة ثانية. مثلا، كانت انتفاضة الأقصى (عام 2000) تجربة مصممة للشبان العرب، إذ شاركوا بعد مرور عقد في ثورات “الربيع العربي” وكسروا حاجز الخوف من السلطات العربية.
ثمة مثال على عقد مؤتمر للشبان، هو المؤتمر الذي نظمه محمد دحلان في القاهرة تحت شعار “شبابنا شركاؤنا”. عرض دحلان أمام المشاركين في المؤتمر وجهة نظره السياسية التي تتضمن دمجا بين المقاومة، الحل السياسي، والشراكة السياسية في الحلبة الداخلية، مؤكدا على الحاجة إلى الصمود أمام إسرائيل. حتى أن دحلان انتقد سياسة أبو مازن التهميشية بحق الشبّان الفلسطينيين. شارك في المؤتمر نحو 500 شاب وشابة من قطاع غزة، الضفة الغربية، لبنان، وأوروبا، واختُتِم بسلسلة من التوصيات لزيادة مشاركة الشبان في الحياة السياسية: تجنيد الأموال ودعم الأطر الاجتماعية مثل نواد رياضية وحركات كشافية معدة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا؛ التعاون مع منظمات المجتمَع المدني والتربية على التعددية، العمل بموجب القانون، واحترام حرية الفرد.
كان التعاون بين القيادة المصرية، قيادة حماس، ومحمد دحلان من أجل تنظيم المؤتمر، جزءا من الجهود الشاملة لإعادة مكانة مصر بصفتها زعيمة العالَم العربي، ولطرح القضية الفلسطينية على سلم أفضليات الوطن العربي.
تعتقد دكتور مرزان أيضا أنه إذا لم تحدث عملية سياسية حتى عام 2018، وبقي وضع الشبّان الفلسطينيين دون تغيير، فإن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة فلسطينية كبيرة وشاملة كبير جدا. ستكون هذه الانتفاضة موجهة بشكل أساسي ضد القيادة الفلسطينية، إخفاق الزعماء، ولكن ضد الاحتلال وإسرائيل أيضا.
ما هو الهدف من تهديد الأسرى الفلسطينيين بشن إضراب عن الطعام؟ هل يشكل هذا علامة أخرى على الغضب الجماهيري؟
مروان البرغوثي (Flash90)
تدعي دكتور مرزان أن الأسرى الفلسطينيين يمثلون إشارة لإمكانية اندلاع انتفاضة أو فوضى. فمثلا، قبل اندلاع انتفاضة الأقصى (عام 2000)، شن الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية إضرابا كبيرا عن الطعام وأثاروا فوضى. “يرغب البرغوثي في إشعال المنطقة خارج السجن. من جهته، تم إبعاده قسرا عن الخارطة السياسية الفلسطينية. ويبدو أن الطريق للوصول إلى مركز الأحداث هو عبر إشعال المنطقة”. وتعتقد دكتور مرزان أن المصلحة الإسرائيلية الأولى هي إطلاق سراح البرغوثي وبأسرع وقت، “فإذا بقي مسجونا سيُحدِث ثورة كبيرة خارج السجن. سيدفع هذا الوضع إسرائيل نحو التوصل إلى مفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى لتهدئة النفوس، مثلما حدث حتّى الآن”، تقول دكتور مرزان.
ماذا يحدث الآن؟ هل السنوار هو الرجل الصحيح في الوقت الصحيح؟
القيادي البارز في حركة حماس، يحيى السنوار (Flash90/Abed Rahim Khatib)
تتعرض محاولات حماس لعرض نفسها لاعبا سياسيًّا لصعوبات كثيرة. فقد حظرت نشاط حماس كل من السلطة الفلسطينية، إسرائيل، جزء من الدول العربيّة، والمجتمع المحلي، وفُرِض عليها وعلى مناطق نشاطها حصارا مستمرا، وخاضت مواجهات عسكريّة كثيرة مع إسرائيل. إلا أن التحديات الداخلية، الإقليمية، والدولية تُرغم حماس على متابعة تمسكها بقرارها الاستراتيجي الذي اتخذته عام 2006: أن تكون لاعبا سياسيًّا نشطا وشعبيا في الحلبة الفلسطينية.
إن توقيت اختيار يحيى السنوار قائدا لحماس في قطاع غزة هام جدا لإسرائيل. من المعروف عن السنوار في إسرائيل، أنه قوي وقاس جدا. فتعتقد إسرائيل أنه قد يكون الرجل الصحيح في الوقت الصحيح، فهو قوي وقادر على توجيه غزة نحو مسار بعيد عن الفوضى، اجتثاث عائلات الجريمة التي تسيطر على الأنفاق التي ما زالت قائمة، واجتثاث ظاهرة استخدام المخدّرات المتزايدة. فهو قيادي ذو تأثير كبير في الجناح العسكري في حماس، أقواله مسموعة، وينجح في إدارة الجناح العسكري علنا أيضا. لن تجرؤ كتائب عزّ الدين القسّام على مخالفة تعليماته.
منذ عام 2006، في مقابلة مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، ادعى السنوار أنه لا يعارض التوقيع على هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل قد تؤدي إلى هدوء وازدهار في المنطقة. وتؤدي أيضا إلى أن يكون السنوار قادرا على السيطرة بشكل أفضل على الفصائل الجهادية السلفية في قطاع غزة وجعلها معتدلة أكثر. قد يكون من الجيد إذا سمحت له إسرائيل بإكمال عملية سياسية دون أن تسخر منه وتحرجه من خلال شن اغتيالات سياسية. ليس واضحا من المسؤول عن اغتيال مازن فقهاء، ولكن تصعّب حالات كهذه على السنوار. من المتوقع أن يتعرض الشبّان الفلسطينيون في غزة لحالة من فرض قيود أمنية وسياسية أقوى.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال جلسة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ( Flash90)
حل الدولتين في قلب الانتقادات في العالم العربي
الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يخشى من أن يحث "السلام الإقليمي" العالم العربي على تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون تحقيق حل الدولتَين. وهذا في الوقت الذي تُطرح فيه في العالم العربي والفلسطيني أفكارا بديلة لحل الدولتَين سرا
أثناء زيارة رئيس الحكومة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن أطلق الرئيس ترامب نسخة سلام جديدة: “إقامة دولة واحدة أو دولتين، كل إمكانية يوافق عليها كلا الجانبين”. يعكس الحديث النشط في وسائل الإعلام العربية والفلسطينية منذ ذلك الحين الاعتراف بأن تحقيق رؤيا السلام بات بعيدا ليس بسبب سياسة إسرائيل فحسب، بل بسبب إدارة القيادة الفلسطينية غير السليمة، وبسبب استمرار النزاع بين فتح وحماس. فضلًا عن ذلك، يحدد الإعلاميون العرب والفلسطينيون أن اقتراح حل الدولتين لا يعكس الواقع والحقائق في الحلبة الفلسطينية.
أوضح وجهة النظر هذه المفكر المصري، مصطفى الفقي (عمل في مناصب حكومية سابقا)”لم تكن الساحة الفلسطينية منقسمة على ذاتها مثلما هي الآن، إذ تجاوز الانقسام المواجهات بين الفصائل المختلفة ليصل إلى الانقسام داخل الفصيل الواحد”، خاصة في داخل حركة “فتح”. أشار الفقي إلى أنه في ظل الوضع الصعب في العالم العربي، وسياسة إدارة ترامب الغامضة، على الرئيس الفلسطيني الفاقد للكاريزما أن يتعاون مع محمد دحلان، الذي يحظى بدعم عربي، غربي، وإسرائيلي أيضا.
طرح زميله الدكتور وحيد عبد المجيد، شغل منصبا في الحكومة المصرية سابقا أيضا، ادعاءات شبيهة في الصحيفة اليومية المصرية الأهرام. انضم إلى كلا السياسيَين الشاعر والإعلامي الفلسطيني راسم المدهون وكذلك الإعلامي اللبناني أحمد جابر، الذي نحب تأثير اليسار المنخفض في الحلبة الفلسطينية مقارنة بتأثير إيران، التي نجحت في تعزيز مكانة اللاعبين الجهاديين.
في السنوات الأخيرة تحارب الحكومة المصرية التنظيمات الإرهابية في سيناء. وتطالب، من بين أمور أخرى، بقطع العلاقة بين هذه التنظيمات وبين جهات متطرفة في غزة، وإضافة إلى ذلك تطالب بتليين الحوار الديني في أوساط الشبان في غزة وتأهيل شبان ذوي قدرة على تحمل القيادة في المستقبل. في السنوات الأربع الأخيرة، استضافت مصر بعثات شبان من غزة في المنتجع السياحي “العين السخنة”. عُقد في بداية هذا الشهر لقاء إضافي من بين لقاءات أخرى، شارك فيه محامون، صحافيون، رجال تربية، وشبان أصحاب مهن حرة أخرى من غزة. تطرق اللقاء إلى موضوع “تجديد الخطاب الديني لدعم القضية الفلسطينية”.
أدار اللقاء رجال تربية خبيرون من جامعة الأزهر، بمشاركة مفكرين علمانيين، مما ساهم في نقل رسالة التسوية والتعايش قدما. عرض خبراء الأزهر الموضوع من زاوية فقيهة، وتطرق آخرون إلى الحاجة إلى تحقيق دعم المجتمع الدولي وثقته. وظهر من خلال تبادل الآراء بين المستضيفين المصريين وبين الضيوف الغزيين أن المصريين يؤمنون بالديناميكا في غزة أكثر مما يحدث في رام الله، ذات القيادة غير السليمة بفضل النزاعات الداخلية.
تتجسد الديناميكا في غزة في “القنبلة” التي أطلقها موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي في حماس وممثل الحركة في محادثات التسوية مع فتح التي تُجرى أحيانا في مصر. في شهر كانون الأول من العام الماضي، طرح أبو مرزوق اقتراح لإقامة حكومة فدرالية بين غزة والضفة. خشيت قيادة فتح من أن حماس تنوي التخلي عن فكرة الدولة الفلسطينية، واتهم أفرادها أبو مرزوق أنه شجع الوزير أيوب قرا على المطالبة بإقامة “دولة غزة الكبرى” تتضمن شمال سيناء.
باتت السلطة الفلسطينية قلقة جدا من هذه الفكرة، ولا يبعث رفض مصر مرارا وتكرارا لهذه الفكرة الطمأنينة في أوساط قيادتها. يدعي إعلاميون مقربون من فتح أيضًا أن سياسة دول الخليج مثل السعودية وقطر، التي تستعد لإقامة سفارة في غزة، تدعم هذه الفكرة.
ليس صدفة أن الكتاب “‘صناعة الانقسام الفلسطيني”، لوزير الثقافة الفلسطيني، إبراهيم أبراش، يحظى في يومنا هذا بعصر جديد من الحوار العام والفكري في فلسطين، بعد مرور ثلاث سنوات على نشره. ادعى أبراش أن مرور تسع سنوات على الانقسام، الذي فُرض على الحلبة الفلسطينية منذ سيطرة حماس على غزة، أدى إلى تدهور الوضع الفلسطيني سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، وثقافيا بعشرات السنوات. فقد ساهم في زيادة الحصار على غزة وإضعاف الطريق السياسي والنزاع المسلح على حدٍّ سواء. هذه الحال هي بمثابة نكبة ثانية للشعب الفلسطيني “دمرت الحلم والأمل” وفق ادعاءات أبراش.
في هذه الأيام، يعمل الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، على ضمان المصالح الفلسطينية في مؤتمر القمة العربية المتوقع إجراؤه في نهاية الشهر. هناك خوف كبير من فكرة “السلام الإقليمي” لأنها قد تشجع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية دون تحقيق حل الدولتَين. كل ذلك في الوقت الذي يزداد فيه الشرخ الفلسطيني الداخلي، وتطرح سرا أفكارا بديلة لهذا الحل.
بعد مرور بضعة أيام سيحتفل الرئيس الفلسطيني بعيد ميلاده الـ 82. حتى في البيئة التي يفضّل فيها الزعماء كبار العمر فإن هذا العمر يعتبر متقدما جدا. يمكن أن نفترض أنه بعد وفاة عرفات كان يأمل من يُعتبر الرقم 2 الأبدي من بعده أن ينهي طريقه السياسي كزعيم محبوب وشعبي. حقيقة أن شخصية أبو مازن ليست ثورية وكارزماتية مثل عرفات جعلت الكثيرين يقدرون أنه يتمتع بالصفات الضرورية لإقامة دولة: إقامة مؤسّسات، وضع بنى تحتية لاقتصاد مستقل، مصالحة سياسية، وعقد اتفاق سياسي مع إسرائيل. بعد مرور 12 عاما منذ اختيار أبو مازن رئيسا، يمكن القول بالتأكيد إنه رغم فترة التفاؤل القصيرة، فإن أبو مازن يسير في طريق الركود، يحتفظ بسياسة المقربين الاقتصادية الفاسدة، وأن هناك شرخا لا يبدو قابلا للانعكاس بين غزة والضفة وطبعا – ليست هناك دولة فلسطينية في الأفق.
منذ اندلاع الربيع العربيّ كانت الضفة الغربية أحد الأماكن الأكثر هدوءا في الشرق الأوسط. يمكن نسب أسباب ذلك إلى تعب الفلسطينيين، دروس الفشل من كلا الانتفاضتين، سيطرة أجهزة الأمن التابعة للسلطة في الأراضي بشكل فعال، وترك تدفق نقدي من الدول المانحة انطباعا (زائفا) اقتصاديا وكأن الأمور تسير كما ينبغي.
القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان (فيسبوك)
في السنة الماضية، وأكثر من ذلك في الأشهر الأخيرة، يبدو أن الوضع بدأ يتغير. تتعرض قيادة أبو مازن إلى تحديات من الخصوم في الداخل، وعلى رأسهم دحلان، الذي شن هجوما على الورثة. يحظى دحلان بأموال كثيرة من الخليج العربي، ويشكل معارضة ضد أبو مازن في كل مجال تقريبا: بدءا من مخيّمات اللاجئين، مرورا بشن نزاع علني خطير، بما في ذلك في الفيس بوك، وحتى عقد تحالفات مع زعماء عرب وعلى رأسهم الرئيس المصري، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين أبو مازن والسيسي.
هناك شائعات تتحدث عن أن أقوال دحلان يستمع إليها وزير الدفاع الإسرائيلي، ليبرمان إلا أن كلا الزعيمين يرفضان هذا الادعاء.
إضافةً إلى ذلك، فإن الموجة التي بدأت كانتفاضة الأفراد ضد إسرائيل، لا سيّما في القدس، أصبحت مصدر إحباط لدى الشبان في السلطة الفلسطينية، الأخذ بالازدياد مؤخرا، في ظل وفاة باسل الأعرج الذي بات يعتبر “أيقونة” الجيل الشاب. نجحت وفاة الأعرج في إخراج الكثير من الشبان إلى الشوارع احتجاجا على التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل، إلا أن الهتافات “الشعب يريد إسقاط أوسلو” تعني الشعب يريد إسقاط الرئيس.
مظاهرات في رام الله هذا الأسبوع لتوقيف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والجيش الإسرايلي (AFP)
للإجمال، يبدو أن أبو مازن سيقضي سنواته الأخيرة بصفته رئيسا من خلال نزاع مرير حول بقائه إلا إذا طرأ تغيير استثائي. قد يكون انتخاب ترامب تحديدًا هذا التغيير الاستثنائي بحد ذاته. رغم شخصيته الإشكالية، ترامب يحظى باهتمام الزعماء العرب، الذين يحتاجون إليه لأسبابهم الخاصة، فهو ليس متوقعا وليس عاديا ولديه رغبة قهرية في تحقيق “DEAL” – وفق ما قال ترامب عن اتفاقية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
حتى الآن تصرف أبو مازن بحكمة كبيرة مع الإدارة الأمريكية الجديدة والإشكالية من جهته. لم يتحدث المسؤولون الفلسطينيون الكبار ضد ترامب وفي المقابل حاول مقربوه لا سيّما الملياردير الفلسطيني – الأمريكي، عدنان مجلي العثور على طرق لنقل رسالة فلسطينية إلى المكتب البيضاوي. الهدف الفوري لدى أبو مازن هو إحباط محاولة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتجميد نشاطات المستوطنات الإسرائيلية. إذا نجح أبو مازن في هذه المحاولة، فقد تشكل بداية للمرحلة القادمة، لمحادثة سلام بمشاركة زعماء المنطقة، إلى جانب استثمارات اقتصادية في السلطة. في الوقت الراهن، يبدو أن ذلك بعيدا، ولكن قد يحدث تغيير مثير للاهتمام، في نهاية الطريق السياسي للرئيس الفلسطيني.
من دون عقد مراسم رسمية وبعيدا عن وسائل الإعلام، توصلت مصر وحماس في مستهلّ عام 2017 إلى عدد من التفاهمات الأمنية، السياسية، والاقتصادية، تهدف إلى تشكيل أساس لتحسين العلاقات بينهما. زارت بعثة تابعة لحماس برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، وعضوَي المكتب السياسي، موسى أبو مرزوق وروحي مشتهى، في نهاية شهر كانون الثاني القاهرة لبضعة أيام، التقت خلالها بجهات أمنية مصرية، أهمها رئيس الاستخبارات المصري، اللواء خالد فوزي. كما وزارت بعثة أمنية تابعة لحماس، تضمنت ممثلا قياديا عن الجناح العسكري “عز الدين القسام” مصر أيضا في بداية شهر شباط. كانت زيارات البعثات الرسمية ذروة تخمينات غير رسمية في شهرّي تشرين الأول وتشرين الثاني عام 2016، وتضمنت زيارات لشخصيات إعلامية، أكاديميّة، ورجال أعمال من غزة ومصر.
وفق تقارير صحفية، وافقت البثعة السياسية على مطالب القاهرة فيما يتعلق بمنع تهريب الأسلحة وحظر تسلل المقاتلين عبر الحدود بين غزة وسيناء ومنع استخدام جهات جهادية متطرفة في غزة أساسا للتخطيط لهجمات ضد قوات الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء. أكدت حماس في بيان لها أنها تحرص على “عدم التدخل في الشؤون المصرية الداخلية”، ملمحة إلى التزامها بعدم اتخاذ موقف في النزاع بين نظام السيسي وحركة الأم – الإخوان المسلمين. تطرقت المحادثات بين الجانبَين أيضًا إلى قائمة المطلوبين التي نقلتها مصر إلى حماس، ترتيب تدابير متفق عليها لفتح معبر رفح، توسيع علاقات التجارة بين مصر وغزة، وقف الهجوم الإعلامي، وإلى الوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل، وبين حماس وفتح.
التقاء مصالح متبادلة
منذ تموز 2013، مع إطاحة الجيش المصري الرئيس المصري المنتمي للإخوان المسلمين، محمد مرسي، ساد توتر حاد بين حماس ونظام الحكم في مصر ولم تجرَ لقاءات رفيعة المستوى بين الجانبَين. كان من الصعب على حماس الحفاظ على علاقاتها مع مصر بسبب هويتها المنظماتية بصفتها ذراعا فلسطينيا للإخوان المسلمين وبسبب العلاقات الفكرية والعملية بين جهات في الحركة وبين الإخوان المسلمين في مصر وجماعات سلفية جهادية في شبه جزيرة سيناء. نظرت مصر من جهتها، إلى الحركة بصفتها “جناحا عسكريا” غير رسمي للإخوان المسلمين في مصر واتهمتها بالتعاون مع الإرهاب في الدولة، ومن ضمن ذلك تورطها في تموز 2015 باغتيال النائب العام المصري، هشام بركات. إن التحوّل البادي في الآونة الأخيرة في العلاقات بين مصر وحماس ناتج عن التقاء المصالح المتبادلة لكلا الجانبين في مجالات مختلفة:
أمنيا – اعترفت مصر – التي خسرت مئات الجنود في سيناء – بأهمية التعاون مع حماس للحسم في نزاعها ضد ذراع “الدولة الإسلامية” في سيناء، الذي يستخدم غزة مقرا للتدريبات ومصدرا ثنائي الاتجاه لتهريب وسائل قتاليّة، مقاتلين، وجرحى. حماس من جهتها، معنية أيضا بحظر العلاقات بين جهات سلفية جهادية تسعى إلى تقويض صلاحيتها في غزة وبين شركاء أيديولوجيين في سيناء.
الجيش المصري يكشف عن انفاق التهريب في منطقة رفح (AFP)
سياسيا – مصر معنية بتعزيز مكانتها كجهة إقليمية مُسيطرة في قطاع غزة، قادرة على توحيد صفوق الفلسطينيين وتحضير الأرضية لاستئناف عملية السلام. تعتقد القاهرة أنه من الأفضل فحص إمكانية التوصل إلى تفاهمات متبادلة مع حماس، بدلا من إدارة نزاع صفري مقابل الحركة الذي قد يدفعها إلى حضن خصوم إقليمي مثل تركيا، قطر، وإيران، وتحديد دورها كجهة تسعى إلى دعم الإخوان المسلمين في مصر وتشكل فشلا في التسوية السياسية مع إسرائيل. هذا إضافة إلى أن مصر معنية بعرض نفسها كوسيط مقبول في محادثات التسوية الداخلية الفلسطينية بين حماس وفتح، وفي حالات الأزمة، وصفقات تبادل الأسرى المستقبلية بين حماس وإسرائيل. وفق رؤيتها، سترفع هذه الأدوار من شأنها إقليميا ودوليا بصفتها تعمل على إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، وستجعلها تحتفظ بأوراق ذات أهمية أمام الإدارة الأمريكية الجديدة. من جهة حماس، فإن محاولاتها لتخطي مصر بمساعدة الرعاة الإقليميين الآخرين قد فشلت حتى الآن لأن نقل المساعدة إلى القطاع منوط بالتعاون مع مصر. لم يثبت هؤلاء الرعاة أيضا أنفسهم كوسطاء ناجعين بينها وبين إسرائيل، الذين قد يشكلون بديلا لمصر.
هناك سبب سياسي آخر للتقارب بين كلا الجانبين يتعلق بالأزمة التي طرأت في الأشهر الأخيرة بين القاهرة ورام الله إثر دفء العلاقات بين السلطة الفلسطينية، قطر، وتركيا، وعدم استعداد محمود عباس دمج محمد دحلان، المقرّب من مصر، في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. هذه هي الحال أيضا من جهة حماس: إن حلف المصالح بينها وبين دحلان – الذي يشكل معارضة لقيادة عباس في السلطة الفلسطينية – يشكل أرضية مريحة للحوار مع مصر.
اقتصاديا – تُظهر مصر انفتاحا كبيرا مقارنة بالماضي لتوسيع العلاقات التجارية مع قطاع غزة، خطوة من شأنها أن تساعد القبائل في سيناء، التي تضررت في أعقاب سد أنفاق التهريب إلى غزة. إن تنظيم حركة نقل البضاعة بشكل شرعي عبر معبر رفح سيساهم في التخفيف عن الضائقة الاقتصادية في الجانب المصري وسيساعد على وقوف السكان إلى جانب النظام في النزاع ضد ذراع الدولة الإسلامية في سيناء. في المقابل، هناك مصالح اقتصادية لدى حماس أيضا لتحسين العلاقات مع مصر لأن المعبر الحدودي القانوني في رفح يشكل منفذا وحيدا لقطاع غزة إلى العالم الخارجي الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، لا سيما- بعد الضرر الذي لحق بأنفاق التهريب التي استخدمتها حماس لأهداف اقتصادية ومدنية.
معبر رفح (Rahim Khatib/Flash90)
شعبيا – تأمل مصر أن يؤدي تحسُّن علاقاتها مع حماس إلى تحسين شرعية النظام المصري في الرأي العام المصري خاصة والعربي عامة. إن تنظيم فتح معبر رفح سيسحب السجادة من تحت أقدام متهمي مصر بالتعاون مع إسرائيل في الحصار على غزة وتجاهلها الضائقة الإنسانية الفلسطينية. كذلك سيشكل تحسين العلاقات بين حماس ومصر وفتح معبر رفح إنجازا لحماس، يمكنها أن تلوح به أمام الرأي العام الداخلي.
تعود التفاهمات المتبلورة بين مصر وحماس إلى المصالح المشتركة ومصادر الضغط، والترهيب المتبادلة. تعرب هذه التفاهمات عن براغماتية سياسية ملائمة للوقت الراهن، ولكن لا يمكن تفسيرها في هذه المرحلة كتغيير استراتيجي جذري لدى أي من الجانبين: لا يخفف التعاون المصري المتساهل تجاه حماس من النزاع الذي يديره النظام المصري ضد الإخوان المسلمين؛ وفي الوقت ذاته، فإن مصادقة حماس على جزء من الدعاوى الأمنية المصرية لا تشكل تراجعا عن التزامها الأساسي بالنزاع ضد إسرائيل وعن المبادئ الايدلوجية لجماعة الإخوان المسلمين.
اختبار العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل ومصر
ألرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFPFlash90)
إسرائيليا – إن التحوّل في العلاقات بين مصر وحماس يشكل اختبارا هاما للتنسيق الأمني الذي تقدم في السنوات الماضية بين إسرائيل ومصر على خلفية مواجهتهما المشتركة لتحديات الإرهاب في سيناء وغزة. في إطار هذا التنسيق، على إسرائيل أن تتأكد أن التفاهمات الأمنية المتبلورة بين مصر وحماس لن تُبقي أمام حماس منفذا “شرعيا” لتهريب الأسلحة، من خلال تجاهل مصري علني أو خفي لزيادة قوتها ضد إسرائيل. لمنع عودة عدم القدرة التي ميزت نزاع نظام مبارك ضد أنفاق التهريب، على إسرائيل أن توضح للقاهرة الفشل المخطط والخطير من جهة مصر أيضا والكامن في كل تسوية تمنح حماس تسهيلات على حساب أمن إسرائيل وألا تتطرق إلى مكافحة الإرهاب في سيناء وغزة كمجمل مدمج.
في الوقت ذاته، إذا استوفت التفاهمات بين مصر وحماس الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، قد تخدم مصالحها لعدة أسباب: أولا، التخفيف عن الضائقة الإنسانية في قطاع غزة التي قد تصل إلى إسرائيل، وفي حال استمرت قد تشكل وقودا لجولة قتال عسكرية جديدة ضد حماس؛ ثانيا، تقويض العلاقات المتبادلة بين حماس وجهات سلفية جهادية في سيناء تشكل تهديدا محتملا على أمن إسرائيل وعائقا أمام جهود مصر لتحقيق الاستقرار الأمني الداخلي وتحسين الوضع الاقتصادي؛ ثالثا، إن تعزير علاقات تعلق حماس بمصر سيقلل دافعية حماس نحو جولة قتال عسكرية ضد إسرائيل، وسيعزز مكانة مصر بصفتها وسيطا ناجحا قادرا على إنهاء أزمات مستقبلية بين حماس وإسرائيل بسرعة.
للإجمال، إن موقف إسرائيل فيما يتعلق بالتفاهمات بين مصر وحماس يجب أن يُتخذ بناء على جودة المنظومة الأمنية التي ستُبلور في إطارها. إضافة إلى ذلك، يجدر بإسرائيل والقاهرة أن تستغلا الفرصة لإدارة حوار استراتيجي يهدف إلى بلورة تفاهمات طويلة الأمد حول مستقبل قطاع غزة بهدف تصميم واقع جديد يخدم مصالح كلا الدولتين. تتيح الضائقة الكبيرة التي تواجهها حماس الآن في الداخل والخارج أيضا، لإسرائيل ومصر أن تدفعا حماس نحو اختيار براغماتية سياسية مقابل إعادة إعمار اقتصادي من جهة، وبين التمسك بالنزاع العنيف الذي يعني زيادة عزلة القطاع من جهة أخرى.
نزول أبو مازن عن المسرح ينذر بنهاية عصر "الخارج" في القيادة الفلسطينية سيكون بديله، على الأرجح، شخص نشأ في الأراضي المحتلة وعاش سنواته التكوينية تحت الاحتلال الإسرائيلي. يكمن في ذلك خطر لممارسة العنف، ولكن فرصة نادرة أيضًا لقيادي شرعي في الأراضي
أصبحت احتفالات الذكرى الـ 52 لتأسيس حركة فتح في غزة تظاهرة قبيحة لمشاجرة جماعية بين مؤيدي الرئيس محمود عباس وبين خصمه الرئيسي محمد دحلان. التصدع الظاهر بين القيادة “الشرعية” برئاسة عباس وبين دحلان – الذي يرفض من إقامته في دبي الاعتراف بإسقاطه من الحركة في حزيران 2011 بتهمة محاولة الانقلاب ضدّ عباس – هو جزء من صراع الخلافة الذي دخل إلى حالة تأهب قصوى في مؤتمر فتح السابع في تشرين الثاني الماضي.
قبل ثلاثة أشهر فقط أنكر دحلان أنه يرغب في خلافة عباس، مدعيا بشكل مفاجئ أنّه يدعم ترشح رجل فتح السجين مروان البرغوثي، الذي حظي بمعظم الأصوات في الانتخابات الداخلية للجنة المركزية في الحركة. ولكن في خطاب مصوّر نشره في صفحته على فيس بوك بمناسبة ذكرى تأسيس فتح في 31 كانون الأول، على خلفية صورة الحرم القدسي الشريف، علم فلسطين كبير، وصورة لياسر عرفات، بدا دحلان كقائد في المنفى بكل ما معنى الكلمة.
كما هو متوقع، كان خطاب دحلان مشبعا بالنقد – التلميحي والعلني – على سلوك أبو مازن كرئيس للسلطة الفلسطينية. تطرق الخطاب تحديدا إلى اتهام عباس بالخضوع المخجل للإملاءات الإسرائيلية. تركز نقد دحلان على الادعاءات بالفساد والمحسوبية ضد عباس من جهة، والتدخل الصارخ للسلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية من جهة أخرى. تحظى هذه الادعاءات بصدى واسع في الشارع الفلسطيني.
اتهم دحلان عباس بالتنازل عن المزايا ذات الجودة للفلسطينيين في صراعهم ضدّ إسرائيل، والتي أصبحت “وسائل محظورة، محتقَرة، أو هامشية”. برعاية عباس، أصبحت القضية الفلسطينية سلسلة من “الوثائق، القرارات والمؤتمرات” التي حلّت مكان النضال الشعبي العازم. بحسب أقوال دحلان، هناك نوع من الخيانة لإرث عرفات، الذي فضّل دائما إبقاء كل الخيارات مفتوحة أمام إسرائيل. “كان أبو عمار يعلم أنّ العمل الدبلوماسي وحده لا يكفي”.
رثى دحلان الحالة الاقتصادية الصعبة للفلسطينيين، وخصوصا في قطاع غزة، مدعيا أنّ الوضع المتفجر قد يندلع “كبركان” ويدمّر كل شيء. ومع ذلك، بخلاف الخطاب المقبول في فتح، تجنب دحلان ذكر حماس باسمها كمسؤولة عن الحالة الفظيعة في غزة. هناك أكثر من تلميح في ذلك بأنه يعتبر حماس حليفا مستقبليا في قيادة السلطة الفلسطينية. اتهم دحلان أيضًا أبو مازن بالمضي المتسرّع نحو الانتخابات العامة عام 2006 دون تجهيز حركته كما ينبغي (الأمر الذي أدى إلى فوز حماس)، و “التنازل عن غزة قبل انقلاب حماس وخلاله”.
عكست مقترحات دحلان الملموسة بشكل تام تقريبا مقترحات زميله السجين البرغوثي: إعادة تعريف العلاقات مع إسرائيل، وقف التنسيق الأمني، الإعلان عن فلسطين كدولة تحت الاحتلال، وتطبيق قرارات المصالحة مع حماس. طالب دحلان بـ “الاعتراف المتبادل” بين إسرائيل وفلسطين كدولتين وليس “اعترافا أحادي الجانب”، أي اعتراف فلسطين بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيلي مهين بمنظمة التحرير الفلسطينية. وطالب أيضًا بالوقف الفوري والتام للمفاوضات مع إسرائيل، سواء في المسار الثنائي أو الإقليمي.
يبرز الآن ثلاثة قادة شباب كخلفاء محتملين لأبي مازن. فهم يتحدثون العبرية بطلاقة، بعد أن تعلّموها في السجون الإسرائيلية؛ الأول هو البرغوثي، والآخران هما – الرجوب ودحلان – اللذان خدما كرؤساء الجهاز الأمن الوقائي القوي تحت رئاسة ياسر عرفات، الأول في الضفة الغربية والثاني في غزة.
نزول عباس عن المسرح ينذر بنهاية عصر “الخارج” في قيادة جماعية فلسطينية. سيكون القائد الفلسطيني القادم على الأرجح شخصًا نشأ في الأراضي المحتلة وعاش سنواته التكوينية تحت الاحتلال الإسرائيلي وليس في العواصم العربية. يكمن في ذلك خطر على مستقبل العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، كما تظهر ذلك أنشطة البرغوثي العنيفة في بداية العقد الماضي، ولكن أيضًا فرصة نادرة بالنسبة لإسرائيل ممثّلة بشخصية قائد فلسطيني يحظى بدرجة شرعية شعبية غابت على مدى سنوات طويلة في قيادة أبو مازن.
على مدى نحو عشر سنوات، منذ وفاة عرفات وانتخاب محمود عباس رئيسا فلسطينيًّا، كانت الضفة الغربية الحلبة الأكثر هدوءا بين إسرائيل والفلسطينيين، وإحدى الحلبات الأكثر استقرارا وهدوءا في الشرق الأوسط كله، الذي واجه في السنوات الأخيرة عدم استقرار في كل مكان.
واليوم، عندما أصبح واضحا أن الحلبة السياسية الفلسطينية تستعد لليوم “ما بعد” أبو مازن، يُقدّر مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أن الضفة الغربية ستصبح أحد الأماكن التي تترقبها إسرائيل بحذر في السنوات القادمة.
“نحن نُقدّر أن قوة أبو مازن قد ازدادت بعد مؤتمَر فتح”، قال المسؤول، ولكنه أضاف “هذا هو إنجاز قصير الأمد فقط. ليس هناك “وجه جديد” مناسب في قيادة فتح. فالجيل الشاب منفصل عن الواقع ولا يكترث لما يحدث في التنظيم.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( Flash 90)
ويُقدّر المسؤول أيضا أن أبو مازن سيعتزل عمله السياسي لأي سبب كان، وهناك تقديرات أنه لن يحل مكانه شخص واحد، وذلك لغياب أي شخص يحظى بقوة أو شعبية كافية الآن. السيناريو الأكثر احتمالا هو أن مجموعة من نحو 5 حتى 6 مسؤولين من فتح سيديرون الأمور معا خلال السنة الأولى، وسيتولى خلالها واحد منهم الزعامة الفلسطينية.
ويقول المسؤول عن محمد دحلان، الذي يعتبره محمود عباس خصما لدودا، إن قلق عباس مُبالغ فيه وإن حماس وفتح لا تريدان أن يكون دحلان زعيما في المستقبل ولذلك فإن احتمالات اختياره ضئيلة.
القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان (AFP)
فيما يتعلق بحماس، تُقدر إسرائيل أن التنظيم يمر بأزمة صعبة في مجال العلاقات الخارجية، تؤدي إلى أزمة اقتصادية صعبة أيضا. في حين أن الجناح العسكري في حماس يحاول تعزيز علاقاته مع إيران، يحاول الجناح السياسي التقارب من إيران ودول الخليج من خلال المناورة، دون نجاح (مثلما شاهدنا مؤخرا، عندما عبّر نشطاء في التنظيم عن تعاطفهم مع سكان حلب أثناء انطلاقة المعارك، وتعرضوا لانتقاد شديد من إيران).
تعاني حماس من عجز مالي، وتتصدر أولوياتها زيادة قوتها العسكرية. مثلا، يُستغل معظم الإسمنت الذي يصل إلى قطاع غزة – أكثر من مليون طن – لبناء الأنفاق. ويفرض نشطاء حماس أيضا ضرائب على كل شاحنة أغذية وبضائع تصل إلى القطاع. رغم هذا كله، فإن وضع حماس الاقتصادي ما زال صعبا، ومن الصعب تقدير كيف ستدير الحركة أمورها في السنة القادمة، في حين يعتقد مسؤولون في إسرائيل أن الأصوات الداعمة لإيران ستزداد.