للمرة الأولى، ستحصل عائلة طبيب مسلم، أنقذ يهودا أثناء الهولوكوست، على شهادة تقدير. بعد مرور أربع سنوات اعترف فيها متحف “ياد فاشيم” بالمصري محمد حلمي بصفته “نصير الشعب اليهودي” العربي الأول، وافق ممثل العائلة على الحصول على شهادة تقدير تشهد على أنه خاطر بحياته لإنقاذ يهود أثناء الهولوكوست‎.‎

حتى الآن رفضت عائلة الدكتور حلمي تلقي هذه الشهادة. ولكن الآن بفضل جهود مُخرجة إسرائيلية، اقنتع قريب عائلة الطبيب بالوصول من القاهرة إلى برلين والحصول على شهادة التقدير نيابة عن الدكتور حلمي في إطار تصوير فيلم يتناول قصة د. حلمي ويدعى “آنا والطبيب المصري” (Anna and the Egyptian Doctor).

وأوردت صحيفة “هآرتس” صباح اليوم (الإثنين) أن المراسم ستُجرى في مقر وزارة الخارجية الألمانية وليس في السفارة الإسرائيلية في برلين، لأنه يصعب على العائلة تلقي شهادة التقدير مباشرة من مؤسّسة إسرائيلة.

منح متحف “ياد فاشيم” الشهادة لحلمي منذ عام 2013، ولكن عائلته في مصر رفضت تلقيها من مؤسّسة إسرائيلية. الآن، بعد مرور أربع سنوات من البحث، عُثر على قريب عائلة حلمي كان قد وافق على تلقي شهادة التقدير.

شهادة "نصير الشعب اليهودي" المقدمة للدكتور حلمي محمد، تصوير متحف "ياد فاشيم" في القدس
شهادة “نصير الشعب اليهودي” المقدمة للدكتور حلمي محمد، تصوير متحف “ياد فاشيم” في القدس

وُلد الدكتور محمد حلمي في الخرطوم، السودان، عام ‏1901‏، لوالدين مصريين. وسافر عام ‏1922‏ إلى ألمانيا ليتعلّم الطب ومنذ ذلك الحين عاش في برلين. بعد أن أنهى دراسته عمل مساعدا في مستشفى على اسم‏‎ Robert-Koch ‎‏ وحظي فيه باعتراف كبير من مسؤوليه‏‎.‎

ومع ذلك، بما أن حلمي وفقا للقوانين العنصرية لم يُعتبر من العرق الآري، وإنما كان “حاميا” (من ذرية حام، الابن الثاني للنبي نوح)، شكّل ذلك عائقا أمام تقدّمه المهني. وصلت هذه الحقيقة، بالإضافة إلى موقفه النقدي المعلن تجاه رؤساء النظام النازي، إلى أسماع رجال الغيستابو (“شرطة الدولة السرية” في ألمانيا النازية)، وفي عام ‏1937‏ أقيل من عمله في المستشفى، وحُظر عليه العمل في أي مستشفى عام بل وحُظر عليه التزوج من خطيبته الألمانية. في عام ‏1939‏، اعتُقل حلمي إضافة إلى مواطنين مصريين آخرين، ولكن أطلِق سراحه بعد نحو عام لأنه كان يعاني من مشاكل صحية‎.‎

رغم أن حلمي كان مطاردا بنفسه، إلا أنه ساعد شابة يهودية تدعى آنا بوروز على الاختباء. وُلدت هذه الشابة في رومانيا وانتقلت مع والدتها إلى برلين في سن عامين. في الفترة التي حظيت بوروز على حماية من حلمي، عاشت كمسلمة وسميت باسم مستعار وهو نادية، وارتدت حجابا، وتزوجت زواجا زائفا من مسلم آخر.

بعد الحرب كتبت بوروز: “لقد كان حلمي صديقا جيدا للعائلة… ساعدني على الاختباء في منزله في برلين بتاريخ 10 آذار 1942، وحتى نهاية الحرب… في حالات عديدة كان يخبئني خلال فترات الخطر لدى معارفه، وكنت أتنكر لقريبة عائلته من درسدن لعدة أيام. كل ما فعله من أجلي كان تعبيرا عن لطفه وأنا أعبر عن امتناني له أيضا إلى الأبد”.

ساعد حلمي أيضا والدة بوروز وزوج أمها، الزوجين جولي وجور وير، وجدتها سيسيليا رودنيك. وجد حلمي لرودنيك مكانا تختبئ فيه لأكثر من عام في بيت صديقته فريدا سزوتسمان الألمانية. استضافت سزوتسمان العجوز وشاركتها الطعام، وحصل أقرباؤها نيابة عنها على شهادة ” نصيرة الشعب اليهودي ” في عام 2013.

بعد الحرب، تزوج حلمي خطيبته الألمانية، وعمل طبيبا في برلين. قالت قريبته من مصر في عام 2013 إن الزوجين لم ينجبا أطفالا. “لم يرغبا في ولادة أطفال خشية من الحروب، وأرادا ألا يتعرض أطفالهما لفظائع الحروبات”، أوضحت.

زار حلمي وزوجته العائلة في القاهرة طيلة سنوات. وحافظ على علاقته مع بوروز والتقيا معا عدة مرات في برلين. تزوجت بوروز يهوديا من أصل بولندي وأصبحت تدعى آنا غوتمان. ثم هاجر الزوجان إلى الولايات المتحدة وعاشا فيها. توفيت بوروز عام 1986.

طيلة سنوات، رفضت عائلة حلمي الحصول على شهادة “نصير الشعب اليهودي” من متحف “ياد فاشيم” مدعية أنها مؤسّسة سياسية تمثل إسرائيل وموضحة أن أحد أبناء العائلة قُتِل في إحدى الحروبات بين مصر وإسرائيل.

حتى الآن منح متحف “ياد فاشيم” 26 ألف شهادة ” نصير الشعب اليهودي ” لأشخاص من 44 دولة وقومية. هناك عدد كبير منهم من المسلمين، سكان ألبانيا، القوقاز، والبلقان.

اقرأوا المزيد: 590 كلمة
عرض أقل