محمد حسين طنطاوي

الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي (AFP/Khaled Desouki)
الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي (AFP/Khaled Desouki)

عبد الفتّاح السيسي: رجل الساعة في مصر

الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي، الرجل الذي له الصلة الأوثق بانقلاب 30 يونيو (حزيران) وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، يدفع اليوم بجماعات الإسلام السياسي خارج الميادين المصرية، وربما خارج الحياة السياسية المصرية، فهل يصبح السيسي عبد الناصر الجديد؟

14 أغسطس 2013 | 14:52

بعد فشل الجهود الديبلوماسية، وإخفاق الوساطات الأجنبية لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السياسية التي تمر بمصر على خلفية الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيسا موقتا لمصر في المرحلة الراهنة، يخوض الجيش المصري، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، حربا عنيفة لفضّ اعتصامات الإخوان المسلمين في الميادين المصرية.

ويبدو أن السيسي هو رجل الساعة في مصر، فهو الذي يمهل، وهو الذي يعزل، وهو الذي يعيد اليوم قبضة الجيش المصري على البلاد، فمن هو السيسي؟

عُيّن عبد الفتاح السيسي، 58 عامًا، في آب 2012، وزيرا للدفاع في مصر. وادّعى معارضوه الكثيرون أن تعيينه جاء على خلفية علاقاته الجيّدة بـ”الإخوان المسلمين”، ادّعاء نفته مرارا الجهات السياسية التي عينته في منصبه. واليوم يبدو أن هذا الادعاء لا يمت إلى الواقع بصلة، فالسيسي هو الذي يحارب الإخوان المسلمين بلا هوادة، ويذكّر أكثر من غيره بقيادة عبد الناصر التي زجّت بالإخوان في السجون وحظرت عملها السياسي.

وقت تعيينه (بعدما عزل الرئيس مرسي سلفه في المنصب، محمد حسين طنطاوي) كان السيسي الأصغر سنا بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يكن يكثر من الإطلالات الإعلامية مقارنة بغيره من الأعضاء، ما جعله مجهولا نسبيًّا بالنسبة للجماهير. رغم ذلك، برز اسم السيسي بعد الثورة التي أطاحت بمبارك إثر معارضته الشديدة للتعامل بعنف مع المتظاهرين والموقوفين.

في الأشهر التي مرت منذ تعيينه رئيسًا للمجلس العسكريّ ووزيرًا للدفاع، حافظ الجنرال على السرية – فلم يبرز كشخصية عسكرية ذات نفوذ، وعُرف بالأساس بابتساماته وخطاباته التي لامست مشاعر سامعيه. لكنه بعد ثورة 30 يونيو، قلب الأمور رأسا على عقب، وأصبح محبوب الجماهير لحظة إعلانه في التلفزيون الحكومي أنّ “مرسي لم يعُد رئيسًا”، واليوم أصبح أقوى شخصية في مصر، حتى أن التعيينات الأخيرة التي قام بها عدلي منصور للمحافظات المصرية امتازت بتعيين ضباط جيش وشرطة، ما وصفه بعض في مصر أنه عسكرة مصر من جديد.

وُلد السيسي في القاهرة عام 1954، وتخرج من الكلية الحربية المصرية عام 1977. بعد ذلك، خدم في الجيش، وترقى في الرتب في سلاح المدفعية المصري. ورغم افتقاره إلى أية خبرة فعلية في المعارك، فقد تولى منصب مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع في وزارة الدفاع المصرية، وكان كذلك مندوبًا للجيش المصري في السعودية.

عندما عاد، عُيّن قائدًا للقوات في شمال مصر، في الإسكندرية، ثم رئيسًا للأركان. بعد تعيينه وزيرًا للدفاع، تساءل محللون عديدون في مصر عن علاقته بالإخوان المسلمين، وادّعوا أن زوجته منقبة، وأنه وكيل للإخوان في الجيش. وذكر زملاؤه الذين درسوا معه في دورة حرب في كلية الجيش الأمريكي في بنسلفانيا، أن الرجل “متزمت جدا”، وأنه كان يهمه أن يبرهن في كل مناسبة أنّ كونه مسلما مهم جدا بالنسبة إليه، وأنّ الإسلام بالغ الأهمية في حياة أسرته”.

وقد أوضح السيسي خلال لقاءاته مع سياسيين أجانب أنه ليس محسوبا سياسيا على أي حزب مصريّ، وأنه ليس رجل سياسة، وليس عضوا من أعضاء الإخوان المسلمين، إنه ببساطة رجل متدين.

وشارك السيسي، الذي درس في واشنطن أيضًا، في عدد من المؤتمرات العسكرية في الولايات المتحدة، وأدار مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الأمريكي خلال السنوات الأخيرة. وتتحدث الصحافة المصرية مرارا عن علاقاته الممتازة بنظرائه في الغرب على المستوى العسكريّ.

وكسب السيسي الكثير من المؤيدين إثر قيادته للثورة الثانية في أقل من عامَين ونصف على بدء الربيع المصري. ولكن هل يحافظ حامي الثورة المصرية ومصحح مسار ثورة 25 يناير، على الثقة التي منحها المصريون له حين أطاح بمرسي وبجماعة الإخوان، فقد بدأت جهات علمانية وليبرالية في مصر تحذّر من أن السيسي يعيد قبضة الجيش والأمن على مفاصل الدولة، مثل أيام مبارك والسادات وعبد الناصر.

وتقف مصر اليوم أمام مرحلة خطيرة، فمن جهة تسعى الدولة إلى إعادة الحياة الطبيعية إلى الشوارع المصرية والخروج من مرحلة الركود السياسي، إلا أنه كلما ازداد العنف وعدد القتلى والجرحى خلال فضّ الاعتصامات في الميادين المصرية، ستنزلق مصر نحو عدم الاستقرار وعدم الثقة بقيادة السيسي والجيش.

اقرأوا المزيد: 582 كلمة
عرض أقل
اضراب صحفيين عن العمل احتجاجا علي قمع حرية الصحافة (AFP)
اضراب صحفيين عن العمل احتجاجا علي قمع حرية الصحافة (AFP)

العلاقات الإسرائيلية – العربية ما بعد الربيع العربي

أصوات جديدة ومنوعة بدأت تُسمع في الإعلام العربي بشأن إسرائيل واحتمالات حل النزاع معها - أصوات أكثر انفتاحًا وأكثر فضولًا.‎

غيّر الربيع العربي خارطة الإعلام في الشرق الأوسط. نسبة مشاهدة الشبكات التلفزيونية العربية الكبرى في انخفاض، في حين يكتسب الإعلام الجديد أهمية وانتشارا.‎ ‎تتصدر عمليات التغيير الداخلية في الدول العربية اهتمام الإعلام العربي، فيما جرى إقصاء النزاع العربي – الإسرائيلي إلى الهامش. وبشكل موازٍ، وفيما لا يزال العداء والشك يطغيان على نظرة الكثيرين في المنطقة لإسرائيل، فإن أصواتا جديدة ومنوعة بدأت تُسمع في الإعلام العربي بشأن إسرائيل واحتمالات حل النزاع معها – أصواتًا أكثر انفتاحًا وأكثر فضولًا.‎ ‎في جو التغيير هذا، تستطيع العناصر المعنية بالعلاقات مع إسرائيل في العالم العربي أن تعمل بسهولة أكثر من ذي قبل.

في النصف الأول من سنة 2011 كانوا يدعون هذا التحول في الشرق الأوسط “بالربيع العربي” ولكن نحو نهاية العام، حينما أجريت الانتخابات البرلمانية سواء في تونس أو في مصر، بدأ يُسمَع في إسرائيل التعبير” الشتاء الإسلامي” لوصف الموجة المثيرة من التغييرات التي اكتسحت ولا تزال تكتسح الشرق الأوسط. فيما اعتقد المتفائلون أنّ الثورات ستؤدي إلى نشوء ديمقراطيات جديدة في المنطقة العربية، تنبأ المتشائمون بحكم الشريعة وانهيار العلاقات القائمة بين العالم العربي وإسرائيل. ولكنّ الواقع أثبت أنّ كليهما كان على خطأ.

كانت التغييرات في كل دولة مختلفة عن الأخرى، والنتائج غير متوقعة من حيث الحسابات السياسية. مع ذلك، لا ريب أنه فضلا عن التغييرات السياسية السريعة، يتبلور في المجتمعات العربية في شتى أنحاء المنطقة تغيير أبطأ، ولكنه ذو أهمية أكبر.‎ ‎لم تتناقض الرغبة في الاستقرار والسلام مع الرغبة في النزاهة والحرية، بل على العكس من ذلك.‎ ‎تناضل المجتمعات الشابة والمتلهفة لإيجاد طريقها في بحر التغييرات الهائج؛ انهارت النظم القديمة، فيما لم تتشكل الجديدة بعد.‎ ‎كيف أثرت الثورات في وجهات النظر والمواقف تجاه إسرائيل في العالم العربي؟‎ ‎وماذا ستكون مكانة إسرائيل في المبنى الجيوسياسي الجديد في الشرق الأوسط؟‎ ‎كما هو معتاد، ليست الصورة أسود أو أبيض.‎ ‎ثمة حاجة لفحص تفاصيل دقيقة كثيرة بكل عناية لرسم خطة العمل المطلوبة.

الإعلام الإسرائيلي والمؤسسات مقابل التغيير: الخوف من الغد

في آخر نصف قرن، اعتادت إسرائيل على التعامل مع لاعبين معروفين، ومتوقعين إلى حد كبير، في المنطقة. من السهل أن نفهم لماذا تخاف النخب السياسية الإسرائيلية إلى هذه الدرجة من التغييرات خارج حدود إسرائيل – “متلازمة ستوكهولم” (ظاهرة سيكولوجية، يتماثل فيها الرهائن مع راهنيهم ويشعرون بشكل إيجابي نحوهم، إلى درجة حمايتهم أحيانا) مترسخة في أعماقهم، داخل الدورة الدموية، ومن شبه المستحيل التخلص منها.‎ ‎كانت إسرائيل مستعدة للتعايش مع واقع من الكراهية، المقاطعة، ومظاهر اللاسامية التي كانت غالبًا في مصر والأردن – الشريكتَين العلنيتَين الوحيدتَين لإسرائيل في اتفاقيتي سلام إقليميّتَين – فيما حافظت على علاقات ثابتة بشخصيات معروفة لم تتغير عبر السنين، إنما تبادلت المناصب الأساسية فقط. لكنّ تليين السلام البارد لم يكن ممكنا، إثر التشريعات والخطاب العام في هذه البلاد ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل.‎ ‎وقد نمّت الشخصيات الأساسية عينها، التي صافحت وعانقت بحرارة المسؤولين الإسرائيليين في مناسبات خاصة، التوجه المعارض للتطبيع.

كسانيا سبطلوفة
كسانيا سبطلوفة

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأشخاص والجمعيات الذين حاولوا مدّ الجسور مع إسرائيل أو مع أوساط معينة في المجتمع الإسرائيلي (حتى مع الوسط العربي- الإسرائيلي) جرت ملاحقتهم أو معاقبتهم في الكثير من الأحيان من قبل الأجهزة الأمنية في دولهم، وجرى إسكاتهم أو إكراههم على الهجرة في النهاية.‎ ‎الأديب والمسرحي المصري علي سالم، الصحافية هلا مصطفى، وعالم الاجتماع سعد الدين إبراهيم، وكثيرون غيرهم دفعوا ثمنا باهظا بسبب اقترابهم أكثر مما يجب من إسرائيل، وأجبرهم النظام نفسه على التراجع عن ذلك.‎ ‎لكن أصواتهم سُمعت، على الرغم من ذلك.‎ ‎شارك ناشطون في حلقات بحث مشتركة في الخارج، شارك فيها إسرائيليون أيضًا، فيما زار عدد منهم إسرائيل أيضًا، وعادوا إلى بلادهم لينشروا ما تعلموا عن الدولة التي تُعتبر “عدوًّا”.

نمت الأنظمة العربية، بطبيعة الحال، فكرة حصريتها، وحذرت إسرائيل والغرب من أنها الضامن الوحيد للقومية العلمانية في وجه القوى الإسلامية.‎ ‎في الوقت الذي أقامت فيه هذه الأنظمة وقفا لإطلاق النار مع الإخوان المسلمين، تصوروا صعود الإسلاميين للسلطة على أنه كارثة ما بعدها كارثة.‎ ‎ولذلك، فلا عجب أن التنبؤات العسكرية والسياسية للعلاقات الإسرائيلية – المصرية تركزت، منذ بداية عام 2011، في المخاطر والتهديدات.‎ ‎ساهمت الأحداث السلبية، كإحراق أعلام إسرائيل والولايات المتحدة، واقتحام السفارتَين الإسرائيلية والأمريكية في القاهرة وطرابلس، في تقوية “غول” الخوف.

شاب يتصفح الفيس بوك الخاص بالناطق باسم الجيش الإسرائيلي في اللغة العربية (AFP)
شاب يتصفح الفيس بوك الخاص بالناطق باسم الجيش الإسرائيلي في اللغة العربية (AFP)

بلغ الخوف ذروته في 6 آب 2012، بعد فترة قصيرة من الهجوم القاتل على جنود مصريين في رفح، والذي أودى بحياة 17 جنديًّا.‎ ‎أمر الرئيس محمد مرسي بالشروع في عملية عسكرية واسعة في سيناء، وأرسل جنودا مصريين إلى المنطقة منزوعة سلاح، فيما بدا خرقا لشروط معاهدة السلام في كامب ديفيد. خلال أسبوع أقال رئيس المخابرات، الجنرال مراد موافي، وقام بإضعاف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حينما أجبر المشير (عمر سليمان) محمد حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان، على الاستقالة مع شخصيات عسكرية هامة أخرى من عهد مبارك.‎ ‎في تلك الفترة، تفجر الإعلام الإسرائيلي بالعناوين الحربية، على غرار “انتهاكات حادة لمعاهدة كامب ديفيد”، “ضغط متزايد في سيناء”، و”لماذا عززت مصر قوتها العسكرية في شبه الجزيرة”.‎ ‎ولكن، في 29 آب 2012، أبلغت الحكومةُ الكنيست أنه لم يجرِ أي خرق لاتفاقات كامب ديفيد، وأن جميع الخطوات المصرية جرى تنسيقها مع إسرائيل.‎ ‎

في أوائل أيلول 2012، تحدثت وسائل الإعلام المصرية عن مغادرة آخر دبابة مصرية “إضافية” شبه جزيرة سيناء.‎ ‎لكن هذا الخبر لم يحظَ في إسرائيل بنفس التغطية التي حظيت بها الأخبار السابقة عن الخروق المحتملة لمعاهدة كامب ديفيد.‎ ‎رغم التوقعات السلبية، تبين خلال مدة قصيرة أن ثمة علاقات قوية لا تزال قائمة بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمصرية، أنّ معبر رفح بين غزة وإسرائيل يتم إغلاقه مرة تلو الأخرى، وأنّ الجيش المصري منكبّ على إغلاق الأنفاق تحت الأرض التي كانت مفتوحة وفعالة في عهد مبارك.

بالإجمال، أخطأ معظم المحللين الإسرائيليين والغربيين في تنبؤاتهم بخصوص التغييرات التي كان مرسي يعتزم تنفيذها في الجيش والمخابرات، وكذلك في تقدير وتيرة ومميزات العلاقات بين مصر ما بعد مبارك وبين إسرائيل.‎ ‎وفي يومنا هذا، لا تزال كل من السفارة المصرية في تل أبيب والسفارة الإسرائيلية في القاهرة (وكذلك المركز الأكاديمي الإسرائيلي الفاعل هناك) تعمل كالمعتاد. وقد نجح كل من مصر والأردن في تعيين سفيرَين جديدَين في إسرائيل في هذه الفترة.‎ ‎ولا تزال الأوساط العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية والمصرية تتعاون بشكل مكثّف. ويبحث سياسيون إسرائيليون، من الائتلاف والمعارضة على حد سواء، عن طرق لإقامة علاقة ما مع الإخوان المسلمين.‎ ‎قبل الانتخابات الرئاسية المصرية، كان يُفترض أن يجتمع وفد من أعضاء الكنيست الإسرائيليين بوفد من الإخوان المسلمين في واشنطن.

الاستنتاج المنطقي من هذه التجربة أن تغطية موضوعية وتفصيلية أكثر للأحداث ضرورية. يجب أن تُعرض، على الجمهور العريض وحتى على المؤسسة السياسية، أنواع أخرى من التحليلات لهذه الأحداث وتأثيراتها الممكنة. من الواضح أنّ النزاع العربي – الإسرائيلي، والوضع في الشرق الأوسط بشكل عام، ليسا موضوعَين محبوبَين في جدول الأعمال العام في إسرائيل. لم يقم أي حزب سياسي، باستثناء ميرتس اليساري، بوضع حل النزاع مع الفلسطينيين، على رأس جدول أعماله. يجدر إعادة الموضوع إلى جدول الأعمال، وزيادة الوعي للتطورات الإقليمية، ولأهمية اتخاذ موقف إسرائيلي واضح منها.

الإعلام العربي وإسرائيل في عهد ما بعد الربيع العربي

من الصعب توقع سقوط حاجز الكراهية دفعة واحدة، وليس محتملًا أن يؤدي حتى التقدم نحو سلام مع الفلسطينيين إلى وضع حد للعداء وانعدام الثقة المتبادلَين.‎ ‎لا يزال الكثيرون في المنطقة يعارضون مجرد وجود دولة يهودية في الشرق الأوسط. مع ذلك، في جو التغيير، يسهل أكثر على اللاعبين، رسميين كانوا أم غير رسميين، المهتمين بالعلاقات مع إسرائيل، أن يعملوا، لا سيّما أن مركز اهتمام الإعلام العربي اليوم ليس الشأن الإسرائيلي – الفلسطيني، بل التطورات الحاصلة في سوريا، مصر، ليبيا، تونس، ودول أخرى.

وفقًا لوليد العمري، مدير مكتب الجزيرة في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن “النزاع الإسرائيلي – العربي هو حتما خارج دائرة الضوء اليوم. ثمة الكثير من الأحداث الدراماتيكية التي تحصل في عدد من الدول العربية، حيث إنّ الشأن الفلسطيني لا يجد له مكانا في قائمة الأخبار الخمسة الأولى، أو حتى الأخبار العشرة الأولى. لم يعد في وقت الذروة”. حتى إن العمري اعترف أنه في ظل التطورات الدراماتيكية في سوريا، انخفضت نسبة مشاهدة الشبكات العربية الكبرى كالجزيرة والعربية بشكل حاد، فيما ترتفع نسبة الاطلاع على الإعلام المحلي التقليدي (المطبوع والمرئي) وشبكات التواصل الاجتماعي.

الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني المدير العام  لقناة الجزيرة (AFP)
الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني المدير العام لقناة الجزيرة (AFP)

أثبتت “ثورة الياسمين” في تونس و”ثورة التحرير” في مصر أنه رغم الأمية ونقص الحواسيب الشخصية، فإنّ لشبكات التواصل الاجتماعي وللإعلام الجديد قوة وشعبية هائلتَين في تلك الدولتَين، تماما كدول عربية أخرى. فيما لا يزال معظم المصريين يحصلون على الأخبار اليومية من قراءة صحيفتَي “الأهرام” و “المصري اليوم”، فإنّ الإعلام الجديد يمكن أن يصبح المصدر الحصري للأخبار لقطاعات واسعة من المجتمع في الأوضاع العصيبة. تأقلم الإعلام التقليدي بسرعة مع التغييرات التي أتت بها الثورتان في مصر وتونس. لكن يصعب القول إنّ الإعلام في هذين البلدين حر من الرقابة، أو إنه يتمتع بحرية التعبير. خلال الأيام المئة الأولى من حكمه، قمع مرسي الكثير من الحريات الصحافية، بفصله محررَي مجلتَي “التحرير” و”الدستور”. تمت محاكمة توفيق عكاشة، مالك القناة التلفزيونية “فراعين”، بتهمة “التحريض على قتل الرئيس”. بعد ذلك، أطلقت محكمة مصرية سراح عكاشة بكفالة، قبل أن تحكم ببراءته.

فيما تستمر العلاقات الإسرائيلية – العربية على المستوى الحكومي والأمني بالوتيرة نفسها كما كانت قبل الثورات، فإنّ ثغراتٍ أولى بدأت تُفتح في جدار العداء لإسرائيل، الذي بدا غير قابل للانكسار، في المجتمع المدني في الدول العربية.‎ ‎قدمت منظمات إسرائيلية مساعدات إنسانية للاجئين سوريين في الأردن، فيما نجح أعضاء كنيست في إقامة علاقات مع زعماء معارضين سوريين في سوريا وخارجها.‎ ‎عام 2012، زار إسرائيل رقم قياسي من الفنانين، الأدباء، والسينمائيين من المغرب، تونس، والجزائر، رغم التهديد، الإخافة، والمقاطعة. ‎ ‎زار وفد رسمي مغربي إسرائيل في نيسان 2012، للمرة الأولى منذ سنة 2000، وجرى عدد من الزيارات غير الرسمية لرجال أعمال وسياسيين مصريين.‎ ‎بالطبع، قامت أوساط إسلامية وقومية متشددة في البلدان المذكورة بإدانة الزوار، وتم فصل عدد منهم من الاتحادات التجارية وما شابهها. لكن مجرد حصول زيارات كهذه، رغم التكهنات القاتمة، هو ذو أهمية كبرى.‎ ‎ومن المثير للاهتمام أنه منذ بداية 2011 تحديدا، ارتفع عدد الإشارات الإيجابية إلى إسرائيل في العالم العربي. ففي سوريا، على سبيل المثال، صرخ اللاجئون الغاضبون أنه “حتى إسرائيل لا تذبح كل هذا العدد من السوريين كبشار الأسد”.

 تسفي يحزكيلي مراسل القناة 10 الإسرائيلية للشؤون العربية (Flash90/Yaakov Naumi)
تسفي يحزكيلي مراسل القناة 10 الإسرائيلية للشؤون العربية (Flash90/Yaakov Naumi)

لذلك، يتعيّن على الإسرائيليين المعنيين بالوصول إلى الإعلام العربي أن يأخذوا بعين الاعتبار استخدام الإعلام الاجتماعي باللغة العربية، أي عالم المدوّنات، فيس بوك وتويتر.على نحو أكثر تحديدا، يمكن بسهولة إيجاد مدوِّنين ذوي تأثير (بعضهم صحافيون محترفون، وبعضهم ليسوا كذلك)، وحتى التوجه إليهم مباشرة أو عبر وسيط. بالمقابل، قد يكون أسهل بكثير بلوغ وسائل إعلام مركزها في الخليج العربي (أو حتى أفضل، وسائل إعلام خليجية مركزها في لندن، مثل صحف: العربية، التي يملكها سعوديون، الشرق الأوسط، والحياة، إضافة إلى قناة الجزيرة).

بعد السقوط المثير لنظام مبارك، اتضح لكثيرين في دول الخليج أنّ إسرائيل عامل ثابت ومستقر في المنطقة، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية، ونظرًا إلى القلق المشترك من النفوذ الإيراني، يمكن تطوير العلاقات معها أكثر فأكثر. نشرت العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية الخليجية مؤخرا (وجميعها بملكية الدول أو مراكز قوى مقربة من النظام) مقابلات مع ممثلين لإسرائيل، بينهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان. نشرت الصحيفة السعودية الإلكترونية إيلاف، طوال ما يزيد عن ثلاث سنوات، مذكرات البروفيسور شموئيل موريه من الجامعة العبرية في القدس.

يبدو أنه في الدول التي مرت بثورات، يسهل أكثر على الإسرائيليين الاتصال بوسائل الإعلام الجديدة، في حين أنه في الدول الخليجية التقليدية – حيث يخضع الإنترنت للكثير من التقييدات والرقابة – يجب التوجه لوسائل الإعلام التقليدية.‎ ‎بالإضافة إلى ذلك، يجب النظر إلى الإعلام العربي – الإسرائيلي، الذي يتمتع اليوم بعلاقات محسّنة بالعالم العربي الواسع، كوسيط وشريك في مبادرات إعلامية محتمَلة بين إسرائيل والعالم العربي.

ميدان التحرير (AFP)
ميدان التحرير (AFP)

في النهاية، تستمر المؤسسة الأكاديمية، وسائل الإعلام، ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية في تحليل الأحداث غير المسبوقة للربيع العربي وفقا للخطوط الأمنية المعروفة غالبًا، حيث تنمي مخاوف الجمهور وشعوره بعدم الأمان.‎ ‎رغم أنّه من المبكر التوصل إلى استنتاجات نهائية، من الواضح حتى الآن أنّ الربيع العربي لم يغيّر بشكل جوهري طبيعة العلاقات بين الأنظمة العربية وإسرائيل، في حين انخفض تناول إسرائيل بشكل سلبي في الإعلام العربي بشكل مذهل.

فتحت التغييرات في العالم العربي نوافذ صغيرة من الفُرص، ومكنّت لاعبين جُددا في الساحة العربية من إعادة تقييم إمكانية إقامة علاقات بعدد من أوساط المجتمع والحكم في إسرائيل.‎ ‎هذه النوافذ هي فرص يُمنع تفويتها.‎ ‎يجب البحث عن فرص أخرى أيضا للاستفادة القصوى من المرونة التي تتيحها فترة التغيير الحالية.‎ ‎لاعبون كثيرون في العالم العربي – كزعماء المعارضة السورية الحالية، سياسيين من دول الخليج، كتاب، صحافيين، وسينمائيين – مستعدون اليوم للبحث عن إمكانيات وفرص جديدة.‎ ‎لكن أقلية صغيرة فقط مستعدة للاعتراف بعلاقاتها مع إسرائيل ومواجهة النقد الغاضب، لأنّ الأوساط المضادة لإسرائيل تشعر أيضا بالمزيد من الحرية للعمل في ظل غياب مركز قوة قوي.‎ ‎ليس الهجوم على الليبراليين واغتيالهم أمرًا طارئا على العالم العربي، لكن الأفراد الذين يريدون التسوية مع إسرائيل معرضون اليوم أكثر من غيرهم للمعاناة من العنف الجسدي.

يجب استغلال الفترة الحالية للمبادرة والبحث بشكل شخصي عن فرص جديدة للعلاقات والصلات. ‎ ‎وبالنسبة لتغطية الربيع العربي وآثاره في الإعلام الإسرائيلي، فمن حق الجمهور الإسرائيلي أن يعرف أكثر عن تطورات الأحداث في المجتمعات العربية ما بعد الثورات، حتى يطوّر رأيه الشخصي بها.‎ ‎يمكن فعل ذلك عبر منح مكان موسّع أكثر في وسائل الإعلام الإسرائيلية للمقابلات، مقالات الرأي، والتحليلات التي تلقي الضوء على زوايا جديدة، وتُسمع نغمات أخرى.‎ ‎إنّ الجمهور العريض والمؤسسة السياسية في إسرائيل على حدّ سواء بحاجة لسماع أصوات جديدة وتوجّهات جديدة.


اقرأوا المزيد: 2030 كلمة
عرض أقل
عبد الفتاح السيسي، الرجل الأقوى في مصر (AFP)
عبد الفتاح السيسي، الرجل الأقوى في مصر (AFP)

رجل مصر القوي: عبد الفتّاح السيسي

المشير عبد الفتاح السيسي، الرجل الذي له الصلة الأوثق بالانقلاب الذي غيّر مسار الثورة المصرية وطوى صفحة الإخوان أصبح على عتبة الرئاسة. من هو السيسي؟

04 يوليو 2013 | 13:43

أدار عبد الفتاح السيسي الانقلاب العسكري في الدولة العربية الأكبر في الشرق الأوسط وأمام أعين العالم كله، مطيحا بالرئيس الإخواني محمد مرسي، ومعلنا أن مصر ستطوي صفحة الإخوان المسلمين. وبعد أن قدّم السيسي استقالته اليوم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، مهّد الرجل الأقوى في مصر طريقه لرئاسة مصر. من هو السيسي؟

عُيّن عبد الفتاح السيسي، 58 عامًا، في آب 2012، وزيرا للدفاع في مصر. ادّعى معارضوه الكثيرون أن تعيينه جاء على خلفية علاقاته الجيدة بـ”الإخوان المسلمين”، ادّعاء نفته مرارا الجهات السياسية التي عينته في منصبه.

وقت تعيينه (بعدما عزل الرئيس مرسي سلفه في المنصب، محمد حسين طنطاوي) كان السيسي الأصغر سنا بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يكن يكثر من الإطلالات الإعلامية مقارنة بغيره من الأعضاء، ما جعله مجهولا نسبيًّا بالنسبة للجماهير. رغم ذلك، برز اسم السيسي بعد الثورة التي أطاحت بمبارك إثر معارضته الشديدة للتعامل بعنف مع المتظاهرين والموقوفين.

في الأشهر التي مرت منذ تعيينه رئيسًا للمجلس العسكريّ ووزيرًا للدفاع، حافظ الجنرال على السرية – فلم يبرز كشخصية عسكرية ذات نفوذ، وعُرف بالأساس بابتساماته وخطاباته التي لامست مشاعر سامعيه. لكن مساء أمس، قلب الأمور رأسا على عقب، وأصبح محبوب الجماهير لحظة إعلانه في التلفزيون الحكومي أنّ “مرسي لم يعُد رئيسًا”.

وُلد السيسي في القاهرة عام 1954، وتخرج من الكلية الحربية المصرية عام 1977. بعد ذلك، خدم في الجيش، وترقى في الرتب في سلاح المدفعية المصري. رغم افتقاره إلى أية خبرة فعلية في المعارك، فقد تولى منصب مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع في وزارة الدفاع المصرية، وكان كذلك مندوبًا للجيش المصري في السعودية.

ليلة الانقلاب العسكري في مصر (KHALED DESOUKI / AFP)
ليلة الانقلاب العسكري في مصر (KHALED DESOUKI / AFP)

عندما عاد، عُيّن قائدًا للقوات في شمال مصر، في الإسكندرية، ثم رئيسًا للأركان. بعد تعيينه وزيرًا للدفاع، تساءل محللون عديدون في مصر عن علاقته بالإخوان المسلمين، وادّعوا أن زوجته منقبة، وأنه وكيل للإخوان في الجيش. وذكر زملاؤه الذين درسوا معه في دورة حرب في كلية الجيش الأمريكي في بنسلفانيا، أن الرجل “متزمت جدا”، وأنه كان يهمه أن يبرهن في كل مناسبة أنّ كونه مسلما مهم جدا بالنسبة إليه، وأنّ الإسلام بالغ الأهمية في حياة أسرته”.

لكنّ أحداث الأيام الأخيرة أثبتت العكس. ففي لقاء بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، خلال زيارته إلى مصر، قال وزير الدفاع إنه ليس محسوبا سياسيا على أي حزب مصريّ. “إنه ليس رجل سياسة، وليس عضوا من أعضاء الإخوان المسلمين، إنه ببساطة رجل متدين”، ادّعت الصحافة المصرية التي تحدثت مرارا عن علاقاته الممتازة بنظرائه في الغرب على المستوى العسكريّ. شارك السيسي، الذي درس في واشنطن أيضًا، في عدد من المؤتمرات العسكرية في الولايات المتحدة، وأدار مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الأمريكي خلال السنوات الأخيرة.

كسب السيسي الكثير من المؤيدين إثر قيادته للثورة الثانية في أقل من عامَين ونصف على بدء الربيع المصري. حظي محبوب الجماهير، الذي قرر الوقوف إلى جانب الشعب، والذي غمز المتظاهرين حين أطلق مروحيات تطوف فوقهم وأوضح إلى جانب مَن يقف الجيش، بثقة العلمانيين واللبراليين في مصر، وكذلك بثقة رجال النظام السابق. ففي صحيفة “الشروق المصرية”، كُتب أنهم ينظرون إلى الفريق أول كمدافع عنهم في وجه “الإخوان المسلمين”.

وقد ترقى السيسي بقرار جمهوري يوم 27 يناير/ كانون الثاني 2014، إلى رتبة مشير وهي الرتبة العسكرية الأرفع في الجيش المصري.

تقف مصر على أعتاب حقبة جديدة، حقبة “خارطة الطريق”. وينتظر الجيشَ المصري دورٌ بالغ الأهمية في إدارة شؤون الدولة حتى تحديد موعد الانتخابات القادمة.

اقرأوا المزيد: 503 كلمة
عرض أقل