وتلقت الأوساط الاقتصادية والعامة في إسرائيل نبأ تعيين المحافِظة الجديدة لبنك إسرائيل، د. كارنيت فلوغ، بسرور، وقد بدأت هذا الصباح طريقها بدعم وتمنيات بالنجاح. لكنّ نقدًا جماهيريًّا حادًّا يحيط بطريقة اختيارها للمنصب، إذ أدّت صراعات القوة والخلافات بين رئيس الحكومة نتنياهو ووزير المالية لبيد إلى تعطيل القرار، إطالة العملية، وإلحاق الأذى بالاقتصاد، وكذلك بثقة الشعب.
رغم أن فلوغ كانت المرشّحة الطبيعية للمنصب بعد استقالة المحافِظ السابق، ستانلي فيشر، الذي أوصى بها للحلول محله، فإنّ نتنياهو عارض تعيينها على طول الطريق، وأوضح لوزير المالية أنه غير معنيّ بتعيينها. ثمة مَن يربط ذلك بمذهب فلوغ الاقتصادي، الأكثر اعتدالًا من ذاك الذي لرئيس الحكومة. فيما يقول آخرون إنه مغتاظ منها لأنها ادّعت في إحدى دراساتها إنه ليس المسؤول عن التحسّن في الاقتصاد الإسرائيلي. وثمة مَن يقول إنّ معارضة نتنياهو نابعة تحديدًا من الخلافات بينه وبين فيشر قُبَيل نهاية ولايته، ولذلك فإنّ نتنياهو لم يكن يريد قبول نصيحته وتوصيته.
أيًّا كان الأمر، فرغم أنّ أسماء عديدة طُرحت وأُحرقت خلال السباق لهذا المركز المرموق، ورغم عدم إمكان التوافق على أيّ مرشح آخر، لم يوافق نتنياهو على تعيين فلوغ محافِظة، رغم، وربما بسبب، دعم وزير المالية لبيد لها. ويدّعي المحلّل السياسي لأخبار القناة الثانية، عميت سيغل، أنّ تعيين فلوغ سرّه تصريح لبيد الأسبوع الماضي أنّ “فلوغ لن تكون مُحافِظة”. نعم، لم تُخطئوا في القراءة. فقد أجرت القناة الثانية مقابلة مع لبيد الأسبوع الماضي وقال بوضوح، وعلانيةً، إنّ فلوغ ليست على قائمة المرشَّحين.
حسب ادّعاء سيغل، فإنّ سبب معارضة نتنياهو لفلوغ كل الوقت هو عدم رغبته في الظهور خاضعًا للبيد. لكن في اللحظة التي صرّح فيها لبيد أنّ فلوغ لن تكون مُحافِظة، “جرى شقّ الطريق لتعيينها. لأن لا أحد سيقول الآن إن نتنياهو خضع للبيد، بل سينشغل الجميع بتقلّب وزير المالية”. وهذا ما يحصل حقًّا. ففي صحيفة “هآرتس” تمّ اختيار العنوان التالي لأحد التقارير: “إلى جانب وزير مالية فاشل، ثمة حاجة إلى مُحافِظة قوية”، حيث جرى التوسّع في كثرة تقلّبات لبيد وإدارته المثيرة للشفقة ولكن المقلِقة، ما يبرهن أنه “لا يعيش في عالم الاقتصاد”.
لكن لم يقتصر النقد على وزير المالية وحده، بل طالت أسهم النقد رئيس الحكومة نفسَه. ففي صحيفة “يديعوت أحرونوت” كُتب أنّ “تصميم نتنياهو ينكسر كلّما اتّضح له أنه إن واصل عناده فسيدفع ثمنًا شخصيًّا”، وأنّ إدارة نتنياهو في هذه الحالة تُضاف إلى حالات عديدة أخرى، ما يطرح تساؤلات عميقة حول عملية اتخاذ القرارات في ديوان رئيس الحكومة. مع ذلك، سُجّل لصالحه أنه في نهاية المطاف “فعل ما هو صائب”، ما لم يُقَل عن لبيد. ففي الصحيفة الاقتصادية “ذا ماركر” كُتب أنّ سبب تعيين فلوغ يكمن تحديدًا في خطاب وتحليل ناجحَين قدّمتهما أمام رئيس الحكومة في ديوانه قبل بضعة أيّام. لكن لا ينسون انتقاده على الإهمال في اتخاذ القرارات خلال العمليّة، وعلى أنه لم يدرس بجدية ترشُّح فلوغ، لم يلتقِ بها بضع مرات كما هو مفترَض، ولم يكلِّف نفسَه عناء التعرُّف إليها.
يمكن القول إذًا إنّه بعد قضية طويلة ومحرِجة لتعيين مُحافِظ، فإنّ الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي الشعب الإسرائيلي، يخرجان رابحَين، فيما وزير المالية ورئيس الحكومة، ولا سيّما في ما يختصّ بثقة الشعب بهما وبإدارتهما المهنية، يخرجان خاسرَين، على أقلّ تقدير.