“إسرائيل ستجني فائدة من علاقاتها مع العالَم العربي أكبر مقارنة بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي”. هذا وفق أقوال الباحث الإسرائيلي، المحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط، دكتور نمرود جورن من معهد “متفيم”.
في نقاش جرى في الجامعة العبرية في مدينة القدس، برعاية معهد البحث الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية “متفيم” وبالتعاون مع معهد ديفيس للعلاقات الدولية، تم التطرق إلى مبادرة السلام العربية بمناسبة مرور 15 عاما على عرضها للمرة الأولى. تطرق النقاش حولها إلى ثلاثة فترات: الماضي، الحاضر، والمستقبل.
شارك في النقاش حول مُستقبل المبادرة العربية باحثون إسرائيليّون وأردنيون، تجادلوا فيما بينهم، وشاركوا آراءهم وفق تجربتهم حول مستقبل المبادرة العربية القديمة.
وافقت أكثرية المشاركين في النقاش على أن على مصر والأردن أن يلعبا دورا مركزيا في الوساطة بين كلا الجانبين. أشار وليد سالم، من مركز الديموقراطية وتنمية المجتمع على أنه رغم وجود مصالح مشتركة، لا يمكن للعاهل السعودي، على سبيل المثال، أن يتجاوز هذه الوساطة، ويتوجه إلى إسرائيل مباشرة. أشار أيضًا إلى أنه رغم المصالح الإقليمية المشتركة الواضحة، فهو يعتقد أنه لا يمكن إجراء تعاون إقليمي فعلي، ولا تطبيع بالتأكيد أيضا، طالما لم يتم التوصل إلى حل للمشكلة الفلسطينية.
“إسرائيل ستجني فائدة من علاقاتها مع العالَم العربي أكبر مقارنة بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي”
“هناك أمور لن تنجح حسب اعتقادي”، قال. “لن ينجح أي مسار إقليمي يتجاوز الفلسطينيين. لن ينجح تبادُل الأراضي. إن تغيير تعريف غزة لتصبح “فلسطين” – لن ينجح. فكرة التقدم بوسائل اقتصادية فقط مع لاعبين إقليميين – لن تنجح.
بالمقابل، اختار دكتور عبد الله صوالحة من مركز الدراسات الإسرائيلية في الأردن التشديد على أن “للمرة الأولى هناك مصالح مشتركة لإسرائيل والدول العربية، مثل مواجهة داعش وإيران. مبادرة السلام العربية هي فرصة لاستئناف التعاون بين الدول”. على حد أقواله، “من شأن المفاوضات الثنائية أو متعددة الأطراف الناجحة أن تضعف إيران وتلزم حماس على الموافقة على إجراء مفاوضات وتعترف بإسرائيل. يجب التوقف عن البحث ماذا سيحدث أولا – هل سيحدث سلام ثنائي الجانب (بين إسرائيل والفلسطينيين) أو متعدد الجوانب (بين إسرائيل والدول العربية). يجب استئناف المفاوضات مع الإمارات العربية المتحدة، مصر، الأردن، المملكة العربية السعودية، كذلك مع اللجنة الرباعية الدولية لمنح شرعية للقيادة الفلسطينية ودعم المفاوضات”.
تدعم أقوال سيلين طوبول من صندوق التعاون الاقتصادي هذه الأفكار. فهي أشارت أيضا إلى أهمية دور مصر والأردن في دفع المبادرة العربية قدما وشددت على أن الرئيس المصري، عبد الفتّاح السيسي سيزور الولايات المتحدة قريبا، وفي هذه الفرصة قد تعمل مصر على استئناف المفاوضات، لا سيما لموضعة نفسها كلاعب مركزي في المنطقة ثانية. ولكن وفق أقوالها، من الممكن ألا ترغب مصر في أن تمارس ضغطا على إسرائيل حول الموضوع، لأن هناك مصالح مشتركة حول مواضيع أكثر سخونة بالنسبة لمصر، لا سيما بكل ما يتعلق بسيناء.
يبدو، إذا كان الأمر كذلك، أن وفق رأي الكثير من الباحثين فإن مصالح الكثير من دول الشرق الأوسط العربية في التعاون مع إسرائيل، تلك المصالح التي تدمج المصالح السياسية والاقتصادية معا، آخذة بالازدياد، وقد يزداد التضامن العربي الضروري مع الفلسطينيين.
ثمة قضية هامة أخرى طرحها الباحثون هي الشرعية التي حصل عليها كل اتفاق مستقبلي مع إسرائيل في أوساط الجمهور في الدول العربية. “علينا أن نجهز جمهورنا للتنازلات”، قال دكتور صوالحة. “يجب التشديد أمام الجمهور على أهمية السلام، بناء الثقة بين الإسرائيليين والمواطنين العرب، الذي سيحدث بناء على الدبلوماسية وتربية كافة الجمهور”.
“لن ينجح أي مسار إقليمي يتجاوز الفلسطينيين. لن ينجح تبادُل الأراضي. إن تغيير تعريف غزة لتصبح ‘فلسطين’ – لن ينجح. فكرة التقدم بوسائل اقتصادية فقط مع لاعبين إقليميين – لن تنجح”
أكد د. نمرود غورن من معهد “متفيم” على أنه يجب جعل المبادرة العربية متاحة أكثر أمام الجمهور الإسرائيلي تمامًا كما يجب تجهيز الجمهور العربي من أجل التنازلات. كما وأشار إلى أهمية الحوار بين الأديان في هذا السياق أيضا.
وفق اعتقاده، رغم الصعوبات التي تضعها حكومة اليمين المسيطرة في إسرائيل في يومنا هذا، لا سيما نتنياهو الذي يرأسها، فإن مبادرة السلام العربية قد لاقت اعترافا إسرائيليا عدة مرات، وما زالت ذات أهمية. وفق أقواله، هذه هي الطريقة الوحيدة التي تشكل جسرا للعقبات الإقليمية وتدفع التعاون المثمر قدما. رغم ذلك، أكد أن هذه المبادرة تمت صياغتها قبل عقد، ويجب تحديثها وفق الوضع الراهن.
يبدو، إذا كان الأمر كذلك، أنه رغم الركود المتواصل في المفاوضات، ورفض كل من الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، اتخاذ خطوة لاستئناف ممكن للمفاوضات، ما زال الباحثون متفائلين حول تحقيق مبادرة السلام العربية في المستقبل، وليس بسبب مصالح اللاعبين الرئيسيين في المنطقة. سواء تحمل الأردن ومصر مسؤولية الوساطة، كما حاولا في الماضي، أو إذا قررت السعودية اتخاذ خطوة استثنائية والعمل مباشرة أمام إسرائيل، فيبدو أن مصير الفلسطينيين، كما هو الحال دائمًا، ليس مرهون بين أيدي هذه الدول. كل ما تبقى لديهم هو أن يأملوا أن تكون المصالح الإقليمية قوية كفاية لإعادة طرح المشكلة الفلسطينية على الطاولة، ولكن ألا تكون قوية جدا فتُهمل.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني