يوم الأحد قبل بضعة أسابيع، مطار بن غوريون، إسرائيل. المراسلون والمصورون من كل الوسائل الإعلامية المحليّة تقريبًا انتظروا في قاعة الانتظار. بابتسامة خجولة، ومع ميداليتَين ذهبيتَين تزينان عنقه، خطا مارك حناوي نحوهم، مستعدًّا للحظة المجد الأكبر في مسيرته المهنية.
خلال الأسبوع الذي سبق عودته إلى إسرائيل، شارك حناوي في المهرجان الأولمبي الأوروبي للشباب، الذي أقيم في أوتريخت بهولندا. وكان مارك قد حقق إنجازا هاما في المنافسة، حين حلّ أولا في فئتَين مختلفتَين: 400 متر سباحة حرة (تجذيف مع اليدين)، و1500 متر (بالأسلوب نفسه). في الحالتَين سجّل رقمًا قياسيًّا إسرائيليًّا جديدًا في سنه – 3:57.73 دقائق في 400 متر، و 15:33.72 دقيقة في 1500 متر.
التقيتُ بالسباح الشاب والموهوب في بيت العائلة في يافا، وهو لا يزال متأثرا بإنجازاته. “توقعتُ ميدالية واحدة، في سباق 1500 متر. “هذه الفئة الأقوى بالنسبة لي، وتوقعتُ ذلك”، يعترف، لكنه يشدّد على أنّ “الفوز في فئة 400 متر كان مُفاجِئًا إلى حدّ بعيد. أردتُ ميدالية، لكنني لم أظن أنّ بإمكاني الفوز. في منتصف السباق، انتبهتُ للسبّاحين الآخرين، وقلتُ لنفسي: “واو، لديّ احتمال جيّد”. سألتُه لماذا تفاءل فجأة. “كسبّاح، أعلم نقطة ضعف سبّاحي 400 متر، في الأمتار الخمسين الأخيرة يتعثر معظم السبّاحين. لذا قلتُ – هنا سأقدّم أفضل ما لديّ”، وتابع ضاحكًا: “نجحت هذه التقنية جدًّا معي”.
“من جيل 9 أو 10 سنوات، بدأتُ أفكّر في احتراف السباحة”
كانت المنافسة في أوتريخت مجرد مرحلة إضافية في مسار طويل. “بدأ ذلك حين سجّلني أبي في نادي السباحة (هبوعيل بات يام) في الخامسة من عمري، ومذّاك أنا مستمرّ في هذا المجال”، يتحدث حنّاوي عن بداية مسيرته في المجال المتطلّب (يذكر توفيق، والد مارك، ملاحظة: “بعمر 4 سنوات، بدأ يسبح كالدلفين. كان يجتاز البركة هكذا، دون حركات يدَين”). يكشف السبّاح الشاب أن قصته مع البركة بدأت كهواية، واستمرت كذلك سنوات عديدة، لكنه يتابع: “بعمر 9 أو 10 سنوات بدأتُ أفكر في السباحة كمجال جدي وكمهنة، رغم أنّ جسمي لم يكن ملائمًا للسباحة”. رغم البداية الإشكالية، استمرّ يتدرب وحده. “آمنت أنني قادرٌ على فعل ذلك. بالعمل الجدي والمكثف، يمكن أن يحدث أي شيء. لم أتنازل، وفي النهاية – حققتُ حلمي”.
حناوي هو بطل إسرائيل في فئته منذ سن 11 عامًا، وقد حظي بسبع كؤوس تميز على مدى السنين. لكنه يوافق أيضًا أنّ القفزة الكبرى حدثت في السنتَين الأخيرتَين. “قبل سنتَين، حين بدأتُ بالتدرب في غرفة لياقة بدنية، حققتُ وثبة. هناك فهمتُ على أية سباقات سباحة أركّز أكثر، وعلى أيّها أقلّ. من هناك، اكتسبتُ زخمًا وبدأتُ بالتحسّن”، يشرح، ويشدّد على أنّ التحسّن الذي حصل في قدراته في السنة الماضية كان حاسمًا. وبين العوامل الأخرى التي أدت إلى النتائج المتميزة التي حققها في الفترة الأخيرة: التغذية.
“سافرتُ للمشاركة في مسابقة “كومن” (دول البحر المتوسط) في سان مارينو عام 2012. نظرتُ إلى منافسيّ، وكان لديهم جسم صحي جدا، جسم رياضي. كنتُ سمينًا جدا هناك، وقلتُ لنفسي إنه يجب تغيير شيء ما. عملتُ مع اختصاصي تغذية، وساعدني ذلك كثيرًا”. لكن، في المسابقة نفسها، ورغم الفروق الجسدية، حظي حناوي بالميدالية الذهبية في نفس الفئتَين اللتَين لمع فيهما في هولندا، وبالميدالية الفضية (4 مرات 200 متر تجذيف)، والبرونزية (4 مرات 100 متر، متنوعة) بالتتابع، برفقة زملائه في البعثة الإسرائيلية.
“أنا ضعيف بالنسبة للمتنافسين في مثل سني، لديّ أمور أحتاج إلى العمل عليها”
لكن، رغم النتائج الرائعة، يجدر الإيضاح أنّ طريق حناوي إلى المجد ليست مفروشة بالورود. “لديّ صعوبات عليّ التغلّب عليها”، يعترف ويصرّح علنًا: “المستوى في العالم أعلى من ذاك الذي في إسرائيل. أنا ضعيف بالنسبة للمتنافسين في مثل سني، ولديّ أمور أحتاج إلى العمل عليها وتحسينها. كذلك من حيث التقنية والدوران في الماء، بين البِرَك”.
في نيسان الماضي، احتفل حناوي بعيد ميلاده السادس عشر، وفي جعبته منافسات عديدة، في إسرائيل وأوروبا، وأكثر من عشر سنوات من التدريبات الشاقة. “في بطولة إسرائيل للكبار، التي أجريت في شباط المنصرم، فزتُ بالميدالية البرونزية في سباق 400 متر سباحة حرة، وبالميدالية الذهبية في سباق 1500 متر سباحة حرة”، يروي بفخر مبرَّر. لكنه يعلم أنّ للنجاح وجهًا آخر. “لديّ ما يكفي من التجربة في السباحة مع سبّاحين بالغين في إسرائيل، لكنني لا أظنّ أنّ هذا سيكفيني في بطولة أوروبا للكبار”، يعبّر عن خشيته، وسرعان ما يوضح مصدرها: “ليس من السهل أن تسبح هكذا، إن كنتَ معتادًا على تصدّر السباق”.

البرنامج اليومي: 12 – 13 كيلومترًا – “يمكن لهذا أن يحطّمك، أنتَ بحاجة إلى طبع قوي”
حتى الآن، كل شيء على ما يُرام. استثمر حناوي الكثير من الوقت والجهد، والآن يقطف الثمار. لكن ما هو برنامجه اليوميّ؟ أسأله عمّا يعنيه أن يكون المرء سبّاحًا. “أستيقظ في السادسة صباحًا. في السادسة والنصف أبدأ بالتدرّب، وأسبح بين ستة كيلومترات وستة كيلومترات ونصف حتى الساعة الثامنة والنصف. من هناك، أذهب مباشرة إلى المدرسة، حيث أتعلم حتى الثانية بعد الظهر. أعود إلى البيت، آكل الباستا، وفي الرابعة عصرًا أذهب مجددًا للسباحة مسافةً تماثل تلك التي سبحتُها صباحًا. في السابعة مساءً أذهب للتدرّب في غرفة اللياقة البدنيّة، لمدة ساعة ورُبع الساعة، وأعود من هناك إلى البيت لتحضير فروضي البيتية، ثم أخلد إلى النوم”. من ناحية المأكولات، بإمكانه أن يأكل ما يشاء، حتى الشوكولاطة، “لكنني أحاول التخفيف قدر الإمكان”. لائحته الغذائية مكوّنة، كما يقول، من البيض، الجبن، والخبز في الصَّباح. قبل التدريب، يأكل الباستا. بعد التدريب، يأكل شرائح الفيليه مع البطاطا. البروتينات، الخضار، والفواكه هامة جدا. وفي الواقع – كل ما يحتوى على قيمةً غذائية إيجابيّة.
تصعقني الإجابة المفصّلة والجدول الزمني الكثيف كالبرْق. أدرك أنه رغم الانطباع الذي يتركه كبالغ وجديّ، فإنّ حناوي، في النهاية، طالب ثانوية. بطبيعة الحال، وبسبب الجهد اللانهائي، لا يتبقى له الكثير من الوقت للاستجمام خلال الأسبوع. “لا أخرج كثيرًا مع الأصدقاء، فأنا أراهم في المدرسة فقط، وكثيرًا ما أخرج معهم أيّام السبت، لمشاهدة فيلم أو لتناوُل الطعام في مطعم”.
اهتممتُ بمعرفة إن كان ينوي، إثر نجاحاته الأخيرة، أن يوصي الأولاد في حيّه في يافا أن يمتهنوا السباحة. “لا يستطيع كل شخص أن يكون سبّاحًا”، يقول جازمًا. “يجب أن يكون لديك طبع قويّ جدا. السباحة هي عمل شاقّ حقّا. يمكن أن يحطّمك ذلك، عقليًّا وجسديًّا، ويتطلب منك الكثير من الالتزام. أن تستيقظ في السادسة صباحًا، أو أن تسبح كيلومترات كثيرة، يومًا بعد يوم – فهذا ليس سهلًا. عليه أنْ يحبّ ذلك، لا أن يسبح لأنّ أباه يقول له إنّ ذلك جيّد. يجب أن يأتي ذلك منه”.
“أدخل إلى اليوتيوب وأشاهد فيلبس يسبح، أتعلم كيف أوزّع الجهد”
في هذه المرحلة، أسأل من هم الأشخاص الذي يعتبرهم قدوة له. “أقدّر مايكل فيلبس، وهو أحد أفضل الرياضيين في التاريخ، وكذلك الصيني سون يانغ، الذي يسبح سباحة حرة 400 و 1500 متر مثلي”، يُجيب ويشرح كيف يستعين بسبَّاحَي القمة. “أتعلم منهما التقنيات وبرامج التدريب. أدخل إلى اليوتيوب وأشاهد كيف يسبحان، كيف يوزّع فيلبس وقته وجهده”. في إسرائيل أيضًا سبّاح يتعلّم منه حنّاوي. “غال نيفو هو قدوة يُحتذى بها. إنّه سبّاح أولمبي، وتسنّى لي أن أتنافس معه في التدريبات”، يروي بفخر: “حطمت الرقم القياسي الذي سجله حين كان عمره 17 عامًا، حين كنتُ في السادسة عشرة من عمري”.
في المستقبل القريب، تنتظر حناوي بطولتا إسرائيل للشباب والكبار، اللتان ستُقامان بعد أسبوعَين، حيث إنّ حناوي مرشح لحصد ميداليات إضافية فيهما. في السنة القادمة، ثمة ثلاث بطولات أساسية على جدول أعماله: بطولة أوروبا للشباب؛ بطولة أوروبا للكبار، التي ستُقام في برلين؛ وبطولة العالم للشباب، التي ستُقام في بكين بالصين. “يعود إليّ وإلى المدرب أن نقرّر إن كنتُ سأشارك في بطولة أوروبا للكبار”، يوضح، ويشدّد على أنه وضع المقياس للمشاركة في البطولة المرموقة.

“الحلم؟ أن أكون على منصة التتويج. ربما في ريو عام 2016، أو في الألعاب الأولمبية عام 2020”
ماذا بالنسبة للمستقبل الأبعد؟ يعتزم السبّاح الشاب والجذاب الاستمرار في فئتَي 400 و1500 متر، للكبار أيضًا. لكنه يعرف أيضًا أنّ هذه ستكون منافسة مختلفة عن كل ما مرّ عليه حتّى الآن. “البالغون خارج إسرائيل أقوى وأطول منّي. لديهم أفضلية عليّ”، يعترف. من هذه الناحية، عليه التدرّب على مستوى مختلف كليًّا. “أفكر في الدراسة في جامعة في الولايات المتحدة، وهكذا أستطيع متابعة السباحة وإنهاء لقب أكاديمي أيضًا. ماذا؟ لا أدري بعد. ربما طبيب، أو شيء آخر. أودّ دراسة أمر مثير للاهتمام”.
مع كل التقدير للمسار الأكاديمي، فإنّ السؤال الأكثر إثارة للاهتمام بشأن مستقبل حناوي هو إن كان سيشارك في الألعاب الأولمبية القادمة، التي ستُقام في ريو دي جانيرو عام 2016، وإن كان سينجح في تحقيق إنجازات مماثِلة لتلك التي حققها الأسبوع الماضي، أو حتى يقف على منصة التتويج. “الطموح هو المشاركة في ريو. أنا واثق بنفسي جدا. منصة التتويج؟ حُلم سيتحقق”، يقول بعينَين وامضتَين. “هل سيحدث ذلك في ريو، لنعش ونرَ! آمل أن يحدث ذلك. ربما عام 2020، ربما عام 2024. آمل حقًّا أن يحدث ذلك. لديّ المزيد من الأمور لتوقّعها”.
“أنا عربي، وهذا من دواعي فخري. وأنا إسرائيلي أيضا”
في النهاية، السؤال المطروح هو: مَن هو مارك حناوي؟ يجيب السبّاح بصدق: “ذو حافز عالٍ، طبع قويّ، لا أتنازل بسهولة. أحب الضحك، لكن ليس حين يكون الموضوع جادًّا. أركّز على أهدافي وأحاول بلوغها، سواء في الدراسة، السباحة، أو مجال آخر. أنا فخور بنفسي، وبعائلتي التي تدعمني”. أتساءل كيف شعر حين حظي بالميداليتَين الذهبيتَين، رُفع العلم الإسرائيلي، وعُزف النشيد الوطني لدولة إسرائيل. “أنا عربي، وهذا من دواعي فخري، وأعتز جدا بعائلتي. وأنا إسرائيليّ أيضًا، وحينما يكون العلم والنشيد الوطني، رمزا الدولة، أحترم ذلك”.
قبل أن نفترق، يوجّه حناوي الشكر لكلّ من دعمه. “لفريقي، هبوعيل بات يام، الذي يدعمني ويضع ثقته بي؛ ولمدربَيَّ: مئير لويا، الذي يرافقني من سن 10 سنوات، وشارون أزوبل؛ ولكلّ من دعمني ولا يزال”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني