عُقد أمس في تل أبيب مؤتمر لنشطاء منظمة “كسر الصمت”، وهي منظمة وضعت لنفسها هدفا وهو نشر شهادات الجنود عن الجرائم التي يُزعم أن الجيش الإسرائيلي يرتكبها في الضفة الغربية وقطاع غزة.

خُصّص المؤتمر لشهادات الجنود الذين شاركوا في حرب غزة في الصيف الأخير، والتي ظهر فيها كما يُزعم أنّ الجنود قد نفّذوا جرائم حرب ضدّ السكان المدنيّين في قطاع غزة، وهاجموا المدنيين الفلسطينيين دون تمييز واستخدموا كميات كبيرة من الذخيرة.

ولكن بدلا من الاحتجاج والصراخ حول كثرة القتلى، الجرحى والمشرّدين في غزة، وبدلا من انتقاد السياسة الإسرائيلية والفلسطينية التي لا تعطي أملا في مستقبل أفضل، يبدو أن نشطاء المنظمة أرادوا بشكل أساسيّ مجاملة أنفسهم، والتغطي بشعور البرّ الذاتي، النشوة والرضا عن أنشطتهم. لم يُكرّس معظم المؤتمر لشهادات الجنود الذين قاتلوا في غزة، وإنما لتأكيد أهمية نشاط المنظمة التي جمعت الشهادات من الجنود.

برز الأمر أيضًا في سلوك الجمهور، الذي كان مشغولا بنفسه أكثر من الاستماع للشهادات. التقطت مجموعة من الشبان في وسط القاعة صورة “سيلفي”، وأصابعهم على شفاههم وهم يقولون “هدوء”، كرمز لاسم “كسر الصمت”.

أنقاض غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
أنقاض غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

إذا كان أعضاء منظمة “كسر الصمت” يتفاخرون بالشهادات التي كشفت عن مظالم حرب غزة لجميع المجتمع الإسرائيلي، فهم يكذبون على أنفسهم

قبل الحديث بأي كلمة عن غزة، افتتح الجمهور بالتصفيق الكبير لأفنير جفرياهو، الناطق باسم المنظمة والذي أعلن أنّه سينهي وظيفته قريبا. صعدت بعده المديرة العامة، يولي نوفاك، التي اختارت أن تشتكي أولا من عنف الشرطة ضدّ متظاهري اليسار في تل أبيب في صيف 2014، دون أن تذكر أبدا على أي شيء احتجّ المتظاهرون.

من الجدير ذكره أن الجمهور الذي ملأ القاعة في وسط تل أبيب لم يتألف من عيّنة تمثيلية للمجتمع الإسرائيلي. من الناحية الاجتماعية، كان يمكن أن نفهم بسهولة أنّها مجموعة متميّزة عن بقية السكان: سكان تل أبيب، أفراد من الطبقة الاجتماعية – الاقتصادية العالية، مهاجرو البلدان الأوروبية، علمانيون.

نظرت إلى الجمهور: لم يكن أي من المشاركين من طوائف يهود البلدان العربية. من بين أكثر من 200 مشارك، نجحت في العثور على يهودي متديّن واحد فقط. كان عدد الأشخاص الذين يوجد أوشام مختلفة على جلودهم أكبر من عدد المتديّنين.

ومن ثمّ، إذا كان أعضاء منظمة “كسر الصمت” يتفاخرون جدا بالشهادات التي كشفت عن مظالم حرب غزة لجميع المجتمع الإسرائيلي، فهم يكذبون على أنفسهم. إذا كان ثمّة أمر قد برز في المؤتمر أمس، فهو أنّ اليسار الإسرائيلي، ذلك الذي يطمح إلى قيادة دولة إسرائيل والحلول محلّ حكومة اليمين، كان مشغولا بالتمرّغ الذي لا ينتهي في ذاته.

ما هي فائدة جمع شهادات عن جرائم حرب في غزة، إذا كان معظم الجمهور المستمع للشهادات مؤلّف من أولئك الذين جمعوا الشهادات بأنفسهم؟

طفلة غزوية تستريح على أنقاض البيوت المدمرة (MOHAMMED ABED / AFP)
طفلة غزوية تستريح على أنقاض البيوت المدمرة (MOHAMMED ABED / AFP)

يعتقد معظم الإسرائيليين أنّ انتقاد الجنود الإسرائيليين الذي يظهر في التقرير ليس منصفا

وبالنسبة للشهادات نفسها، يبدو أن الجمهور الإسرائيلي الواسع يسدّ آذانه تجاهها. يعتقد معظم الإسرائيليين أنّ انتقاد الجنود الإسرائيليين الذي يظهر في التقرير ليس منصفا. كتب الصحفي الإسرائيلي ماتي فريدمان ردّا على تلك الشهادات: “إذا تمّت المقارنة بين إسرائيل ودول أخرى في حالات مشابهة، فنحن بحاجة إلى أن نعرف ما هي المقارنة. وإلا فسوى المعلومات عن حالات فردية فإنّ الانتقادات الواسعة عديمة المعنى”.

وبالفعل من المثير للاهتمام أن نعلم أين يمكن وضع الحرب الإسرائيلية بالمقارنة مع الحروب الأخرى التي تحدث في هذه الأيام في الشرق الأوسط، مثل الحرب السعودية في اليمن والحرب المصرية في ليبيا والحرب الأهلية الدامية في سوريا.

فضلا عن ذلك، يعتقد فريدمان أنّ “كسر الصمت” هي منظمة تدّعي أنّها تمثّل الجنود الإسرائيليين الذين يعودون من ساحة الحرب ويتحدّثون عن أفعالهم، في حين أنّه في الواقع تدفعها مصالح مختلفة تماما.

وهكذا كتب فريدمان: “منظمة “كسر الصمت” تُوصَف بأنّها منظمة الجنود الإسرائيليين المسرّحين، الذين يحاولون الكشف أمام المجتمع الإسرائيلي عن شهادات حول طبيعة خدمتهم العسكرية في الضفة، من أجل إنشاء تأثير سياسي على المجتمع الإسرائيلي… ولكنها مجموعة مموّلة في قسمها الأكبر من قبل المال الأوروبي وتعمل بشكل أساسيّ من أجل توفير نماذج عن الانتهاكات الإسرائيلية للصحفيين الدوليين. لم تعد منظمة كسر الصمت تتحدث إلى الإسرائيليين، ولكنها تستغل الطابع الثرثار والفريد لدى الإسرائيليين من أجل تشويه سمعتهم”.

اقرأوا المزيد: 609 كلمة
عرض أقل