قال مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز في نهاية الأسبوع الماضي إن ندى أمين، الصحفية الإيرانية التي حصلت على حق اللجوء في إسرائيل بعد اضطهادها من قبل السلطات في بلادها، قد خضعت للتحقيق مع الشاباك للاشتباه بها بالتجسس. وفق التقارير، هناك شك أن ندى قد تواصلت مع شخصيات غير قانونية في إيران ليست من عائلتها.
وقال المصدر إن ندى لم تُعتقل، ولكن التحقيق ما زال جاريا ويُجرى فحص إذا كانت قد ارتكبت مخالفة جنائية. رفضت ندى التطرق إلى الموضوع قائلة: “أنا على ما يرام، وأنا حرة وموجودة في منزل صديق”. تكتب ندى ابنة 33 عاما لموقع “Times Of Israel” باللغة الفارسيّة. حتى أنها كتبت عن حقوق النساء في إيران، ولكن حُظر نشر هذه المعلومات.
هربت ندى من إيران إلى تركيا قبل نحو ثلاث سنوات وفي شهر آب الماضي وصلت إلى إسرائيل. لقد خططت تركيا إلى طردها من حدودها أيضا، ويبدو أن هذا جاء بناء على ضغط من طهران. وفق أقوال ندى، فقد تعرضت لتهديدات عملاء الاستخبارات الإيرانية في تركيا. سمح وزير الداخلية الإسرائيلية، أرييه درعي، بدخولها إلى إسرائيل بعد طلب اتحاد الصحافيين الإسرائيليين في القدس. لو عادت إلى بلادها، من المتوقع أنها كانت ستتعرض للموت.
لاجئون سودانيون في تل أبيب (Flash90/Tomer Neuberg)
هل التطبيع مع السودان ممكنٌ؟
كمدافع عن حقوق الإنسان لا أهتم بالتعبير عن رأيي في المشكلة السياسية بين إسرائيل وفلسطين فلدي ما يكفيني. موقفي دائمًا ثابت، فأتألم كثيرًا لمعانة المدنيين العزل أينما وجدوا
لم يتسن لي أن أكتب في الصحف العربية كثيراً لعدة أسباب، منها أنّ العربية ليست اللغة التي أجيدها بطلاقة لحد الكتابة، ثم أن هناك حاجزًا كبيرًا لدي يجعلني لا أثق كثيراً فيما تنقله الصحف العربية عموماً، باعتبار المواقف العربية السلبية تجاه القضايا السودانية. قطر والسعودية نموذجان. أما بالنسبة للدول والشعوب العربية، فدعمها للسودان يرتبط بالعروبة أو الإسلام. تحدُّثي العربية وانتمائي الإسلامي لا يطمسان هويتي. بُذرت أفريقيٌا، وُلدتُ افريقيٌا، ترعرعتُ افريقيٌا، فأنا أفريقيٌ زنجيٌ.
ثمة شرفاء عرب متحررون يدعمون ثورات البسطاء والحقوق المدنية للشعوب المضطهدة، فلهم المجد والاحترام. ولكن في هذه النافذة قصدتُ أن أعلق قليلا عن تجربتي الشخصية وتسليط الضوء على ما يجري في الساحة السياسية السودانية.
ابتدأت تجربتي كلاجئ سياسي بعد فراري من الإقليم المنكوب، إقليم دارفور السوداني جرّاء التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد الإثنيات الأفريقية بغرض طمس الهوية الأفريقية، واستبدالها بهوية عربية إسلامية وتأسيس بؤرة للإرهاب لزعزعة أمن العالم واستقراره.
في منتصف العام 2002 بدأ النظام الاستبدادي في الخرطوم بتجييش المجموعات العربية وحشدها ضد السكان الأصليين ذوي الأصول الأفريقية. وكان ذلك بهدف إحداث شرخ، وفتك النسيج الاجتماعي بين المكونات الدارفورية المتعايشة سلمياً والمتصاهرة. وهنا أريد أن أوضح نقطة في غاية الأهمية للقرّاء، وهي أنه ليست لدينا مشكلة مع الإثنيات العربية كأعراق، فكان التصاهر والتزاوج — أخت أمي متزوجة لعربي فأنجبت حسناً وحسيناً سارة ومبارك وآخرين لا أعرفهم.
الرئيس السوداني، عمر البشير (AFP)
أنا أؤمن أن العرب في السودان أصبحوا جزءًا من التركيبة السكانية للوطن الكبير. فنحن نحتاجهم وهم يحتاجوننا والأهم من كل هذا هو أن الوطن يحتاجنا جميعاً أو بالأحرى لا يوجد هناك “نحن وهم”.
الاضطهاد المنهجي الذي يمارسه الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني” أو اللا وطني للدقة، أجبر العديد و”المحظوظين” من أبناء وطني إلى الفرار بحثاً عن الملاذ الآمن، بدءًا بالكهوف وقمم الجبال مرورًا باللجوء إلى بلدان أخرى. وهناك من فقدوا حياتهم إمّا قصفًا بالأسلحة الروسية والصينية وإمّا ابتلعتهم أسماك القِرش في البحر المتوسط. أما الذين ما زالوا يكافحون داخل البلاد فهم إمّا معتقلون أو عرضة للاغتيال السياسي، والأبنوسي عاصم عمر نموذجا.
عاصم عمر الذي أدين بجريمة قتل ينعدم فيها اأحد أهم أركان قيام الجريمة، وهو جثمان المقتول — كل مبتدئ في القانون يعرف ذلك. أتساءل مستغرباً: كيف تثبت جريمة قتل دون وجود جثمان المقتول؟ أي قانون هذا وأي عدل؟ إن محكمة عاصم لا تهدف إلى تحقيق العدالة، ولا لمنع الجريمة، إنما كانت لأن عاصم افريقيٌ زنجيٌ حر. محاكمته تمثل امتدادا للقمع والاضطهاد على أساس العرق والرأي السياسي، وإلاّ لماذا لا نرى محاكمة رؤوس الدولة؟ ابتداءً من رئيسها المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لإرتكابه جرائم حرب، وتطهير عرقي وإبادة جماعية؟ قضية عاصم هي امتحان حقيقي للشعب السوداني، ولأسفي كما قال صديقي فإن المشكلة السودانية لا تكمن في عمر البشير ونظامه وإنما المشكلة هي في “عمر البشير المجتمع”، فإذا انتهينا من “البشير الرئيس” يبقى “البشير المجتمع”. كيف لنا أن نعيش في بلد كهذا؟ لجؤنا هو نتاج طبيعي لذاك الواقع.
اللجوء إلى إسرائيل
أطفال سودانيون في تل أبيب (Flash90/Yossi Zeliger)
ورد مصطلح اللجوء لأول مرة إبّان الحرب العالمية الثانية 1945. وكان تعريفه مختصر جدا ليشمل ضحايا النازية فقط، ولتوالي الكوارث والحروب، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك على إعادة صياغة المصطلح ليصبح اللاجئون هم: “الذين يستحقون الحماية نتيجة للإضطهاد (persecution) بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو رأي سياسي”.
أثار اللجوء السياسي، تحديداً إلى إسرائيل، ضجة صاخبة. منهم من وصفنا بالخونة ومنهم من قال “هؤلاء عملاء لإسرائيل لأنهم يعتبروننا عربًا ومسلمين. انتقدوا لجوءنا إلى إسرائيل، ولكنهم صمتوا عند ترحيل وقتل السودانيين في مصر والأردن، هؤلاء تنقصهم الجرأة في أن يتحدثوا عن المجازر والملاحقة التي يتعرض لها هامش الشعب من دارفور، جبال النوبة، والأنقسنا في جنوب النيل الأزرق.
عادةً ما نُسْأَل عن موقفنا عن القضية الفلسطينية والتطبيع. كمدافع عن حقوق الانسان ليس من اهتمامي أن أعبر عن المشكلة السياسية في إسرائيل أو فلسطين فلدي ما يكفيني وأكثر وموقفي دائماً ثابت — أتألم كثيراً لمعانة المدنيين العزل أينما وجدوا، فلسطينيين كانوا أم إسرائيليين، صوماليين أم بورميين. أتحدث دائماً عن العدالة والمساواة. أتحدث عن العنصرية في كل مكان حتى في إسرائيل، وفي المقابل أنا ممتن لإسرائيل لحمايتي وحضني رغم تجربتي وأمثالي في البحث عن الحرية والاستقرار.
لنا تجارب أقل ما نصفها بالقاسية مع مصر والأردن، لا تكفي المساحة لسردها. لا اقصد بكلماتي هذه النيل من العرب أو التمجيد لإسرائيل، ولكن هي تجربتي ورأيي. وهنا لا بد من التوقف قليلاً عما يدور الآن في الساحة السياسية السودانية والعربية فيما يتعلق بمسألة التطبيع التي أثارها وزير الاستثمار السوداني، مبارك الفاضل. تصريحات مبارك الفاضل وردود فعل الشارع السوداني يدل على تطور ملحوظ نحو التحررية والتقدمية (liberalism & progressiveness). مبارك الفاضل هو من البرجوازيين أبناء المركز الذين ساهموا في خلق وتعميق جراح الشعب السوداني. استفزني كثيراً حينما قال “أبناء دارفور يعيشون في إسرائيل فأين تكمن المشكلة؟”.
السودانيون في إسرائيل ليسوا فقط من دارفور، وإنما من كل بقاع الدولة السودانية بأكملها، الذين اشتد بهم الاستبداد والبطش ولَم يكن أمامهم خيار، سوى الفرار.
التطبيع مع اسرائيل حتمي وضروري وسنعزز من ذلك وهنا الفضل يرجع إلى المناضلين من أبناء وطني الموجودين في إسرائيل، أقول لهم افتخروا — فأنتم دهستم الحاجز التاريخي المبني على العاطفة والبغضاء وليس على المنطق والسلام. اذا كان السودان دولة ذات سيادة فنحن السودانيون من نحدد مصالحنا ولا أحد غيرنا. علاقاتنا الدولية لا تبنى على الكراهية لأننا ضحاياها وإنما على التسامح و السلام اللذين نأمل إليهما.
السؤال الآن ليس التطبيع مع إسرائيل، ولكن هل التطبيع مع السودان ممكنٌ السودان ليس دولة بمفهومها القانوني، ليس لها سيادة كمكون أساسي للدولة. مقاطعة السودان وفرض العقوبات الاقتصادية ضرورة ملحة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. إسرائيل استقبلت ضحايا إبادة جماعية وبالتالي لا يمكنها أن تطبّع مع مرتكبيها — نحن الهامش من نحدد متى ومع من يتم التطبيع، عندئذٍ سنسمح لإسرائيل بفتح سفارتها جنبًا إلى جنب مع السفارة الفلسطينية والأردنية في الخرطوم ونكون وسيطاً للسلام بينها والدول العربية.
أعلن أرييه درعي، وزير الداخلية الإسرائيلي، اليوم أنه أمر بالمصادقة على دخول الصحفية الإيرانية، ندى أمين، إلى إسرائيل بعد أن حثته نقابة الصحافيين في القدس على التفكير إيجابا في توفير ملجأ سياسي للصحفية ندى بسبب مطاردتها.
وكتبت أمين بعض مقالات الرأي في الموقع الإخباري الإسرائيلي “Times of Israel” باللغة الفارسيّة. لهذا أصبحت متهمة بالتجسس لصالح إسرائيل، واعتُقِلت لاحقا، وأجرت معها السلطات التركية تحقيقا معلنة أنها ستسلمها في الأيام القريبة إلى إيران، ومن المتوقع أن تُنفذ عقوبة الموت ضدها.
وكتبت نقابة الصحفيين في القدس في الرسالة الطارئة التي أرسلتها إلى أريية درعي، وزير الداخلية: “تطلب نقابة الصحفيين في القدس… أن تصدر تعليماتك للمسؤولين في الوزارة والسماح للصحفية أمين بأن تدخل إلى إسرائيل وتحظى فيها بملجأ، لأنها لاجئة تتعرض للخطر والمطاردة بسبب عملها الصحفي، تقاريرها الصادقة وآرائها”.
وكتب الوزير درعي ردا على الرسالة قبل وقت قصير وغرد في تويتر أوضح فيهما أنه يصادق على الطلب لدوافع إنسانية. “تتعرض أمين لخطر حقيقي، لأنها تكتب مقالات في موقع إخباري إسرائيلي فقط. أصادق على دخولها إلى إسرائيل بكل رضا لأسباب إنسانية”.
كما في كل أسبوع، نلخص لكم قراءنا الأعزاء، أخبار الأسبوع الماضي بـ 5 صور فقط:
البوابات الإلكترونية والمعارضة الفلسطينية
أجهزة كشف المعادن عند مداخل مساحة المسجد الأقصى (Yonatan Sindel/Flash90)
في الأسبوع الماضي، نفذ 3 شبان من أم الفحم، عملية في باحة الحرم القدسي الشريف أسفرت عن مقتل شرطيين درزيين من حرس الحدود. في أعقاب العملية الأمنية الخطيرة قررت حكومة نتنياهو تركيب بوابات إلكترونية عند مدخل الحرم القدسي الشريف، مما أثار فوضى عارمة في القدس الشرقية.
وزعم الفلسطينيون أن الحديث يدور عن محاولة لتغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى. ومارس العاهل الأردني الملك، عبد الله الثاني، ضغطا على نتنياهو لفتح بوابات المسجد والتنازل عن إجراء التفتيشات الأمنية غير الهامة، وفق أقواله. وكما وردت تقارير في وسائل الإعلام العربية تحدثت عن أن الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أجرى اتصالا مع نظرائه في البيت الأبيض طالبا من الولايات المتحدة التدخل في القضية لحلها فورا.
من الصعب ألا نولي اهتماما للمعتقدات الباطلة أو الخرافات التي نسمع عنها. فمثلا، إذا شربتم عصير الجزر سيتحسن نظركم. وتقول أسطورة أخرى إنه إذا نزع رجل شعرة بيضاء من شعره فمن المتوقع أن يستيقظ في اليوم التالي بينما يكون كل شعره أبيض. أحقًا؟
تتعرض إسرائيل منذ السنوات الماضية إلى موجة من مقيمين غير قانونين من دول إفريقيا. ولكن بفضل عمل سلطة الإسكان والهجرة تم التعرض للأعداد الهائلة من طالبي اللجوء والعمل الإفريقيين الذين يصلون إلى إسرائيل.
ولكن هناك موجة جديدة وغير متوقعة يستغلها سكان منغوليا الذين يصلون إلى إسرائيل كسياح، ويطلبون لجوءا سياسيا في إسرائيل، لهذا بدأت وزارة الداخلية الإسرائيلية تعرب عن قلقها إزاء هذه الظاهرة.
ما هي تكلفة تشغيل الطائرة الحربية الأكثر تقدما في العالم؟
طائرة حربية من طراز F35 تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي (Flickr IDF)
هذا الأسبوع، فحصت المجلة الأمنية الإسرائيلية “Israel Defense” التكاليف التي يدفعها دافع الضرائب الإسرائيلي، مقابل تطيير الطائرة الحربية، F35 الأكثر تقدما في العالم لمدة ساعة ومقابل صيانتها أيضا، حيث اشترتها إسرائيل من الولايات المتحدة مؤخرا. فكانت النتائج مثيرة للدهشة…
ممثلة تلفزيونية من أصل لبناني يسطع نجمها في إسرائيل
ليتيسيا ايدو (صورة من تويتر)
تعرف الجمهور الإسرائيلي على لاتيسيا ايدو في الموسم الأول من “مسلسل فوضى” الناجح، وهي موجودة الآن في إسرائيل بهدف تصوير الموسم الثاني من المسلسل. تتحدث الممثلة الفرنسية اللبنانية عن الحاجة إلى التمثيل باللغة العربية – وهي اللغة التي لا تتقنها، وتتحدث عن مواجهتها لحركة المقاطعة BDS ضد إسرائيل.
هناك علاقات دبلوماسيّة جيدة بين إسرائيل ومنغوليا. إلى أية درجة جيدة ؟ هناك اتفاق بين البلدين لإلغاء الحاجة إلى الحصول على تأشيرة دخول عند إجراء زيارات متبادلة، إذ يزور سكان منغوليا إسرائيل دون الحاجة إلى تأشيرة دخول وكذلك الحال بالنسبة للإسرائيليين عند زيارة منغوليا.
ولكن هناك معطيات جديدة تؤرق وزارة الداخلية الإسرائيلية – في الأسابيع الماضية، قدم %30 من السياح من سكان منغوليا الذين يزورون إسرائيل طلب اللجؤ. تعني هذه الطلبات أنه حتى تلقي الإجابة سواء كانت سلبا أو إجابا، فلا يمكن طرد طالبي اللجوء من إسرائيل.
وتخشى وزارة الداخلية من أن جزءا من طلبات اللجوء هذه هي طلبات مزيّفة تهدف إلى السماح للسياح بأن يظلوا في إسرائيل ويعملوا فيها وألا يتم طردهم، من خلال استغلال قوانين طلب اللجوء المعدّة للاجئين الذين عانوا من الملاحقة السياسية، المتاجرة بالبشر، الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي.
وزير الداخلية أرييه درعي (Flash90/YOnatan Sindel)
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في عددها الصادر اليوم صباحا (الثلاثاء) عن حقيقة ملفتة أيضا تشير إلى أن سكان منغوليا اللذين قدّموا طلبات اللجوء حتى الآن قد ادعوا أن ملاحقتهم جرت لأنهم من اتباع المعارضة التي تتعرض لنظام الحكم في بلادهم. واتضح أيضا من التحقيق الذي أجرته الصحيفة أن معظم الطلبات التي قُدّمت جاءت على يد محام – معروف في إسرائيل لأنه قدّم في الماضي طلبات شبيهة بأسماء مواطنين من أوكرانيا وجورجيا وربما أصبح يستغل بهذه الطريقة الكثير من السياح لكسب الرزق، من خلال ضمانات ووعود مزيّفة تؤكد توفير ظروف عمل وحياة أفضل في إسرائيل.
وفق التسجيلات في دائرة السكان في إسرائيل، فمنذ بداية السنة، هناك أكثر من 50 طلبات لجوء قدمها السياح من سكان منغوليا الذين وصلوا إلى إسرائيل من بين 190 سائحا. حتّى الآن لم يُفحص أي طلب ولم يُطرد أي سائح من سكان منغوليا من إسرائيل.
40 دقيقة حتى ساعة من السفر من المدينة الوردية، تل أبيب، يعيش مئات المثليين الفلسطينيين تحت ستار من السرّية الكبيرة والتهديد الملموس على حياتهم. سواء في رام الله العلمانية أو في نابلس التقليدية، يُعايش آلاف المثليين والمثليات الفلسطينيين يوميا قبضة المجتمع الفلسطيني المحافظة ويضطرّون إلى مواجهة تقاليد مجتمعية محافظة، دينية وتضايق كل ما هو أجنبي وكل ما هو “غير طبيعي”. وإنْ كان ذلك غير كاف يُضاف إلى كل هذه المعمعة المهدّدة أيضًا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي يزيد من صعوبة حياة الكثيرين الذين يضطرّون على إخفاء هويّتهم الجنسية والحياة في كذبة.
“فكرت في الانتحار وإنهاء هذه القصة. أشعر أنني مضطهد، أسرتي قطعت العلاقة معي قبل نحو عام ونصف، لم أرَ أختي الصغيرة منذ أكثر من نصف عام. أمي غير مستعدة للحديث معي وأنا أعلم أن والدي يبذل قصارى جهده في البحث عنّي. فهمت من أمّي أنّه أرسل عمّي عدة مرات للبحث عنّي في شوارع جنوب تل أبيب من أجل اختطافي. لدى عمّي تصريح دخول وعمل في إسرائيل ولن يتردّد في اختطافي وإعادتي إلى نابلس”. يخبرني هيثم (اسم مستعار، 21) بهذا السرّ الثمين في محادثة ودّية ونحن نشرب القهوة في منزل شريكه الإسرائيلي جنوب تل أبيب.
أسبوع الفخر في إسرائيل
مقابل مدينة تل أبيب الملوّنة التي تزيّنت هذا الأسبوع بأعلام الفخر ومقابل مسيرة الفخر المشمسة والمبتسمة، التي تستضيف هذا العام عشرات آلاف الإسرائيليين والسيّاح من جميع أنحاء العالم، يبرز بشكل أساسيّ شعور هيثم الخانق والذي يشعر بأنّه هو والعديد من أمثاله لا يستطيعون الاستمرار في الحياة في ظلّ هذا الواقع غير المنطقي. “أخرَجوني من الخزانة رغمًا عنّي. أدركت دائما أنّني مثليّ وليس لوطيّا، كما كانوا يصفونني في المدرسة التي تعلّمت فيها في نابلس. في سنّ التاسعة عشر تركت القرية وسافرت إلى رام الله. عثرت هناك على عمل في مقهى وتعرّفت هناك أيضًا على شريكي الأول. عرف الناس في رام الله فورا ميولي الجنسية وكانوا يهزأون منّي. لم أستطع معانقة أحمد (شريك هيثم، وهو أيضًا اسم مستعار) ولم يسمح لي هو بإمساك يده في المنزل. بالنسبة له كان الانجذاب الجنسي إليّ تشوّه، انحراف وهو يعيش في وهم أن ذلك سيمرّ. تدهورت علاقتنا بسرعة كبيرة وكشف لوالديّ بأنّني مثليّ. ادعى بأنّني حاولت طوال الوقت أن أضاجعه وهو اليوم متزوج ولديه طفلة”.
بينما يروي قصّته الشخصية أرى الحزن في عينيه. عانقه دافيد، شريكه الإسرائيلي، وحاول تهدئته: “أزعجت نومي محادثة هاتفية يوم الجمعة في الصباح باكرا جدّا. كانت أمي على الهاتف وقالت لي إنّ والدي ليس على ما يرام وعليّ أن أعود فورا إلى القرية. شككت بالأمر ولكنّني لم أستطع أن أتخيّل ما سيحدث. وصلت إلى القرية وكان سكان الحي الذي أسكن فيه نائمين. دخلت إلى المنزل وشاهدت أبي في غرفة الجلوس. توجّهت إلى أمي وقلت لها مرحبا. كان وجهها عالقا في الأرض ووجدتْ صعوبة في رفعه. حينها فهمت أنّ شيئا سيّئا سيحدث. قفز أبي عليّ من الأريكة وبدأ بضربي بقوة. “يا لوطي يا لوطي، يا فاجر”، أسمع هذه الكلمات في رأسي كل ليلة عندما أخلد للنوم. حاولتْ أمي أن تفصل بيننا وتلقّت ضربات قوية هي أيضًا. كانت أختي الصغيرة التي وقفت جانبًا في صدمة. “سأمزّقك إلى قطع. لن يكون لديّ ابن شاذ. لن تخرج من المنزل وسأزوّجك بالقوة. لا رام الله بعد الآن ولا مقاهٍ وبيوت دعارة وأصدقاء بعد الآن”.
قضى هيثم الأسابيع الخمسة التالية في غرفة نومه محبوسًا، دون إمكانية الوصول إلى الهاتف أو الهواء، يتعافى من إصاباته الخطيرة. “كانت أمّي تعدّ لي الوجبات وكان أبي يدخلها إليّ كالكلب في الغرفة. شعرت بالمهانة. فهمت لاحقا أنّ أحمد هو الذي أبلغ عنّي. أردت أن أنكر ولكنّي لم أستطع. جاء عمّي وابن عمّي لحراسة باب غرفتي في كل مرة كان أبي يريد الخروج لبعض المهام. لم يثق بأمي أن تحرسني. لقد كانوا وحدهم من يشترك بهذا السرّ الفظيع. لم يكن يُسمح لأي فرد في العائلة بأن يتحدّث عن الموضوع”.
طوال تلك الفترة، انتظر هيثم اللحظة المناسبة. “لم أستطع الهروب والذهاب للشرطة الفلسطينية. لم يكونوا ليفعلوا شيئا وكانوا سيعيدوني إلى المنزل بادعاء أنّها مسألة عائلية. فهمت أنّ عليّ الهرب. في إحدى الليالي طلبت الذهاب إلى الحمّام. جلس أبي في غرفة الجلوس وفتحت لي أمّي الباب. في طريقي إلى الحمّام شاهدت والدي غارقا في برنامج تمّ بثّه على التلفزيون. أدركت فورا بأنّ هذه هي فرصتي للهرب. دخلت إلى الحمّام حيث كانت أمامي دقائق قليلة للتفكير في طريقة للهرب وإلى أين سأهرب. عندما خرجت من الحمّام انسابت من عينيّ الدموع لأنّني أدركت أنّها ستكون المرة الأخيرة التي سأرى فيها أمّي في الفترة القريبة. لا أذكر دقائق الهروب بالتفصيل. خرجت من الحمّام وركضت باتجاه الباب كحيوان مطارد قبل ذبحه في المسلخ. لحسن حظّي لم يكن الباب مغلقا. ركضت في الحيّ مثل المجنون ولم أعرف إلى أين. خلال الهرب أدركت أنّني لن أستطيع الليلة الوصول إلى إسرائيل. اضطررت إلى الاختباء في أحد البساتين القريبة. لحسن حظّي، لم يبحث عنّي والدي وعمّي، فلم يريدا إثارة جلبة في الحيّ وإلا فسيسألونهما عن كل القصة. بعد منتصف الليل وجدتُ طريقي إلى القدس الشرقية. صعدتُ هناك بملابسي الوحيدة التي كنت أرتديها إلى الحافلة في الطريق إلى تل أبيب. لم يكن الخوف في قلبي إذا عرفني أبناء عائلتي وإنما إذا أوقفني شرطي أو جندي إسرائيلي لدى الدخول إلى المحطّة المركزية في القدس”.
ولكن حالف الحظّ هيثم. فقد ساعدته جدّا العبرية القليلة التي تحدث بها، والتي تعلّمها عندما عمل في أعمال الترميم في إسرائيل عندما كان في سنّ الخامسة عشر. سيقضي هيثم الأيام التالية في تل أبيب بحثا عن ملاذ آمن وبحثا عن عمل في مجال البناء. “تذكّرتُ اسم المقاول الإسرائيلي الذي عملتُ أنا ووالدي معه قبل عدة سنوات. بحثتُ عن اسمه وعثرتُ على رقم هاتفه المحمول. اتّصلتُ به وتعرّف عليّ مباشرة. في البداية لم يكن يرغب بقبولي للعمل لأنّني لم أكن أملك تصريحا بالإقامة أو العمل في إسرائيل. توسّلتُ إليه وقلت له إنّني لن أقوم بالمشاكل وإنّني بحاجة فقط إلى بعض المال كي أقرّر ماذا سأفعل بعد ذلك. وافق على قبولي للعمل معه في البناء في أشدود. بعد يوم من العمل كنت أبقى في موقع البناء وأنام في حاوية شحن. أردت الاتصال بأمي ولكني خفت حدّ الموت بأن يستغلها أبي من أجل أن يستخرج منها معلومات ويأتي ليبحث عنّي. خشيت من العمال الفلسطينيين الذين عملت معهم، بأن يكون أحدهم يعرف أبي ويبلّغ عنّي”.
تعرّف هيثم إلى دافيد في أحد أوقات الترفيه الأولى التي خرج إليها في مدينة تل أبيب الكبيرة، “تعرّفتُ في العمل على أيمن (اسم مستعار) الذي أقنعني في إحدى الأمسيات بالخروج لقضاء الوقت في تل أبيب. شعرتُ بخوف شديد. في تل أبيب يتجوّل الكثير من رجال الشرطة. لم أتناول الكحول في حياتي أبدا وها أنا أقضي الأوقات في وسط تل أبيب في حانة للمثليين. التقيت هناك بدافيد. كان ذلك حبّ من النظرة الأولى”.
علم دافيد فورا بأنّ هيثم فلسطيني ولم يكترث لذلك على الإطلاق، “علمت بأنّه فلسطيني. كان يتحدّث العبرية بصعوبة. علمت أيضًا أن هناك قصة صعبة وراءه. انفتح هيثم أكثر فأكثر على المجتمع الإسرائيلي. أخبرني بقصّته وحاولنا بواسطة جمعية حقوق المثليّين إيجاد حلول له. جنّدنا محاميّا متخصّصا بحقوق الإنسان ومتخصّصا بإعطاء الإجابات القانونية بشأن إقامة هيثم غير الشرعية في إسرائيل”.
ينمو عدد المثليين الفلسطينيين الذين يأتون للبحث عن ملجأ في تل أبيب كلّ عام. ويقدّر الناشطون من أجل المجتمع المثليّ في إسرائيل أنّه في كلّ عام يتجوّل في شوارع تل أبيب أكثر من 200 شاب فلسطيني مثلي. الجزء الأكبر منهم عمال في أعمال مؤقتة، ينجر آخرون للدعارة وعدد قليل يستطيعون النجاة بقواهم الذاتية، وطلب تصاريح إقامة متكرّرة داخل إسرائيل ويستطيع أفراد قليلون الحصول على لجوء سياسي في دول أوروبا أو في كندا. حصل هيثم في الوقت الراهن على تأشيرة إقامة مؤقتة في إسرائيل، لأنّه نجح في إثبات أنّ حياته في خطر، ويحاول هو ودافيد كسب لقمة العيش ويأملان أن يستطيع الحصول قريبا على لجوء سياسي في كندا.
“السلطة الفلسطينية تطاردنا كما لو كنّا مصابين بالجذام”
Madonna-Instagram
بالنسبة للمجتمع والسلطة الفلسطينية، فالمثليون الهاربون من قراهم أو من المدن الفلسطينية يُفترض أنهم من المتعاونين مع إسرائيل، المجرمين الذين قاموا بمخالفات خطيرة لقواعد الأخلاق والذين يسبّبون ضررا خطيرا على شرف العائلة والروح المعنوية الجماعية. “أعلم بالصدفة عددا غير قليل من قصص الشبان الفلسطينيين الذين تم القبض عليهم في حالة تلبّس، احتُقروا من قبل أسرهم، ضُربوا في الشارع ووقفت الشرطة جانبا ولم يرتفع لها جفن. نحن حيوان مطارد. حتى المجتمع الإسرائيلي العام، بالمناسبة، ينظر إلينا نظرة عداء في معظم الحالات”، قال لي هيثم.
تعتبرُ حقوق المثليين من المحرّمات الخطيرة في السلطة الفلسطينية. المثلية الجنسية ليست محظورة في القانون الفلسطيني، ولكن حقوق المثليين غير مصانة.
يتضمن القانون الأساس للسلطة الفلسطينية بنودا للحماية ضدّ التمييز على خلفية العرق، الجنس، اللون، الدين، الرأي السياسي أو الإعاقة، بالإضافة إلى حماية حقوق الإنسان، حرية التعبير وغيرها. ومع ذلك، ليس هناك في السلطة الفلسطينية تشريع محدّد لحماية حقوق المثليين من التمييز أو المضايقة. وفقا لملفّ القوانين المعادية للمثلية والذي نُشر من قبل الرابطة الدولية للمثليات والمثليين (ILGA) عام 2010، فإنّ جعل المثلية الجنسية مقنّنة في السلطة الفلسطينية هو أمر ترقيعي وليس موحّدا. فمن جهة، تم إلغاء إخراج المثلية الجنسية خارج القانون في عام 1951، ومن جهة أخرى في قطاع غزة، ما زال البند رقم 84 في القانون الانتدابي منذ العام 1936والذي يحظر إقامة علاقات جنسيّة بين الرجال (لكن ليس بين النساء) ساري المفعول.
إسرائيل تتنصّل من المثليّين الفلسطينيين
https://www.youtube.com/watch?v=J0PKz3Qz9uw
“إذا كنت مثليّا فلسطينيا تعرف فلسطينيا مطلوبا، فإنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ستجعل حياتك مريرة. تُعتبر كل حالة يقع فيها في عصا صيد الشاباك، فلسطيني بريء يمكن ابتزازه مقابل المعلومات أو من أجل تجنيده كمتعاون، حالة ذهبية بالنسبة للمجتمع الاستخباراتي في إسرائيل. “حدّثني صديق جيّد حاولوا تجنيده إلى صفوف المتعاونين ضدّ السلطة الفلسطينية بأنّ هؤلاء الذين حاولوا تجنيده تعلّموا كلمات مختلفة لوصف المثليّ بالعربية”، كما قال لي هيثم.
ليست هذه الأمور جديدة لمن يعرف تعامل الشاباك والطرق التي يستخدمها من أجل تجنيد المتعاونين لصالح تعميق السيطرة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. يضع عناصر الشاباك أمام المثليين الفلسطينيين خيارا في منتهى القسوة: التعاون مع إسرائيل والمخاطرة بالإعدام أو أن ينكشف سرّهم ويعانون من الاغتراب الأسري، الاعتداءات العنيفة وربّما أيضًا يُقتلون.
قبل عدّة أشهر (كانون الأول 2014)، قرّرت لجنة شكّلتها إسرائيل في تقرير قدّمته لكل الجهات المعنيّة، بأنّ السلطة الفلسطينية لا تضطهد المثليين بشكل مؤسسي. على خلفية طلبات مختلفة للسلطات والتماسات عديدة للمحاكم من قبل الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية الطالبين للجوء بدعوى وجود خطر على حياتهم على خلفية كونهم مثليين، أو على خلفية شرف العائلة وأسباب أخرى ليست أمنية، شُكّلت في إسرائيل هذه اللجنة التي ناقشت الحاجة إلى إقامة جهاز مستقلّ ينظر في طلبات لجوء الفلسطينيين على خلفية هذه الأسباب.
بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أنّ الكثير من هؤلاء ممّن يطرحون هذه الحجة لديهم ماض جنائي، أو شركاء حياة في إسرائيل، وربّما تكون هذه البيانات هي التي تقف وراء طلباتهم. ومع ذلك، يُشار إلى أنّه لا يمكن استبعاد إلغاء إمكانية أنّه في حالة ما خاصّة يكون هناك قلق حقيقي على حياة شخص ما، ولكن على ضوء موقف السلطة والمجتمع الفلسطيني من المثليين والمثليّات فليس من الصواب التعامل مع “هذه الحالات النادرة كمجموعة مضطهدة”، وستتمّ مراجعة كلّ حالة في الإطار العامّ القائم.
ترفض وزارة الأمن الداخلية والشاباك تقديم مكانة شاملة أو خاصة للفلسطينيين الذين يبحثون عن وسائل المساعدة القانونية. نادرا ما يُعطى أولئك الشبان الفلسطينيون تصريح إقامة مؤقّت على أساس فردي. “أحيانا يتم أيضا اختطاف الفلسطينيين الذين لديهم تصاريح مؤقتة للإقامة في إسرائيل بهدف إعادتهم إلى أراضي السلطة من قبل جميع أنواع الأقارب والأصدقاء. تم اختطاف أيمن صديقي الجيّد بهدف إعادته إلى قريته. أعلم أن والده يحاول تزويجه في هذه الأيام بالقوة. الجميع يُطاردنا. يكفي أن ترُدّ على أحد ما بلكنة عربية، وستجد أنّ 12 حارس أمن وشرطي سيقومون بتفتيشك. في السلطة الفلسطينية يحقّقون مع معارفي من خلال تعذيبات شديدة جدّا، بهدف معرفة ما فعلوه في إسرائيل. يشتبهون في أن يكونوا متعاونين. قد يتراوح الاعتقال من قبل الجهات في السلطة بين أسبوعين أو ثلاثة من الاعتداء الجسدي وحتى خمس سنوات من ذلك. يعتمد الأمر كثيرا على من تكون، كم لديك من المال، وأية مكانة تحظى بها أسرتك”، كما يقول لي هيثم.
يواجه الشبان الفلسطينيون المثليّون واقعًا صعبًا ومضاعفًا. يضطرّ الكثيرون منهم إلى العمل بالدعارة في إسرائيل أو البقاء على قيد الحياة وهم معتمدون على الكفيل الإسرائيلي الذي يموّلهم. وإلا فليس لديهم فرصة البقاء على قيد الحياة. إنّهم معرّضون للابتزاز، للطرد والضرب، بينما في السلطة فهم معرّضون لمشاكل أكبر.
التدهور الأمني السريع لسوريا وتقدّم القوات الإسلامية باتجاه دمشق قد تجعل بشار الأسد يبحث قريبًا عن دول توافق على منحه حقّ اللجوء السياسي. أية دول سترغب بالقيام بذلك؟
الجيش السوري يتجمّع إلى الداخل في سوريا من أجل حماية المدن الكبرى. “من الواضح تماما أنّ الجيش السوري انسحب من أجل الدفاع عن المدن الكبرى، حيث يوجد القسم الأكبر من السكان الذين هربوا من مقاتلي “الدولة الإسلامية” و “جبهة النصرة”. كتب هذه الكلمات رئيس تحرير صحيفة “الوطن” السورية، وهي صحيفة تعمل بمثابة بوق للنظام.
في نهاية شهر أيار هذا العام، سقط معبر حدودي آخر بأيدي داعش وفقد الأسد بذلك الملاذ الأخير له للعراق، معبر الوليد. ويسيطر الأسد اليوم على سبعة معابر برّية فقط، معظمها لا يعمل، من بين 20 معبرا كانوا بيده في بداية عام 2011. لم يكن مبالغًا به أن نقول إنّه على الأقل الآن، وعلى ضوء التطوّرات، فإنّ الحفاظ على حدود سوريا التقليدية ليس في أعلى سلّم أولويّات النظام السوري.
يُقدّر محلّلون عسكريون عرب وغربيّون أنّ حكم الأسد يقع الآن في مراحل نهائية من الموت البطيء والمملّ، ويخطط الرئيس السوري، بالتأكيد، لخطواته القادمة للدفاع عن معقله في دمشق ومعقل طائفته، العلوية. أين سيجد ملجأ؟ هل في داخل سوريا بين أنصاره العلويّين؟ أم سيترك كل شيء وراءه ويفرّ مع زوجته أسماء وأبنائه الثلاثة إلى دولة داعمة؟
2011: العرب، الإسبان والروس يعرضون اللجوء على الأسد
الرئيس السوري بشار الأسد متوجها الى مكتبه (AFP)
من أجل فهم عمق الأزمة التي يمرّ بها الأسد وأنصاره يجب أن ندرك أنّه في عام 2011 عندما بدأت أعمال الشغب والانتفاضة ضدّ النظام، عرضت الكثير من الدول في العالم حلّا سياسيّا سريعًا لعائلة الأسد على شكل عرض لجوء شريطة أن تنتقل السلطة بشكل مؤقّت إلى أيدي ممثّلي الشعب حتى التجهيز للانتخابات واختيار حكومة جديدة.
تدفّقت مثل تلك الاقتراحات من دول غير متوقّعة مثل إسبانيا، على سبيل المثال. أرسلت حكومة إسبانيا في شهر تموز 2011 رسالة خاصة إلى الرئيس الأسد، عرضت من خلالها عليه اللجوء السياسي على أراضيها. ووفقا للتقارير الإعلامية في ذلك الوقت، فقد حاولت الحكومة الإسبانية وضع حدّ للعنف في سوريا بواسطة عرض لحماية الأسد مقابل تغيير السلطة في البلاد وإيقاف العنف. رفض الأسد هذا العرض بشدّة واستمر في سحق معارضيه من الداخل دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنّه في السنوات القادمة ستتشكّل ضدّه جبهات إسلامية عنيفة.
في تلك الفترة، عرضت دول عربيّة أيضًا اللجوء على الأسد مقابل استقالته. وفي تشرين الثاني عام 2011، كشف من كان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، هيلاري كلينتون، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ أنّ العديد من الدول العربية توجّهت إلى الأسد وعرضت عليه اللجوء شريطة أن يغادر سوريا ولكنه رفض عرضهم أيضًا. ولم يفصّل المساعد في جلسة الاستماع أية دول قد عرضت اللجوء.
خيارات دول اللجوء تتقلّص
الرئيس السوري بشار الأسد (AFP )
كلّما أصبح القتال في سوريا أكثر تعقيدا وكلما دخلت إليها عناصر جهادية، تتضاءل تبعا لذلك احتمالات اللجوء لدى الأسد.
واليوم ليست هناك أية دولة عربية مستعدّة لاستضافة عائلة الأسد، لا بشار ولا أسماء ولا أبناؤهما الثلاثة وبالتأكيد ليس بعض أنصارهم.
ومن غير المعروف إذا كانت إيران، التي توفّر حلقة حماية مشدّدة حول عائلة الأسد، قد عرضت في يوم من الأيام منح بشّار اللجوء أو أيّا من أبناء أسرته المقربين. يكمن السبب كما يبدو في الفهم أنّ الأسد لا يزال في الوقت الراهن قادرا على الوقوف والدفاع عمّا تبقّى من سوريا وأنّه يستطيع على الأقل الدفاع عن معاقل الأقلية العلوية التي تعيش في الجبال على طول ساحل البحر المتوسّط في اللاذقية وطرطوس.
ومن الجدير ذكره عند هذه النقطة أنّ إيران تبذل مئات الدولارات لدعم الأسد والعلويين كجزء من جهودها لتعزيز سيطرتها على الشرق الأوسط. تدرك إيران حجم السكان الشيعة في سوريا، والذين هم جزء من أتباعها. يشكّل الشيعة في سوريا نحو 13% من مجموع السكان العام (وفقا لتقديرات نشرت في وسائل الإعلام، يبلغ تعداد السكان العلويّين أكثر من مليوني شخص).
هل سينسحب الأسد إلى معقل العلويّين في سوريا؟
مقاتلون من جبهة النصرة في حلب بشمال سوريا في 26 ايار/مايو (AFP)
حتى خيار التجمّع في معقل العلويّين، كما يبدو، قد فكر بشار به. كلّما ازدادت الجبهات، فعلى بشّار أن يحسب الخيارات المتاحة أمامه.
ولكن حتى هذا الخيار من الصعب تحقيقه: ففي معقل العلويّين على طول ساحل البحر المتوسّط هناك فعلا من يعتبر عائلة الأسد حافزًا لنهايتهم. تظهر في هذه الأيام جدالات حادّة بين أنصار الأسد في اللاذقية وبين المعارضين لقدومه والذين يقولون إنّه في حال سقطت دمشق وقرّر الأسد الانتقال إلى اللاذقية فقد يشكّل حافزًا كبيرًا للأعمال الانتقامية التي ستُنفّذ بالأقلية من قبل المجاهدين.
أمريكا اللاتينية؟
عام 2013، ذكرت مصادر سورية معارضة أنّ الأسد يدرس أيضًا خيار اللجوء في دول لاتينية مثل كوبا، فنزويلا أو الإكوادور، وأنّه أرسل مبعوثين لتلك الدول من أجل دراسة خيار الهروب. وسوى تلك التقارير فمن غير الواضح إذا كانت ثمّة حقيقة في هذه التقارير.
روسيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل الأسد (AFP)
في هذه الأثناء يبدو أنّ الخيار الأكثر واقعية للهروب هو روسيا. أرسل النظام الروسي في الماضي رسالة للأسد بأنّه سيدرس إمكانية انتقال عائلته فقط (أسماء والأطفال) إلى موسكو.
وفي لقاء أجري أمس في ألمانيا بين الدول الصناعية السبع (G7)، ذُكر بأنّ الولايات المتحدة وروسيا قد توصّلتا إلى تفاهمات في الشأن السوري رغم التوتّر القائم بينهما فيما يتعلّق بأوكرانيا. وفقا للمخطّط المتشكّل يبدو أنّ الولايات المتحدة مع دول غربية وعربية يرغبون بالتوصل إلى حلّ سياسي يمنح عائلة الأسد لجوءًا في روسيا مقابل نقل السلطة إلى حكومة مؤقتة، تتألف من رموز النظام القدامى حتى تحديد انتخابات حرّة في البلاد الممزّقة.
من غير الواضح في هذه المرحلة إذا كان هذا الاقتراح السياسي ممكنًا عمليّا لأنّ الدولة السورية ممزّقة. الهدف الرئيسي من الاقتراح الأمريكي – الروسي هو محاولة إزاحة الأسد جانبا من أجل معالجة مشكلة أكبر وهي إيقاف تقدّم الدولة الإسلامية.
وفي هذه المرحلة ينتظر العالم ليرى كيف سينجح الأسد في النجاة، إنْ كان ذلك ممكنا، من المستنقع السوري، وإذا حدث ذلك؟ أي اقتراحات ستقدّمها له القوى العظمى للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية. من غير الواضح إذا كانت الولايات المتحدة أو دول غربية أو دول عربية ستتلهّف لإنقاذه هذه المرة كما فعل ذلك بعضهم في الماضي (حصل زين العابدين على لجوء في المملكة العربية السعودية) أم إنّه سيلاقي حتفه كما لاقى حاكم ليبيا، معمّر القذّافي، حفته المرير بعد أن أُخرج من قناة صرف صحّي وتم قتله من قبل مقاتلين ليبيين.