فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)
فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)

العائلة البدوية الأولى التي انتقلت للعيش في الكيبوتس

في الأسبوع الماضي، أصبح محمود وهديل اللذان انتقلا من قرية عرب العرامشة إلى الكيبوتس إيلون أعضاء فيه، وأقاما فيه عيادة وموقع ألعاب للأطفال. "نؤمن بالتعايش، وهذه عائلتنا الجديدة"

نُشرت قصة استثنائية لعائلة مزعل من كيبوتس (القرية التعاونية) “إيلون” اليوم صباحا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” وأثارت أملا وحماسا في قلوب إسرائيليين كثيرين. يوم الجمعة الماضي، أصبح محمود وهديل وأولادهما الثلاثة، يزن، آدم، وأمري، أعضاء في القرية التعاونية.

الكيبوتس أو القرية التعاونية هي استيطان تعاوني إسرائيلي بدأ للمرة الأولى في بداية القرن العشرين. في البداية، كان المبدأ الأساسي الذي تستند إليه القرية التعاونية هو المساواة بين كل الأعضاء ومشاركتهم التامة في مجالي الاقتصاد، والزراعة. ولكن مع مرور الوقت تغير جزئيا طابع هذه القرية التعاونية، إلا أنها ظلت رمزا صهيونيا واضحا وحظيت بصورة نخبوية بين السكان في إسرائيل. تتجسد هذه الصورة بأنه يجب اجتياز لجنة قبول والحصول على مصادقة السكان بهدف العيش في القرية التعاونية.

لذا فإن قصة محمود وهديل استثنائية: فنادرا ما يمكن العثور في إسرائيل على قرية تعاونية يعيش فيها عرب، لا سيما كأعضاء قرية تعاونية متساويين. حظيت العائلة أثناء التصويت الذي جرى يوم الجمعة الماضي في القرية التعاونية “إيلون” بدعم استثنائي من قبل 116 عضوا من بين إجمالي 124 مصوتا.

عائلة مزعل البدوية من كيبوتس (القرية التعاونية) "إيلون" (لقطة شاشة)
عائلة مزعل البدوية من كيبوتس (القرية التعاونية) “إيلون” (لقطة شاشة)

ينحدر محمود (ابن 49 عاما) وهديل (ابنة 32 عاما) من قرية عرب العرامشة، القريبة من القرية التعاونية. غادر والدا هديل قرية عرب العرامشة قبل ثلاثين عاما، وانتقلا للعيش في الرملة حيث ترعرعت هديل فيها. ولكن عادت هديل إلى القرية بعد أن تزوجت من محمود.

محمود هو من مواليد القرية أيضا ولكنه ليس أول أفراد العائلة الذين يسكنون في القرية التعاونية – ففي مقابلة معه لصحيفة “يديعوت أحرونوت” قال إن والده قد تبنته عائلة في صغره وعاش في قرية تعاونية حتى سن عشر سنوات. في عام 2000، استأجر محمود شقة في القرية التعاونية وعاش فيها فترة معينة. عندما وُلد أطفاله، كان يحلم بالانتقال إلى القرية التعاونية و “العودة إلى نقطة البداية”.

درس محمود وهديل مهنة التمريض وقبل أن يصبحا عضوين في القرية التعاونية أقاما فيها مركز طوارئ يتضمن أطباء، ممرضين لتقديم العلاج في حالات تنفيذ عمليات أو اندلاع حرب. أقامت هديل موقع لعب لقضاء ساعات الفراغ للأطفال وذويهم، وأصبحت هي وزوجها معروفَين في القرية التعاونية الصغيرة التي يصل تعداد سكانها إلى نحو 1000 نسمة.

“نحن نؤمن بالتعايش، ونحب الدفء والمحبة “، قال محمود. “عندما تقول لي عضوة في القرية التعاونية عمرها 90 عاما سأصوت لك بأصابعي العشرة”، فهذا يوضح كثيرا.

بعد التصويت كتب محمود منشورا مؤثرا في صفحته على الفيس بوك، شكر فيه كل من صوت من أجل العائلة، وعبر عن “الدفء والمحبة اللذين لم يحظيا بهما سابقا”. كتب محمود في المنشور: “الصوت الموحد هو المنتصر، يفوز صوت التكتل على صوت التفريق، ويتغلب السلام والأخوة على الحرب، ويمكن العيش معا بهدوء واحترام متبادل. حققت حلما كوني جزءا من عائلة “إيلون”، وأشكر الله على تحقيقه، وعلى كوني جزءا من عائلة جديدة، وإسرائيل هي بلادي، وأنا جزء من هذا الشعب دون شك”.

اقرأوا المزيد: 424 كلمة
عرض أقل
موشيه عصيون (لقطة شاشة)
موشيه عصيون (لقطة شاشة)

خسر ابنه بسبب قذيفة وينقذ حياة أطفال غزة

والد إسرائيلي عمره 84 عاما، ثكل ابنه يتطوع من أجل مرافقة الأطفال الفلسطينيين المرضى ومساعدتهم يوميا على الانتقال من قطاع غزة إلى المتشفيات الإسرائيلية

موشيه عصيون عمره 84 عاما من كيبوتس نيريم بالقرب من الحدود مع قطاع غزة. رغم عمره المتقدم فهو يستيقظ في الصباح باكرا، ويسافر إلى معبر إيريز (بيت حانون) عند مدخل قطاع غزة، وينقل مجانا متلقي علاج فلسطينيين من قطاع غزة إلى مستشفيات إسرائيلية لتلقي العلاج.

ولكن هناك شيئا واحدا لا تعرفه عنه العائلات الفلسطينية التي يساعدها يوميا. فقبل ثلاث سنوات، قُتِل ابنه بعد أن تعرض لقذيفة أطلِقت من قطاع غزة باتجاه كيبوتس نيريم الذي يسكن فيه.

“بعد أن قُتِل ابني، كانت أمامي إمكانيتان، أو أن أعاني من الاكتئاب أو أن أمارس حياتي كالمعتاد”، هذا ما قاله موشيه للقناة الإسرائيلية العاشرة. فمن جهته، العمل وفق مبادئ يؤمن بها، ومساعدة الأطفال المرضى، يشكلان أحد المبادئ الأساسية الهامة للعودة إلى الحياة العادية.

“كنت مستعدا للقيام بهذا العمل سابقا وحاليا أيضًا. هؤلاء الأطفال ليسوا مذنبين. أعتقد أن مساعدة الأعداء أيضا هو عمل جميل جدا. فنحن في الواقع ننقل الجرحى السوريين ونقدم لهم علاجا. فهذا عمل إنساني”، قال عصيون مضيفا: “كان ابني متطوعا من أجل كل عمل خيري، وأنا على قناعة أنه لو كان عليه تقديم المساعدة للأطفال المرضى، فكان سيستجيب مثلي”.

اقرأوا المزيد: 174 كلمة
عرض أقل
  • شابات حركة الكيبوتسات - صورة توضيحية
    شابات حركة الكيبوتسات - صورة توضيحية
  • شابة إسرائيلية تعمل في حقول الكيبوتس (Yaniv Nadav/FLASH90)
    شابة إسرائيلية تعمل في حقول الكيبوتس (Yaniv Nadav/FLASH90)
  • الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)
    الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)
  • فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)
    فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)

ماذا حدث للكيبوتس؟

تعرّفوا إلى التجربة الاجتماعية الأكبر في إسرائيل التي كان يُفترض أن تحقق حلم الاشتراكية لدى الشبان الذين يؤمنون بالمثالية ولكنها اتجهت نحو مسار لم يتوقعه أحد

في ظل الظروف الصعبة التي واجهتها الجاليات اليهودية في أنحاء العالم، قامت في العقود الأولى من القرن العشرين حركة تؤمن بالمثالية من الشبان اليهود العلمانيين الذين شعروا أنهم يشكلون نخبة ومثالا للكثيرين. عمل هؤلاء الشبان وهم يرتدون بنطالا قصيرا ويحملون أدوات العمل على خلق مجتمع مثالي. سُمي ذلك المجتمع “الكيبوتس”.

اعتبر أبناء الكيبوتسات أنفسهم "رأس الحربة" التي تقود الشعب - صورة توضيحية، الأربعينات
اعتبر أبناء الكيبوتسات أنفسهم “رأس الحربة” التي تقود الشعب – صورة توضيحية، الأربعينات

“ففي الكيبوتس تصل إلى لحظة تنسى فيها نفسك. تصبح حدود “الأنا” مشوشة، وأنت تصبح جزءا من مجموعة أكبر بكثير، تشعر أنها أفضل، أجمل، وأنسب شيء”

وصل شبان بالكاد كان عمرهم في العشرينات دون عائلاتهم إلى إسرائيل، وبادروا إلى إقامة الكيبوتسات فيها، وذلك بعد أن قطعوا علاقتهم باللغة الأوروبية وحضارتها اللتين ترعرعوا عليهما. هناك من نعت هذا التكتل الاجتماعي باسم “جمهورية الشبان”. كانت حياتهم المشتركة بديلا للوحدة. تضمنت الحياة المثالية من وجهة نظرهم العمل في الزراعة، وفي وقت لاحق في الصناعة، ولكنها تضمنت المساواة والاشتراكية. قام معظم أعضاء الكيبوتس بتشيكلة من الوظائف الإدارية والتنفيذية على حدِّ سواء، بالتناوب.

بدلا من شراء الممتلكات الخاصة، استأجر مقيمو الكيبوتسات الأراضي التي أقاموها عليها، واختاروا الأماكن المهجورة التي تتطلب عملا صعبا لاستغلالها. اتخذ كل أعضاء الكيبوتس القرارات معا. واحتفلوا بالأعياد في القاعة ذاتها وتناولوا الوجبات معا يوميًّا في غرفة الطعام الكبيرة المشتركة. وصل التعاون الجماعي إلى مواضيع مثيرة للجدل أيضا، مثل الحياة العائلية. ترعرع أطفالهم خارج منزل الأسرة، مع أطفال أعمارهم شبيهة، في مكان يدعى “بيت الأطفال”.

الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)
الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)

صعود الكيبوتس

تأثر شبان آخرون من الفكرة الأيدولوجية القوية التي انتشرت كالنار في الهشيم. فانضم عشرات آلاف الشبان إلى حركة الكيبوتسات. في تلك الأيام مقابل العظمة التي سادت في الغرب، كان الكيبوتس موقعا مثيرا للفخر في أوساط اليهود الذين وصلوا إلى الأراضي المقدّسة، وكذلك حظي خارج إسرائيل بتقدير.

رغم الحياة المتواضعة، اعتقد أبناء الكيبوتسات أن نمط حياتهم أفضل من نمط حياة المدينة. قال البروفيسور أبراهام بلبن، باحث إسرائيلي في مجال الأدب، عاش في كيبوتس، أنه “في الكيبوتس تصل إلى لحظة تنسى فيها نفسك. تصبح حدود “الأنا” مشوشة، وأنت تصبح جزءا من مجموعة أكبر بكثير، تشعر أنها أفضل، أجمل، وأنسب شيء، وأنها تشكل “رأس الحربة” التي تقود الشعب”.

شابات حركة الكيبوتسات - صورة توضيحية
شابات حركة الكيبوتسات – صورة توضيحية

حظيت مشاعر من عاش في الكيبوتس بصفتهم نخبة دولة إسرائيل الشابة بتعزيزات في الواقع. فشغلوا مناصب رفيعة جدا في قيادة دولة إسرائيل في العقود الأولى، رغم أنهم كانوا يشكلون %8 فقط من عامة السكان عند إقامة الدولة. عاش رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، في كيبوتس في جنوب البلاد. وُلِد السياسي الإسرائيلي موشيه ديان في كيبوتس أيضا. حتى أن رئيس الحكومة الإسرائيلي الثالث، ليفي أشكول، أقام كيبوتسا. في يومنا هذا أيضا نسبة سكان الكيبوتسات الذين يلتحقون بدورة الضباط في الجيش الإسرائيلي أعلى بأربعة أضعاف من نسبتهم بكافة السكان.

الحلم وخيبة الأمل

قال أحد مقيمي الكيبوتسات الأوائل منذ العشرينات: “نعرف كيف نبدأ الثورات، ولكن لا نعرف ما علينا القيام به لاحقا”. لم يفهم حينذاك أعضاء الحركة مدى صحة أقواله.

أدت القروض والاستثمارات غير المسؤولة إلى إفلاس الكيبوتسات، والجيل الشاب ابتعد عنها (Doron Horowitz/FLASH90)
أدت القروض والاستثمارات غير المسؤولة إلى إفلاس الكيبوتسات، والجيل الشاب ابتعد عنها (Doron Horowitz/FLASH90)

بدأت حينها تضطرب الأمور في الكيبوتسات، مقابل حدوث انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي الثمانينيات انهارت الكيبوتسات تماما. أدت القروض والاستثمارات غير المسؤولة بملايين الدولارات التي راحت سدى إلى إفلاس الكيبوتسات. حينها، لم يكن اليسار الإسرائيلي مُسيّطرا على القيادة الإسرائيلية، وكان الاقتصاد الإسرائيلي مؤلفا من شركات خاصّة وليس من شركات وطنية كما في الماضي. أوضحت الحكومة اليمينية للكيبوتسات أنها لن تنقذها هذه المرة وعليها الاهتمام بنفسها. بحث الجيل الشاب الذي ترعرع في الكيبوتس عن طريقه خارج الكيبوتس وظل جيل القدامى في الكيبوتس الذي انخفض عدد أعضائه. كان يبدو أن المحاولة الاجتماعية الأكبر في إسرائيل، كادت تفشل.

من شبان اشتراكيين إلى أغنياء جدد

“بدأت الكيبوتسات بالتعافي والازدهار مجددا، ولكن هذه المرة لم يبقَ أي ذكر تقريبا لأيدولوجيتها، وطابعها الخاص.”

مر نحو عقدين حتى بدأت الكيبوتسات بالتعافي والازدهار مجددا، ولكن هذه المرة لم يبقَ أي ذكر تقريبا لأيدولوجيتها، وطابعها الخاص. بدأ جزء من الشبان الذين هاجروا الكيبوتسات عندما واجهت أزمة اقتصادية بالعودة إليها، ولكن بدلا من أن يعيشوا في منازل متواضعة وصغيرة مثل والديهم، بنوا لهم فيلات فاخرة، وتنازلوا كليا عن الحياة المشتركة التي ترعرعوا عليها. جذبت المناطق الواسعة الخضراء في الكيبوتسات العائلات الغنية التي كانت تسكن في المدينة وبحثت عن جودة حياة أفضل، واعتقدت أن الكيبوتس مكان جميل وهادئ يوفر تربية جيدة للأطفال، لذلك يجدر بهم إقامة منزل أحلامهم الخاص فيه.

خيمات سكنية في الكيبوتس في بدايته
خيمات سكنية في الكيبوتس في بدايته

كانت أسعار المنازل الكبيرة التي بُنيت في البداية على أراضي الكيبوتسات زهيدة مقارنة بالمنازل الخاصة في مركز البلاد، ولكن ارتفعت أسعارها ووصلت إلى مئات آلاف وحتى ملايين الدولارات. أصبح الكيبوتس رمزا لمستوى حياة عال، وعلى من يرغب في السكن فيه أن يكون لديه مالا كافيا. مقارنة بفكرة الاشتراكية، الشيوعية أحيانا، التي شكلت أساسا لإقامة الكيبوتسات، فيُعتبر ذلك التغيير تغييرا جذريا.

صحيح أنه كانت هناك في البداية مساواة اقتصادية بين أعضاء الكيبوتس إلا أن الأزمة كانت مصدر تطور جديد تماما. فإذا كان مدير الكيبوتس يربح في الماضي أجرا شبيها بأجر العمال، فبعد الأزمة الكبيرة في الكيبوتسات، عرف المسؤولون في الكيبوتس أنه إذا أرادوا الحفاظ عليه يتعين عليهم تغيير القواعد الاقتصادية التي كانت غريبة لهم – على كل عضو أن يبذل جهذا وفق قدراته، ويربح أجرا شخصيًّا ملائما لجهوده ووظيفته.‎ ‎

فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)
فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)

ماذا كان سيفكر مقيمو الكيبوتسات، لو عرفوا ماذا حصل لمشروعهم؟ هل يشهد انهيار الكيبوتس على أن مبادئَه  تتضارب مع الواقع أو أنها تتناقض مع ناموس الإنسانية؟ هل كان الكيبوتس عملا اجتماعيّا، انطلاقة، وفكرة رائعة في المجتمَع البشري، كما يعتقد الكثيرون حتى يومنا هذا، الذي انهار بسبب قرارات خاطئة اتخذها المسؤلون فيه؟ لا يهتم سكان الكيبوتسات الجدد بمعرفة الإجابة. فلا يؤثر اسم “كيبوتس” فيهم، ومن جهتهم، يمكن تسميته قرية أيضا، بلدة أو حي فيلات، أهم شيء ألا يلحق ضرر بممتلكاتهم الخاصة، التي تطل على مناظر الحقول الرائعة في الكيبوتس، التي يعمل فيها في يومنا هذا عمال أجانب بدلا من العمال الاشتراكيين الذين أقاموا الكيبوتسات قبل مئة عام.

اقرأوا المزيد: 865 كلمة
عرض أقل
تدريب لمنظمة "الهاغاناه" في كيبوتس يحيعام عام 1948
تدريب لمنظمة "الهاغاناه" في كيبوتس يحيعام عام 1948

معركة حول الاستقلال، النكبة، وقرية واحدة في الجليل

عائلات إسرائيلية ثكلى غاضبة من القيادة العربية، التي تعتزم إقامة مراسم يوم النكبة بالقرب من البلدة التعاونية التي قُتِل فيها 46 مقاتلا إسرائيليا في حرب 1948

03 أبريل 2017 | 10:56

قررت القيادة العربية في إسرائيل، التي تقيم مراسم يوم النكبة سنويا، أن تدعو هذا العام نحو 25 ألف شخص، للمشاركة في التظاهرة والمسيرة، التي ستقام في موقع لتخليد ذكرى الضحايا، تابع للجيش الإسرائيلي ويقع بالقرب من القرى العربية المهجرة منذ حرب 1948.

ويعتبر الموقع لذكرى الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا في آذار 1948 في البلدة التعاونية (كيبوتس) يحيعام في الجليل الغربي، إحدى المواقع لذكرى الضحايا الأشهر في تاريخ إسرائيل. إن “المعركة على يحيعام” (بلدة تبعد 12 كيلومترا عن مدينة نهاريا) تعتبر إحدى المعارك المريرة في حرب عام 1948 بالنسبة للإسرائيليين. إذ تفاجأ أثناء الحرب، 87 مقاتلا إسرائيليا كانوا في قافلة في طريقها لتزويد معدات إلى القرية التعاونية يحيعام، التي كانت تقع بعيدا بين القرى العربية في المنطقة، عند رؤية مقاتلين عرب كانوا قد اختبأوا وتسببوا في وفاة 46 مقاتلا.

والآن بعد مرور 70 عاما منذ تلك المعركة، بدأ يدور صراع مجددا، وهذه المرة صراع يخترق الوعي العام مجددا وربما يصبح صراعا قانونيا: فمن جهة هناك عائلات الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا والتي ترفض إقامة مراسم النكبة بالقرب من القرية التعاونية، ومن جهة أخرى هناك مواطنو إسرائيل العرب المعنيون بشكل خاص بإقامة المراسم المركزية للنكبة في المنطقة التي كانت فيها ذات مرة قرية عربية كبيرة وأصبحت مهجورة حاليا وهي قرية الكابري.

كانت “قافلة يحيعام” مزوّدة بمعدات حربية وخرجت بتاريخ 27 آذار عام 1948 في طريقها إلى القرية التعاونية يحيعام وتعرضت إلى كمين وهجوم من قبل مقاتلين عرب من القرى المجاورة لقرية كابري. قُتل أثناء الهجوم على القافلة 46 مقاتلا، كما ذُكر آنفًا، وتعتبر هذه الحادثة إحدى الهزائم اليهودية الصعبة التي حدثت أثناء حرب 1948.

من الجانب الواحد يحيعام ومن الجلنب الأخر كابري (Wikipedia)
من الجانب الواحد يحيعام ومن الجلنب الأخر كابري (Wikipedia)

في هذه الأثناء لا توافق الشرطة الإسرائيلية على إقامة تظاهرة النكبة في موقع ذكرى تخليد الضحايا. وأوضحت: “إن تأمين الحماية في تظاهرة من المتوقع أن يشارك فيها نحو 25 ألف مواطن تتطلب استعدادا خاصا من قبل الشرطة، ونحن لسنا قادرين على توفيرها حاليا. يؤسفنا قرار منظمي التظاهرة والتخطيط لإجرائها في يوم استقلال إسرائيل، الذي تُجرى فيه مئات الاحتفالات في أنحاء البلاد وفي الوقت الذي تستثمر فيه الشرطة موارد كثيرة لحماية المواطنين”.

وقال رئيس الجمعية للدفاع عن حقوق المهجرين، المحامي واكيم واكيم، ردا على ذلك أنه سيتوجه إلى محكمة العدل العليا في حال عدم المصادقة على التظاهرة. “ربما يعود هذا القرار إلى قرار سياسي” أضاف. “جرت كل تظاهرات النكبة في يوم الاستقلال، وماذا تغير هذا العام؟ نحن نجري التظاهرة في قرية كابري المهجرة ونتعهد بألا يحدث أي ضرر لموقع ذكرى الجنود “.

في هذه الأثناء، بات أبناء عائلات الضحايا غاضبين من قرار إجراء التظاهرة والمراسم الأساسية للنكبة تحديدا بالقرب من موقع إجراء ذكرى تخليد الضحايا ويخشون من تدنيس ذكرى المقاتلين الإسرائيليين.

اقرأوا المزيد: 405 كلمة
عرض أقل
المرحومة تهيلا نجار (النت)
المرحومة تهيلا نجار (النت)

شاب عربي متهم بقتل صديقته اليهودية بوحشية

الشابة اليهودية من منطقة طبريا كانت مفقودة لأيام، إلى أن عثرت الشرطة على جثتها، وبعدها اعتقلت صديقها من قرية المغار المتهم الرئيس في قتلها وإلقاء جثتها في حرش

19 يناير 2017 | 14:19

كشفت الشرطة الإسرائيلية، أمس الأربعاء، عن أن المتهم بقتل الشابة تهيلا نجار، من كيبوتس جينوسار الواقع بالقرب من طبريا، هو رائد رشرش، شاب عربي من قرية المغار، كان على علاقة رومانسية مع القتيلة لمدة سنة ونصف السنة. ووصف محققو الشرطة الجريمة بأنها شنيعة.

وكانت نجار قد أعلنت مفقودة لعدة أيام قبل أن يعثر رجال الشرطة على جثتها في حرش بالقرب من طبريا. وبعدها اعتقلت رشرش بتهمة قتلها. وكانت الجريمة قد وقعت في الشهر الماضي، بالقرب من مدينة طربيا، حيث التقى الاثنان وجلسا في سيارة المتهم، وبعدها نشب شجار بينهما وراح رشرش يضرب الشابة ضربا مبرحا، وبعدها جرها إلى حرش قريب بعدما فقدت وعيها، وقام بكسر جمجمتها بحجر.

وحسب المعلومات التي نقتلها الشرطة، فقد تعرضت الشابة إلى الضرب من قبل، وكان المتهم قد هددها بأنه سيكشف عن صور شخصية لها فيما إذا قدمت شكوى ضده. وفي واحدة من المرات التي ضربها فيها وصلت إلى المستشفى، وهربت منه قبل أن تصل الشرطة إليها.

وكانت عائلة القتيلة قد ناشدتها أن تترك رشرش على خلفية المعاملة السيئة التي تتلقاها منه، لا سيما تعنيفها على نحو قاس.

المرحومة تهيلا نجار (النت)
المرحومة تهيلا نجار (النت)

وتقول الشرطة إنها تملك أدلة قوية ضد رشرش أنه قام بقتل الشابة رغم ادعائه أنه قطع العلاقة معها قبل وقوع الجريمة. ومن هذه الأدلة، وجود قطرات دم في سيارته، ووجود صور لسيارته يصل إلى بيته بعد ساعة حدوث الجريمة. وكذلك تملك الشرطة تسجيلات للمتهم لمحادثات مع القتيلة، كان قد أقدم على شطبها من هاتفه بعد الجريمة.

وقالت عائلة القتيلة إنها تطالب القضاء بإنزال أشد العقوبات على المتهم الذي عامل القتيلة بقسوة وقام بقتلها على نحو وحشي. وأضافت أنها حاولت أن تنهي ابنتها عن الاستمرار بهذه العلاقة، خاصة أنها تحولت إلى علاقة استغلال وعنف، لكن نجار كانت مريضة في الآونة الأخيرة وقام المتهم باستغلال ظروفها الصعبة.

اقرأوا المزيد: 272 كلمة
عرض أقل
عائلات إسرائيلية تعيش في مستوطنة ناحال عوز بالقرب من غزة (Falsh90/Yonatan Sindel)
عائلات إسرائيلية تعيش في مستوطنة ناحال عوز بالقرب من غزة (Falsh90/Yonatan Sindel)

إسرائيليون يرغبون بالسكن بالقرب من غزة رغم التهديد الأمني

مجموعة من الشباب قدموا لزيارة الجنود خلال الحرب الأخيرة على غزة، يعودون اليوم محاولين أن يتم قبولهم للسكن في مستوطنات تعرضت لقصف مئات الصواريخ

يُلاحَظ اهتمام بالغ من قِبَل شباب من مركز البلاد للسكن في مستوطنات غلاف غزة. توجّه أكثر من 200 شاب بين الأجيال 21-34، وأيضًا 51 عائلة في الشهر الماضي إلى الكيبوتسات والمستوطنات في غلاف غزة طلبًا منهم لقبولهم للانضمام إليها.

وفي حديث مع رؤساء المستوطنات قالوا إنه حتى في أثناء الحرب الضارية التي وقعت بين إسرائيل وحماس، عندما سقطت الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من غزة، وصل العديد من الشباب وبحوزتهم رزم من العطايا للجنود، حيث كان لديهم فضول لمعرفة كيف يعيش الناس في تلك المنطقة. كان ذلك عبارة عن “سياحة في زمن الحرب”. سافر الشباب إلى جنوبي البلاد بنية التطوع والمساعدة في الأعمال الزراعية أو ما يخص الحظائروكل مجال يتطلب المساعدة، وبقوا هنالك رغم سقوط قذائف الهاون.

سيُقام الليلة، (ليلة الإثنين)، في تل أبيب مؤتمر للاستيطان في غلاف غزة، وإلى جانب عشرات العائلات التي سجلت أسماءها في قائمة المعنيين بالسكن في غلاف غزة، ستأتي إلى المؤتمر أيضا عائلات انتقلت إلى العيش في غلاف غزة منذ الحرب لكي تشارك الناس في الأحداث التي مرت بها. على سبيل المثال، تم استيعاب عائلتين، في مستوطنة ناحال عوز، جنوب شرق حي بيت لاهيا في غزة، وعائلة ثالثة من المتوقع أن تصل أيضًا في الأيام القريبة. وهناك ثلاث عائلات أخرى ما زالت في مرحلة الاستيعاب. بينما جاءت ثماني عائلات أخرى لأخذ الانطباع عن السكن في المنطقة.

يقول رؤساء المستوطنات إنّ الشباب المعنيين بالسكن في المنطقة يتم توجيههم للسكن في ثلاثة كيبوتسات: إما كيريم شالوم، أو صوفا، أو ناحال عوز، وهناك كيبوتس آخر يطلب أن يتم تسجيله في قائمة المناطق التي يُوَجَّه الشباب للسكن فيه، وهو كيبوتس حوليت. ولا ينحصر الاهتمام باستيعاب العائلات الجديدة في الكيبوتسات، فالمستوطنات أبدت ذات الاهتمام أيضًا.

تعرض مستوطنات جنوبي البلاد اليوم الإسكان بسعر زهيد نسبيًّا، كما وتعرض العمل، والتدريب الشخصي والمهني . هناك الآن 11 مستوطنة وكيبوتس في منطقة غلاف غزة حول الحدود مع مدينة غزة. الكيبوتس الأكثر طلبًا هو كيبوتس باري، وذلك لأنه الأكثر تأسيسًا مقارنة بغيره، ولكن هناك أماكن أيضًا في الكيبوتسات الأخرى.

اقرأوا المزيد: 310 كلمة
عرض أقل
حقول البلدات الإسرائيلية الجنوبية على الحدود مع قطاع غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
حقول البلدات الإسرائيلية الجنوبية على الحدود مع قطاع غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

الإسرائيليون على حدود غزة يخشون أن خطر الأنفاق لم ينته

تقول إسرائيل إنها دمرت 32 نفقا تستخدم للهجوم لكن لا يزال هناك المزيد من الأنفاق الأخرى التي تمر تحت عزة بالطول والعرض وتستخدم كمخابئ ومستودعات للأسلحة

كثيرون من الإسرائيليين الذين يعيشون على الحدود مع قطاع غزة غير مقتنعين بإعلان جيشهم أن المهمة انجزت في هجوم استمر ما يقرب من شهر استهدف وضع حد للهجمات الصاروخية والتسلل عبر الأنفاق.

وقالوا إن الحكومة تأخرت كثيرا في التعامل مع شبكة الأنفاق التي حفرها النشطاء الفلسطينيون على مدى سنوات وإنها ربما تعجلت في سحب الجيش من غزة أمس (الثلاثاء) حتى قبل بدء هدنة مدتها 72 ساعة.

قالت ليا موسفي (30 عاما) التي تعيش في كيبوتس (نير عام) المجاور للحدود مع غزة “كانوا يعلمون بأمرها منذ فترة طويلة ولم يفعلوا شيئا. من الذي يمكنه ان يقنعني بأن جميع الأنفاق قد دمرت؟ أنا غاضبة لأنهم لم يواصلوا الهجوم.”

وقبل أسبوعين دخل سكان الكيبوتس في ملاجئ لساعات بعد أن عبر مقاتلون من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من خلال نفق على بعد 1.5 كيلومتر. وقتل عشرة مسلحين من غزة وأربعة جنود إسرائيليين في القتال الذي اندلع إثر ذلك.

وسرعان ما أصبح الدخول إلى الملاجيء حدثا مألوفا بعد بدء الهجوم الإسرائيلي في الثامن من يوليو تموز مع حدوث عددا من حالات التسلل أثناء الهجوم. وغادرت موسفي وأطفالها وعائلات كثيرة اخرى نير عام مع احتدام المعارك.

وقالت موسفي “هناك جنود هنا الآن لكن إلى متى؟ اسبوع؟ اسبوعين؟ ثم سينسوننا. سيحدث تسلل وسيقتل اناس. إذا طلبوا منا مرة أخرى أن ندخل الملاجئ سآخذ أطفالي وأغادر المكان.”

ووقف ساكن آخر في نير عام طلب عدم الكشف عن شخصيته وسلاحه في يده بينما كان جنديان يحرسان بوابة الكيبوتس.

أنفاق غزة (FLash90/Wissam Nassar)
أنفاق غزة (FLash90/Wissam Nassar)

وقال “الجنود كانوا يعلمون بأمر الأنفاق لكنهم أخفوها عن السكا”.

“من المحتمل أن تكون هناك أنفاق أخرى هنا. قد لا تكون 30 نفقا قد تكون ثلاثة فقط لكن ذلك لا يغير من الامر شيئا. يوجد غضب شديد هنا بسببها. كثير من الناس أرادوا أن يتوغل الجيش أكثر والقضاء على المشكلة.”

وتقول إسرائيل إنها دمرت 32 نفقا تستخدم للهجوم لكن لا يزال هناك المزيد من الأنفاق الأخرى التي تمر تحت عزة بالطول والعرض وتستخدم كمخابئ ومستودعات للأسلحة.

ومع بدء سريان وقف إطلاق النار قدم الميجر جنرال سامي ترجمان قائد القيادة الجنوبية في الجيش عبارات لطمأنة سكان المناطق الحدودية.

وقال “يمكنني أن أقول لسكان الجنوب أن بمقدورهم العودة إلى بيوتهم وأن يشعروا بآمان. لقد أتممنا المهمة ودمرنا جميع الأنفاق التي نعرفها وتلك التي اكتشفناها.”

وعلى بعد عشر دقائق بالسيارة من نير عام ومرورا بحقول مهجورة تنتشر فيها نباتات زهرة الشمس الجافة وقد غطتها الرمال التي أثارتها مئات المركبات العسكرية يقع كيبوتس ناحال عوز. ويمكن رؤية الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنازل المكتظة في غزة جراء القصف الإسرائيلي عبر السياج من أفنية الكيبوتس المورقة والمزهرة.

وفي الأسبوع الماضي تسلل مسلحون من حماس من خلال نفق وقتلوا خمسة جنود إسرائيليين عند برج للمراقبة قرب ناحال عوز. وتتناثر فوارغ الطلقات التي أطلقت على غزة في حقل متاخم تتمركز فيه القوات الآن.

وقالت استير تارانتو التي تعيش في الكيبوتس منذ 36 عاما “من يعرف ماذا سيحدث الآن عندما يغادر الجيش. ذلك هو السؤال الكبير الذي يدور في اذهان الاسر التي غادرت ويجب أن تعود الآن. هم ينتظرون رؤية ما إذا كانت الأوضاع ستهدأ.”

وقال مسؤول إسرائيلي تحدث شريطة عدم الكشف عن شخصيته إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعد مسؤولين محليين في محيط غزة أمس الاثنين بأنه سيجري تطوير السياج الحدودي بأجهزة استشعار لرصد الحركة وكاميرات.

وقال نتنياهو إن وحدات عسكرية ستتمركز عند تجمعات الاسرائيليين للرد بسرعة على أي عمليات تسلل في المستقبل. وقال المسؤول إن إسرائيل تعمل على تطوير تقنيات الاستشعار لكن استخدامها سيتطلب وقتا.

اقرأوا المزيد: 521 كلمة
عرض أقل
عامل  في كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)
عامل في كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)

نهاية مجتمع المساواة؟

الكيبوتس رمز الاشتراكية الإسرائيلية، يغيّر وجهته؛ فغالبية الكيبوتسات تتفكك، وأصبح التعاون محدودًا أو أنه ألغي تمامًا، والقوة العاملة الرخيصة تقوم بالعمل الزراعي، هل هذه هي نهاية الحلم؟

عندما أقيم الكيبوتس الأول سنة 1909، بدا أن هذه بداية مجتمع مثالي تمامًا، كأن حلم ماركس يتجسّد لحمًا ودمًا على أرض إسرائيلية، ويساعد ذلك الصهيونيون على توطيد البلاد والدفع قدمًا. ولكن اليوم، أقل قليلا من مئة سنة بعد ذلك، لم يبق الكثير من تلك المثالية الاشتراكية المزدهرة.

عمال في كيبوتس إسرائيلي عام 1958
عمال في كيبوتس إسرائيلي عام 1958

كانت المبادئ بسيطة جدًا: عمل مستقل، مساواة وتعاون في كل مجالات الإنتاج، الاستهلاك والتعليم، وطبعًا، في تكلفة مشتركة على المقتنيات. فعليًا، كان هذا مجتمعًا زراعيًا، زوّد أعضاءه بكل ما يحتاجونه، إذ عمل كل واحد منهم حسب استطاعته، وأخذ ما يحتاجه. لم يكن ملك خاصٌ لدى أحد إلا ما وافقت عليه لجنة الكيبوتس. وأكل الجميع معًا، الأكل ذاته في غرفة الطعام المركزية، نام وتعلم الأولاد معًا ولبسوا نفس الملابس، وعندما كبروا بدؤوا يعملون في الزراعة وساهموا بقسطهم للكيبوتس، كل من النساء والرجال على حد سواء.

في البداية، بدا هذا نجاحًا عظيمًا. فأقيمت كبيوتسات كثيرة، وكل من رأى أنه اشتراكي طلب الانضمام للكيبوتس. ومع قيام دولة إسرائيل في سنة 1948، عاش ما يقارب 8 % من السكان في الكيبوتسات، التي كانت رمزًا صهيونيًّا لحب البلاد والصلة بالأرض. أقيم ما لا يقل عن 267  كيبوتسًا على طول السنين.

مع إقامة الجيش، وعلى مدى سنوات، اعتُبر أبناء الكيبوتسات روادًا في الوحدات القتالية والمشاة المختارة، وكانت نسبة الضباط الذين انضموا من الكيبوتس أعلى من عدد الكيبوتسات في المجتمع.

أعضاء كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)
أعضاء كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)

لكن “قصة النجاح” بدأت في التغيّر في أواخر الثمانينات. فالأزمة الاقتصادية الحادة التي عصفت بإسرائيل ألحقت ضررًا شديدًا بكيبوتسات كثيرة، ولذلك لم تنجح في الاستمرار في نهجها، وكانت هناك حاجة إلى  خصخصة قسم من الكيبوتسات، واللجوء للبحث عن مصدر خارجي، ولتقليل أسعار التكاليف قدر الإمكان. في بعض الحالات، بيعت أراضٍ من أراضي أعضاء الكيبوتس، وبدأ يتزعزع مبدأ “المساواة المطلقة” بين أعضائه.

كذلك التواصل بين الأجيال لم يعد قطًا كما كان. فلم يرغب الأشخاص  الذين ترعرعوا في الكيبوتس، وعانوا من المعيشة المشتركة في “بيت الأولاد” ( فيه نام الأولاد بعيدين عن آبائهم) منح أولادهم نفس التجربة الشعورية. وبدأ قسم منهم يطلب أكثر فأكثر الخروج  من الكيبوتس وتعلم مواضيع حرة لا زراعية، وعندما بدؤوا يربحون أجرًا أفضل مقارنة بأجرهم في الكيبوتس، رفضوا أن يشاركوا دخلهم مع العامّة.

بدأ الكيبوتس، الذي يعتبر تقليديًا نوعًا من “مجتمع آخر”، وتختلف قيمة وأسلوب الحياة فيه من تلك التي في المجتمع العام،  بفقدان خاصيته. خُصصت الممتلكات، وأهمِلت الزراعة لصالح الصناعة، وبُدّلا التضامن والتشارك بالمنافسة والصراع على المساحات. لم يعد بالإمكان الحديث عن المدخولات المتساوية، وحتى غرفة الطعام، التي كانت يومًا ما مركز الكيبوتس، فعليا، ولكن بالأساس اجتماعيًا، جماهيريًا وعامّة، تحوّلت إلى ما يشبه “تمثالا تذكاريًا” لما كانت الكيبوتسات عليه يومًا.

كيبوتس إسرائيلي في شمال البلاد (Moshe ShaiFLASH90)
كيبوتس إسرائيلي في شمال البلاد (Moshe ShaiFLASH90)

في السنوات الأخيرة، يقوى الاتجاه، ولم يبق الكثير من “الكيبوتس الذي كان ذات مرة”. فعدد الكيبوتسات التي ما زالت تدير أسلوب حياة متساويًا وتعتاش على الزراعة هامشيًا، واليوم الحديث بالأساس عن بلدات “خضراء” وهادئة، في الأغلب بعيدة عن المركز، وأحيانًا باهظة التكلفة.

نجح قسم من الكيبوتسات  في استغلال الوضع وزيادة التغيير، فبدلت الحظائر بالمصانع، أو بفنادق فاخرة، وأصبحت اليوم الأماكن الفاخرة والرائدة في إسرائيل، وهو وضع أبعد ما يكون عن الاشتراكية والبساطة التي شكّلت المبادئ التي وجّهت الكيبوتسات ذات مرة.

من ناحية أخرى، لحقت خسائر كبيرة  بكيبوتسات أخرى، لذلك اضطرت لأسباب أخرى إلى التنازل عن قيّمها الموجّهة. من ضمنها، تبرز في قسم من الكيبوتسات السخافة خاصة حين يقال “أصحاب المزرعة” ويُشغّل بدلا منهم عمال فلسطينيين، الذين يعدّون “أيدي عاملة رخيصة”.

يعيش أولاد الكيبوتس الذين كانوا يوصفون بأنهم كبروا حُفاة في الطبيعة، ونموا بين التبن مع غليون في اليد والحب الحر، اليوم في بيئة لا يمكنها الوقوف في وجه التكنولوجيا والقيّم الرأسمالية.

الصناعة بدلا من الزراعة: مصنع في كيبوتس إسرائيلي  (Moshe ShaiFLASH90)
الصناعة بدلا من الزراعة: مصنع في كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)

لم يبقوا الآن روادًا من حيث نسب التجنّد للجيش والوحدات القتالية (وأخلَوا مكانهم لأبناء المستوطنات). هذا، ويشير أحد المعطيات المقلقة والصادمة إلى ارتفاع في نسبة انتحار الجنود الذين غادروا الكيبوتس. ويفضلون أن يتعلموا في الجامعة المحاماة وإدارة الحسابات بدلا من الزراعة، التي تبدو في عالم اليوم أنها لن  تساهم في تقدمهم كثيرًا.

“مضت الأيام التي كان بها  الكيبوتس مقترنًا بالزراعة والقيّم مثل المساواة والتواضع بروح الاشتراكية”، يقول ذلك أعضاء أصيبوا بخيبة أمل في الحركة الكيبوتسية. حتى أنه قد أقيمت لجنة جماهيرية خاصة كي تفحص التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي حلّت بالكيبوتسات، وأدت استنتاجاتها إلى تفكيك رسمي لقسم من الكيبوتسات التي لم تعد تعتبر جمعيات تعاونية، بل أماكن عادية.

يبدو أن الحلم المثالي قد توارى، وأن المجتمع التعاوني الذي كان مرة صار يشبه أكثر فأكثر المجتمع الرأسمالي التنافسي. أخلى “الحلم الصهيوني” لإنقاذ إسرائيل بالأيدي، بالعمل في الأرض، مكانته للمصانع الصناعية. سواء أكان الحديث عن ظاهرة سلبية أو عن اندماج لا يقاوم وحتى إيجابي في واقع اليوم، يبدو أنه يمكن القول بقدر كبير من اليقين إن الحلم الاشتراكي قد تلاشى.

اقرأوا المزيد: 708 كلمة
عرض أقل
"سرية هيئة الأركان العامّة" (Israel Defense Forces Flickr)
"سرية هيئة الأركان العامّة" (Israel Defense Forces Flickr)

“الجريء ينتصر”: سرّ وحدة النخبة – “سرية هيئة الأركان العامّة”

بين كلّ وحدات الجيش، تنجح "سرية هيئة الأركان" ليس في البروز فحسب، بل في الارتفاع فوق الجميع، واحتلال مكانة موازية لأفضل الوحدات في العالَم

إنها قصة إحدى الوحدات العسكرية الهامة والتي تحظى بتقدير كبير في الجيش الإسرائيلي. سنحاول إلقاء القليل من الضوء على غياهِب إحدى أعقد الوحدات في الجيش الإسرائيليّ، وحدة كوماندوس أصبح الكثير من ضباطها البارزين قادةً في دولة إسرائيل: إيهود باراك، بنيامين نتنياهو، شبتاي شافيت، داني يتوم، آفي ديختر، موشيه بوغي يعلون، وغيرهم الكثيرون.

هالة برّاقة

لم تحظَ أية وحدة في الجيش الإسرائيلي بالهالة التي حظيت بها سريّة هيئة الأركان. وهذا مذهل نظرًا إلى أنّ مجرد التلفظ باسمها الصّريح كان ممنوعًا قبل وقت غير طويل. فقد اعترف الجيش بوجود الوحدة فقط بعد “كارثة تسيئليم” (كيبوتس في غربي النقب الشمالي) عام 1992، حين قُتل ستة من جنودها أثناء التدرّب على عملية “شجرة العليق”، برنامج لاغتيال صدّام حسين، كُتم إثر الكارثة.

مثل كلّ البدايات، لم تكُن بداية “الوحدة” (كما لُقّبت لسنوات) سهلة. فقد أقامها المؤسّس، أفراهام أرنان، عام 1957 كوحدة فرعيّة للوحدة 154 في شعبة الاستخبارات، والتي كان اختصاصها تشغيل عملاء. وعُرّفت مهمّة السرية، التي تبقى سرًّا حتى اليوم، في بعض الكتب المنشورة في العالم بأنها “إخفاء أجهزة تنصّت ومُراقَبة في دول الأعداء”.

في البداية، كانت هذه وحدة “مستعرِبة”. وضمّ العاملون في الوحدة لدى إنشائها خريجي وحدات المستعرِبين في البلماح (سرايا الصاعقة)، جنودًا ذوي خبرة واسعة في مجالات الاستخبارات، وكذلك جنودًا منتخَبين من لواء المظليين. بعد سنة، عام 1958، نالت الوحدة استقلالًا ورقمًا (الوحدة 269)، وأصبحت وحدة استخبارات تابعة لشعبة الاستخبارات في الجيش. بعد 5 سنوات إضافية، عام 1963، بدأت الوحدة بتنفيذ أولى عملياتها الهامّة.

عملت الوحدة في سنواتها الأولى وفق النهج الإسرائيلي “عضو يجلب عضوًا”. جلب خريجو الوحدة أصدقاء وأشقاء أصدقاء من “الكيبوتس” أو “الموشاف”، وكان الجوّ العام غير رسميّ، ودون أنظمة واضحة للتجنيد والتأهيل. وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة حينذاك، مئير عميت، أول مسؤول محضها الثقة حقًّا ومنحها فرصة الإثبات أنه “فقط الجريء ينتصر”، شعار الوحدة المُستعار من الـ SAS (القوّة الجوية الخاصّة)، وحدة كوماندوس بريطانيّة.

"فقط الجريء ينتصر" شعار الوحدة (Israel Defense forces Flickr)
“فقط الجريء ينتصر” شعار الوحدة (Israel Defense forces Flickr)

وأعطى رئيس الأركان إسحاق رابين الوحدة دفعًا إضافيًّا، حين أتاح لقادة أمثال إيهود باراك قيادتها في عمليات تفوق الخيال. في حرب 1967، لم يجرِ تشغيلها لعدم تعريض جنودِها للخطر، لكنها قاتلت في حرب 1973 جنوبًا وشمالًا، وفقدت 12 مقاتلًا.

في هذه الأثناء، أنشأت الوحدة كتيبة إرهاب، مهمتها التعامُل مع عمليات للمساومة، وعبر أحداث كهذه عرف الشعب اسمها – بدءًا من عملية إنقاذ 105 مخطوفين إسرائيليين / يهود في إنتيبي بأوغندا؛ عملية “ربيع الشباب” عام 1973، التي هوجم فيها عدد من أهداف حركتَي فتح والجبهة الشعبية في بيروت وصيدا ردًّا على موجة إرهابية سببتها الحركتان في إسرائيل؛ السيطرة على طائرة “سافانا” المخطوفة في مطار بن غوريون وتحرير الرهائن؛ وحتّى خطف الشيخ الشيعيّ عبد الكريم عبيد، المسؤول عن نشاط حزب الله في جنوب لبنان، ورفيقه مصطفي الديراني، من قادة حركة أمل الشيعية. أمّا عملياتها الأهم، التي اكتسبت مجدها الحقيقي منها، فبقيت مكتومة.

نشاطٌ في غاية السرّيّة

كما سبق وفهمتهم، تبقى المهام المحددة للوحدة سرًّا. لكن ممّا يمكن أن يُروى يمكن الفهم أنّ مقاتلي الوحدة يعملون روتينيًّا وأثناء الطوارئ في عمليات خاصة تُعنى غالبًا بجمع استخبارات ذات أهمية. ويشمل النشاط العملياتي للوحدة نشاطًا حاذقًا، سرّيًّا، ويتطلب الجرأة، الخيال، والقدرة التنفيذية الفائقة.

معظم عمل الوحدة سريّ ولا يُكشَف علنًا، وكما يبدو سيبقى معظمه سرًّا سنواتٍ طويلةً بعد. يصعب الإشارة إلى عملية تميّز أكثر من غيرها نشاط الوحدة أو عمليّة تدين لها الوحدة بصيتها الذائع.

يُشير كثيرون إلى عملية “ربيع الشباب” – عملية لاغتيال قادة منظّمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1973 – بصفتها الأكثر بروزًا. والحديث هنا عن صورٍ لإيهود باراك، رئيس الأركان، رئيس الحكومة ووزير الدفاع الإسرائيلي سابقًا، يرتدي فستانًا وصدرية نسوية للقيام بعمل تخريبي. في العملية المشتركة مع المظليين و”الشايطيت 13″، كان أداء سرية هيئة الأركان الأكثر سلاسةً.

في إحدى أجرأ العمليات في تاريخ الجيش الإسرائيلي، أغارت قوّات كوماندوس على بيروت وصيدا، لتغتال ناشطين في فتح والجبهة الشعبية. ورغم الخسائر التي مُني بها الجيش، فقد كانت العملية من أكثر العمليات نجاحًا في تاريخه.

تمّ تحديد 5 أهداف لعملية “ربيع الشباب”، كان الأهم بينها، الذي دُعي “أفيفا”، مبنيَين من 7 طوابق في شارع فردان، في قلب المنطقة الإسلامية في بيروت، التي سكن فيها مسؤولون بارزون في فتح. بعد ساعة من منتصف الليل، وصل إلى الشارع في سيّارات (يقودها رجال الموساد) 14 من مقاتلي سريّة هيئة الأركان، بينهم إيهود باراك، متخفين في زيّ نساء، وبعضهم بينهم يوني نتنياهو (شقيق رئيس الحكومة) في زيّ رجال مُسلمين. متخفين بالمظهر “الرومانسي”، اخترق قسم من المقاتلين المباني واغتالوا عددًا من قياديّي فتح، بينهم يوسف النجار، الملقَّب بأبي يوسف والذي كان أحد نوّاب ياسر عرفات، كمال ناصر، شاعر فلسطيني والناطق بلسان فتح الذي كان مقرَّبًا جدًّا من عرفات، وكمال عدوان، قياديّ خبير كان مسؤولًا عن عددٍ من العمليّات الإرهابيّة في إسرائيل والعالَم.

خلال العملية، اكتُشفت القوّة، وبات تنفيذ المهمّة صعبًا جدًّا. رغم ذلك، نجح المقاتلون في إخفاء الـ 120 كيلوغرامًا من الموادّ المتفجرة التي معهم في الأماكن التي أرادوها، وخلال انسحابهم فجّروا المبنى بمَن فيه، ما أدّى إلى مقتل العشرات من رجال فتح في الانفجار.

نشاط يفوق أيّ خيال

كلّما زادت المشاكل بين الجيش الإسرائيليّ والفلسطينيّين، فهمت سريّة هيئة الأركان العامّة أنّ بين المهامّ العديدة المُعدّة لها مهامّ وراء حدود العدوّ. وتجسّد قصة اغتيال “أبي جهاد”، أحد مؤسسي حركة فتح الذي كان نائبًا لياسر عرفات ورئيسًا للجناح العسكري في منظمة التحرير، أكثر من أيّ شيء آخر جرأة السريّة في المخاطَرات.

بدأت قصة اغتيال أبي جهاد عام 1988. في تلك السنة، خطف إرهابيون حافلةً لعاملات “الكرياه للبحث النووي” في ديمونة. قبل اغتيالهم، قال أحدهم: “أبو جهاد أرسَلنا”. كان هذا كافيًا لتبدأ سرية هيئة الأركان، بمساعدة الموساد، في التعرُّف إلى الأبواب والنوافذ في فيلّا خليل الوزير في تونس، حيث أقام أبو جهاد.

معظم عمل الوحدة سريّ ولا يُكشَف علنًا (Israel Defense Forces Flickr)
معظم عمل الوحدة سريّ ولا يُكشَف علنًا (Israel Defense Forces Flickr)

وفق تقارير أجنبية، أنزلت “شايطيت 13” (وحدة الكوماندوس البحرية) مقاتلي السرية على الساحل التونسي. هناك انتظرهم رجال الموساد بقيادة بوغي يعلون، الذين قادوا القوة نحو الفيلّا. وتضيف التقارير نفسها أنّ إيهود باراك، نائب رئيس الأركان إذّاك، أدار العملية من قارب قذائف وسط البحر. بدايةً، اغتيل الحارسان، وكذلك البُستانيّ، الذي خرج إلى الساحة لسوء حظه، بمسدسات كاتمة للصوت. فهم أبو جهاد أنّ أمرًا ما يحدث فصوّب مسدَّسًا، لكنه قبل أن يتمكّن مِن إطلاق النّار، أفرغ عليه أحد المقاتلين مستودعًا كاملًا من الرصاص.

تروي أمّ جهاد في مقابلة حصريّة مع برنامج التحقيقات “عوفداه” الذي بُثّ قبل نحو سنة (2012) أنّ مقاتلًا إضافيًّا وصل بعد ذلك، وأطلق النار مجدّدًا على أبي جهاد المُلقى على الأرض. بعده، جاء آخر أطلق النار هو الآخر. ولم يتنازل مقاتلان آخران فأطلقا طلقةً أخرى للتأكًّد، ثم وصل مَن بدا القائد، نظر إلى الجثّة التي كانت مثقوبة بنحو 70 رصاصة، قلبها، وتيقّن من القتل برصاصة أخرى في الرأس. في هذه المرحلة، يبدو أنّ جميع الحاضرين تأكدوا من وفاة أبي جهاد، فغادروا، ولكن ليس قبل أن يجمعوا وثائق من مكتب الرجل الذي قاد عمليات إرهابية لا تُحصى ضدّ أهداف إسرائيليّة ويهوديّة في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

مع ذلك، ليس كل شيء برّاقًا

بين عمليات سريّة هيئة الأركان الهامّة، ثمة إخفاقات غير قليلة. وهنا أيضًا ساد إجماعٌ واضح بين قدامى الوحدة: العملية الفاشلة لتحرير نحشون فاكسمان هي الأكثر إشكاليّةً.

في تشرين الأول 1994، خطف أربعة من ناشطي حماس كانوا متنكرين بزي يهود متديّنين الجنديّ نحشون فاكسمان، الذي صعد إلى سيارتهم ليوصلوه إلى غايته في أحد المفارق في تل أبيب. قادوه إلى فيلا استأجروها مسبقًا في بير نبالا، شمال القدس. بعد يومَين، نُشر تسجيل هزّ الدولة: فاكسمان، مع فوّهة كلاشنكوف ملتصقة برأسه يقول: “الشبان من حماس اختطفوني”. بعد ذلك، يشرح الخاطفون مطلبهم بتحرير أسرى.

في السنوات الأخيرة، ظهر نقد للوحدة لكونها تنفرز عن الجيش (Israel Defense Forces Flickr)
في السنوات الأخيرة، ظهر نقد للوحدة لكونها تنفرز عن الجيش (Israel Defense Forces Flickr)

فعل الشاباك كلّ ما في وسعه ليعرف أين يُحتجَز فاكسمان. أشارت معظم القرائن إلى قطاع غزّة. بعد مجرّد أربعة أيام من الاختطاف، نجح رئيس منطقة القدس في الشاباك في القبض على أحد الخاطفين. بعد أن حقق معه الشاباك لساعاتٍ، نجحت القوات في الحصول على عنوان احتجاز الجنديّ منه.

كان أمام سرية هيئة الأركان 12 ساعة للاستعداد للعمليّة. عرض قائد الوحدة، ران شاحور، برنامجًا على قائد “يهوذا والسامرة”، اللواء شاؤول موفاز. وفق البرنامج، كان يُفترَض أن تقتحم قوّتان بالتوازي بابَين حديديَّين يؤديان إلى غرفة احتجاز فاكسمان، لمفأجاة الخاطفين واغتيالهم قبل تمكنّهم من إيذاء الجنديّ. عند التنفيذ، تأخرت إحدى القوّتَين في اقتحام الباب، فيما اقتحمت القوة الأخرى الباب الثاني.

حتّى تمكّنوا من فتح الباب الثاني (باستخدام قنبلة)، فقدوا عنصر المفاجأة. صحيح أنّ الإرهابيين قُتلوا، لكنّ فاكسمان أيضًا لم يكُن على قَيد الحياة.

تظهر أفضلية “سرية هيئة الأركان العامّة” في الرغبة للتجنًّد، في المسار، وفي النتائج العملياتية. العمليات الواضحة التي يمكن ذكرها هنا هي مجرّد جزء صغير من نشاط خفيّ، له أهمية استراتيجية في أمن إسرائيل. طالما كانت هذه العمليات جريئة، بعيدة، معقدة، ورائدة، من الناحتَين العملياتية والتقنيّة على حدّ سواء.

في السنوات الأخيرة، ظهر نقد للوحدة لكونها تنفرز عن الجيش. وخلافًا للماضي، فهي لا تخدُم مكانًا لتنشئة الضباط. رغم ذلك، يقدّر اختصاصيون عسكريون أنها ستخدم إسرائيل في حروبها في السنوات القادمة.

اقرأوا المزيد: 1341 كلمة
عرض أقل
وزير الدفاع موشيه يعلون في طريقه الى إجتماع مجلس الوزراء (Flash90/Emil Salman)
وزير الدفاع موشيه يعلون في طريقه الى إجتماع مجلس الوزراء (Flash90/Emil Salman)

الرجل الذي يرغب بالحلول مكان نتنياهو

رغم أن يعلون طويل القامة وعريض المنكبين، لكن نظارته القديمة، جديته وملامحه الجدية، شاذة في مجتمع يتميز بالانفتاح وعدم الوساطة.

رغم ماضيه كقائد لوحدة النخبة الأكثر جرأة في إسرائيل، “دورية هيئة الأركان”، كرئيس للأركان ووزير للأمن، لا يبدو موشيه (بوغي) يعلون ملائما لصورة العسكري الإسرائيلي. فرغم أنه طويل القامة وعريض المنكبين، لكن نظارته القديمة، جديته، البساطة التي يتعامل بها مع كل موضوع مطروح أمامه تقريبا، وملامحه الجدية بشكل عام، شاذة في مجتمع يتميز بالانفتاح وعدم الوساطة.

يعود اللقب “بوغي” الشهير إلى طفولة يعلون، حيث لقّبه به جيرانه في بلدة كريات حاييم التي وُلد وترعرع فيها. اسم عائلته الأصلي هو سمولينسكي، لكنه غيّره عندما خطط للانتقال إلى كيبوتس (تجمع سكني تعاوني) “يعلون” في العرباه (جنوبي إسرائيل).

خلفية يعلون بسيطة جدا. فبخلاف نتنياهو، الذي نشأ في بيئة نخبوية ومثقفة في القدس والولايات المتحدة (كان والده مؤرخا شهيرا)، فإن والد يعلون كان عاملًا بسيطا، وأمه كانت ناجية من الكارثة.

رغم أنه اليوم ممثل بارز لليمين الإسرائيلي، فإن القيم التي نشأ عليها يعلون كانت قيَم الحركات اليسارية، والتي بقي ملتزما ببعضها جزئيًا حتى الآن. فهو لا يزال يحتفظ ببيته في كيبوتس غروفيت (في جنوب إسرائيل)، ويهاجم بشدة كل إبداء للعنصرية ضد العرب.

نتنياهو وموشيه يعلون خلال اجتماع لحزب الليكود (Flash90/Miriam Alster)
نتنياهو وموشيه يعلون خلال اجتماع لحزب الليكود (Flash90/Miriam Alster)

“بوغارت”

قضى يعلون، ابن الثالثة والستين، معظم حياته في الخدمة العسكرية. وقد تميز فيها حتى عُيّن أواخر الثمانينات قائدًا لدورية هيئة الأركان – وحدة النخبة الأفضل في الجيش الإسرائيلي. كُشف النقاب في الفترة الأخيرة عن دوره المباشر في اغتيال مَن كان قائد الذراع العسكرية لفتح، أبو جهاد. قاد يعلون، الذي أُطلق عليه في العملية اسم “بوغارت”، عملية اغتيال المسؤول عن عدد من التفجيرات الإرهابية ضد مدنيين إسرائيليين، في منزله في تونس. لم تصب زوجته وأولاده بأذى، الذين كانوا في البيت أثناء الاغتيال. من توثيق العملية، الذي جرى مؤخرا في برنامج تلفزيوني إسرائيلي، تبزر شخصية متحفظة وباردة، خالية من الإحساس والإثارة.

الصحوة

قبل الانتفاضة الثانية وخلالها، في بداية سنوات الألفين، قاد يعلون الخط الذي يمكن تسميته “الواقعي” في علاقات إسرائيل بالسلطة الفلسطينية، وتحديدا بما يرتبط بشخصية عرفات. وفقا ليعلون، الذي كان يتولى مناصب قيادية في الجيش حينذاك، لم يتخلّ عرفات إطلاقا عن طريق الكفاح المسلح، رغم توقيع المعاهدات مع إسرائيل، الذي أدى بكثيرين في المنظومة السياسية الإسرائيلية إلى الاعتقاد أنهم أمام منعطف تاريخي للقيادة الفلسطينية. يدّعي يعلون أن عرفات كان المسؤول عن الانتفاضة الثانية، عبر استخدام أجهزة الأمن الفلسطينية. “لا يعترف عرفات بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به، وهذا هو جوهر النزاع، لا الاحتلال عام 67″، يقول يعلون. وهذا القول صحيح أيضا بالنسبة لرئيس السلطة الحالي، محمود عباس: “لم يكن أبو مازن مستعدا أن يقول في أنابوليس: دولتان لشعبَين. من لا يفهم هذا، لا يفهم ماهية الصراع. كتب المستشرق الشهير البروفسور برنارد لويس عن ذلك قبل أنابوليس. فقد سأل: هل النزاع هو على مساحة وحدود دولة إسرائيل، أم على وجودها نفسه؟ خلاصة ما توصل إليه البروفسور لويس هو أنه لا يوجد إجماع عربي على وجود دولة إسرائيل. لم يبدأ (الاحتلال) بنظرهم عام 1967، بل عام 1948، وحتى قبل ذلك، منذ فجر الصهيونية. لذلك، علينا أن نفهم أن الحديث لا يدور حول نزاع على الأراضي. يظنون في العالم أنه بمجرد قيام دولتَين، سيتم حل كل الأمور وسيعم الهدوء والسكينة. لكن الأمر ليس كذلك، فأبو مازن يقول إن اليهودية دين، لا قومية، وبالتالي فهم لا يستحقون دولة”.

موشيه يعلون يزور لواء غولاني (Ariel Hermon)
موشيه يعلون يزور لواء غولاني (Ariel Hermon)

يتهم يعلون أطرافا إسرائيلية تدعي أن أبا مازن لا يزال شريكا للسلام بالسذاجة وعدم النزاهة، ومن بين هؤلاء المكلفة بملف المفاوضات مع الفلسطينيين في الحكومة الحالية، تسيبي لفني: “يغضبني أن تسيبي لفني تحديدا، التي كانت وزيرة خارجية أولمرت، وأدارت المفاوضات مع “أبي علاء”، التي شهدت بنفسها على التشدد الفلسطيني في قضية لانهائية الصراع ونهاية الطلبات، التي رأت كيف عرض أولمرت على أبي مازن 100 بالمئة من الأرض، مع أجزاء مع القدس وحق العودة أيضا، تقول بعد كل ذلك إن ثمة شريكًا، وتتهم نتنياهو بالرفض. وهي تلقي كل هذه الاتهامات في الخارج، في منتدى سابان، وأماكن أخرى. أما أنا، فلم يفاجئني رفض أبي مازن، فهو لم يقل ذات مرة إن الاحتلال بدأ عام 67، بل يتحدث عن 64 عامًا من احتلال. أهذا أمل؟ هذا وهم.

على خلفية المواقف المتطرفة في القضية الفلسطينية، تفيد أطراف خبيرة بما جرى في حكومة نتنياهو السابقة، أنه في الشأن الإيراني، وتحديدًا في إمكانية هجوم إسرائيلي على المفاعلات النووية في إيران، فإن يعلون عامل مهدّئ. فحسب رأيه، يجب أن يكون الخيار العسكري خيارا أخيرا، وإيران ليست مشكلة خاصة بإسرائيل، بل هي مشكلة العالم بأسره، بما فيه أجزاء من العالم العربي. مع ذلك، قال مؤخرا: “إذا كان الخيار بين القنبلة (الذرية الإيرانية) والقصف، فإننا سنختار القصف”.

الرجل الذي ينتعل الصندل

مع تعيينه وزيرا للأمن في حكومة نتنياهو الحالية، يحاول يعلون، وفقا لعدد من المحللين، تنصيب نفسه منافسا مستقبليا على قيادة الليكود ورئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة.

تساهم شخصية يعلون المتشددة، المختلفة كثيرا عن شخصية نتنياهو، بشكل كبير في مكانته الجماهيرية. وقد تبين من استطلاع أجرته مؤخرا صحيفة هآرتس أن عدد الإسرائيليين الراضين عن أداء يعلون أكبر من الراضين عن أداء نتنياهو. “في الصالون المتواضع للفيلا المتواضعة التي يقطن بها يعلون مع زوجته عاده، يجلس يعلون أمامي مرتديا سروالا قصيرا، قميصا أزرق، وصندلا. يقوم لتحضير القهوة، يقدم صحنا من التمر” – هكذا يصف الصحفي آري شبيط لقاءه بيعلون. على خلفية الشعور المتزايد بعدم الارتياح من إبداء الغنى الفاحش والتباهي، يبرز يعلون كشخص يخلو من مميزات “الثري الجديد”.

رئيس الاركان الجنرال بيني غانتس مع وزير الدفاع موشيه يعالون (Ariel Hermon)
رئيس الاركان الجنرال بيني غانتس مع وزير الدفاع موشيه يعالون (Ariel Hermon)

شهادة أخرى على تفكير يعلون السياسي طويل المدى هي العهد الذي يحاول قطعه مؤخرا مع الجمهور المتدين (الحاريدي)، الذي يُحتمل أن يكون بيضة القبان في تأليف الحكومة. لا يخدم الشبان المتدينون في إسرائيل في الجيش، وعوضا عن ذلك يدرسون التوراة. تؤدي هذه الظاهرة إلى شعور كثيرين في المجتمع الإسرائيلي بالمرارة، مطالبين بتجنيدهم، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة. عبّر يعلون مؤخرا عن معارضته لهذه الظاهرة، قائلا إنه “غير مستعد للعيش في دولة يدخل فيها اليهودُ السجن بسبب دراستهم للتوراة”. وقد رأى البعض هذه الأقوال إشارة للجمهور الحاريدي بالرغبة في التعاون المستقبلي.

وقد فتح يعلون كذلك حسابا على تويتر للتواصل مع جمهور الشباب، حيث يقوم برفع تصاريح سياسية، إلى جانب أغانٍ يحبها بشكل خاص.

للإجمال نقول: يشغل الرجل الذي عُرف ببرودته خلال سنواته الطويلة في الجيش، أحد أهم المناصب في إسرائيل – وزير الأمن. وردا على الذين يقولون إنه لا يطرح أي أمل، خصوصا في ما يتعلق بالنزاع مع الفلسطينيين، يقول يعلون: “كُفُّوا عن التحدث عن حل. لنتحدث عن طريق. والطريق هي البناء. لنستثمر في التربية، البنى التحتية، الاستيطان، العلم، والتكنولوجيا. هذا هو الأمل”.

اقرأوا المزيد: 969 كلمة
عرض أقل