امرأة يزيدية تشارك في مراسم دينية في معبد لالش(AFP)
امرأة يزيدية تشارك في مراسم دينية في معبد لالش(AFP)

الكرد اليزيديون ضحایا التعریب والصهر القومي

لا شك أن الناشطة اليزيدية نادیة مراد هي ضحیة من ضحایا داعش المجرمة، لكنها هي والكثیر من الكرد الآخرین ومنهم الیزيدیين، هم قبل کل شيء ضحایا عملیات التعریب وغسل الدماغ والاضطهاد والصهر القومي

تحت عنوان “فرّت من داعش وألقت خطابا في البرلمان الإسرائيلي” ، بتاریخ 25 يوليو 2017، کتب الأستاذ عامر دکة، في الموقع الإخباري “المصدر”، أن الناشطة اليزيدیة نادیة مراد زارت إسرائیل، وألقت کلمة في الكنیست الإسرائیلي حول ما تعرضت له هي والیزيدیون من تعذیب وقتل وإبادة واغتصاب وکل أنواع الجرائم من قبل عصابات داعش المجرمة. ما جلب انتباهي أنە في کل ما کتبه الأستاذ دکة وفي کل ما قالته الناشطة مراد، لم تذکر ولو بكلمة “کرد، شعب کردي أو کردستان”، بل تتكرر عبارة “الشعب الیزیدي”.

الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)
الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)

أعرف مقدما أن کلمة شعب، یمكن أن تفسر قانونیا ولغویا وسیاسیا واجتماعیا ودینیا وفلسفیا، تفسیرات مختلفة ولكن کل التفسیرات تتفق علی کون الشعب (بالإنجليزية: People): هي لفظة مفردة (جمعها: شعوب)، تستخدم عادة للإشارة إلى مجموعة من الأفراد أو الأقوام ينتمون إلى فئة ما، قد تكون أمة، طبقة، مجموعة إثنیة، بلد، عائلة، مجتمع، يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات، ضمن مجتمع واحد وعلى أرض واحدة، ومن الأمور المميزة لكل شعب هي طريقة تعاملهم وشكل العلاقات الاجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب، إضافة إلى أسلوب العقد الاجتماعي بين أفراد الشعب . حسب هذا التعریف، فإن اليزيديين کما الكثیر من سكنة المعمورة یدرجون في إطار الشعوب، لكنهم وحسب کل التعاریف والدراسات التاریخیة والاجتماعیة والإثنیة، لیسوا سوی جزءا من أبناء الأمة الكردیة ومناطق سكناهم ومعابدهم وأماکنهم المقدسة، جزء من أرض کردستان، کما أن هناك أعدادا کبیرة منهم یتواجدون في المهجر.

حسب الموسوعة البریطانیة (Encyclopædia Britannica): الیزيدیون “أعضاء أقلیة دینیة کردیة، یتواجدون في شمال العراق، جنوب غرب ترکیا، شمال سوریا، القفقاس وأقسام من إیران. تتضمن دیانتهم عناصر من الدیانات الإیرانیة القدیمة وکذلك من الدیانات الیهودیة والنسطوریة المسیحیة والإسلام. تتراوح أعدادهم ما بین 200000 – 1000000 شخصا”. وحسب الموسوعة الإیرانیة (Encyclopædia Iranica): الیزيدیون “أقلیة دینیة کردیة، تتناقض تعالیمهم مع الدیانة السائدة للأکثریة أي الدیانة الإسلامیة. یعیشون في شمال العراق، شمال سوریا، جنوب ترکیا والقفقاس وکذلك المهجر في أوربا. لغتهم التي یتحدثون بها هي اللغة الکردیة (اللهجة الشمالیة أي الکرمانجیة)، کما أن اللغة الکردیة هي لغة الثقافة والتعالیم والتقالید الدینیة المحکیة والشفهیة الإیزدیة” . کما أن هناك من یٶکد علی أن اليزيديین (بالکردیة: Êzidî أو ئێزیدی) هي مجموعة عرقیة دینیة تتمركز في العراق وسوريا. يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق، وتعيش مجموعات أصغر في ترکیا، وسوریا، وألمانیا، وجورجیا وأرمینیا. ينتمون عرقيًا إلى أصلٍ كرديٍ ذي جذور هندو – أوروبية.

يتكلم اليزديون اللغة الكرمانجیة. صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوسهم الدينیة، باللغة الکرمانجیة. يرى الكثير من اليزيديين أنفسهم كرد القومية. جاء في المنجد: “الیزیدیة، عقیدة دینیة تقوم علی تقدیس الشیطان. نسبتها إلی یزد أو یزدان من آلهة الزرادشتیین الإیرانیین. أتباعها من الأکراد، نحو 50000 ن. یعیش معظمهم في شمالي العراق لا سیما في قضاء سنجار بمحافظة نینوی، منهم جماعات في تورکیا ونواحي حلب. أشهر أولیائهم الشیخ عدي بن مسافر، صاحب “کتاب الجلوة”، وکتاب “مصحف روش” من الكتب المقدسة عندهم” .

ضریح الشیخ آدي من الداخل

الموسوعتان البریطانیة والإیرانیة والمصادر الأخری، تٶکد جمیعها علی کون الیزيدیین کردا من الناحیة القومیة ویسكنون أرض کردستان (فشمال العراق وجنوب شرق ترکیا وشمال سوریا ما هي إلا کردستان) ولغتهم هي اللغة الكردیة، وهي لغتهم الأولی ولغة الأم عندهم، والکرمانجیة ماهي إلا لهجة من لهجات اللغة الکردیة.

للیزدیین کتابان مقدسان هما: “کتاب جلوة، بكسر الجیم” والذي یعني: کتاب النور، کتاب الإشراق أو کتاب الضیاء. فحسب اعتقاد الیزيدیین فإن الكتاب عبارة عن کلمات وأقوال “طاوس ملك”، الذي یعتبر أقدس وأعظم الملائکة عند الیزيدیین. ففي الميثولوجيا اليزيدية طاووس ملك قد تجسد في الشیخ عدي بن مسافر (بالکردیة: شیخ آدي). أما الكتاب الآخر فهو “مسحفا رش” أي “المصحف الأسود”، فكلمة “رش” والتي تكتب بالكردیة “ڕەش” تعني “أسود”. الكتابان مكتوبان باللغة الكردیة. کلمة الیزيدیة، مصدرها “إیزد أو إیزدان، بالکردیة: ئێزدان أو یزدان” وتعنی الإلە أو اللە في اللغة الکردیة واللغات الإیرانیة الأخری. صلوات الیزيدیین وکل الطقوس الدینیة والأدعیة عندهم تتلا وتقال باللغة الكردیة. الیزيدیون یحجون إلی “لالش”، التي تعتبر قبلتهم و محجهم وأقدس بقعة في العالم حسب اعتقادهم، وتقع لالش بالقرب من مدینة دهوك في کردستان ويعد من أقدم المعابد في كردستان، حيث تُرجع بعض المصادر تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
لالش، أقدس بقعة في العالم عند الیزيدیین

لو عدنا قلیلا إلی التاریخ لنجد أن الأنظمة والسلطات العربیة الحاکمة في العراق وعلی مر التاریخ، حاولت دوما تعریب الیزيدیین وطمس و مسح هویتهم القومیة الكردیة، مستغلة کونهم من دین لیس دین الأکثریة. ما تقولە مراد عن “العودة إلی العراق وأن العراق هو بلد المستقبل للیزيدیین”، تأتي من کونها هي وغیرها من الیزيدیین والكثیر من أبناء الکرد الآخرین، تحت تأثیر عملیات التعریب وغسل الدماغ وطمس الهویة المستمرة والمبرمجة التي تعرض لها الكرد، ولا زالوا، طیلة مئات من السنین في العراق ومن قبل العنصریین العرب. إذا کانت الأکثریة الكردیة المسلمة تعرضت لتلك العملیات السیئة الصیت فقط لکونهم کردا، فاليزيدیون تعرضوا لها أضعافا لکونهم کردا وغیر مسلمین.

کما الحال بالنسبة للكرد الفیلیین، الذین یسكنون بغداد ومناطق جنوب کردستان، ففي ظل الأنظمة العراقیة العربیة القومیة السنیة البعثیة، تعرضوا أیضا أضعافا لعلمیات التعریب والتهجیر والإبادة لکونهم کردا وشیعة في نفس الوقت. الكرد، بكل شرائحهم وأدیانهم المختلفة في کردستان العراق، تعرضوا وعلی مرور الزمن وبشكل مبرمج ومخطط لعملیات الصهر القومي. لم یكن الحال لا من قبل ولا الآن بالنسبة للكرد في ترکیا وسوریا وإیران بأحسن مما کان علیە الکرد في العراق. هنا أود الإشارة إلی مثال واحد من آلاف الأمثلة علی سیاسة الصهر القومي تجاە الكرد في العراق:

في أواخر خریف سنة 1977 کنت قد سافرت من أربیل “بالکردیة: هەولیر”، التي کنت أعمل فیها في مجال الإحصاء، إلی سیمیل، القریبة من دهوك، ومن هناك إلی قریة اسمها “قصریزدین”، لزیارة خطیبتي، التي بدأت عملها کمعلمة في تلك القریة وفي تلك السنة الدراسیة. سكان القریة کلهم کانوا من الكرد الیزيدیین. کان علي التأکد من وسائل النقل وکیفیة الذهاب إلی تلك القریة. لم يكن هناك في تلك الأیام لا إنترنیت ولا الحاسوب ولا الهاتف الجوال ولا حتی الهواتف الأرضية.

وصلت إلی سیمیل وسألت حول کیفیة الذهاب إلی قصریزدین. دلوني علی مكان لوقوف السیارات التي تنقل المسافرین إلی القری المحیطة بالمنطقة. وصلت المكان، وجدت عددا من الجیبات وسیارات اللاندروفر وغیرها وسألت عن السیارة التي تغادر إلی قصریزدین فأشاروا إلی سائق، بأنە هو الذي سیغادر وینتظر حتی تمتلئ السیارة بالرکاب. عندما رأیت السائق، الذي کان شخصا ذو وجە بشوش، ممتلئ الجسم، ذو شوارب غلیظة علی عادة الكثیر من الیزيدیین، لابسا دشداشة و کوفیة حمراء وعقالا غلیظا، أي ملابس عربیة بالکامل، فتصورتە عربیا.

سلمت علیە بالعربیة و أخبرتە بأنني أود الذهاب إلی قصریزدین. کان بشوشا ولطیفا معي وکرمني أن أجلس بجنبە في السیارة. عند إکمال العدد بدأ صاحبي قیادة السیارة. في الطریق سألني: من أين جئت؟ ولماذا أذهب إلی قصریزدین؟ من أعرف هناك؟ کم أبقی هناك، ماذا وأین أعمل وکثیر من الأسئلة الجانبیة الأخری؟ کما هي العادة لدی الکثیر من الناس في مجتمعاتنا وبلداننا الشرق – أوسطیة. أجبتە بالكامل ودون أن أخفي شیئا أو أتملص من الإجابة عن سٶال. کنا نتحاور باللغة العربیة. وبعد أن تأکد لە أني قادم من أربیل وقد تم نقلي عنوة من کرکوك، ضمن عملیة تعریب وتهجیر الكرد من کرکوك، عندذاك إطمأن إلي کوني کردیا، غیر مواليا للسلطات الحكومیة، ففتح قلبە وقال بلغة کردیة فصیحة: أنا أیضا کردي. قلت: یرحمك اللە، کیف لي أن أعرف أنك کردي وأنت بكل هذە الملابس العربیة و تتحدث العربیة بهذە الطلاقة! قال:”ماذا أفعل، أنا مجبر للبس هذا الزي العربي. لقد کنت أحد أفراد البیشمرکة (بالكردیة: پێشمەرگە)، بل وآمرا لفصیل منهم، أثناء ثورة أیلول تحت قیادة الرئیس الراحل مصطفی البارزاني. بعد انتكاسة الثورة في 1975 رجعت إلی هنا کي أسكن في قریتي مع أهلي وعائلتي.

وتابع: الحكومة العراقیة بدأت حملة تعریب في المنطقة وأجبرت کل الیزيدیین علی تغییر قومیتهم الكردیة إلی القومیة العربیة وأجبروهم علی لبس الزي العربي بدل الزي الكردي وأنا واحد من هٶلاء المغضوب علیهم. منذ ذلك التاریخ نعتبر عربا، في کل السجلات الرسمیة الحكومیة. لکن قلبي، عقلي، فکري، لغتي وکل أحاسیسي کردیة ولازلت أتقد للثورة وکلي حماس وأنا علی أهبة الاستعداد للانخراط مرة أخری في صفوف البیشمرکة والثورة الکردیة لمقاتلة الغاصبین والمحتلین”.

ما أودە هو أن، مع إیماني المطلق بأن الانتماءات القومیة والعرقیة قابلة للتغییر، والقومیة هي إحساس وثقافة قبل أي شيء آخر- أن نادیة مراد، هي ضحیة من ضحایا داعش المجرمة، لكنها هي والكثیر من الكرد الآخرین ومنهم الیزيدیون، هم قبل کل شيء ضحایا عملیات التعریب وغسل الدماغ والاضطهاد والصهر القومي.

اقرأوا المزيد: 1287 كلمة
عرض أقل
أكراد سوريون يحتفلون بالاستفتاء (AFP)
أكراد سوريون يحتفلون بالاستفتاء (AFP)

10 حقائق لم تعرفوها عن الأكراد

الجذور القديمة، العيش في ظلّ أنظمة عدائية، مقاتلو البيشمركة الذين ساهموا في إسقاط صدّام حسين، والكفاح المستمرّ من أجل الاستقلال - هذه هي قصة الأكراد في الشرق الأوسط

26 سبتمبر 2017 | 09:47

يراقب العالم كله عن كثب نتائج الاستفتاء الذي نفذه إقليم كردستان على الانفصال عن العراق، أمس الأحد، ومر بهدوء داخل الإقليم، رغم العاصفة الذي اثارها في الدول المجاورة المعارضة لهذه الخطوة التي أقدم عليها الأكراد. تعرفوا أكثر إلى الشعب الكردي الذي يطالب بالاستقلال.

1. العدد الكلّي للأكراد في العالم غير معروف، ويقدّر بعشرات الملايين. تتحدث التقديرات الأكثر تواضعًا عن وجود بين 25 إلى 30 مليون كردي، ولكن هناك من يزعم أنّ عددهم الحقيقي يصل إلى 40 مليون أو أكثر. الدولة التي يعيش فيها أكبر عدد من الأكراد هي تركيا، والتي يقيم فيها نحو 10 ملايين كردي ويتركّزون في شرق البلاد. يعيش في إيران نحو 7.5 مليون كردي، وفي العراق يعيش نحو 6.5 مليون كردي، وفي سوريا يعيش نحو 2.5 مليون كردي.

2. أيضًا في الدول التي تقع على الحدود مع تركيا وإيران تعيش بعض المجتمعات الكردية غير الصغيرة: ففي أرمينيا، أذربيجان وجورجيا يعيش نحو 200,000 كردي. أبعد من ذلك، فهناك نحو مليون ونصف مليون كردي هاجروا إلى دول أخرى، وخاصة في أوروبا. في ألمانيا، والتي فيها عدد كبير من المقيمين الأجانب، يقترب عدد الأكراد إلى نحو 800,000.

3. يتحدث معظم الأكراد أكثر من لغة واحدة: الكردية، بالإضافة إلى لغة البلاد التي يعيشون فيها (عادة: العربية، الفارسية أو التركية). واليوم، اللغتان الكرديتان الأكثر تحدّثا هما كرمنجي التي يتمّ التحدّث بها بشكل أساسي في شمال كلّ من: تركيا، سوريا، شمال العراق وشمال إيران، وسوراني التي يتمّ التحدّث بها بشكل أساسي في كردستان العراق وفي إيران. هناك فروقات كبيرة بين اللغتين، وهناك باحثون يرون أنّ الفرق بين كرمنجي وسوراني كبير مثل الفرق بين الإنجليزية والألمانية.

نساء كرديات مع أعلام إقليم كردستان العراق (AFP)
نساء كرديات مع أعلام إقليم كردستان العراق (AFP)

كانت مكانة اللغات الكردية موضوعًا لصراعات كثيرة على مدى السنين. في تركيا، تم منع استخدام الكردية في وسائل الإعلام تمامًا بين عامي 1980 – 1991. وأيضًا في ظلّ حكم بشار الأسد في سوريا قام النظام بمنع استخدام اللهجة الكردية. لا تتوفر في إيران إمكانية لتعليم اللغة الكردية في المدارس العامة. وتكشف تركيا في السنوات الأخيرة عن انفتاح متزايد على استخدام اللغة الكردية، حيث تسمح بها في الإعلام، المدارس، إشارات الطرق وفي الوثائق الرسمية (كشهادات الزواج على سبيل المثال).

4. الغالبية العظمة من الأكراد هم مسلمون سنّة، ولكن ليس جميعهم. وفقًا للتقديرات، فإنّ 85% من الأكراد هم مسلمون، من بينهم نحو 65% من السنّة. في الواقع، فالأكراد هم المجموعة السكانية السنية الأكبر والوحيدة التي تعيش في إيران. 10% منهم مسلمون شيعة، وهم يتركّزون بشكل أساسي في محافظتي كرمانشاه وعيلام. ويأتي الأكراد الآخرون من أديان مختلفة بما في ذلك اليزيديون، الأرمن، الآشوريون، النساطرة واليهود.

5. من غير الواضح تمامًا حتى اليوم أصل الكلمة “أكراد”. ومع ذلك، يعتقد الكثيرون أنّ اسم “أكراد” كان موجودًا على مدى مئات السنين حتى قبل تشكّل الأكراد كمجموعة عرقية متميّزة. كان المعنى الأصلي للمصطلح هو: قبائل إيرانية بدوية. وكان الاستخدام الأول للكلمة باللغة الفارسية الوسطى، التي كانت سائدة في عهد الإمبراطورية الساسانية، ومن هناك توالت إلى العربية منذ الأيام الأولى للإسلام.

مجموعة اكراد في طريقهم من تركيا إلى كوباني ( AFP PHOTO/BULENT KILIC)
مجموعة اكراد في طريقهم من تركيا إلى كوباني ( AFP PHOTO/BULENT KILIC)

6. يبلغ تعداد يهود كردستان نحو 130,000 شخص، ويعيشون اليوم بشكل أساسي في إسرائيل. تحدّث يهود كردستان على مرّ التاريخ باللهجة الآرامية، التي يشتركون فيها أيضًا مع الآشوريين الذين يعيشون في المنطقة. عاش اليهود الأكراد في جميع أنحاء كردستان، ووصلوا من أورمية التي في إيران شرقًا حتى القامشلي السورية وأورفة التركية في الغرب. وهناك مدن أخرى عاش فيها يهود كردستان مثل أربيل، كركوك والسليمانية في العراق، وزاخو التي تقع على الحدود العراقية التركية وغيرها.

في سنوات الخمسينيات من القرن العشرين، وفي إطار هجرة يهود العراق إلى دولة إسرائيل الفتية، هاجر أيضًا جميع يهود كردستان العراق إلى إسرائيل. وبقيت بعد ذلك عشرات الأسر اليهودية فقط في المناطق الكردية.

اليهودي الأكبر سنّا في العالم اليوم هو حاخام كردي، واسمه زكريا براشي. يقيم براشي البالغ من العمر 114 عامًا في القدس.

ذُكر في السنوات الأخيرة أنّ حالة يهود القامشلي، الذين هم في الواقع أقلية داخل أقلية، عانت كثيرًا من نظام بشار الأسد.

7. معنى اسم البيشمركة – وهي المليشيات الكردية المقاتلة من أجل استقلال كردستان منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى – هو “الذاهبون إلى الموت” في اللغة الكردية. كان للبيشمركة دور مهم في إلقاء القبض على عدوّهم اللدود صدام حسين عام 2003، وساهموا أيضًا في الجهود الاستخباراتية للقبض على أسامة بن لادن.

اكراد يحطمون تمثال صدام حسين في كركوك (AFP)
اكراد يحطمون تمثال صدام حسين في كركوك (AFP)

8. التنظيم الكردي الأكثر شهرة في العالم هو كما يبدو حزب العمال الكردستاني، المعروف باسم PKK. هذا الحزب هو جماعة مسلّمة ذات أيديولوجية قومية كردية وماركسية، وقد تأسست في أواخر سنوات السبعينيات من القرن العشرين في تركيا على يد عبد الله أوجلان. وتعامل الكثيرون مع الحزب باعتباره تنظيمًا إرهابيّا بكلّ معنى الكلمة.

حدثت غالبية الأعمال الإرهابية التي قام بها التنظيم في تركيا، حتى تلك التي تم تنفيذها خارج البلاد تم توجيهها ضدّ أهداف تركية. وقد برّر الـ PKK كفاحه المسلّح بدعوى القمع المتواصل والموجّه للأكراد من قبل السلطات التركية. إحدى أبرز النماذج الرئيسية التي قُدّمتْ لتوضيح القمع كان القانون الذي تمّ سنّه عام 1983 والذي خُصّص، وفقًا للأكراد، لشطب لغتهم وهويّتهم القومية.  أصبح التنظيم أكثر اعتدالا في السنوات الأخيرة، ودعا إلى وقف العمليات العدائية ضدّ تركيا مقابل ضمان الحقوق الجماعية للأكراد.

9. إنّ أسباب عدم حصول الأكراد على الاستقلال السياسي كثيرة ومتنوّعة: السبب الرئيسي هو مزيج من القمع التركي، السوري، الإيراني والعراقي خلال القرن العشرين كلّه. ولكن حتى بعد سقوط صدّام حسين وتحوّل كردستان العراق إلى شبه مستقلّة، فإنّ الصراعات الداخلية بين الأكراد في سوريا والعراق لم تسمح بشراكة حقيقية في المصالح.

مظاهرة لأكراد العراق (SAFIN HAMED / AFP)
مظاهرة لأكراد العراق (SAFIN HAMED / AFP)

10. يعتقد خبراء أنّ خطوات المصالحة الكردية مع الأتراك في العقد الأخير، إلى جانب تفكّك الجيش العراقي في القتال ضدّ داعش، هي التي ستمهّد الطريق في نهاية المطاف للاستقلال الكردي، بعد سنوات من النضال دون نتائج. ومع ذلك، فقد بدا في الصيف الأخير أنّ داعش قامت بضرب البيشمركة ضربات قاسية جدّا، ومن غير الواضح إذا ما كان الأكراد يستطيعون التعافي من ذلك. ستحدّد المعركة على كوباني إلى حدّ كبير التطلّعات الكردية للاستقلال السياسي، على أنقاض العراق وسوريا المحطّمتين.

اقرأوا المزيد: 903 كلمة
عرض أقل
مظاهرة كردية تطالب بتحرير الاسير الكردي عبد الله أوجلان (AFP)
مظاهرة كردية تطالب بتحرير الاسير الكردي عبد الله أوجلان (AFP)

جنرال إسرائيلي: حزب العمال الكردي ليس منظمة إرهابية

أثارت التصريحات التي أدلى بها نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، يائير جولان، خلال مؤتمر في واشنطن، أن حزب العمال الكردستاني ليس منظمة إرهابية من وجهة نظره، غضبا في الحكومة الإسرائيلية والتركية

يبدو أن الأقوال الاستثنائية التي ذكرها اللواء يائير جولان، الذي كان حتى وقت قصير نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، وشارك في مؤتمر معهد الأبحاث في واشنطن، لن تنال رضا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. في المؤتمر الذي جرى هذا الأسبوع في واشنطن، قال جولان إنه يعتقد أن الحركة السرية الكردية ليست تنظيمًا إرهابيًّا وإنه “من وجهة نظره فإن حزب العمّال الكردستانيّ (الحركة السرية) ليس تنظيمًا إرهابيًّا. هذا ما أؤمن به”، قال اللواء.

https://www.youtube.com/watch?v=nS_YubxFPS0

وأوضح قائلا: “عند النظر إلى إيران في الشرق الأوسط، والنظر إلى عدم الاستقرار، فإن الكيان الكردي المستقر والمتكتل في وسط هذا المستنقع، يمكن أن يكون فكرة جيدة”.

وتعرّف تركيا، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي الحركة السرية الكردية وحزب العمال الكردستاني بصفتمها منظمة إرهابية. منذ عام 1984، نفذت الحركة هجمات وعمليات ضد أهداف تركية، مدنية وعسكرية، وتسببت بوفاة أكثر من 40 ألف شخص.

وأعلنت الحركة السرية الكردية عن وقف إطلاق النار عام 2013، ولكنه انهار في عام 2015، وما زال الصراع بين الجانبَين التركي والكردي مستمرا ويؤدي إلى الكثير من الضحايا، لا سيما في منطقة جنوب شرق تركيا التي يعيش فيها الكثير من الأكراد.

وسمع بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأقوال الاستثنائية للواء جولان، فسارع أمس إلى نقل رسالة لاذعة توضح أن “إسرائيل تعتبر حزب العمّال الكردستانيّ منظمة إرهابية”. وأضاف نتنياهو: “في حين أن إسرائيل تعارض الإرهاب على أنواعه، تدعم جهود الشعب الكردي الشرعية لإقامة دولته”. يبدو أن نتنياهو أراد أن يوضح الأمور فورا لأن العلاقات التركية الإسرائيلية آخذة بالتحسن وهو ليس معنيا بأن يلحق بها ضررا في هذه المراحل الهامة. إن أقوال جولان خطيرة جدا لأن الكثير من منتقديه يدعون أنه إذا كان يعتقد أن الحركة السرية الكردية ليست تنظيمًا إرهابيًّا فكيف يمكن أن يصف حماس، فتح، أو الجهاد الإسلامي، منظمات إرهابية؟

وتعارض تركيا، العراق، إيران وسوريا فكرة إقامة دولة كردية مستقلة، خوفا من أن تنتشر ظاهرة النزعة الانفصالية بين السكان الأكراد الذين يعيشون في أراضيها. يعمل الأكراد على إقامة دولة مستقلة ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وزعت الدول العظمى أراضي الإمبراطورية العثمانية وبقي الأكراد منتشرين بين أراضيها وأراضي تركيا، إيران، العراق، وسوريا.

اقرأوا المزيد: 323 كلمة
عرض أقل
مقاتلون يرفعون علم المثليين وكتابات "أولئك المثليون سيقتلون الفاشيين" (Facebook)
مقاتلون يرفعون علم المثليين وكتابات "أولئك المثليون سيقتلون الفاشيين" (Facebook)

علم المثليين يرفرف في عاصمة داعش

التقط مقاتلو مليشيات كردية في مدينة الرقة صورا مع علم المثليين وتظهر عليه الكتابة: "أولئك المثليون سيقتلون الفاشيين"

في حين أن الحرب التي يديرها التحالف الكرديّ ضد تنظيم الدولة الإسلامية أصبحت على وشك الانتهاء، في عاصمة التنظيم، في مدينة الرقة الواقعة شمال سوريا، كُشِف للمرة الأولى عن مقاتلين مثليين، يحاربون مع القوات الكرديّة.

وتشكل كتيبة المقاتلين جزءا من المليشيات الأناركية المعروفة باسم “قوات الميليشيا الشعبية العالمية الثورية” (‏International revolutionary People’s Guerilla Forces‏)، التي ينشط فيها متطوعون من دول الغرب والأكراد المحليون أصحاب الأيديولوجية اليسارية المتطرفة.

وفي الأيام الأخيرة، نُشرت صور لمقاتلي الوحدة في شوارع الرقة المدمرة، وهم يرفعون علنا علم المثليين ولافتات كُتب عليها: “أولئك المثليون سيقتلون الفاشيين”.

ويدير التحالف الكرديّ في شمال سوريا أو كما يعرف باسم “الجبهة الديموقراطية السورية” سياسة ثورية في شمال سوريا تتضمن سياسة اللامركزية للصلاحيات وتوزيعها على المجموعات المختلفة، ضم النساء للعمل في وظائف قتالية، ووظائف رفيعة المستوى، ومعاملة متسامحة مع المثليين.

مقاتلون يرفعون علم المثليين وكتابات "أولئك المثليون سيقتلون الفاشيين" (Facebook)
مقاتلون يرفعون علم المثليين وكتابات “أولئك المثليون سيقتلون الفاشيين” (Facebook)

سعينا لفحص الموضوع مع بعض الخبراء الإسرائيلين في الشؤون السورية والكردية. وقال لنا عيدان برير، الذي يدرس للقب الدكتوارة في قسم التاريخ في جامعة تل أبيب، وزميل باحث في المنتدى الفكري الإقليمي، وخبير بشؤون العراق إن الحديث يدور، على ما يبدو، عن خدعة للقسم المتحدث باسم المجموعة الكردية التي نشرت الخبر والصور في النت بهدف العلاقات العامة. “الكتابة مقتبسة عن مجلات لأحرار الجنس، ولكن لا أعتقد أن هناك قوات كهذه في أرض الواقع سوى في التقارير الصحفية باللغات الأجنبية”، أضاف برير.

وكذلك ادعت اليزابيث تسوركوب، الناشطة من أجل حقوق الإنسان، وخريجة اللقب الأول في الإعلام والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية والحاصلة على اللقب الثاني في شؤون الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب، وزميلة باحثة في منتدى التفكير الإقليمي أنه، على ما يبدو، يدور الحديث عن خدعة لهذه المجموعة بهدف العلاقات العامة، أي أن الحديث عن مثليين غربيين وصلوا إلى منطقة الإدارة الكردية في شمال سوريا وليس عن مقاتلين مثليين من قوات سوريا الديمقراطية. “أقيمت هذه الوحدة الصغيرة دون موافقة قوات سوريا الديمقراطية. يعاني المثليون في منطقة الإدارة الكردية في شمال سوريا كما يعاني سائر المثليين في سوريا من تمييز وقمع من قبل الدولة، المجتمَع، والعائلة”. حتى أن تسوكروب لفتت انتباهنا إلى بيان لمسؤول في قوات سوريا الديمقراطية, مصطفى بالي, ” تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبرا عن تشكيل كتيبة لمثليي الجنس من المقاتلين الأمميين ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مدينة الرقة‎.‎‏ إننا في قوات سوريا الديمقراطية في الوقت الذي نؤكد على احترامنا العميق لحقوق الإنسان و الحريات العامة، فإننا ننفي تشكيل هكذا كتيبة ضمن صفوف قواتنا و نعتبر هذا الخبر عاريا عن الصحة”, كما جاء في البيان.

اقرأوا المزيد: 381 كلمة
عرض أقل
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع عمال أكراد في لبنان (AFP)
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع عمال أكراد في لبنان (AFP)

عن أصل الدروز وديانتهم

كاتب كردي يكتب لموقع "المصدر"، ردا على مقالة "أصل الدروز ليس عربيًّا": أصل الدروز من منطقة كردستان، وزعماؤهم من أصل كردي

في مقال بعنوان “أصل الدروز ليس عربيًّا“، نشر على موقع “المصدر” الإلكتروني، في تاریخ 26 نوفمبر/ تشرن الثاني 2016، لصاحبه الأستاذ عامر دکة، تحدث الكاتب عن دراسة للباحث الإسرائيلي البروفسور “عوز ألموج”، عالِم الاجتماع والمؤرخ والباحث في المجتمع الإسرائيلي من جامعة حيفا، وزمیل آخر لە هو الدکتور حایك، تخص أصل الدروز ودیانتهم. وقد توصل الباحثان إلی استناج مغایر لما هو شائع حتی الآن عن أصل الدروز. ومفاد الدراسة أن الدروز من الناحیة الإثنیة یرجعون إلی الشعوب الإیرانیة التي عاشت شمال شرقي تركيا وأرمينيا، وبین جبال زاغروس في العراق وجبل أرارات، وهو الأعلى في المنطقة الجبلية في تركيا (منطقة أرمينيا سابقًا). ودّدت هنا أن ألقي الضوء علی بعض الحقائق التاریخیة المتعلقة بالدروز.

الدیانات، وبالأخص الدیانات التي تسمی بالدیانات السماویة، بشکل عام ترتبط وتتداخل بعضها ببعض، وترجع في جذورها وتستند، وإن اختلفت بعض الشيء، إلی نمط واحد من التفكیر وتدعو الناس إلی الطریق نفسها وتبشرهم بالبشائر نفسها، واستنادا إلی ذلك، أستطیع القول إن هناك شبها کبیرا بین الدیانة الدرزیة والعدید من الدیانات الأخری المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص بعض الدیانات في منطقة کردستان، التي تضم شمال غرب إیران، شمال العراق، وسوریا والشمال الشرقي لترکیا وبعض المناط‌ق الجنوبیة من أرمینیا بما فیها جبل أرارات.

شيوخ دروز يُحيون عيد النبي شعيب  (Flash90/Moshe Shai)
شيوخ دروز يُحيون عيد النبي شعيب (Flash90/Moshe Shai)

ما أعنیە من هذە الدیانات، هي الیارسانیة (التي تسمی بالكاکائیة وأهل الحق أیضا) والیزيدیة. هاتان الدیانتان شائعتان في أوساط الكرد في کردستان. لا أرید الولوج في العمق التاریخي للتوصل إلی أصل هذە الدیانات ونشأتها، لكن كثيرا من الدلائل التاریخیة والطقوس التي يتبعها أتباع هذە الدیانات وأصحابها، تُقربنا من أن نقتنع بأن هذە الدیانات ما هي إلا انشعابات وتفرعات من الدین الإسلامي ومذاهبە المختلفة، بعد التوصل إلی اجتهادات وتفسیرات وقراءات أخری ومختلفة للإسلام وبعد الاختلاط والتأثر بالأدیان الأخری کالزرادشتية، والیهودیة، والمسیحیة، والنسطورية، والبوذیة، والهندوسیة، وبعض عناصر الفلسفة الیونانیة والصوفیة وغیرها، أصبحت تتحول إلی طوائف وأدیان مستقلة لذاتها، وینطبق هذا القول علی الدیانة الدرزیة أیضا.

ویٶکد الشیخ الراحل کمال جنبلاط أن العقیدة الدرزیة هي امتداد للمدارس الهرمسیة الیونانیة أو المصریة – مدارس السنة الباطنیة – التي انتقلت إلی التصوف الإسلامي وأن الديانة الدرزیة الحقیقیة هي الحكمة في العرفانیة (الغنوصیة) في الیونان ومصر وفارس والإسلام في آن واحد، وأن الدرزي هو کل توحیدي یؤمن بوحدة أدیان العالم جميعا، کائنا ما کانت طقوسها وشعائرها.

وتنسب بداية المذهب الدرزي إلى أبو عبد اللە محمد المتوفي سنة 1019م، فكان الداعي الأول للحاکم بأمراللە الفاطمي، إذ لجأ إلی لبنان وسوریا وبشر فیهما بمذهبە . ولكن معظم المصادر تؤكد أن الدیانة الدرزیة تعود في جذورها إلی الطائفة الإسماعیلیة – الشیعیة المسلمة.

وتتميز بعض الديانات بأنها تكون خاصة بقوم أو عرق معین من البشر، وتستخدم في طقوسها لغة ذلك العرق أو القوم، کالدیانة الیهودیة التي تخص الشعب الیهودي، والدیانتين الیارسانیة والیزيدیة اللتان تخصان الشعب الكردي، إلا أنني لا أؤمن بحصر دین، أو مذهب، أو فلسفة، أو تیار فکري معین بعرق أو قومیة معینة، وإعطائه هویة قومیة أو عرقیة، وتنطبق هذه الفكرة علی الديانة الدرزية أیضا، إذ من الممكن لأي فرد من أي قومیة أو عرق، استبدال دیانة بأخری، ومذهب بآخر، واعتناق ما یحلو له من أفکار وفلسفات. فالدین لیس شیئا ثابتا، بل قابل للتغییر کما الأشیاء الأخری في الحیاة.

أما من الناحیة الإثنیة، فالباحثان ألموج وحایك، حسب ما كتب الأستاذ دکة، یذکران أن الدروز یرجعون إلی الشعوب الإیرانیة التي عاشت شمال شرقي تركيا وأرمينيا، وبین جبال زاغروس في العراق وجبل أرارات. المناطق التي یذکرها الباحثان، ماهي إلا مناطق مرتبطة بعضها ببعض، وتشكل منطقة ذات طابع خاص، تسمی منطقة “کردستان”، يسكنها شعب یدعی “الشعب الكردي”. لیس الكرد وحدهم يسكنون تلك المنطقة، وإنما هم یشكلون أکثریة سکان تلك المنطقة، وهم السكان الأصلیون في تلك المنطقة.

لا الباحثان ولا السید دکة، کاتب المقال، تطرقوا أو ذکروا اسم “کردستان” أو “الكرد”، عند تحدثهم عن تلك المنطقة التي جاء منها الدروز، وعن انتمائهم الإثنيّ لشعوب تلك المنطقة.

يحرص المجتمع الدرزي على الزواج داخل الطائفة  (Flash90/Moshe Shai)
يحرص المجتمع الدرزي على الزواج داخل الطائفة (Flash90/Moshe Shai)

لست من مؤيدي فكرة النقاء العرقي والصفاء القومي الخالص، أي أن المنتمين لقومیة أو عرق واحد یرجعون إلی أصل واحد ودم واحد، کما کانت النازیة تعتقد بنقاء العرق والدم الآري الخالص، فهذە لیست إلا فکرة عنصریة ومخالفة للطبیعة والتفكیر السلیم. الأقوام والأعراق، کما الدیانات، تختلط مع بعضها وتمسح الحدود وتجعلنا بشرا وأناسا قبل أن نكون أعراقا وأقواما. الانتماء إلی عرق أو قومیة معینة ما هو إلا الإحساس بذلك الانتماء. فحين سئل زعیم الكرد، مصطفی البارزاني، مرة: من هو الكردي؟ أجاب: “من أحس بأنە کردي، ومن يعتبر نفسە کردیا فهو کردي”. ینطبق هذا القول علی کل إنسان وکل قومیة وعرق.

حسب موسوعة بريتانيكا البريطانية (Encyclopædia Britannica)، طبعة 1911، فإن الدروز خلیط من قبائل شرق- أوسطیة ولاجئون، أغلبهم عرب، یعودون أصلا إلی قوم من سكنة الجبال، ودم آرامي. من أشهر هذە القبائل: تنوخ ومعن، التي أنجبت أشهر زعیم درزي وهو فخر الدین بن معن. یٶکد الدکتور محمد الصویري أن “المعنيين هم من سلالة معن بن ربيعة الأيوبي الكردي، كان أجدادهم يعيشون في بلاد فارس ثم في الجزيرة الفراتية، ومنها انتقل جدهم معن بن ربيعة الأيوبي الكردي إلى جبل لبنان في القرن السادس عشر الميلادي”، وقد أكد صحة هذا النسب ما ذكره المؤرخ محمد أمين المحبي في كتابه “خلاصة الأثر” بقوله إن بعض أحفاد فخر الدين المعني كانوا يروون عنه أنه كان يقول: ” أصل آبائنا من الأكراد سكنوا هذه البلاد”، وأصبح أحفاد هذا الأمير من أشهر حكام جبل لبنان والشوف خلال سنوات 1516-1697م، وعرفوا بأمراء الدروز.

زعماء الدروز أصلهم كردي

أما أشهر العوائل التي قادت الطائفة الدرزیة في التاریخ عائلة عماد، التي يرجع أصلها إلی مدینة العمادیة الكردیة في جنوب کردستان، وعائلة جنبلاط (جانبولاد باللغة الكردیة وتعني الروح الفولاذیة) التي ترجع أصلها إلی شمال کردستان، وکذلك عائلة أطرش (أو هتروش) الذین ینحدرون أصلا من منطقة أتروش في جنوب کردستان. وهناك عائلة أرسلان، مع أن الاسم فارسیا وترکیا، لكنها تدعي أنها ترجع إلی ملوك الحیرة العرب. بالنسبة للعائلة الجنبلاطیة، أو “آل جنبلاط”، فهي من العائلات المشهورة في لبنان، وهم کرد في الأصل، دروز المذهب، يسكنون اليوم في الشوف بجبل لبنان، وتعد بلدة ” المختارة” قاعدة لهم.

وقد قامت هذه الأسرة بدور سياسي فاعل أيام الدولة العثمانية في شمالي الشام، وفي جبل لبنان، كما أدت دورًا مماثلاً في تاريخ لبنان الحديث. تنتسب هذه الأسرة إلى الأمير “جان بولاد بن قاسم بك بن أحمد بك بن جمال بك بن عرب بك بن مندك الأيوبي الكردي”، المنحدر من عشائر الأيوبيين الكرد، اشتهر بشجاعته وجسارته، مما حببه إلى السلطان سليمان القانوني، الأمر الذي دعا جان بولاد الطلب منه بإعادة ملك أبيه له، فلبى طلبه وأعادت الدولة ملكه بفرمان سلطاني، وهناك سار في خطة حازمة وأسس مقاطعته (حلب وكلس) بكل جدّ وثبات، وصار أمير الأمراء، عاش 90 عامًا، وتوفي سنة 1572م. ويعد الجد الأكبر والمؤسس لأسرة جان بولاد (جنبلاط)، ويذكر في كتاب “الشرفنامة” أنه ترك 70 ولدًا. وشهد التاريخ لهذه الأسرة بدورها الحافل في حلب واستانبول ولبنان، وكان لبعضهم تحالفات مع المعنيين الكرد في جبل لبنان. وقد بدأت أولى سلالتهم في لبنان سنة 1630م عندما نزل جان بولاد بن سعيد، وابنه رباح، لبنان بدعوة من الأمير فخر الدين المعني الثاني لما كان بينهما من ود وصداقة، ورحب به أكابر جبل لبنان ودعوه إلى الإقامة في بلادهم، فأقام في مزرعة الشوف، واعتمد عليه الأمير فخر الدين الثاني في مهمات أموره.

وكلمة جنبلاط أصلها من كلمة (جان بولاد) كردية التي تعني (الروح الفولاذية)، وقد لقبوا بها لشدة بأسهم، وفرط شجاعتهم، وحسن سياستهم، وقد حرفت لتصبح جنبلاط . وقد جاء في المنجد في اللغة والاعلام أن “جنبلاط، أسرة لبنانیة درزیة، کردیة الأصل، تنتسب إلی جنبلاط بن قاسم، حالفت الأمیر فخرالدین الثاني المعني. استوطنت لبنان منذ 1630 وأصبح مشایخها من زعماء الإقطاع في الشوف”.

أما آل العماد (العماديون) فهم أسرة كبيرة معروفة تقيم في جبل لبنان وذات منابت إقطاعية، تعود بنسبها إلى جدهم (عماد)، وهو كردي الأصل قدم من مدينة ( العمادية) القريبة من مدينة الموصل في كردستان العراق، إذ جاء مهاجرًا إلى لبنان وسكن قرية (مرطحون)، ثم ارتحل إلى الباروك، ومنها انتقل أحفاده إلى منطقة الشوف، فاعتنقوا المذهب الدرزي الشائع هناك وأصبحوا من كبار الملاكين، كما اعتنق بعضهم الديانة المسيحية المارونية. ومما يؤيد كرديتهم ما كتبه الدكتور سليم الهيشي بقوله: “يمتون بصلة القربى إلى عماد الدولة الديلمي الكردي الذي حكم منطقة العمادية…”.

کمال جنبلاط يلتقي الزعیم مصطفی البارزاني في العراق
کمال جنبلاط يلتقي الزعیم مصطفی البارزاني في العراق

سمعت وقرأت مرات ومرات مقابلات وتصریحات للشیخ الراحل کمال جنبلاط، والشیخ ولید جنبلاط، وهما شیوخ وسادة وزعماء الطائفة الدرزیة، أن أصلهم کردي، وأن الطائفة الدرزیة کردیة الأصل. یذکر کمال جنبلاط أن العائلة الجنبلاطیة ترجع أصلا إلی شمال سوریا، إذ أسس جدهم الکبیر الأمیر جانبولاد (الإسم الکردي للعائلة) مملکة تشمل حمص وحماە وحلب ودمشق وقسما من ترکیا الأناضولیة وبعد خلافات وعداء مع الدولة العثمانیة ومعارك معها، إضطر الجنبلاطیون إلی الهجرة إلی لبنان ومنطقة الشوف وسکنوا المختارة وأصبحوا سادة الدروز . إذا فکمال جنبلاط، من عائلة کردیة نزلت من شمال کردستان أصلا إلی غرب کردستان وبعدها إلی جبل لبنان والمختارة وقد هاجرت إلی لبنان في العهود الأیوبیة. في سنة 1973 زار کمال جنبلاط العراق وأصر علی زیارة الزعیم مصطفی البارزاني، فالتقی بە في ناوبردان مقر إقامة البارزاني آنذاك.

کما وأن الشیخ ولید جنبلاط زار أربیل، عاصمة إقلیم کردستان العراق، في تموز/ یولیو سنة 2011، والتقی الرئیس مسعود البارزاني. ولید جنبلاط، أکد مرارا أنە وعائلتە الجنبلاطیة هم کرد في الأصل. إذ عندما التقی الأمير تحسین بك جانبولاد، أمیر الإیزدیة، في معبد لالش في کردستان، أکد الاثنان أنهما يتحدّران من عائلة كردية وأصول واحدة. وفي هذا قال جنبلاط: “أزور كردستان العراق للمرة الأولى، ويسرني أن ألتقي بالأمير تحسين بك وألبي دعوته وتربطنا صلة كل على طريقته. نحن الموحدون الدروز لنا تقاليد وأعراف، لكننا نعود في مكان ما إلى الإسلام ونحن مسلمون، ولا يوجد أي فرق بين الأديان عامة، فلكل دين فلسفته، وطبائعه الدينية وشعائر المحبة”.

وأشار إلى أن والدە كمال جنبلاط عندما زار العراق العام 1973: “أصر على أن يزور المرحوم الملا مصطفى البارزاني في كردستان، ونحن نفتخر لكون أصولنا كردية وقد رحلنا في فترة معينة إلى لبنان“. وأضاف “كان والدي يردد كل الوقت أنه من أصول كردية ويبدو أنه حفظ عن ظهر قلب شجرة العائلة الجنبلاطية وأماكن دفن أجداده في بلاد الكرد” . قلَّة تعرف أصل العائلة الجنبلاطية، التي لعبت دورًا سياسيًا فاعلًا في لبنان والمنطقة، قبل تأسيس دولة لبنان الكبير في العام 1920. اعترف العثمانيون بعائلة جانبولاد، وعينوا علي باشا جانبولاد حاكمًا على حلب، حيث بقوا حكامًا، حتى ثار على العثمانيين. فقضوا على ثورته، واعدموه في العام 1511. يؤكد المؤرخون أن علي باشا جانبولاد كان كرديًا سنيًا، واعتنقت العائلة الديانة الدرزية بعد ذلك.

ولید جنبلاط يلتقي بالرئيس مسعود البارزاني في العراق
ولید جنبلاط يلتقي بالرئيس مسعود البارزاني في العراق

الدروز شأنهم شأن کل الأعراق والأقوام في العالم، فهم لیسوا شعبا خالصا ونقیا من عرق وأصل ودم واحد، لأنە لا یوجد في الكون شعب أو عرق أو قومیة صافية. هم ینتمون إلی أصول مختلفة، أما أنهم یعتبرون أنفسهم عربا في الوقت الحاضر، فلا إشكال في ذلك، لأن الانتماءات القومیة والعرقیة، قابلة للتغییر، والقومیة هي إحساس وثقافة قبل أي شيء آخر.

کاتب من کردستان العراق، مقيم في السوید منذ 1981

اقرأوا المزيد: 1667 كلمة
عرض أقل
ألأكراد في إسرائيل
ألأكراد في إسرائيل

الأكراد اليهود: طائفة صغيرة تحافظ على كنز ثقافي كبير

يحافظ 150 ألف كردي يهودي يعيشون في إسرائيل على ثقافة الطائفة المعزولة التي تعيش بين الجبال، والتي اشتهرت بفضل المرأة الرائدة التي أصبحت إحدى أعظم النساء في تاريخ الشعب اليهودي

هناك دائما أكثر مما تراه العين المجردة في كل ما يتعلق بالجالية اليهودية في كردستان، وهي جالية متواضعة، صغيرة، ولكنها غنية بالتراث الثقافي المذهل، والتي يعيش نحو 150 ألف من أبنائها اليوم في دولة إسرائيل. ليس عبثا قال الباحث يوسف يوئيل ريفلين (وهو والد رئيس دولة إسرائيل رؤوفين ريفلين)  إن: “ليس هناك منفى من منافي إسرائيل سجلّه قليل في التاريخ اليهودي كالمنفى في كردستان”.

جالية معزولة ومنقطعة

جالية يهود كردستان هي من الجاليات الأكثر قدما من بين جاليات الشعب اليهودي، وهناك من يقول إنّ أوائل اليهود قدِموا منذ أيام الهيكل الأول، والذي بقي على حاله حتى عام 586 قبل الميلاد. ولكن، وصل معظم اليهود إلى هناك كما يبدو في فترة النفي البابلي الكبير، والذي أنشأ الجالية اليهودية الأقدم في العالم في منطقة العراق في أيامنا.

فرضت الحياة في المناطق الجبلية والخطرة على يهود كردستان البعد والانعزال عن بقية الجاليات اليهودية، بل حتى عن جالية يهود بابل. قامت حولها الإمبراطوريات وسقطت، ولكن الطائفة اليهودية في كردستان حافظت على ثقافتها. بالإضافة إلى ذلك، خلال فترة كبيرة من التاريخ كانت الجاليات الكردية منقطعة عن غيرها بسبب ظروف المنطقة القاسية، والتي فرضت على كل جالية العيش في عزلة.

ألأكراد اليهود
ألأكراد اليهود

بشكل عام، فإنّ الكثير من المشاكل التي شغلت على مدى الأجيال اليهود الأكراد كانت مشتركة بين كل الأكراد. على سبيل المثال مسألة الفصل اللغوي. بشكل عام، كانت لغة يهود كردستان تشبه لغة المسيحيين الأكراد واستندت إلى الآرامية، بخلاف لغة المسلمين التي استندت إلى لهجات هندية إيرانية. ورغم أنّ جميع يهود كردستان تحدّثوا بشكل أو بآخر باللغة الآرامية، فقد تطوّرت لدى كل جالية لهجة خاصة بها تعكس لغة أبناء بيئتها وأصول سكان المنطقة العراقيين، الأتراك، السوريين أو الفُرس.

امرأة باسلة

إحدى الشخصيات الأكثر شهرة في التاريخ الكردي اليهودي هي عالمة الدين أسنات برزاني. قلّة هنّ النساء في تاريخ الشعب اليهودي اللواتي اكتسبنَ مكانة الفقيهة والحكيمة في الدين والكتب المقدسة كالعالمة أسنات، التي عاشت في القرن السابع عشر في الجالية الكردية في الموصل، في العراق اليوم.

درّست أسنات بل وأدارت مدرسة يهودية أقامها والدها، الحاخام شموئيل برزاني. كتبت تفسيرا لسفر الأمثال من الكتاب المقدس، ولكن هذا التفسير قد ضاع على مرّ السنين. تقول الأسطورة إنه لكون أسنات تلميذة ذكية فقد أنقذت كنيسها من الحريق عندما استخدمت تعويذات سرية، ودعت ملائكة الله لإطفاء الحريق.

الزراعة والتمائم

حتى بداية القرن العشرين لم يكن التعليم في كردستان متطوّرا في أوساط اليهود، والذي كان الكثير منهم مزارعين. بخلاف الجاليات اليهودية الأخرى والتي كان حاخام الجالية فيها مسؤولا عن تعليم الفتيان منذ سنّ صغيرة، فقد عمل الحاخامات الأكراد أيضًا كذبّاحين، مطهّرين (حتى في بيوت المسلمين) وككاتبي التمائم، مما لم يترك لديهم وقتا للتعليم. فقط بعد أن بدأت الشبكات التعليمية الصهيونية بالعمل في أوساط اليهود في جميع أنحاء العالم، بدأت غالبية يهود كردستان بالحصول على التعليم المنظّم.

وممّا يثير إعجابا كبيرا هو تمسّك اليهود الأكراد بالعمل في الأرض، وهو الأمر الذي يفتقر إليه اليهود في المنافي الأخرى. قال رئيس دولة إسرائيل الثاني، يتسحاق بن تسفي، إنّ “يهود كردستان هم القبيلة الوحيدة في شعب إسرائيل التي حافظت حتى اليوم على أسس الزراعة بشكل كبير”. إلى جانب ذلك، كان يهود كردستان معروفين في أعمال التطريز والنسيج الخاصة بهم.

كما وأكثر اليهود الأكراد من استخدام التمائم المختلفة، وبشكل أساسي الصلوات التي كُتبت على ورقّ من جلد الغزال. حمل الكثير من الأكراد اليهود تمائم ضدّ عين الحسد وكوقاية من الأمراض وهجمات الأعداء. واشترى الأكراد المسلمون أيضًا تمائم من الكتّاب اليهود، لأنّ قوتهم كانت معروفة للقاصي والداني.

الأكراد في إسرائيل

يقول الأكراد في إسرائيل اليوم إنّ علاقتهم بالسكان اليهود في أرض إسرائيل كانت دائما قوية، ويذكّرون بموفدين ذهبوا إلى كردستان من القدس، من طبريا ومن صفد منذ القرن السابع عشر. وقد استثمر الكثير من اليهود الأكراد أيضًا مبالغ مالية من أجل أن يُدفَنوا في أرض إسرائيل.

هجرة اليهود الأكراد إلى إسرائيل
هجرة اليهود الأكراد إلى إسرائيل

وقد بدأت الهجرة الجماعية ليهود كردستان إلى إسرائيل منذ أن كانت الصهيونية لا تزال في بدايتها، قبل الحرب العالمية وقبل وعد بلفور. شق الأكراد من منطقة أورمية، تبريز، وديار بكر طريقهم إلى إسرائيل. وفي الثلاثينات من القرن العشرين تم الحديث عن قرى كاملة في كردستان غادرها جميع اليهود الذين كانوا بها من أجل الاستقرار في إسرائيل.

بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، ومع عملية الهجرة “عزرا ونحميا” عام 1952، والتي هاجر فيها 125,000 يهودي من العراق إلى إسرائيل، هاجر جميع يهود كردستان العراقية إلى إسرائيل. وقد هاجر في أعقابهم أيضًا الكثير من يهود كردستان الإيرانيين بل والكثير من الأكراد الذين في تركيا.

ورغم أنّ اليهود الأكراد قد استوعِبوا جيّدا في دولة إسرائيل واندمجوا في جميع مجالات الحياة، فإنّ الطائفة الكردية متمسّكة جدّا بثقافتها. إحدى المناسبات الرئيسية في هذا السياق هي احتفالات الـ “سهرنا”، والتي تم الاحتفال بها في الربيع كاحتفال يوازي لعيد النوروز الإيراني. في دولة إسرائيل، يُحتفل بالسهرنا في شهر أيلول، بموازاة عيد العرش اليهودي. تشتمل الاحتفالات، من بين أمور أخرى، على الغناء والرقص، العزف على الطبلة والناي، الخروج الجماعي إلى المتنزّهات والحدائق، والولائم الكثيرة.

أحد الأمور الذي يميّز الطائفة الكردية في إسرائيل هو مأكولاتها المذهلة واللذيذة، وعلى رأسها الكبّة، الأرز مع الأوراق الخضراء، وورق العنب المحشوّ.

ومن الجدير بالذكر أنّ الكثير من الأكراد في إسرائيل يحافظون على ولائهم لكردستان، ويتمنّون من قلوبهم مجيء اليوم الذي سيحقق فيه الشعب الكردي استقلاله بعد سنوات طويلة من الاضطهاد.

https://youtu.be/3BSy4CyIrPg?list=PLE6292D3C72282A47

اقرأوا المزيد: 796 كلمة
عرض أقل
العلاقة الكرديّة - الإسرائيلية
العلاقة الكرديّة - الإسرائيلية

العمل على تعزيز العلاقات: العلاقة الكرديّة – الإسرائيلية

هناك لدى إسرائيل والأكراد تاريخ طويل من التعاون في مجالات مختلفة، ولكن يبقى معظمها سرّيا. على خلفية اتفاق النفط الكردي - الإسرائيلي الذي تم الكشف عنه هذا الأسبوع - فيما يلي استعراض للتاريخ بين البلدين

في الأسبوع الأخير، تصدّر العناوين في العالم التعاوُن المفاجئ بين إسرائيل والأكراد في العراق. أفاد الموقع البريطانيّ “فايننشال تايمز” أنّه في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط، منذ شهر أيار الأخير وحتى بداية شهر آب الأخير، استوردت إسرائيل من الإقليم الكردي في شمال العراق 19 مليون برميل نفط. وتمثّل هذه الكمية 75% من إجمالي استهلاك النفط في إسرائيل.

وقد فاجأ هذا الكشف العالم لأنّ معظم النفط الإسرائيلي يأتي في الواقع من العراق، حليفة إيران التي تُعارض العلاقات التجارية والدبلوماسية مع إسرائيل. ولكنه لا يأتي تماما من الحكومة العراقية، وإنما من الإقليم الكردي شمال العراق، والتعاون بين الأكراد والإسرائيليين هو في الواقع قصة أخرى تماما.

إنّ اتفاق النفط الذي تم الكشف عنه بين الأكراد والإسرائيليين هو مجرّد كشف آخر في سلسلة الكشف التي تُنشر في وسائل الإعلام بين الحين والآخر حول التعاون والعلاقات الكردية – الإسرائيلية. يمكن في السنوات الأخيرة بالتأكيد الشعور بحميمية العلاقات بين إسرائيل والأكراد. تحتاج إسرائيل إلى الأكراد لأجل مصالحها، مثل النفط الموجود في أراضيهم، ويحتاج الأكراد إلى الأموال من إسرائيل من أجل تمويل قتالهم ضدّ الدولة الإسلامية.

وقد أشار رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في السنة الماضية للمسألة الكردية خلال خطاب تحدّث فيه عن التغييرات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وعن الفرص التي نشأت أمام إسرائيل لعقد أحلاف مع شركاء ذوي مصالح مشتركة. وصرّح نتنياهو في ذلك الخطاب أنّ الشعب الكردي “يستحقّ الاستقلال السياسي”.

رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو (Yonatan Sindel/Flash90)
رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو (Yonatan Sindel/Flash90)

شارك مئات الطلاب الأكراد في مناسبة في جامعة كردستان وسُئلوا إذا كانوا يؤيّدون إقامة علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل

وقد أعلن  طلاب أكراد في العراق أنّهم يؤيّدون إقامة العلاقات مع دولة إسرائيل. شارك مئات الطلاب الأكراد في مناسبة في جامعة كردستان وسُئلوا إذا كانوا يؤيّدون إقامة علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل، وأجاب معظمهم بالإيجاب. وقالت ممثّلة الجامعة في مقابلة أجريتْ معها: “ركّزت حجج الفريق الفائز على العلاقات التاريخية بين الشعب اليهودي والكردي. أنا أيضًا أعتقد أنّه يمكن أن تكون هناك علاقات مثمرة مع إسرائيل”.

عام 2008 أيضًا سُجّل حدث تاريخي في العلاقة بين إسرائيل وكردستان، وذلك عندما صافح جلال طالباني، الذي كان رئيسًا للعراق، يد من شغل يومذاك منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، خلال مؤتمر دولي في اليونان. لم يحبّ أعضاء البرلمان العراقي ذلك بل وطالبوا طالباني بالاعتذار.

إذا كان الأمر كذلك، فإنّ العلاقات بين كردستان وإسرائيل تعود لسنوات طويلة. حاول كلا الطرفين، إسرائيل والأكراد، على مدى الزمن إخفاء التعاون بينهما، ولكن لم ينجحا دائما.

بحسب التقديرات يبلغ عدد الأكراد 30 مليون نسمة وهم المجموعة العرقية الأكبر في العالم والتي لا تتمتّع بحقّ تقرير المصير. وهم مقسّمون الآن بين أراضي أربع دول مختلفة: تركيا، إيران، العراق وسوريا. يمكننا أن نرى في الآونة الأخيرة نوعًا من “اليقظة” الكردية. في سوريا وفي العراق على حدّ سواء، يمكننا أن نرى أنّ السلطة لم تعد تؤثّر على سلوك الأكراد في الدولة، تقريبا.

متى بدأت العلاقة مع إسرائيل؟

بدأت العلاقة بين دولة إسرائيل والأكراد في الخمسينيات. اعتقدت إسرائيل حينها أنّ عليها إقامة علاقات مع جهات غير عربية ومع الأكراد في العراق من أجل الخروج من العزلة التي كانت فيها. ومن جانب الأكراد فقد كانت لديهم أيضًا مصلحة لإقامة علاقات مع إسرائيل؛ إذ كانوا بحاجة إلى مساعدات في صراعهم القومي ضدّ النظام العراقي.

مظاهرة تأييد بالقضية الكردية في تركيا (Afp)
مظاهرة تأييد بالقضية الكردية في تركيا (Afp)

على مرّ السنين، ساعدت إسرائيل الأكراد سرا

على مرّ السنين، ساعدت إسرائيل الأكراد سرا. لقد درّبت جنود البيشمركة، وهو جيش العصابات الكردية، وزوّدتهم بالسلاح وساعدتهم على تطوير التعليم بلغتهم. من جانب آخر: فقد حصلت على مساعدات استخباراتية وعلى هجرة اليهود الذين عاشوا في العراق.

أحد الإسرائيليين من الذين ساعدوا الأكراد في بناء جيشهم كان جنديّا في الجيش الإسرائيلي، وهو تسوري ساغي. أُرسِل ساغي إلى إيران في الستينيات لمساعدة الأكراد في التدريبات. وقال في مقابلة أجريتْ معه قبل عام: “الإسرائيليون هم الوحيدون الذين لديهم ثقة بهم”. وقد أوضح أنّ الأكراد قلقون جدّا من التقارب بين إيران والولايات المتحدة (وقد كان ذلك قبل توقيع الاتفاق النووي).

في السبعينيات، وفي أعقاب حرب تشرين والأحداث الأخرى التي جرت في الشرق الأوسط، حدث برود في العلاقة بين إسرائيل والأكراد في العراق، ثم بعد ذلك عادت العلاقات لتزداد دفئا.

وعندما نتحدث عن الأكراد في تركيا؛ فإنّ علاقة إسرائيل بأكراد تركيا كانت مختلفة تماما على مدى فترات مختلفة. كانت تركيا وإسرائيل على علاقة جيّدة جدّا في الماضي، ولم ترغب إسرائيل بإظهار علاقة جيّدة مع الأكراد في تركيا، لأنّ هؤلاء كانوا أعداء النظام التركي. تم تعريف تنظيم pkk، حزب العمال الكردستاني، في تركيا باعتباره تنظيمًا إرهابيًّا (وأيضًا من قبل الدول الغربية) بل وقاتل ضدّ إسرائيل في حرب لبنان الأولى عام 1982. أي إنّه كان من المهم لدى إسرائيل في الماضي أن تقف في جانب النظام التركي وأن تساعده هو وليس الأكراد.

مجموعة اكراد في طريقهم من تركيا إلى كوباني في  تشرين الاول/اكتوبر (AFP)
مجموعة اكراد في طريقهم من تركيا إلى كوباني في تشرين الاول/اكتوبر (AFP)

والتقارب الأخير بين إسرائيل والأكراد حدث بسبب عدة أشياء قد تغيّرت. تدهورت العلاقة بين إسرائيل وتركيا، ولم يعد مهمّا جدّا بالنسبة لإسرائيل ماذا يعتقد النظام التركي بخصوص علاقتها مع الأكراد. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الأكراد الآن مقاتلين رئيسيين ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية ولذلك فلدى إسرائيل مصلحة في دعمهم. يقول بعض المسؤولين الإسرائيليين إنّه يجدر بإسرائيل أن توثّق علاقاتها مع الأكراد في العراق وسوريا، وأن تحاول إقناع الولايات المتحدة بالاعتراف باستقلالهم، لأنّ دولة كردية مستقلّة في المنطقة ستكون جهة صديقة جدّا لإسرائيل.

وهناك مصلحة أخرى لدى إسرائيل، قد رأيناها فعلا، وهي النفط الكردي. كردستان العراق، مستقرّة وناجحة أكثر من الجزء العربي من العراق. وهي تصدّر النفط بشكلٍ مُستقلّ وتنشئ شراكات مع دول العالم.

اقرأوا المزيد: 809 كلمة
عرض أقل
صورة توضيحية (Think stock)
صورة توضيحية (Think stock)

اتفاق النفط الكردي – الإسرائيلي

إسرائيل استوردت 19 مليون برميل نفط، من الأكراد في العراق، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. تُساعد الأموال الأكراد على تمويل القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية

تأتي غالبية النفط الذي تستورده إسرائيل، وفق تقرير نشره الموقع البريطاني “فايننشال تايمز”، من دولة عدوة لها – العراق. ويتضح من التقرير أنه بين شهر أيار 2015 حتى بداية شهر آب الحالي فقد استوردت إسرائيل 19 مليون برميل نفط من المنطقة الكردية في شمال العراق. يُقدر ثمن هذه الكمية بمليار دولار وتُشكل 75% من النفط الذي تستهلكه إسرائيل.

يُموّل الأكراد، بالأموال التي تدفعها إسرائيل لهم، حربهم ضد الدولة الإسلامية. يدعي الأكراد، من خلال التقرير الذي نُشر، أنه لا يهمهم إلى أين تذهب براميل النفط التي يوفرونها للتجار بل ما يهمهم هو أن يحصلوا على المال لتمويل حربهم الضارية. يذهب النفط الكردي بالطبع إلى دول أُخرى مثل إيطاليا، فرنسا واليونان.

وكما هو معروف فإن العراق دولة مُعادية لإسرائيل، تُعارض الحكومة العراقية أي تعاون اقتصادي أو دبلوماسي مع إسرائيل وتُعتبر الدولة حليفة لإيران. إنما كل ذلك لا يشمل الأكراد في البلاد، وهناك بعض التقارير، بين الحين والآخر في وسائل الإعلام، التي تتحدث عن تعاون كردي – إسرائيلي. تحاول إسرائيل، وكذلك الأكراد، إخفاء علاقات التعاون بينهما عن وسائل الإعلام.

تُظهر صفقة النفط بين إسرائيل والأكراد إصرار وجدية القيادة الكردية وانفصالها التام عن حكومة العراق وقراراتها. تستند المُعطيات التي نشرها موقع “فايننشال تايمز” على تعقب بالأقمار الصناعية لناقلات النفط ومُعطيات تتعلق بالتجارة العالمية.

اقرأوا المزيد: 199 كلمة
عرض أقل
مظاهرة تأييد للأكراد في إسرائيل (Flash90/Gili Yaari)
مظاهرة تأييد للأكراد في إسرائيل (Flash90/Gili Yaari)

الأكراد يبحثون عن الطريق إلى قلب إسرائيل

للعلاقات الإسرائيلية الكردية تاريخ من الصعود، الهبوط، النجاحات وخيبات الأمل. والآن، على ضوء التغييرات في أنحاء الشرق الأوسط، يجب على دولة إسرائيل إعادة دراسة سياستها تجاه القوة الموالية للغرب والأهم في المنطقة

منذ صيف 2014، لا ينزل اسم الأكراد عن العناوين. في ليلة وضحاها تقريبا أصبحوا اللاعبين الإقليميين الأهم في الشرق الأوسط: كان الأكراد هم الوحيدين الذين واجهوا الحرب البريّة ضدّ أعضاء “الدولة الإسلامية” (داعش) في جبهتين منفصلتين، في سوريا والعراق، وبذلوا أيضًا كلّ ما بوسعهم.

وقد علمنا مؤخرا أن مقاتلات ومقاتلي الأكراد استطاعوا تحرير كوباني من أيدي داعش والتي تقع في منطقة الأكراد السورية، بعد نضال بطولي استمر لأكثر من أربعة أشهر. أيضًا في جبهة كردستان العراق فقد استطاع مقاتلو البيشمركة صدّ أعضاء داعش عن كركوك الغنية بالنفط ومن مناطق استراتيجية أخرى، وتحرير سنجار، التي تصدّرت العناوين في أعقاب حملة القتل المروّعة التي قامت بها داعش ضدّ اليزيديين.

الغموض والعمل من وراء الكواليس يبدوان الطريق الأفضل لإقامة العلاقات في هذه المرحلة بين البلدين

وفي أعقاب هذه التطوّرات يواجه المجتمع الدولي اليوم سؤالا مهمّا: ما هي المكانة المناسبة التي يجب إعطاؤها للأكراد في الساحة السياسية الدولية، وهل ينبغي تقديم مساعدات مباشرة لهم وهو الأمر الذي قد يُعزّز طموحاتهم نحو الاستقلال؟ إسرائيل نفسها تواجه هي أيضا معضلة: هل يجب مساعدة الأكراد في العراق وفي سوريا أيضًا؟ إذا كان الأمر كذلك، فإلى أية درجة يجب جعل ذلك علنيّا؟ أي نوع من العلاقات يجب تطويره؟

ومن أجل الإجابة على تلك الأسئلة يجب أن نتتبع قليلا التاريخ المعقّد لعلاقات إسرائيل مع الأكراد. ينبع هذا التعقيد من كون الأكراد ليسوا قطعة واحدة، حيث يعيشون في أربعة دول مختلفة: تركيا، إيران، العراق وسوريا. وحيث إنّهم لم يقيموا دولة خاصّة بهم أبدا. وفقا لذلك تطوّرت علاقات مختلفة تماما على سبيل المثال بين الأكراد في العراق وأولئك الذين هم في تركيا.

بين التعاوُن والتجاهل الدبلوماسي

مجموعة اكراد في طريقهم من تركيا إلى كوباني في  تشرين الاول/اكتوبر (AFP)
مجموعة اكراد في طريقهم من تركيا إلى كوباني في تشرين الاول/اكتوبر (AFP)

تعود جذور العلاقات مع أكراد العراق إلى الخمسينيات، عندما كانت القاعدة العامّة هي “عدوّ عدوّي صديقي”. تمّ إرساء تلك العلاقة ضمن نظرية الأطراف التي طوّرتها إسرائيل في تلك الفترة، والتي اعتبرت أنّه يجب تعزيز العلاقات مع دول ولاعبين غير عرب من أجل الخروج من العزلة التي فرضتها الدول العربيّة علينا. كانت الأقليّة الكردية في العراق أحد هؤلاء اللاعبين. كان هناك أيضًا تقارب في المصالح الاستراتيجية: بحسب رؤيا إسرائيل كان على الأكراد إضعاف أو إحداث الفتنة في قوات الجيش العراقي في حال حدوث تهديد على الجبهة الشرقية، والتي كان من المحتمل أن تشتمل في القرن الماضي على سوريا، العراق والأردن. بالنسبة للأكراد، كانت المصلحة هي الحصول على مساعدة في صراعهم القومي ضدّ الأنظمة العراقية المختلفة وخصوصا في عهد البعث.

أخّرت ثلاث عوامل رئيسية تطوير العلاقات الإسرائيلية الكردية: الأخذ بالاعتبار حساسية تركيا، والأخذ بالاعتبار موقف الولايات المتحدة بخصوص قضية الأكراد والمخاوف الكردية نفسها

في فترة ذروة العلاقات بين عاميّ 1965-1975، قدّمت إسرائيل المساعدة بشكل سرّي للأكراد على المستوى العسكري مثل تدريب البيشمركة؛ وهو جيش العصابات الكردية، إقامة الخدمة السرّية فرسطين، المساعدة في توفير الأسلحة، والمساعدة في المجالات الاجتماعية مثل إقامة مستشفى ميداني أو تجهيز الكتب الدراسية باللغة الكردية. تمتّعت إسرائيل بمعلومات استخباراتية وبمساعدة اليهود في الخروج من العراق. أدّت هذه العلاقات، التي انقطعت في منتصف السبعينيات، في نهاية المطاف إلى خيبة أمل لدى كلا الطرفين. خاب أمل إسرائيل من كون الأكراد لم يساعدوا في حرب يوم الغفران ولم يسيطروا على الجيش العراقي. يدّعي الأكراد دفاعا عن أنفسهم بأنّ إيران كانت من الممكن أن تقاتلهم إذا اتخذوا خطوة كهذه بسبب الاتفاق الذي أُبرم بين إيران والبعث عشية الحرب. وقد خاب أمل الأكراد من جانبهم من كون إسرائيل قد تركتهم عام 1975 بعد اتفاق الجزائر بين العراق وإيران. وتدّعي إسرائيلي دفاعا عن نفسها بأنّه في اللحظة التي توقفت فيها إيران عن مساعدة الأكراد، والتي انتقلت من خلالها أيضًا المساعدات الإسرائيلية، لم تعد لديها أية طريق مادية أخرى للاستمرار في المساعدة.

ومن الواضح للجميع اليوم بأنّ المراسي القديمة – لدى كلا اللاعبَين – قد أُنزلتْ مؤخرا. بالنسبة لإسرائيل فإنّ الدول غير العربية تحديدا، إيران وتركيا، هي التي تتخذ اليوم مواقف متطرّفة تجاهها، وبخصوص تهديد الجبهة الشرقية فلم يعد موجودا منذ وقت طويل. بالنسبة للأكراد فإنّ النظام العراقي لم يعد يهدّدهم كما كان في يوم من الأيام. فضلًا عن ذلك، فقد طوّروا هم أيضًا علاقات وثيقة مع تركيا وإيران بالإضافة إلى عدد غير قليل من الدول العربيّة.

مظاهرة تأييد بالقضية الكردية في تركيا (Afp)
مظاهرة تأييد بالقضية الكردية في تركيا (Afp)

ثمّة منطق عكسي وجّه علاقات إسرائيل مع الأكراد في تركيا. أخذت إسرائيل دائما في الأخذ بالاعتبار حساسية تركيا فيما يتعلّق بالمسألة الكردية، لدرجة أنّه في فترة ما تلقّت وسائل الإعلام الإسرائيلية توجيهات بألا تستخدم مصطلح كردي أو كردستان. تصرّفت إسرائيل بهذه الطريقة لأنّ تركيا كانت على مدى فترة طويلة الدولة المسلمة الوحيدة التي اعترفت رسميا بدولة إسرائيل. ومن ناحية أخرى، فقد كانت علاقاتنا مع حزب العمّال الكردستانيّ، ‏PKK‏، إشكاليّة؛ سواء لأنّ التنظيم كان عدوّا لدودا لتركيا وتمّ تعريفه من قبلها ومن قبل دول الغرب كتنظيم إرهابي، وسواء لأنّه طوّر علاقات وثيقة مع سوريا ومع منظمة التحرير الفلسطينية، بل وشارك في حرب لبنان الأولى عام 1982 ضدّ إسرائيل. وهنا إذن كانت لدينا مصالح مشتركة مع الحكومة التركية، ولذلك ساعدنا الجيش التركي في الاستخبارات وفي بيع الطائرات دون طيّار.
تغييرات نموذجية في مطلع القرن

من الناحية التاريخية، فقد أخّرت ثلاث عوامل رئيسية تطوير العلاقات الإسرائيلية الكردية: الأخذ بالاعتبار حساسية تركيا، والأخذ بالاعتبار موقف الولايات المتحدة بخصوص قضية الأكراد والمخاوف الكردية نفسها. في مطلع القرن الواحد والعشرين حدثت تغييرات نموذجية في كلّ المنطقة، ويجب إعادة النظر في هذه الحقائق ومن ثمّ أيضًا العلاقات مع أجزاء كردستان المختلفة.

الشيء الرئيسي الذي حدث هو أن تركيا نفسها طوّرت علاقات وثيقة جدّا مع الأكراد في العراق بل وبدأت عملية سلام مع حزب العمّال الكردستانيّ. في المقابل، جعلت تركيا من إسرائيل كيس اللّكم الثابت بالنسبة لها، وعزّزت علاقات وثيقة مع تنظيم حماس الذي يعتبر تنظيما إرهابيّا. ولذلك، فقد السوط التركي في المسألة الكردية الكثير من قوّته ولم يعد هناك ما يجبر إسرائيل على الاستمرار في أن تأخذ بعين الاعتبار حساسية تركيا في هذه المسألة.

كان هناك تطوّر كبير آخر أدى إلى انهيار الدول القومية سوريا والعراق، والفراغ السياسي الذي تركاه خلفهما. تحاول ملء هذا الفراغ اليوم قوّتان متعارضتان: الإسلاميون والأكراد. بشكل ليس في صالحهم أصبح الأكراد اليوم رأس الحربة في الحرب ضدّ الإسلاميين المتطرّفين، ومن هنا أتت المصلحة الملحّة لدى العالم الحرّ بما في ذلك إسرائيل لدعمهم ضدّ قوى الظلام.

كردستان العراق أكثر استقرارا وازدهارا بكثير من الجزء العربي من العراق. بل إنّها بدأت بتصدير النفط بشكل مستقلّ، ومن هنا فإنّ دولا عديدة في العالم ومن بينها دول الغرب ودول عربية طورت معها علاقات مباشرة. بل وتساعدها بعض الدول الغربية في المجال العسكري

إنّ صعود الإسلاميين، وعلى رأسهم داعش، جلب معه أيضًا تغييرا معيّنا في موقف الولايات المتحدة بخصوص الأكراد. بدأت الولايات المتحدة بمساعدتهم وإنْ لم يكن برغبة مكتملة. أي، إنها تقوم بذلك ليس لأنّها تطلب منحهم اعترافا بحقّهم في تقرير المصير، وإنما لأنّها فهمت بأنّهم الجهة الوحيدة القادرة على إيقاف داعش. مثال توضيحي على هذه الازدواجية هو أنّ الولايات المتحدة قد نفّذت أكثر من 700 هجمة جوّية ضدّ داعش من أجل مساعدة الأكراد في كوباني بسوريا، ولكن من جهة أخرى فإنّها ترفض الاعتراف بالحكم الذاتي الذي أقاموه هناك في صيف عام 2012. وقد رأينا أمرا مشابها أيضًا بخصوص كردستان العراق: حيث نفّذت الولايات المتحدة هجمات جوّية ضدّ داعش ولكنّها ترفض تقديم مساعدة عسكرية مباشرة لقوات البيشمركة الكردية، والتي تحمل 90% من عبء إيقاف داعش.

تستمرّ الولايات المتحدة في إصرارها على توفير السلاح فقط بواسطة حكومة بغداد، التي تسحب أرجلها في هذا الشأن. هذه السياسة مستغربة جدّا على ضوء حقيقة أنّ الجيش العراقي قد انهار في يوم حاسم كبيت من ورق. ولأنّ إسرائيل ترتبط ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة، فإنّها بحاجة في علاقاتها مع الأكراد أن تحفظ لنفسها مع ذلك القدرة على المناورة والعمل المستقلّ في مجالات معيّنة حيوية لها. هناك أيضًا من يعتقد أنّ على إسرائيل أن تحاول ترجيح كفة الميزان لدى الولايات المتحدة لصالح الأكراد، ذلك أنّ مفهوم السلامة الإقليمية للعراق والذي تمسّكت به الولايات المتحدة قد عفا عليه الزمن.

مقاتلة في صفوف البشمركة (AFP)
مقاتلة في صفوف البشمركة (AFP)

على المستوى العملي فقد تحوّلت كردستان العراق إلى نوع من الدولة داخل دولة، ولكنّها أكثر استقرارا وازدهارا بكثير من الجزء العربي من العراق. بل إنّها بدأت بتصدير النفط بشكل مستقلّ، ومن هنا فإنّ دولا عديدة في العالم ومن بينها دول الغرب ودول عربية طورت معها علاقات مباشرة. بل وتساعدها بعض الدول الغربية في المجال العسكري.

تغيير آخر، يحدث من وراء الكواليس، هو أنّ الأكراد من أجزاء كردستان المختلفة وخصوصا في الشتات، يحاولون اليوم سواء كأفراد أو كرؤساء للتنظيمات، أن يجدوا مسارات إلى داخل قلب إسرائيل. تهدف تلك التوجهات إلى الحصول على المساعدة الإنسانية، كما فعل اليزيديون مؤخرا. وهناك أيضًا محاولات لتلقّي المساعدة العسكرية أو مساعدة اللوبي الإسرائيلي في الغرب، وقبل كلّ شيء في الولايات المتحدة، لصالح المسألة الكردية.

جاء وقت كردستان

تطرح التطوّرات المذكورة أعلاه تشكّكات غير سهلة في إسرائيل. فعلى الصعيد العملي يُطرح السؤال إذا ما كان من الجيّد مساعدة الأكراد في الوقت الذي يتّهمون فيه إسرائيل بشكل دائم بمحاولة تقطيع الدول الموجودة؟ وهناك سؤال مؤثّر آخر وهو: ما هو المكسب الذي ستحقّقه إسرائيل من وقوفها بجانب الأكراد؟ تساؤل آخر هو: هل من الجيّد أن نقف علنًا عن يمين الأكراد، كما فعل مؤخرا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية ليبرمان والرئيس السابق شمعون بيريس؟

على المستوى الشعبي فهناك تماهٍ مع إسرائيل ورغبة في فتح علاقات معها وجعلها نموذجا يُحتذى. ولكن طالما أنّ القيادة تأمُل بالحصول على مساعدة أيّا كانت من إسرائيل فإنّها تتحفّظ تمامًا عن عرض علنيّ لعلاقة كهذه خوفا من ردود فعل البلدان المجاورة، وخصوصا إيران وتركيا

للأكراد أيضًا الكثير من المعضلات. على المستوى الشعبي فهناك تماهٍ مع إسرائيل ورغبة في فتح علاقات معها وجعلها نموذجا يُحتذى. ولكن طالما أنّ القيادة تأمُل بالحصول على مساعدة أيّا كانت من إسرائيل فإنّها تتحفّظ تمامًا عن عرض علنيّ لعلاقة كهذه خوفا من ردود فعل البلدان المجاورة، وخصوصا إيران وتركيا.

حتى لو لم تكن هناك إجابات قاطعة لتلك التساءؤلات، فهناك بعض الاستنتاجات العامّة.

لدى إسرائيل كما لدى العالم الغربي مصالح واضحة في أن ينجح الأكراد في صراعهم ضدّ الإسلاميين. إنّ حقيقة كونهم جهة موالية للغرب، معتدلة، علمانية نسبيّا ولديها قدرة إدارية مثبتة، تشكّل رصيدًا مهمّا في ضوء قوى التدمير والخراب في المنطقة. ولقد ثبت أيضًا بأنّهم جهة أكثر ودّية مع إسرائيل من بقية شعوب المنطقة، وذلك بفضل الشعور بالمصير المشترك بين شعبين صغيرين لا يُعترف بحقّهما في دولة خاصّة بهما.

على المستوى العملي فهناك مجال واسع للتعاون وخصوصا مع الإقليم الكردي في العراق. وبالإضافة للجانب الأمني والتجاري فقد افتُتح أفق محتمل جديد وهو شراء النفط من الإقليم الكردي العراقي، والذي لم تستطع دول أخرى الشراء منه بسبب المعارضة القانونية لحكومة العراق. وقد يتطوّر هنا أيضًا مثلّث من العلاقات غير المحتملة بين إسرائيل، الإقليم الكردي في العراق وتركيا، التي ينتقل النفط الكردي عن طريقها. ويجب على إسرائيل أيضًا أن تُقدّم المساعدات الإنسانية على قدر الإمكان للأكراد في سوريا وفي أماكن أخرى لا يزالون فيها يُضطهدون من قبل دولهم.

هناك استنتاج مهمّ آخر وهو أنّ الغموض والعمل من وراء الكواليس يبدوان الطريق الأفضل لإقامة العلاقات في هذه المرحلة.

البروفسور عوفرا بنجو هي باحثة بارزة في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا، ومحاضرة قسم تاريخ الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 1687 كلمة
عرض أقل
صورة نشرتها مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين للممثلة والمخرجة الاميركية انجلينا جولي في مخيم خانكي للاجئين السوريين والنازحين العراقيين بالقرب من دهوك  (اف ب اندرو مكونيل)
صورة نشرتها مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين للممثلة والمخرجة الاميركية انجلينا جولي في مخيم خانكي للاجئين السوريين والنازحين العراقيين بالقرب من دهوك (اف ب اندرو مكونيل)

انجلينا جولي تعلن خلال زيارة للعراق ان الاسرة الدولية لا تؤدي واجبها لحماية المدنيين

صرحت جولي امام صحافيين في مخيم في خانكي "لقد صدمت بما رايت اليوم. انها الزيارة الخامسة لي الى العراق منذ 2007 والمعاناة اسوا من اي وقت مضى"

صرحت الممثلة والمخرجة الاميركية انجلينا جولي ان الاسرة الدولية لا تؤدي واجبها في حماية المدنيين المتاثرين من  النزاع في العراق وسوريا، وذلك خلال زيارة الى شمال العراق الاحد.

وقامت جولي وهي سفيرة النوايا الحسنة لمفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين بزيارة الى مخيم للاجئين السوريين والنازحين العراقيين بالقرب من دهوك في كردستان العراق.

وصرحت جولي امام صحافيين في مخيم في خانكي “لقد صدمت بما رايت اليوم. انها الزيارة الخامسة لي الى العراق منذ 2007 والمعاناة اسوا من اي وقت مضى”.

وتعود اخر زيارة لجولي الى العراق الى 2012 قبل ان يتزايد نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية ويسيطر على اراض شاسعة من سوريا والعراق.

ونزح اكثر من مليوني شخص في العراق العام الماضي وحده. ولجا نصفهم تقريبا الى كردستان والاعداد لا تزال في تزايد.

وتابعت جولي ان “مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين حصلت في 2014 على نصف التمويل الذي تحتاج اليه لبرامج في العراق وسوريا وهناك قلق كبير حول بطء التعهدات بتقديم مساعدات هذا العام. من دون مساعدات اضافية الوضع لن يكون قابلا للاستمرار”.

ومضت تقول “هذا اختبار لنا هنا كاسرة دولية وحتى الان ورغم كل الجهود الكبيرة والنوايا الحسنة، غاننا فشلنا”.

واعرب نيل رايت ممثل مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق عن اسفه لكون تعهدات الدول الكبرى لا تعكس حجم الازمة التي ادت الى نزوح اكثر من 13 مليون شخص من منازلهم في سوريا والعراق.

وقال رايت “الوقت حان لنتساءل ما اذا كان على الجهات المانحة ان تعيد التوازن بين المليارات التي تنفقها على الحلول السياسية وبين  الملايين التي   تخصصها لتخفيف معاناة النازحين ومعاناة المجتمعات التي تستضيفهم”.

وبحسب ارقام مفوضية اللاجئين فان اكثر من 3,8 ملايين سوريا فروا الى تركيا ولبنان والاردن والعراق ومصر هربا من النزاع في بلادهم.

اقرأوا المزيد: 260 كلمة
عرض أقل