تجنّدت المقاتلات الأوائل مع كتيبة “الفهد”، وهي الكتيبة المختلطة الثالثة التي أقيمت مؤخرا في الجيش الإسرائيلي، في شباط 2015. في الواقع، فقد طرأ أثناء التجنيد في شهر آب من العام ذاته ارتفاع بنسبة 60% في عدد المقاتلات مقارنة بالدورة المقابلة لها في العام الماضي – وقد وصلت دافعية التجند إلى أبعاد لم يسبق لها مثيل. ويحترم قادة الجيش الإسرائيلي دافعية البنات في الوصول إلى مناصب قتالية عالية جدّا.
انضمت كتيبة “الفهد” إلى كتيبة “الكراكال” القديمة وكتيبة “أسود الأردن” – وهناك نية لإقامة كتائب أمنية مشتركة، يخدم فيها الذكور والإناث معًا، وهو اتجاه يراه الجيش الإسرائيلي ضرورة حيوية ليصبح جيشا أكثر احترافا وتطوّرا. كتيبة الفهد مسؤولة عن الأمن المستمر للقطاع الأكثر طولا على الحدود الجنوبية الإسرائيلية، في العربة.
المساواة بين الجنسين في الأدوار القتالية في الجيش الإسرائيلي
الشابة إليشيفاع، وهي قائدة إحدى سريات كتيبة الفهد (Noam Moskowitz)
في يوم المرأة العالمي (08.03.16)، تحديدًا، كانت هناك فرصة لفريق عمل موقع “المصدر” للتجول في إحدى سريات كتيبة الفهد في مكان ما في وسط البلاد قرب بلدة كفر قرع.
مقاتلون ومقاتلات في كتيبة الفهد المختلطة (Noam Moskowitz)
“يشكل انخراط النساء في المناصب العليا في الجيش المقاتل فرصة ذهبية. لا توجد نماذج كهذه في العالم. إنها فرصة للمساواة بين الجنسين من الجنود والجنديات. تحطم الجنديات اللواتي يخدمنَ تحت قيادتي صورا نمطية. يزيد تدربهن مع الشبان الشعور بالجدارة كثيرا”. بهذه الكلمات افتتحت معي المقابلة القائدة الشابة إليشيفاع، وهي قائدة إحدى سريات كتيبة الفهد، في هذه الأيام. شابة مبتسمة في الواحدة والعشرين من عمرها تدرك إلى أي مدى هو ثوري ذلك التغيير المفاهيمي الذي يحاول الجيش الإسرائيلي غرسه بين أوساط مقاتليه ومقاتلاته.
ترعرعت إليشيفاع في اللدّ في أسرة إسرائيلية نموذجية. عندما كانت مراهقة لم تفكر كثيرا في الخدمة العسكرية. بدأت بالتطوّع في نجمة داود الحمراء (للإسعاف الأولي) وهناك كانت تحت قيادة مرشد شاب بدأ يثير انتباهها إلى الأفكار حول معنى التجند وأهمية المساهمة العسكرية للشبان والفتيات في إسرائيل.
تواجه الفتيات صعوبة جسدية أكبر، ولكنهنّ يتمتعن بقوة فكرية ومثابر أكثر من الجنود الذكور (Noam Moskowitz)
مقاتلات يتدربن على حمل واستعمال السلاح في كتيبة الفهد (Noam Moskowitz)
“لم أفكر بالصعوبة الجسدية. بالنسبة لي كان ذلك تحدّيا لأثبت أّنّ الفتيات أيضًا قادرات على الانخراط في المناصب القتالية وعدم الاكتفاء بالمناصب المكتبية المريحة في الجيش الإسرائيلي”، كما قالت إليشيفاع وهي تجري اختبارات القبول المختلفة التي يمرّ بها جنودها.
تردّدت كلمات إليشيفاع طوال الوقت في ذهني ونحن نتجوّل في ثكنة التدريبات، وأنا أتذكر في غضون ذلك أخبار هذا الأسبوع، حول ظاهرة التحرّشات الجنسية في الجيش الإسرائيلي. “ترغب النساء بالتقدم وتشعرنَ بالحاجة إلى الانخراط في الجيش باعتبارهنّ جنديات مقاتلات. تواجه الفتيات صعوبة جسدية أكبر، ولكنهنّ يتمتعن بقوة فكرية ومثابر أكثر من الجنود الذكور”.
الشابة إليشيفاع، وهي قائدة إحدى سريات كتيبة الفهد (Noam Moskowitz)
“كانت البداية صعبة. أذكر الليالي الطوال التي اضطُررنا فيها إلى النوم في الصحراء والتدرّب ليلا. منحتني الدورات الميدانية ودورات استخدام السلاح القدرة التي لم أحلم بها ذات مرة والآن أصبحت أشارك جنودي وجندياتي بهذه المعرفة”.
أردت أن أعرف إذا كانت تجد إليشيفاع صعوبة من وقت لآخر في كبح الجنود الشبان غير المستعدين أن تكون امرأة قائدة لهم، فأخبرتني عن جندي وجد صعوبة في قبول أوامرها كقائدة “لم يكن يعرف حقا كيف يواجه ذلك. في أحد الاختبارات الجسدية تضرر نفسيا، وذلك عندما نجحت الجنديات في التفوق عليه وهذا جعله يشعر بضرر. كانت مهمتي هي رفع معنوياته وأن أوضح له أنّه بغضّ النظر عن مَن يصدر الأوامر فعليه تنفيذها بالكامل وتقبّل حقيقة أنّ هناك نساء مقاتلات، محاربات حقيقيات مثله تماما”.
مسلمة تقاتل مثل الفهد
مقاتلات في كتيبة الفهد المختلطة (Noam Moskowitz)(Noam Moskowitz)
قدّمت لنا المقابلة التالية جندية مسلمة عربية قررت بدعم من أسرتها الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي. جلستُ مع “أ” (اسم الجندية وتفاصيلها محجوبة ومحفوظة في هيئة التحرير) في إحدى الزوايا في الثكنة وحاولتُ أن أفهم ما الذي يجعل شابة عربية، والتي لم تُكمل بعد الـ 20 عاما، أن تقرر يوما ما الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي كمقاتلة.
“نشأتُ في مدرسة يهودية في الشمال وكان يعرف أصدقائي في الصف أنّني أفكر في الخدمة العسكرية. في اليوم الأول الذي أخبرت فيه والديّ ظنّا أنّني أمزح معهما. ولاحقا أدركا أنّني جادّة جدّا فدعماني”.
قالت “أ” إن والدها توفي بعد تجنّدها وقد أثّر ذلك فيها كثيرا “توفي والدي قبل عدة أشهر وبقيت أمي وحدها، معيلة وحيدة”. سألتُ “أ” إذا لم تكن تفضّل والدتها أن تجد عملا وتساعدها في إعالة الأسرة “من الواضح أنّها كانت تفضل أن أساعدها، ولكنها تفهم أهمية قراري لإنهاء خدمتي هنا”.
كانت الطريق التي مرت بها “أ” حتى وصلت إلى كتيبة الفهد مليئة بالصعاب. ففي البداية خدمت في حرس الحدود ولكن بعدها عن منزلها وفترة خطوبتها صعّبا عليها الخدمة في تلك القوة. بعد ذلك، انتقلت “أ” إلى ثكنة سلاح الجو كسائقة شاحنة “مللتُ ولم أشعر بمتعة حقيقية، فطلبت الانتقال وبعد عدة أشهر التحقت بكتيبة الفهد”.
لا تعاني “أ” من أية مشاكل في هويتها الوطنية أو الدينية وتوضح قائلة: “أنا مسلمة ومواطنة إسرائيلية. لم يفهم أصدقائي العرب قراري في التجنّد ولكني اتخذته رغم ذلك. وقد حاول بعضهم ثنيي عن قراري، ولكني أصررت. دعمني أبي وأمي”.
في نهاية كل أسبوع تعود “أ” إلى المدينة التي تسكن فيها في الشمال وهي ترتدي زي الجيش الإسرائيلي “جيراني في الحيّ يحبّون رؤيتي وأنا عائدة ويسألون عن حالي. ويسألني بعض جيراني العرب في الحيّ كيف كانت فترة الخدمة أثناء الأسبوع. ومع الأسف ليس لدي الكثير من الصديقات العربيات. انقطعت علاقاتي مع صديقاتي لأنّه ليس لدي وقتا كافيا. انفصلت أيضا عن خطيبي وطوّرت هنا في الكتيبة علاقة مع جندي درزي تم تسريحه من الخدمة منذ وقت قصير”.
ونحن نتحدث، تذكّرت “أ” يومها الأول في مكتب التجنيد “تجنّد معي 700 جندي وكنت أنا الأنثى الوحيدة. احتقرني بعضهم ولم يفهموا كيف تنضم فتاة إليهم. ظنّوا أني أسعى لأن أكون موظفة وكانوا يسخرون من ذلك خفية. ولكن سرعان ما اكتشفوا أنّي مقاتلة وقدّروا اختياري كثيرا”.
قالت “أ” إنّها تواجه مع بقية الفتيات المقاتلات صعوبات جسدية ليست سهلة ولكن إصرارهنّ الكبير يفوق كثيرا إصرار الجنود وهذا هو الذي ينشئ الحدّ الأقصى من التوازن، والذي يسعى الجيش الإسرائيلي إلى جعله واقعا تقريبا في جميع الجبهات الأمنية.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني