عاد رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري إلى بيروت الأسبوع الماضي، وذلك بعد غياب دام حوالي ثلاث سنوات قضاها في المنفى الاختياري. ويذكر أن الحريري، الزعيم المعتدل والأكثر مصداقية بالنسبة إلى المجتمع السني اللبناني، كان قد غادر بيروت في العام 2011 وسط تهديدات بالاغتيال. لكن في غيابه، تدهورت الحالة الأمنية في البلاد وارتفعت حدة التوترات الطائفية، كما بدا أن بعض السنة اللبنانيين المعتدلين تاريخيًا بدأوا يجنحون نحو التطرف.
وصل الحريري إلى بيروت يوم الجمعة الماضي حاملًا معه هبة بقيمة مليار دولار من المملكة العربية السعودية لتمويل قوات مكافحة الإرهاب في لبنان، ووعدًا بملء الفراغ في قيادة مجتمعه السني. إلا أنه عاد وغادر بعد أقل من أسبوع إلى جدة، وقد تردد أن عودته إلى المملكة هي لمناقشة الهبة السعودية، وليس من الواضح متى سيعود مجددا. وتُشكل عودته القصيرة إلى الوطن موضع ترحيب، لكنها ليست بالدواء الشافي، كما أنه من غير المؤكد ما إذا كان سيؤدي وجود الحريري ومكانته إلى وقف الانقسام الحاصل في صفوف السنّة في لبنان والتراجع البطيء للدولة.
في حال لم يعد الحريري إلى بيروت، ستكون الفائدة الملموسة لزيارته القصيرة إلى لبنان محدودة. أما إن عاد، فستكون أمامه قائمة طويلة من الأعمال الواجب تأديتها، إذ يبدو أن الكثير من المؤسسات الحكومية اللبنانية في تراجع. فمنذ شهر أيار/ مايو و لبنان من دون رئيس (مسيحي) للجمهورية كما بات البرلمان يفتقر إلى الشرعية ، وفي أيار/ مايو من العام 2013 تم تمديد ولاية البرلمان لسبعة عشر شهرًا إضافيًا، وليس واضحا ما إذا كان سيتم إجراء الانتخابات البرلمانية في خريف هذا العام.
ولا بد من الإشارة إلى أن الوضع الأمني يشكل أيضًا مصدر قلق . ففي وقت سابق من هذا الشهر، قامت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – المعروفة حاليًا باسم “الدولة الإسلامية” – و”جبهة النصرة” بالسيطرة على بلدة عرسال السنية المحاذية للحدود اللبنانية – السورية، ما أسفر عن مقتل أحد عشر عنصرًا وخطف تسعة عشر من الجيش اللبناني وعشرين عنصرًا من قوى الأمن الداخلي. وفي هذا السياق، أدى الهجوم الذي شنه الجيش اللبناني لاستعادة عرسال إلى تدمير مساحات واسعة من البلدة.
في الوقت عينه، لا تزال ميليشيات حزب الله اللبناني الشيعية تحارب الشعب السنّي في سوريا – نيابةً عن نظام بشار الأسد العلوي – من دون حسيب أو رقيب، وهذا ما أثار غضب السنّة في لبنان. والأسوأ من ذلك هو أن الجيش اللبناني كان يتعاون مع حزب الله بشكل غير رسمي لمحاربة المسلحين السنّة في لبنان، ما أضعف من صورة الجيش “الحيادية” ومكانته كمؤسسة “وطنية” غير طائفية.
وتبرز إلى جانب ذلك قضية اللاجئين السوريين في لبنان. فعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية، دخل حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، معظمهم من السنّة، إلى لبنان ما أدى إلى إخلال التوازن الديمغرافي بين السنّة والشيعة والمسيحيين والدروز، ناهيك عن تكبيد الاقتصاد اللبناني خسائر كبيرة.
إذا كان يعتزم الحريري تغيير مسار لبنان، فسوف يضطر إلى مواجهة المسلحين السنّة، وتوحيد الطائفة السنية، واحياء ما يسمى بتحالف 14 آذار الموالي للغرب والذي تراجعت قوته كثيراً في السنوات الاخيرة. وفي الوقت نفسه على الحريري معارضة التدخل العسكري لـحزب الله في سوريا، ولا بد من الإشارة إلى أن مثل هذا الموقف من شأنه أن يؤدي إلى مقتل الحريري.
الحريري تعهد بتقديم مبلغ 15 مليون دولار لإعادة بناء عرسال، وهي مساهمة ينبغي أن تولد بعض المواقف الإيجابية تجاهه. ويمكن لسخاء مماثل، ربما يكون ممولاً من السعودية، أن يساعد أيضًا على إعادة نفوذه في المناطق السنية مثل طرابلس وعكار وصيدا، والتي يمكن أن تصل اليها موجة التشدد الإسلامي.
أما على الجبهة السياسية، فان وجود الحريري ضروري لأنه سيساعد تحالف 14 آذار على التوصل إلى مرشح رئاسي توافقي وقانون انتخابي جديد. بالطبع، سوف يضطر تحالف 14 آذار إلى التفاوض مع حزب الله الذي يرأس تحالف 8 آذار، ولكن مما لا شك فيه هو أن توحيد الصفوف داخل تحالف 14 آذار سيعزز موقف هذا الفريق خلال المحادثات.
لكن الأهم من ذلك، وبغية تجنب الانزلاق نحو مزيد من الحروب الطائفية، سيترتب على الحريري إيجاد وسيلة للحد من تعاون الجيش اللبناني مع حزب الله في مواجهة المسلحين السنّة. من المألوف في الغرب، وحتى في لبنان، اعتبار أن الجهاديين السنّة يشكلون تهديدًا أكبر من الجهاديين الشيعة على غرار حزب الله، لكن هذا الرأي قصير النظر وسيؤدي مع مرور الوقت إلى تطرف السنّة في الدولة اللبنانية وتراجع الدعم للجيش.
في ظل غياب أي فرد أو مؤسسة في لبنان قادرة في الوقت الحالي على مواجهة وهزيمة حزب الله، فإن تعاون الدولة الضمني معه، خصوصًا فيما يتعلق بالتطورات في سوريا، سيؤثر سلبًا على المجتمع اللبناني. وفي حال أراد الحريري انقاذ لبنان ، سيتوجب عليه الامتناع عن الخضوع لسلطة حزب الله. نظرًا إلى التحديات الحالية في لبنان، من الواضح أن مواجهة حزب الله ليست بالحل المناسب، لكن هذا لا يعني بأن التعاون مع حزب الله سيؤدي إلى ارساء الاستقرار في لبنان.
نشر المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة