في مثل هذا اليوم، الموافق 29 تشرين الثاني من عام 1947، أي قبل 70 عاما بالضبط، أقرّت الأمم المتحدة بأغلبية نسبية قرارا مصريا بالنسبة للأراضي التي كانت تحت انتداب بريطانيا منذ عام 1917، وأطلق عليها البريطانيون اسم “فلسطين”. بموجب القرار تم تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية وأخرى عربية. الأولى قامت والثانية لم تقم.
وفي حين قوبل القرار بفرحة عارمة لدى اليهود الذين حصلوا على فرصة لإقامة دولة مستقلة لهم، رفض العرب القرار وتعاملوا معه على أنه مصيبة حلّت بهم وبدأوا يحضرون لشنّ الحرب على اليهود. ماذا كان قبل هذا القرار المصري؟ كيف تبلور؟ وكيف استعد كل طرف له؟
فحص التطورات السياسية السابقة للقرار، على وجه التحديد النظر إلى اللجنة الأممية الخاصة التي تفقدت الأوضاع في فسلطين، يكشف عن صورة واضحة وهي أن الجانب اليهودي انقض على الفرصة للتأثير على توصيات اللجنة والسعي من أجل الحصول على أكثر ما يمكن من التقسيم، في حين رفض العرب التعامل مع اللجنة والنظر إليها على أنها غير شرعية، وعدم الإدراك أن العالم يتغيّر من حولهم.
الأمم المتحدة تدخل إلى الصورة
سبق قرار التقسيم أو قرار 181 إقامة “لجنة خاصة لبحث شؤون فلسطين”، مكلفة من الأمم المتحدة، بناءً على توجه بريطانيا إلى الهيئة الأممية لإيجاد حل للأوضاع المضطربة في فلسطين بعد عجزها عن التوصل إلى حل يرضي الجانبين، اليهود والعربي. وسميت هذه اللجنة باسم “اليونسكوب” وضمت 11 دولة اعتبرت محايدة وهي: أستراليا، وكندا، وتشكوسلوفاكيا، وغواتيمالا، والهند، وإيران، وهولندا، والبيرو، والسويد وأوروغواي، ويوغسلافيا.
وأجرى أعضاء اللجنة زيارات لفلسطين والولايات المتحدة ودول عربية بهدف جمع شهادات وإفادات عن الوضع السياسي لبلورة حل شامل يراعي ظروف الأطراف المعنية. لكن الطرف العربي رفض التعامل مع اللجنة بدعوى أن حقوق العرب في فلسطين حقوق طبيعية لا تقبل التحقيق فيها من قبل طرف خارجي. أما الطرف اليهودي، فقد تعاون مع اللجنة وقدم منظوره للحل المرتقب.
وقد فحصت اللجنة 3 خيارات خلال علمها: الأول تقسيم البلاد إلى دولتين، والثاني إقامة دولة ذات أغلبية عربية، والثالث إنشاء دولة ثنائية القومية. لكن اللجنة أدركت أن الحلول المنحازة إلى إرضاء طرف واحد على حساب الآخر ستكون ضعيفة واستقرت على أن الحل الأمثل سيقوم على التسوية.
واقترحت اللجنة ضمن حل التقسيم خيارين، الأول داعم للجانب العربي تحدث عن دولة فيدرالية تضم كيانين لهما برلمان واحد يعكس الوضع السكاني، وذلك كان سيمنح العرب أغلبية دائمة في هذا البرلمان. وقد دعم هذا القرار 3 دول داخل اللجنة. والملفت أن الجانب العربي لم يستغل الفرصة لدعم هذا القرار برفضه التعامل مع اللجنة وموقفه غير القابل لتفاوض وهو إقامة دولة عربية من البحر إلى النهر.
أما حل التقسيم الذي نص على إقامة دولتين مستقلتين فحظي على دعم 7 أعضاء اللجنة. وتحدث المقترح عن إقامة دولتين مستقلتين تربطهما منظمة اقتصادية واحدة، وبينهما تعاون في قضايا عديدة منها بناء شوارع مشتركة، واستخدام عملة واحدة وبعد. ونص القرار على منح اليهود 55% من الأرضي وإعطاء العرب 45% منها. ووضع القدس وبيت لحم تحت رعاية أممية. وكان من المتوقع أن يكون 45% من سكان الدولة اليهودية عربا، في حين أن يسكن الدولة العربية نحو 10 آلاف يهودي.
ويقول باحثون إسرائيليون إن التقديرات في الأمم المتحدة قبيل التصويت على قرار التقسيم كانت أن الدولة العربية لن تقوم وذلك لرفض العرب التعاون مع الأمم المتحدة، وعدم وجود مؤسسات يمكنها أن تشكل أسس للدولة المقترحة. في حين أن الجانب اليهودي أبدى استعداده لإقامة دولة من خلال مؤسسات صهيونية أدارت حياة اليهود في فلسطين.
مراسلات من أرشيف الوكالة اليهودية
أرسل موشيه شاريت، الذي سيصبح في ما بعد وزير الخارجية الأول لدولة إسرائيل ورئيس حكومة كذلك، برقية لدافيد بن غوريون، قبل التصويت على قرار التقسيم ب4 أشهر، تعكس تقديراته لنتيجة التصويت المحتملة وهي: 25 دولة ستدعم القرار، 13 ستعارض، 17 ستمتنع، و2 ستغيب. أي أن الجانب اليهودي أدرك أن مقترح التقسيم واقعيا وأن وعد بلفور الذي سبقه ب30 عاما مهد الطريق بالفعل لإقامة دولة لليهود في أرض إسرائيل.
يذكر أن 33 دولة دعمت قرار التقسيم، من بينهم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، معظم دول أمريكا اللاتينية، دول شرقي أوروبا باستثناء يوغوسلافيا، ودول أخرى من غربي أوروبا. بينما عارضته 13 دولة أبرزها الدول العربية والمسلمة واليونان وكوبا. و10 دول امتنعت عن التصويت أهمها بريطانيا.
ويكشف الأرشيف الصهيوني عن مراسلات من الفترة قبل قرار التقسيم تدل على سعي ممثلين عن الوكالة اليهودية في الأمم المتحدة لإقناع الدول المختلفة للتصويت مع القرار، والضغط على الدول التي ناقشت مقترح التقسيم بهدف إجراء تعديلات أخيرة متعلقة بالحدود التي سيحددها القرار.
وفي واحدة من المراسلات التي وصلت القسم السياسي للوكالة اليهودية في فلسطين، كتب شاريت من نيويورك لغولدا مئير، في 12 نوفمبر من عام 1947، أنه يجب على الوكالة المطالبة بإخلاء القوات البريطانية من فلسطين في حال لم يوافقوا على الاستعدادات العسكرية أثناء حكمهم.
وقدّر شاريت أن الجيش اليهودي بحاجة إلى 3 أشهر لكي يكون جاهزا. وقد تحفظ بشأن فكرة من جهات نصحته بالمطالبة برعاية مؤقتة من قبل الأمم المتحدة بعد خروج البريطانيين من فلسطين كاتبا أن ذلك سيضعضع ثقة الدول الداعمة لقرار التقسيم.
وفي مراسلة أخرى، طلبت غولدا إيجاد معادلة تمكن اليهود من حماية اليهود في الدولة العربية المستقبلية إن أحوج الوضع. وتكشف واحدة من المراسلات عن أن شاريت علم من مصدر موثوق وسري أن الإدارة البريطانية بصدد الانسحاب نهاية شهر مارس على نحو فوري.