قرار التقسيم

الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت على قرارالتقسيم عام 1947(النت)
الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت على قرارالتقسيم عام 1947(النت)

استعداد يهودي مقابل رفض عربي.. الأشهر التي سبقت قرار التقسيم

كيف فوّت العرب الفرصة للتأثير على مقترح التقسيم الذي سبق المصادقة على القرار في الأمم المتحدة قبل 70 عاما؟ وماذا فعل اليهود في الأشهر التي سبقت التصويت على القرار؟

29 نوفمبر 2017 | 14:57

في مثل هذا اليوم، الموافق 29 تشرين الثاني من عام 1947، أي قبل 70 عاما بالضبط، أقرّت الأمم المتحدة بأغلبية نسبية قرارا مصريا بالنسبة للأراضي التي كانت تحت انتداب بريطانيا منذ عام 1917، وأطلق عليها البريطانيون اسم “فلسطين”. بموجب القرار تم تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية وأخرى عربية. الأولى قامت والثانية لم تقم.

وفي حين قوبل القرار بفرحة عارمة لدى اليهود الذين حصلوا على فرصة لإقامة دولة مستقلة لهم، رفض العرب القرار وتعاملوا معه على أنه مصيبة حلّت بهم وبدأوا يحضرون لشنّ الحرب على اليهود. ماذا كان قبل هذا القرار المصري؟ كيف تبلور؟ وكيف استعد كل طرف له؟

فحص التطورات السياسية السابقة للقرار، على وجه التحديد النظر إلى اللجنة الأممية الخاصة التي تفقدت الأوضاع في فسلطين، يكشف عن صورة واضحة وهي أن الجانب اليهودي انقض على الفرصة للتأثير على توصيات اللجنة والسعي من أجل الحصول على أكثر ما يمكن من التقسيم، في حين رفض العرب التعامل مع اللجنة والنظر إليها على أنها غير شرعية، وعدم الإدراك أن العالم يتغيّر من حولهم.

الأمم المتحدة تدخل إلى الصورة

سبق قرار التقسيم أو قرار 181 إقامة “لجنة خاصة لبحث شؤون فلسطين”، مكلفة من الأمم المتحدة، بناءً على توجه بريطانيا إلى الهيئة الأممية لإيجاد حل للأوضاع المضطربة في فلسطين بعد عجزها عن التوصل إلى حل يرضي الجانبين، اليهود والعربي. وسميت هذه اللجنة باسم “اليونسكوب” وضمت 11 دولة اعتبرت محايدة وهي: أستراليا، وكندا، وتشكوسلوفاكيا، وغواتيمالا، والهند، وإيران، وهولندا، والبيرو، والسويد وأوروغواي، ويوغسلافيا.

وأجرى أعضاء اللجنة زيارات لفلسطين والولايات المتحدة ودول عربية بهدف جمع شهادات وإفادات عن الوضع السياسي لبلورة حل شامل يراعي ظروف الأطراف المعنية. لكن الطرف العربي رفض التعامل مع اللجنة بدعوى أن حقوق العرب في فلسطين حقوق طبيعية لا تقبل التحقيق فيها من قبل طرف خارجي. أما الطرف اليهودي، فقد تعاون مع اللجنة وقدم منظوره للحل المرتقب.

وقد فحصت اللجنة 3 خيارات خلال علمها: الأول تقسيم البلاد إلى دولتين، والثاني إقامة دولة ذات أغلبية عربية، والثالث إنشاء دولة ثنائية القومية. لكن اللجنة أدركت أن الحلول المنحازة إلى إرضاء طرف واحد على حساب الآخر ستكون ضعيفة واستقرت على أن الحل الأمثل سيقوم على التسوية.

واقترحت اللجنة ضمن حل التقسيم خيارين، الأول داعم للجانب العربي تحدث عن دولة فيدرالية تضم كيانين لهما برلمان واحد يعكس الوضع السكاني، وذلك كان سيمنح العرب أغلبية دائمة في هذا البرلمان. وقد دعم هذا القرار 3 دول داخل اللجنة. والملفت أن الجانب العربي لم يستغل الفرصة لدعم هذا القرار برفضه التعامل مع اللجنة وموقفه غير القابل لتفاوض وهو إقامة دولة عربية من البحر إلى النهر.

أما حل التقسيم الذي نص على إقامة دولتين مستقلتين فحظي على دعم 7 أعضاء اللجنة. وتحدث المقترح عن إقامة دولتين مستقلتين تربطهما منظمة اقتصادية واحدة، وبينهما تعاون في قضايا عديدة منها بناء شوارع مشتركة، واستخدام عملة واحدة وبعد. ونص القرار على منح اليهود 55% من الأرضي وإعطاء العرب 45% منها. ووضع القدس وبيت لحم تحت رعاية أممية. وكان من المتوقع أن يكون 45% من سكان الدولة اليهودية عربا، في حين أن يسكن الدولة العربية نحو 10 آلاف يهودي.

ويقول باحثون إسرائيليون إن التقديرات في الأمم المتحدة قبيل التصويت على قرار التقسيم كانت أن الدولة العربية لن تقوم وذلك لرفض العرب التعاون مع الأمم المتحدة، وعدم وجود مؤسسات يمكنها أن تشكل أسس للدولة المقترحة. في حين أن الجانب اليهودي أبدى استعداده لإقامة دولة من خلال مؤسسات صهيونية أدارت حياة اليهود في فلسطين.

مراسلات من أرشيف الوكالة اليهودية

أرسل موشيه شاريت، الذي سيصبح في ما بعد وزير الخارجية الأول لدولة إسرائيل ورئيس حكومة كذلك، برقية لدافيد بن غوريون، قبل التصويت على قرار التقسيم ب4 أشهر، تعكس تقديراته لنتيجة التصويت المحتملة وهي: 25 دولة ستدعم القرار، 13 ستعارض، 17 ستمتنع، و2 ستغيب. أي أن الجانب اليهودي أدرك أن مقترح التقسيم واقعيا وأن وعد بلفور الذي سبقه ب30 عاما مهد الطريق بالفعل لإقامة دولة لليهود في أرض إسرائيل.

يذكر أن 33 دولة دعمت قرار التقسيم، من بينهم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، معظم دول أمريكا اللاتينية، دول شرقي أوروبا باستثناء يوغوسلافيا، ودول أخرى من غربي أوروبا. بينما عارضته 13 دولة أبرزها الدول العربية والمسلمة واليونان وكوبا. و10 دول امتنعت عن التصويت أهمها بريطانيا.

ويكشف الأرشيف الصهيوني عن مراسلات من الفترة قبل قرار التقسيم تدل على سعي ممثلين عن الوكالة اليهودية في الأمم المتحدة لإقناع الدول المختلفة للتصويت مع القرار، والضغط على الدول التي ناقشت مقترح التقسيم بهدف إجراء تعديلات أخيرة متعلقة بالحدود التي سيحددها القرار.

وفي واحدة من المراسلات التي وصلت القسم السياسي للوكالة اليهودية في فلسطين، كتب شاريت من نيويورك لغولدا مئير، في 12 نوفمبر من عام 1947، أنه يجب على الوكالة المطالبة بإخلاء القوات البريطانية من فلسطين في حال لم يوافقوا على الاستعدادات العسكرية أثناء حكمهم.

وقدّر شاريت أن الجيش اليهودي بحاجة إلى 3 أشهر لكي يكون جاهزا. وقد تحفظ بشأن فكرة من جهات نصحته بالمطالبة برعاية مؤقتة من قبل الأمم المتحدة بعد خروج البريطانيين من فلسطين كاتبا أن ذلك سيضعضع ثقة الدول الداعمة لقرار التقسيم.

وفي مراسلة أخرى، طلبت غولدا إيجاد معادلة تمكن اليهود من حماية اليهود في الدولة العربية المستقبلية إن أحوج الوضع. وتكشف واحدة من المراسلات عن أن شاريت علم من مصدر موثوق وسري أن الإدارة البريطانية بصدد الانسحاب نهاية شهر مارس على نحو فوري.

اقرأوا المزيد: 795 كلمة
عرض أقل
متظاهرون إسرائيليون يحتفلون بعد قرار التقسيم في الأمم المتحدة (ِAFP)
متظاهرون إسرائيليون يحتفلون بعد قرار التقسيم في الأمم المتحدة (ِAFP)

اليوم الذي أقرت فيه دول العالم حل الدولتَين

في مثل هذا اليوم قبل 69 عاما، قرّرت الأمم المتحدة إقامة دولة إسرائيل ودولة عربية على أراضي الانتداب البريطاني. الأمريكيون، الحلفاء البارزون لإسرائيل، كانوا يخشون من إقامة الدولة اليهودية

مضى اليوم 69عاما منذ قرار الأمم المتحدة لإقامة دولتين على أراضي الانتداب البريطانيّ في فلسطين: دولة يهودية، ودولة عربية. بعد عدة شهور من إصدار القرار، أصبح قيام دولة إسرائيل اليهودية حقيقة. بينما لا تزال دولة فلسطين العربية تنتظر إقامتها، حتى بعد 69 عاما على الصراع.

البريطانيون يضيقون ذرعا بفلسطين

منذ أن أعطت عصبة الأمم بريطانيا الحقّ بفرض الانتداب على فلسطين (أو أرض إسرائيل، كما تُسمّى من قبل اليهود)، عملت ما لا يقل عن سبعة لجان بريطانية ودولية وحاولت أن تقرر ماذا سيكون الحلّ الدائم لقطعة الأرض هذه، التي يتقاتل عليها اليهود والعرب.

بعد كلّ جولة من العنف: منذ أحداث 1921، أحداث 1929 الثورة العربية الكبرى بين عاميّ 1936 – 1939، وصلت لجان بريطانية لتتحقّق من الأوضاع في البلاد. اقترح معظمها، بصيغة ما، تقسيم البلاد إلى دولتين، ولكن أيضًا تقييد الهجرة اليهودية وشراء الأراضي من قبل اليهود.

في فترة الحرب العالمية الثانية، 1939 – 1945، هدأت قليلا المعركة على تقسيم البلاد على ضوء الحروب التي جرت في أوروبا. ولكن في عام 1945، استأنف الجانبان الصراع بكامل قوّته. أدرك البريطانيّون، الذين حكموا البلاد، بأنّهم بعد سنوات من الاضطرابات والصراعات من كلا الطرفين، لن يستطيعوا الاستمرار في السيطرة على الأرض. قُتل في الأعوام الواحدة والثلاثين للانتداب البريطاني على الأراضي أكثر من 550 جنديًّا بريطانيًّا من قبل المسلّحين الفلسطينيين واليهود.

كان الوضح في البلاد متفجّرا. غضب اليهود من البريطانيّين لأنّهم لم يسمحوا للاجئي الحرب العالمية الثانية والهولوكوست بإيجاد مأوى في البلاد. وغضب العرب من البريطانيّين واليهود لأنّهم كانوا يخشون من السيطرة اليهودية على البلاد. وغضب البريطانيّون من اليهود والعرب على ضوء تزايد أحداث العنف.

اليهود يتعاونون، والعرب يقاطعون وينقسمون

كانت اللجنة الأخيرة التي عملت في المجال، والتي صوّتت الأمم المتحدة على قرارها في 29 تشرين الثاني هي لجنة اليونسكوب (UNISCOP). كلّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة تلك اللجنة بدراسة قضية الانتداب البريطانيّ.

جلس في لجنة اليونسكوب 11 ممثّلا، من أستراليا، كندا، الأوروغواي، جواتيمالا، البيرو، إيران، الهند، السويد، هولندا، تشيكيا ويوغوسلافيا. كان هناك استعداد وسعادة من الجانب اليهودي للتعاون مع المجتمع الدولي، وقد وفّر لها الوقت لإجراء المحادثات مع كبار زعماء الاستيطان اليهودي في البلاد. كان على رأي المتحدثين موشيه شاريت، والذي أصبح لاحقا وزير الخارجية الأول ورئيس الحكومة الثاني لدولة إسرائيل.

قاطع الفلسطينيون من جانبهم محادثات اللجنة ولم يكونوا مستعدين إطلاقا لسماع إمكانية تقسيم البلاد. بسبب رفض الفلسطينيين للتعاون، قابلت اللجنة ممثّلين من المملكة الأردنية وسوريا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد زارت مخيّمات اللاجئين اليهود بعد الحرب العالمية في أوروبا، وتأثرت من أوضاعهم. لدى انتهاء المحادثات، قرّر معظم أعضاء اللجنة بأنّه ينبغي إنهاء الانتداب البريطانيّ فورا، وتقسيم الأراضي إلى دولة يهودية ودولة عربية.

كان الشعب الفلسطيني بدرجة كبيرة ضحية لأزمة قيادة خطيرة، على النقيض من القيادة الصهيونية التي كانت مرتّبة ومنظّمة بشكل جيّد

كان الشعب الفلسطيني بدرجة كبيرة ضحية لأزمة قيادة خطيرة، على النقيض من القيادة الصهيونية التي كانت مرتّبة ومنظّمة بشكل جيّد. مقابل اليهود الذين كانوا يطلبون بشكل مستمرّ ومنّظم إقامة دولة، لم يكن لدى الفلسطينيين قيادة حقيقية. كانت “اللجنة العربية العليا” في الواقع تجمّعا للمخاتير المحليّين، الواقعين تحت رحمة سائر الدول العربيّة الدكتاتورية. وقد شلّ النزاع المحلّي بين عائلتي النشاشيبي والحسيني هو أيضًا القيادة الفلسطينية الضعيفة أصلا.

دافيد بن غوريون (GPO)
دافيد بن غوريون (GPO)

وفقا للاقتراح، كان ينبغي أن تبقى المدن المقدّسة: القدس وبيت لحم، تحت السيادة الدولية. وكان من المفترض أن تقيم كلّ واحدة من الدولتين نظاما ديمقراطيا، ووضع دستور يضمن حقوق الإنسان والمواطن لجميع السكان. كان يُفترض أن تشمل الدولة اليهودية – التي كانت ستقوم على 55% من الأراضي – 600,000 يهودي ونحو 500,000 عربي. بالمقابل، كان من المفترض أن تشمل الدولة العربية – التي كانت ستقوم على بقية الأراضي – 725,000 من العرب و 10,000 يهودي فقط.

الدراما في واشنطن والتصويت الحاسم

يعلم كل من يهتم بالسياسة في الشرق الأوسط اليوم أنّ الولايات المتحدة تقدّم دعما شبه تلقائي للسياسة الإسرائيلية، وتجهّز دولة إسرائيل بالأسلحة الأحدث والأفضل. لم يكن الأمر كذلك في أواخر عام 1947، عندما أوصت الخارجية الأمريكية بعدم الموافقة على قرار التقسيم.

ومفتاح فهم الموقف الأمريكي تجاه إقامة دولة إسرائيل كامن في فهم العلاقات الدولية بين كلا الإمبراطوريّتين حينذاك، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فمن جهة، أراد كلّ من الأمريكيين والروس حلّ مشكلة اللاجئين اليهود في أوروبا، الذين قوّضوا استقرار القارّة.

قد هدّد سفير مصر في الأمم المتحدة، يوسف هيكل باشا، اليهود بشكل صريح: “إذا قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين فستتحمّل مسؤولية ذبح أعداد كبيرة من اليهود”

ومن جهة أخرى، كان في الولايات المتحدة من ظنّ أنّ قرار التقسيم والحرب التي ستندلع عقبه سيؤهّل الشرق الأوسط للسيطرة السوفياتية الشيوعية، والتي يخشى منها الأمريكيون كثيرًا. ومع ذلك، كان الرئيس الأمريكي هاري ترومان محتاجا للدعم السياسي من يهود الولايات المتحدة.

كان الحلّ الذي أقرّته الولايات المتحدة هو الدعم المتحفّظ وغير المتحمّس للقرار، دون إقناع دول أخرى بالانضمام إليها. كان اليهود بحاجة إلى المزيد من الإقناع الكبير من أجل الحصول على غالبية من ثلثين على قرار التقسيم، والذي كان من الضرورة الموافقة عليه. وقد عمل اللوبي الصهيوني، الذي كان حريصا على تحقيق تطلّعاته في إقامة دولة يهودية من خلال الموافقة الدولية، بسبل لا هوادة فيها لتحقيق الغالبية المطلوبة.

ومن جهته مارس العالم العربي هو أيضا ضغوطا كبيرة من أجل عدم إعطاء اليهود الحقّ في إقامة الدولة. فقد هدّد سفير مصر في الأمم المتحدة، يوسف هيكل باشا، اليهود بشكل صريح:

“يعيش مليون يهودي بسلام في مصر وفي سائر بلاد المسلمين ويتمتّعون بجميع حقوق المواطن. وبالتأكيد فهم لا يرغبون بالهجرة إلى فلسطين. ولكن إذا نشأت دولة يهودية فلن يستطيع أحد تجنّب المتاعب. ستندلع الاضطرابات في فلسطين، ستنتشر في جميع البلاد العربية وربّما تؤدي إلى حرب عرقية. إذا قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين فستتحمّل مسؤولية الاضطرابات الأكثر خطورة وذبح أعداد كبيرة من اليهود”.

الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 تشرين الثاني 1947 (صورة من موقع الكنيست الإسرائيلي)
الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 تشرين الثاني 1947 (صورة من موقع الكنيست الإسرائيلي)

ولكن الضغوط الصهيونية كانت أكبر من تهديدات الدول العربيّة. صوّتت 33 دولة، على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى السويد، النرويج، بولندا، فرنسا، ومعظم دول أمريكا الجنوبية لصالح القرار. 13 دولة فقط صوّتت ضدّ القرار، ومن بينها جميع الدول العربية والإسلامية: لبنان، مصر، سوريّا، العراق، السعودية، اليمن، باكستان، تركيا وإيران. وامتنعت عشر دول عن التصويت.

الفرح في إسرائيل، والغضب في فلسطين

استجابت الجموع في إسرائيل بالفرح المنفجر والذي لم يكن بالإمكان إيقافه. كان الاعتراف العالمي بالدولة اليهودية، حتى لو كانت دولة صغيرة، إنجازا لا يُصدّق بالنسبة للشعب اليهودي. وتتحدث روايات تاريخية كثيرة من تلك الفترة عن الرقص في شوارع المدن اليهودية، وعن الاحتفالات التي استمرت حتى الصباح أمام أعين الجنود البريطانيين المندهشة.

وفي الجانب الفلسطيني، الذي رفض كما ذكرنا التعاون مع أي اقتراح لتقسيم البلاد، لم يضيّعوا الوقت في الحداد على القرار الفاضح بنظرهم، وخرجوا للمعركة. بعد يوم من قرار الأمم المتحدة شنّ عرب فلسطين حربا شاملة. كانت الكلمة الفصل للعرب في الأشهر الأولى من ذلك، وكان يبدو أنّ الحرب ستزيل أي احتمال للدولة اليهودية في إسرائيل. بعد مرور عام ونصف فقط، في أواسط عام 1949، بعد حرب حصدت الكثير من الضحايا من جميع الجيوش العربية، أصبحت دولة إسرائيل واقعا موجودا، حتى يومنا هذا.

ويبدو أنّ الفلسطينيين الذين كانوا عام 1947 ضحية لعجزهم على التوحّد تحت قيادة متفق عليها، لا يزالوا ممزّقين منذ ذلك الحين وحتى اليوم بين رغباتهم المتعارضة.

في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي تمزّقوا بين الحسينيين والنشاشيبيين كما تمزّقوا بين مؤيدي الشعب الفلسطيني وبين رؤيا “سوريا الكبرى”. في سنوات السبعينيات تمزّقوا بين الملك الأردني الحسين ومنظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات. والشعب الفلسطيني اليوم ممزّق بين الضفة الغربية وغزة، بين فتح وحماس. ولا يزال الاستقلال الفلسطيني في الأفق البعيد.

 

اقرأوا المزيد: 1123 كلمة
عرض أقل
واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)
واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)

الحياة قبل عام 1948

شهادات حيّة من السنوات التي سبقت قيام دولة إسرائيل: مَن كان فلسطينيا؟ من آمن بالصهيونية؟ ومَن عرّف نفسه فلسطينيّا يهوديا؟

دار الحديث كثيرا عن الصراع الإسرائيلي العربي – أو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وكُتب عنه. غالبا، كان الاهتمام دبلوماسيا أو سياسيا وانشغل بالجوانب التاريخية.

لم تُسمع أصوات أولئك الذين عاشوا هنا في فترات الصراع المختلفة، تقريبا. يُعرف القليل جدا عن الناس، يهودا وعربا على حدّ سواء، الذين عاشوا هنا في فترة الانتداب البريطاني (1917-1948). تُميّز تلك الفترة التي كانت مليئة بالعنف وعدم اليقين هوية عدد غير قليل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

كان مشروع التصوير “فلسطين/ أرض إسرائيل”، للمصورة الإسرائيلية، هداس بروش (لصالح وكالة التصوير Flash90)، بمثابة عودة في الزمن إلى الوراء، لفهم قصص الأشخاص الذين عاشوا في هذه الأرض، في تلك السنين، في الفترة بين الانتداب البريطاني وبين إقامة دولة إسرائيل (1948) وللتعرّف إليها أيضا.

“يطمح مشروع “فلسطين/ أرض إسرائيل” إلى التعرّف إلى القصص والتجارب المختلفة لكل مَن تم تصويره حيث يُسأل عن دلالة البطاقة الفلسطينية التي يحملها، وعن وجهة نظره حول انتمائه إلى هذه الأرض”، كما تقول بروش في حديثها معنا.

وتدمج سلسلة الصور المميزة بورتريهات ليهود وعرب من مواليد أرض إسرائيل/ فلسطين في فترة الانتداب البريطاني، يحملون بطاقات فلسطينية أصلية من فترة الانتداب. على كل بطاقة، شهادة ميلاد، بطاقة هوية، أو جواز سفر – مكتوب “ממשלת פלשתינה (א״י)” بالعبرية، و Palestine بالإنجليزية، وفلسطين بالعربية.

وُلدت فكرى تعقّب الأشخاص الذين وُلدوا هنا في تلك الفترة عندما التقت بروش بجدتها، التي وُلدت هي أيضا عام 1934. فُوجئت بروش عندما عرفت أن شهادة ميلاد جدّتها تظهر عليها كتابة “فلستينا” بالعبرية.

رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأت تتراكم قصص وتجارب مختلفة لأشخاص شكّلوا فسيفساء السكان على هذه الارض، قبل إقامة دولة إسرائيل. يعرض التوثيق الأصلي لبروش بورتريهات لأشخاص مختلفين، يهودا وعربا، حيث تظهر إلى جانبهم بطاقة هوية أو شهادة ميلاد أصلية (من فترة الانتداب).

تحمل كل صورة من تلك الصور قصة شخصية لأصحابها، بكلماتهم الخاصة. “هناك دلالة خاصة لاسم فلسطين لكل شخص تم تصويره وقصة خاصة بتلك الفترة تحت حكم الانتداب. تُستخدم الوثيقة نفسها في المشروع مفتاحا للحديث عن القصة الشخصية لكل واحد، وهي معدّة للمشاهد الذي سيواجه حالات الواقع المختلفة والمتناقضة أحيانا التي كانت قائمة في الوقت ذاته على الأرض المتنازع عليها ذاتها”، كما تقول بروش.

جمعنا قصص ستة أشخاص، عربا ويهودا، من سلسلة الصور لنفهم ماذا اعتقدوا حول تلك الفترة المهمة في التاريخ للشعبين. وهذا ما قاله كل واحد منهم حول بطاقة هويته

ريموند ظاهر، وُلد عام 1944، في حيفا، في عهد الانتداب البريطاني. يعيش اليوم في حيفا، إسرائيل

ريموند ظاهر، وُلد عام 1944، في حيفا (Flash90/Hadas Parush)
ريموند ظاهر، وُلد عام 1944، في حيفا (Flash90/Hadas Parush)

“كل مَن وُلد قبل عام 1948، يحمل بطاقة هوية، العرب، اليهود، والجميع. عندما كنا صغارا، مَن كان يدرك أساسا معنى فلسطين أو إسرائيل؟ تظهر على هذه الوثيقة العبارة “فلسطين أرض إسرائيل”. من يستطيع أن يثبت ذلك؟ أنا لست فلسطينيا، لماذا؟ لأني وُلدت هنا. شهادة ميلادي فلسطينية، فماذا بعد؟ هل عليّ أن أجادل نتنياهو؟ إسرائيل موجودة: حقيقة. الضفة الغربية قائمة، وتقع تحت الاحتلال، ونحن ننتظر. أنا أعيش في إسرائيل، لا يمكن إخفاؤها. أنا سعيد في العيش فيها. لن تقوم دولة فلسطينية أبدا”.

تسيبورا هعتسني، وُلدت عام 1929، في القدس، عهد الانتداب البريطاني. تعيش في مستوطنة كريات أربع، الخليل، الضفة الغربية

تسيبورا هعتسني، وُلدت عام 1929، في القدس (Flash90/Hadas Parush)
تسيبورا هعتسني، وُلدت عام 1929، في القدس (Flash90/Hadas Parush)

“وُلدتُ في مستشفى “بيكور حوليم” في القدس، لقد نقلوا إليه حينها كل الجرحى الذين أصيبوا من المذابح ضدّ اليهود في مدينة الخليل في ذلك الحين. عندما أخبرتُ أمي أنني سأنتقل للعيش في الخليل، كانت على وشك أن يُغمى عليها فقالت: “هل تريدين العيش مع هؤلاء القتلة؟”.

أنا من الجيل السابع في إسرائيل. أحفادي في الواقع من الجيل العاشر. بطاقة الهوية هذه هي قصة حياتي. أنا فلسطينية. هكذا مُسجل فيها. دائما كنا صهاينة، حينذاك لم نعرّف أنفسنا أبدا كفلسطينيين. في نظري لم تكن هذه فلسطين وإنما أرض إسرائيل. كان اسم فلسطين شتيمة. كان ذلك اختراع لهادريان الذي أراد محو اسم إسرائيل، فسماها فلسطين، على اسم الفلستيين. ولكن هذا الاسم لا يعنيني. كنت يهودية في أرض إسرائيل وصهيونية”.

شريف محمد، وُلد عام 1941، باقة الغربية، في عهد الانتداب البريطاني. يعيش اليوم في باقة الغربية، إسرائيل

شريف محمد، وُلد عام 1941، باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)
شريف محمد، وُلد عام 1941، باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)

“لا أعارض شخصيا إقامة دولة إسرائيل، أو إقامة دولة فلسطين. إذا عاش الإسرائيليون والفلسطينيون معا، يمكن أن يختاروا اسما جديدا، وهذا لا يهمني. ولكن يهمني أن يحصل الجميع على حقوقهم فقط. في هذه الأيام، يزعم أشخاص مثل ليبرمان أنّه لا يوجد شيء اسمه فلسطين. مَن هو ليبرمان أصلا، مهاجر روسي جاء إلى هذه البلاد. اتركوا العرب واليهود يحلّون مشاكلهم وحدهم. وعندما يتم إنكار وجود فلسطين، فهذا يعني أنني غير قائم. كأننا سقطنا من السماء”.

واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية، في عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. تعيش اليوم في باقة الغربية، إسرائيل

واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)
واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)

“عانت هذه المنطقة طيلة سنوات طويلة تحت احتلال الجيش الإسرائيلي، حتى عام 1967. شهدت البلاد حصارا خانقا. كان الاحتفاظ بمثل هذه الوثائق الفلسطينية صعبا جدا. لم يُسمح لنا أن نذكر اسم فلسطين، نرفع العلم، أو أن نعرّف أنفسنا كفلسطينيين. كانت المرة الأولى التي استخدم فيها الناس هذا المصطلح في الانتفاضة الأولى، 1987. فتحدثوا عن ذلك حينها فقط وتحرّروا من الضغوط. فالعثور على وثائق كهذه، يشير إلى أنّه يوما ما كان الأمر مختلفا. كانت هنا دولة ذات مرة وكنت مواطنة فيها. مررت فترة صعبة، وأحتفظ بشهادة الميلاد هذه من أجل أن يراها أولادي والأجيال القادمة. إنّها تذكار جيّد”.

إلياهو دافيد سغيف غروسمان، وُلد عام 1931، في القدس، عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. يعيش في القدس، إسرائيل

إلياهو دافيد سغيف غروسمان، وُلد عام 1931، في القدس (Flash90/Hadas Parush)
إلياهو دافيد سغيف غروسمان، وُلد عام 1931، في القدس (Flash90/Hadas Parush)

“حتى حرب الاستقلال عام 1948، لم أكن أذكر اسم فلسطين. نعم عرفت الاسم من وثائق أرض إسرائيل فلسطين. ولكن كنا نسميها أرض إسرائيل. سمّينا العرب – عرب أرض إسرائيل. سمّاها البريطانيون فلسطين لأنّهم كانوا يعملون على مساعدتنا في الاستيطان هناك. أعرب العرب عن مقاومة شديدة لحركة الاستيطان اليهودي. لقد أرادوا الأرض ملكهم فقط.

بطاقة الهوية هذه هي منذ الفترة التي عشتُ فيها تحت الانتداب، والحقيقة هي أنّ الانتداب، قد كلّف من قبل الكومنولث، لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، على شكل وعد بلفور“.

اسحاق سعيد أبو خضير، وُلد عام 1943 في شعفاط، القدس، عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. يعيش في شعفاط، القدس الشرقية، إسرائيل

اسحاق سعيد أبو خضير، وُلد عام 1943 في شعفاط، القدس (Flash90/Hadas Parush)
اسحاق سعيد أبو خضير، وُلد عام 1943 في شعفاط، القدس (Flash90/Hadas Parush)

“في الفترة التي حرص فيها اليهود الفلسطينيون، أقصد ليس هؤلاء الذين قدموا أثناء الاحتلال، بل الذين كانوا في البلاد اهتم كل واحد بالآخر، وعاش الناس في البلاد كجيران وأصدقاء تربطهم علاقة حسنة. لم يهتم أحد بدين الآخر، سواء كان يهوديا أو مسلما.

جواز السفر هذا، يثبت للعالم كله أنّه كانت يوما ما فلسطين على هذه الأرض ونحتفظ بالوثائق للإثبات. ما معنى دولة؟ كيف تُبنى؟ – علم، عملة، وثائق وأرض. نحن فخورون لأننا نملك جواز سفر من تلك الفترة. هذه الأرض هي مُلك الشعب الفلسطيني – فبناء على التاريخ، والوثائق، قدم اليهود إلى البلاد وأخذوا منا أراضينا، سلبوا حريتنا، ووضعونا في السجن. نحن نعيش في سجن كبير”.

اقرأوا المزيد: 1003 كلمة
عرض أقل
متظاهرون إسرائيليون يحتفلون بعد قرار التقسيم في الأمم المتحدة (ِAFP)
متظاهرون إسرائيليون يحتفلون بعد قرار التقسيم في الأمم المتحدة (ِAFP)

اليوم الذي أقرّت فيه دول العالم حلّ الدولتَين

في مثل هذا اليوم قبل 68 عاما، في 29 تشرين الثاني عام 1947 قرّرت الأمم المتحدة إقامة دولة إسرائيل ودولة عربية على أراضي الانتداب البريطانيّ في فلسطين. الأمريكيون، الحلفاء البارزون لإسرائيل، كانوا يخشون من إقامة الدولة اليهودية

مضى اليوم 68 عاما منذ قرار الأمم المتحدة لإقامة دولتين على أراضي الانتداب البريطانيّ في فلسطين: دولة يهودية، ودولة عربية. بعد عدة شهور من إصدار القرار، أصبح قيام دولة إسرائيل اليهودية حقيقة. بينما لا تزال دولة فلسطين العربية تنتظر إقامتها، حتى بعد 68  عاما على الصراع.

البريطانيون يضيقون ذرعا بفلسطين

منذ أن أعطت عصبة الأمم بريطانيا الحقّ بفرض الانتداب على فلسطين (أو أرض إسرائيل، كما تُسمّى من قبل اليهود)، عملت ما لا يقل عن سبعة لجان بريطانية ودولية وحاولت أن تقرر ماذا سيكون الحلّ الدائم لقطعة الأرض هذه، التي يتقاتل عليها اليهود والعرب.

بعد كلّ جولة من العنف: منذ أحداث 1921، أحداث 1929 الثورة العربية الكبرى بين عاميّ 1936 – 1939، وصلت لجان بريطانية لتتحقّق من الأوضاع في البلاد. اقترح معظمها، بصيغة ما، تقسيم البلاد إلى دولتين، ولكن أيضًا تقييد الهجرة اليهودية وشراء الأراضي من قبل اليهود.

في فترة الحرب العالمية الثانية، 1939 – 1945، هدأت قليلا المعركة على تقسيم البلاد على ضوء الحروب التي جرت في أوروبا. ولكن في عام 1945، استأنف الجانبان الصراع بكامل قوّته. أدرك البريطانيّون، الذين حكموا البلاد، بأنّهم بعد سنوات من الاضطرابات والصراعات من كلا الطرفين، لن يستطيعوا الاستمرار في السيطرة على الأرض. قُتل في الأعوام الواحدة والثلاثين للانتداب البريطاني على الأراضي أكثر من 550 جنديًّا بريطانيًّا من قبل المسلّحين الفلسطينيين واليهود.

كان الوضح في البلاد متفجّرا. غضب اليهود من البريطانيّين لأنّهم لم يسمحوا للاجئي الحرب العالمية الثانية والهولوكوست بإيجاد مأوى في البلاد. وغضب العرب من البريطانيّين واليهود لأنّهم كانوا يخشون من السيطرة اليهودية على البلاد. وغضب البريطانيّون من اليهود والعرب على ضوء تزايد أحداث العنف.

اليهود يتعاونون، والعرب يقاطعون وينقسمون

كانت اللجنة الأخيرة التي عملت في المجال، والتي صوّتت الأمم المتحدة على قرارها في 29 تشرين الثاني هي لجنة اليونسكوب. كلّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة تلك اللجنة بدراسة قضية الانتداب البريطانيّ.

جلس في لجنة اليونسكوب 11 ممثّلا، من أستراليا، كندا، الأوروغواي، جواتيمالا، البيرو، إيران، الهند، السويد، هولندا، تشيكيا ويوغوسلافيا. كان هناك استعداد وسعادة من الجانب اليهودي للتعاون مع المجتمع الدولي، وقد وفّر لها الوقت لإجراء المحادثات مع كبار زعماء الاستيطان اليهودي في البلاد. كان على رأي المتحدثين موشيه شاريت، والذي أصبح لاحقا وزير الخارجية الأول ورئيس الحكومة الثاني لدولة إسرائيل.

قاطع الفلسطينيون من جانبهم محادثات اللجنة ولم يكونوا مستعدين إطلاقا لسماع إمكانية تقسيم البلاد. بسبب رفض الفلسطينيين للتعاون، قابلت اللجنة ممثّلين من المملكة الأردنية وسوريا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد زارت مخيّمات اللاجئين اليهود بعد الحرب العالمية في أوروبا، وتأثرت من أوضاعهم. لدى انتهاء المحادثات، قرّر معظم أعضاء اللجنة بأنّه ينبغي إنهاء الانتداب البريطانيّ فورا، وتقسيم الأراضي إلى دولة يهودية ودولة عربية.

كان الشعب الفلسطيني بدرجة كبيرة ضحية لأزمة قيادة خطيرة، على النقيض من القيادة الصهيونية التي كانت مرتّبة ومنظّمة بشكل جيّد

كان الشعب الفلسطيني بدرجة كبيرة ضحية لأزمة قيادة خطيرة، على النقيض من القيادة الصهيونية التي كانت مرتّبة ومنظّمة بشكل جيّد. مقابل اليهود الذين كانوا يطلبون بشكل مستمرّ ومنّظم إقامة دولة، لم يكن لدى الفلسطينيين قيادة حقيقية. كانت “اللجنة العربية العليا” في الواقع تجمّعا للمخاتير المحليّين، الواقعين تحت رحمة سائر الدول العربيّة الدكتاتورية. وقد شلّ النزاع المحلّي بين عائلتي النشاشيبي والحسيني هو أيضًا القيادة الفلسطينية الضعيفة أصلا.

دافيد بن غوريون (GPO)
دافيد بن غوريون (GPO)

وفقا للاقتراح، كان ينبغي أن تبقى المدن المقدّسة: القدس وبيت لحم، تحت السيادة الدولية. وكان من المفترض أن تقيم كلّ واحدة من الدولتين نظاما ديمقراطيا، ووضع دستور يضمن حقوق الإنسان والمواطن لجميع السكان. كان يُفترض أن تشمل الدولة اليهودية – التي كانت ستقوم على 55% من الأراضي – 600,000 يهودي ونحو 500,000 عربي. بالمقابل، كان من المفترض أن تشمل الدولة العربية – التي كانت ستقوم على بقية الأراضي – 725,000 من العرب و 10,000 يهودي فقط.

الدراما في واشنطن والتصويت الحاسم

يعلم كل من يهتم بالسياسة في الشرق الأوسط اليوم أنّ الولايات المتحدة تقدّم دعما شبه تلقائي للسياسة الإسرائيلية، وتجهّز دولة إسرائيل بالأسلحة الأحدث والأفضل. لم يكن الأمر كذلك في أواخر عام 1947، عندما أوصت الخارجية الأمريكية بعدم الموافقة على قرار التقسيم.

ومفتاح فهم الموقف الأمريكي تجاه إقامة دولة إسرائيل كامن في فهم العلاقات الدولية بين كلا الإمبراطوريّتين حينذاك، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فمن جهة، أراد كلّ من الأمريكيين والروس حلّ مشكلة اللاجئين اليهود في أوروبا، الذين قوّضوا استقرار القارّة.

قد هدّد سفير مصر في الأمم المتحدة، يوسف هيكل باشا، اليهود بشكل صريح: “إذا قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين فستتحمّل مسؤولية ذبح أعداد كبيرة من اليهود”

ومن جهة أخرى، كان في الولايات المتحدة من ظنّ أنّ قرار التقسيم والحرب التي ستندلع عقبه سيؤهّل الشرق الأوسط للسيطرة السوفياتية الشيوعية، والتي يخشى منها الأمريكيون كثيرًا. ومع ذلك، كان الرئيس الأمريكي هاري ترومان محتاجا للدعم السياسي من يهود الولايات المتحدة.

كان الحلّ الذي أقرّته الولايات المتحدة هو الدعم المتحفّظ وغير المتحمّس للقرار، دون إقناع دول أخرى بالانضمام إليها. كان اليهود بحاجة إلى المزيد من الإقناع الكبير من أجل الحصول على غالبية من ثلثين على قرار التقسيم، والذي كان من الضرورة الموافقة عليه. وقد عمل اللوبي الصهيوني، الذي كان حريصا على تحقيق تطلّعاته في إقامة دولة يهودية من خلال الموافقة الدولية، بسبل لا هوادة فيها لتحقيق الغالبية المطلوبة.

ومن جهته مارس العالم العربي هو أيضا ضغوطا كبيرة من أجل عدم إعطاء اليهود الحقّ في إقامة الدولة. فقد هدّد سفير مصر في الأمم المتحدة، يوسف هيكل باشا، اليهود بشكل صريح:

“يعيش مليون يهودي بسلام في مصر وفي سائر بلاد المسلمين ويتمتّعون بجميع حقوق المواطن. وبالتأكيد فهم لا يرغبون بالهجرة إلى فلسطين. ولكن إذا نشأت دولة يهودية فلن يستطيع أحد تجنّب المتاعب. ستندلع الاضطرابات في فلسطين، ستنتشر في جميع البلاد العربية وربّما تؤدي إلى حرب عرقية. إذا قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين فستتحمّل مسؤولية الاضطرابات الأكثر خطورة وذبح أعداد كبيرة من اليهود”.

الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 تشرين الثاني 1947 (صورة من موقع الكنيست الإسرائيلي)
الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 تشرين الثاني 1947 (صورة من موقع الكنيست الإسرائيلي)

ولكن الضغوط الصهيونية كانت أكبر من تهديدات الدول العربيّة. صوّتت 33 دولة، على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى السويد، النرويج، بولندا، فرنسا، ومعظم دول أمريكا الجنوبية لصالح القرار. 13 دولة فقط صوّتت ضدّ القرار، ومن بينها جميع الدول العربية والإسلامية: لبنان، مصر، سوريّا، العراق، السعودية، اليمن، باكستان، تركيا وإيران. وامتنعت عشر دول عن التصويت.

الفرح في إسرائيل، والغضب في فلسطين

استجابت الجموع في إسرائيل بالفرح المنفجر والذي لم يكن بالإمكان إيقافه. كان الاعتراف العالمي بالدولة اليهودية، حتى لو كانت دولة صغيرة، إنجازا لا يُصدّق بالنسبة للشعب اليهودي. وتتحدث روايات تاريخية كثيرة من تلك الفترة عن الرقص في شوارع المدن اليهودية، وعن الاحتفالات التي استمرت حتى الصباح أمام أعين الجنود البريطانيين المندهشة.

وفي الجانب الفلسطيني، الذي رفض كما ذكرنا التعاون مع أي اقتراح لتقسيم البلاد، لم يضيّعوا الوقت في الحداد على القرار الفاضح بنظرهم، وخرجوا للمعركة. بعد يوم من قرار الأمم المتحدة شنّ عرب فلسطين حربا شاملة. كانت الكلمة الفصل للعرب في الأشهر الأولى من ذلك، وكان يبدو أنّ الحرب ستزيل أي احتمال للدولة اليهودية في إسرائيل. بعد مرور عام ونصف فقط، في أواسط عام 1949، بعد حرب حصدت الكثير من الضحايا من جميع الجيوش العربية، أصبحت دولة إسرائيل واقعا موجودا، حتى يومنا هذا.

ويبدو أنّ الفلسطينيين الذين كانوا عام 1947 ضحية لعجزهم على التوحّد تحت قيادة متفق عليها، لا يزالوا ممزّقين منذ ذلك الحين وحتى اليوم بين رغباتهم المتعارضة.

في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي تمزّقوا بين الحسينيين والنشاشيبيين كما تمزّقوا بين مؤيدي الشعب الفلسطيني وبين رؤيا “سوريا الكبرى”. في سنوات السبعينيات تمزّقوا بين الملك الأردني الحسين ومنظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات. والشعب الفلسطيني اليوم ممزّق بين الضفة الغربية وغزة، بين فتح وحماس. ولا يزال الاستقلال الفلسطيني في الأفق البعيد.

 

اقرأوا المزيد: 1122 كلمة
عرض أقل