الجيش الإيراني يهين هذا الأسبوع جنودا أمريكيين، في فرنسا تبدأ حملة تأييد ارتداء القلنسوة علنًا، وفي إسرائيل، شوارع تأخذ أسماء جديدة مثل فيروز ومحمود درويش
هذه هي الصور الخمس الأبرز من الأحداث الأهم التي جرت في الأسبوع الماضي:
لغز نشأت ملحم
في الأيام التي تلت اغتيال ملحم، الذي نفّذ عملية إطلاق نار في تل أبيب وقتل أيضًا سائق الأجرة أمين شعبان، بدأت تُطرح أسئلة بخصوص هذا الرجل الغامض، الذي لا تزال دوافعه حتى اليوم غير واضحة، ومن غير المعروف إن كان قد عمل وحده، أو خطّط لتنفيذ عملية أخرى، وكيف نجح في الفرار من تل أبيب حتى المسجد الذي اختبأ فيه في عرعرة.
مجموعة تابعة لداعش تدّعي أن منفذ عملية تل أبيب أحد أنصارها
عارضة الأزياء هدى نقاش ضدّ نتنياهو
أصحبت عارضة الأزياء العربية، هدى نقاش، رمزا للتعايش في إسرائيل، فهي تقيم علاقة عاطفية مع موسيقار يهودي. وأعربت نقاش هذا الأسبوع عن خيبة ظنها من تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضد الجمهور العربي في إسرائيل، قائلة “إنه لأمر مؤسف أن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رئيس دولة مواطنوها من اليهود والعرب، يحرض ضد مجتمع كامل (أي العرب”).
عارضة الأزياء العربية، هدى نقاش (فيسبوك)
أخيرا: أسماء لشوارع القرى العربية في إسرائيل
بعد نضال لسنوات، استجابت الحكومة الإسرائيلية أخيرا لمطالبات سكان القرى العربية في الجليل بمنح أسماء للشوارع وأرقام للمنازل من أجل تسهيل حياتهم. من بين أسماء الشوارع التي اختارها السكان يمكننا أن نجد المطربتين الأسطوريتين فيروز وأم كلثوم، بالإضافة إلى الشاعر الوطني الفلسطيني، محمود درويش، إلى جانب أسماء سياسيين إسرائيليين عملوا من أجل السلام، مثل إسحاق رابين وشمعون بيريس.
صورة فيروز في شارع لبناني (AFP)
حملة #TousAvecUneKippa من أجليهود فرنسا
بعد أن دعا رئيس الجالية اليهودية في مرسيليا اليهود إلى الامتناع عن التجول مع قلنسوة في الشارع خوفا من هجوم إرهابي إسلامي، تجنّد العديد من الناس من أجل يهود فرنسا في الإنترنت ونشروا صورا لمشاهير يرتدون القلنسوة، بعضها حقيقي، وبعضها مُعالَج في برنامج فوتوشوب. الرسالة واضحة: لا يجب الاستسلام للإرهاب، استمروا في ارتداء القلنسوة بفخر وبدون خوف.
tousavecunekippa#
جنود أمريكيون خاضعون في إيران
اعتقلت إيران هذا الأسبوع عشرة بحّارين من سلاح البحريّة الأمريكي، بعد أن اخترق هؤلاء عن طريق الخطأ مياهها الإقليمية، بسبب خلل فنّي. تم أخذ الجنود للتحقيق، وأُطلق سراحهم بعد أن اتضح بأنّه كان خطأ فعلا. ورغم أنّه قد تم حلّ القضية بطرق دبلوماسية وبشكل إيجابي، إلا أنّ الإيرانيين لم يفوّتوا الفرصة لنشر صور مهينة للجنود الأمريكيين وهم خاضعون ويعتذرون، وبشكل أو بآخر يتوسّلون للحفاظ على حياتهم.
الجنود الأمريكون بعد توقيفهم على يد الأمن الإيراني (النت)
“أنا من قرية عزلاء منسية | شوارعها بلا أسماء”، هذا ما كتبه محمود درويش قبل أكثر من خمسين عامًا. ولكن، لا تزال الشوارع في القرى العربية في الجليل دون أسماء. وللمرة الأولى، ستُسمّى الشوارع، بعد نضال دام سنوات طويلة وشكاوى كثيرة من المواطنين، في 40 بلدة عربية في الجليل، بأسماء ستُحدد من خلال لافتات واضحة وستحمل أرقام البيوت.
وتسبب عدم وجود أسماء للشوارع بمشاكل كثيرة للمواطنين، الذين وجدوا صعوبة بتلقي خدمات عامة وخدمات بريدية إلى بيوتهم، وأثّر ذلك حتى على مُقدمي الخدمات (مثل المطاعم والمتاجر) الذين وجدوا صعوبة بتحديد ونشر مواقع تواجد مصالحهم ما أدى إلى خسارة الزبائن. طُرحت مسألة النقص حول تحديد خرائط الشوارع أكثر من مرة في الفترات الانتخابية، حيث يُدعى المواطنين إلى الوصول إلى صناديق الاقتراع وفق أسماء العائلات، وليس وفق مكان السكن، ما يدفع نحو “تصويت عائلي” ولا يُتيح عملية تصويت حُر وسري.
وقد قررت وزارة تطوير النقب والجليل، استجابة على التوجهات، طرح مُبادرة جديدة، تفسح للمواطنين فرصة اختيار أسماء الشوارع في قُراهم، هذا ما جاء اليوم في صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
شارع محمود درويش قي شمال إسرائيل
ويحمل مُعظم الأسماء التي اختيرت أسماء شخصيات معروفة، من بينها أسماء ثقافية لامعة في الوسط العربي أمثال محمود درويش، فيروز، جبران خليل جُبران، وأم كلثوم، وفي بعض القُرى اختار السكان أسماء شخصيات إسرائيلية بارزة.
من بين أسماء الشوارع التي تم اختيارها نجد اسم “إسحاق رابين”، رئيس الحكومة الإسرائيلي الذي تم اغتياله، “شمعون بيرس”، الرئيس السابق، والشيء المُفاجئ هو أنه في قرية زرازير اختاروا أسماء قادة أركان سابقين مثل “موشيه ديان” و “موتي غور”. واختار السكان في قرية “بيت جن” الدرزية تسمية أحد الشوارع على اسم القائد الدرزي المعروف “كمال جُنبلاط”.
نويل خرمان، اسم يجب أن تتذكروه جيدا فبدءا من اليوم، يمكن القول أن موقع اليوتيوب يشهد ميلاد موهبة فذة لمطربة من عرب إسرائيل ، لم تبلغ عامها السابع عشر بعد، ولكنها قادرة على المزج ما بين عبقرية السيدة فيروز في اغنيتها “كيفك أنت” وسحر المطربة البريطانية أديل في أغنيتها الجديدة “Hello”.
نويل حظيت بأكثر من 980 ألف مشاهدة للأغنية بعد 4 أيام فقط من بث المقطع المصور على قناة خاصة تحمل اسمها بموقع اليوتيوب، بموسيقى بسيطة في الخلفية والتصوير بكاميرا عادية.
شاهدوا نويل خرمان وهي تمزج “كيفك أنت” و”Hello” لفيروز وأديل:
المطربة الإسرائيلية سريت حداد (Flash 90/Yossi Zeliger)
ملكة الغناء الشرقي: سريت حداد
في الرابعة والثلاثين من عمرها، سريت حداد هي على قائمة المطربات الإسرائيليات الشرقيات الأكثر نجاحًا في إسرائيل والعالم. بعد21 ألبومًا، وعشق خاصّ للغناء الشرقي، نقدّم لكم "سندريلا حداد"
مَن في إسرائيل لا يعرف أغاني سريت حداد؟! حتى في الدول المجاورة، الأردن، لبنان، ومصر، سمعوها تؤدي خيرة أغاني أم كلثوم وفيروز والفنانَين العصريَّين عمرو دياب وإليسا، بعربية واضحة إلى حدّ بعيد. حوّلت سريت حداد رُوَيدًا رُوَيدًا حلم طفولتها إلى واقع ناجح بسرعة.
بدأت سريت حداد مسيرتها الموسيقية بسنّ مبكرة جدًّا. وُلدت حدّاد في مدينة العفولة باسم سارة حوددطوف في أسرة يهودية من أصل قوقازيّ. وقد كانت آخر العنقود بين أربعة إخوة وأربع أخوات. عام 1981، حين أتمت الثالثة من عمرها فقط، انتقلت أسرتها للسكن في الخضيرة. أراد والدها أن تصبح طبيبة أو ممثّلة، على أن تبتعد عن مجال الموسيقى فقط.
المطربة الإسرائيلية سريت حداد (Flash90/Kobi Gideon)
بمساعدة أختها، اعتادت حدّاد على الهرب من البيت دون علم والدَيها لإحياء حفلات في نوادٍ. عام 1990، بسنّ 12 عامًا، اكتشف والداها سرّ حفلاتها، مانعَين إيّاها من مغادرة البيت لإحياء حفلات. في الفترة التي مُنعت فيها من إحياء حفلات، تعلمّت بمفردها العزف على عدّة آلات موسيقية، مثل الغيتارة، البيانو، الخشبية (الإكسيلوفون)، الأورغ، المزمار، الطبلة، التشيلو (الكمان الكبير)، الأكورديون، والمتردّدة (الترومبون). وانتظرت حدّاد إلى عام 1993، حين بلغت الخامسة عشرة من عمرها، لتعود إلى إحياء الحفلات. في إحدى حفلات الجوقة في نتانيا، رآها قائد الفرقة الموسيقية آفي غويتا، الذي أذهله صوتها المميّز، وعرض عليها عقدًا لإنتاج تسجيلات. في مقابَلات عديدة في الإعلام، قالت سريت إنّ سرّ نجاحها يكمن في التناغُم بينها وبين غويتا.
كان النجاح الباهر الأول في سن السابعة عشرة (عام 1995)، حين أصدرت سريت ألبومها الأول “نيتسوتس حييم” (ومضة حياة)، الذي تضمّن الأغنية الضاربة “شالوم حافير” (سلامًا صديقي). بين عشية وضحاها، أصبحت سريت أميرة الغناء الشرقي، الذي لم يحظَ حتى ذلك الحين بالاهتمام الكافي على الساحة الإسرائيلية، بل اعتُبر غناءً ثانويًّا.
أمّا المحطّة الأهم في حياة حدّاد فكانت في تشرين الأول 1997 حين أحيت حفلات لنحو شهر في المملكة الأردنية تحت ستار مطربة فلسطينية باسم “سيريت حداد مطربة الكرمل”. في مقابلاتها الإعلامية، تعترف أنّ الغناء العربي جزءٌ لا يتجزأ من حياتها، حتى إنها تعترف أنها تأثرت في ألبومها الأخير بكثير من أغاني إليسا وعمرو دياب ألحانًا وكلمات. خلال مكوثها القصير نسبيًّا في المملكة الأردنية، أصدرت سريت أسطوانة باللغة العربية، رغم أنها ليست ناطقة باللغة.
شاهدوا سريت في مصر تسجّل أغاني باللغة العربية
عام 1998، صدر ألبومها الخامس “حوك هحييم” (قانون الحياة) الذي شكّل بالنسبة إليها التقدّم الأبرز. أدّى الألبوم إلى اختراق حدّاد التيّار المركزي الإسرائيلي. رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأت سريت بدخول الوعي الثقافي كواحدة من أقوى المطربات بعشرات الأغاني الناجحة والتعاونات العديدة. بين الإيقاعات التي جرّبتها إيقاعات قوقازيّة، لاتينية، بوب، وشرقيّة. كذلك لم تترك الصلوات والمزامير.
بداية عام 2002 اختيرت حدّاد لتمثيل إسرائيل في مسابقة الغناء الأوروبية الأوروفيزيون. كانت الأغنية التي اختيرت “ندليك بياحَد نِر” (لنضئ معًا شمعة)، وأنهت المسابقة في المركز الثاني عشر.
واصلت سريت إصدار أغانٍ ضاربة على مرَ السنين. ووفقًا لتقرير حديث، نجحت في إطلاق أغنية جديدة كلّ شهر منذ بداية مسيرتها الفنية، وهو ما لم ينجح أي مُغنٍّ آخر في فعله. وتابعت سريت نجاحها إذ شاركت كمدرّبة في برنامج الواقع الناجح “The Voice”. وحطّمت مشاركة سريت كمرشدة في برنامج واقع ذي نسب مشاهدة مرتفعة الاعتقادَ أنّ ذوي الأصول الشرقية في إسرائيل يصعب عليهم أن ينجحوا مثل ذوي الأصول الغربيّة.
شاهدوا سريت حدّاد مع فريقها في مسابقة THE VOICE
ولم يقتصر نجاح سريت وانقلابها في السنوات الأخيرة على قدراتها الموسيقية فحسب، بل امتدّا ليشملا شكلها الخارجيّ أيضًا. فمن فتاة انطوائية لا تعتني بنفسها كثيرًا، بدأت حدّاد بالاهتمام بنفسها، فخفضت وزنها وبدأت بالاعتناء بمظهرها الخارجي. وقالت في مقابلات إعلامية: “بدأ ذلك حين شاهدتُ نفسي في الدي في دي الخاص بإحدى حفلاتي، وقلتُ لنفسي: “ما هذا؟”. فجأةً، شعرتُ بالحاجة إلى التغيير، ودون تخطيط، نجح ذلك. صباح اليوم التالي، ذهبتُ لأصفّف شعري، وخرجتُ مع تسريحة كاريه. وحتّى آفي (وتعني آفي غويتا) لم يعرفني. فاجأتُه جدًّا. مذّاك، لا أقوم بتغييرات كهذه دونَ استشارته. بدأت بحمية غذائية، خفضتُ وزني 14 كيلوغرامًا. استشرتُ بعض مصممي الأزياء. صُدم الناس، لأنّ ذلك كان مُفاجِئًا حقًّا. حتى السادسة عشرة، كنتُ فتاة نحيلة. ولكن مُذّاك، بدأت الحفلات، وبعد الحفلات تكون قابليتي مفتوحة، فنبسط طاولة ونأكل ممّا هبّ ودبّ: الخبز، السلطات، المشاوي، البطاطا، والكولا، الكثير من الكولا. وهكذا، دون أن أشعر، بدأ وزني يزداد. ليس سهلًا الحفاظ على الرشاقة، فهذه حرب يومية. لكنّ هذا هو نمط حياتي اليوم”.
نجحت سريت أيضًا، بين أمور كثيرة فعلتها، في جذب انتقاد شديد لحفلة واحدة، يبدو أنها لن تنساها ما دامت حيّة. ففي حفل إطلاق الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشريكه أفيغدور ليبرمان، عشيّة الانتخابات في إسرائيل (كانون الثاني 2013)، صعدت حدّاد للغناء مع رئيس الحكومة.
ألقى نتنياهو خطابًا طويلًا وحماسيًّا، جعل أفيغدور ليبرمان الجمهور يرفع صوته عاليًا، لكن النجمة الحقيقية لحفل إطلاق حملة الليكود كانت المطربة سريت حداد. حين نزل نتنياهو عن المنصة في نهاية خطابه، حيَّتهُ حدّاد بغنائها لإحدى أغانيها الضاربة “أتا توتح” (أنتَ عظيم). وقف نتنياهو إلى جانبها، مرتبكًا بعض الشيء، فيما كان يتمايل من جانب إلى آخر. بعد دقائق معدودة، انسحب نازلًا عن المنصّة. بقيت سريت تغنّي وحدَها. لم تتأخر الانتقادات. ففي اليوم التالي، احتجّت الصحف على مناورة العلاقات العامّة الرخيصة، إذ جرى تعظيم شخصية رئيس الحكومة، وتحوّل الأمر إلى عبادة شخصية حقيرة. وجرى أيضًا انتقاد نفقات الحفل، التي غطّاها بالطبع دافعو الضرائب في إسرائيل.
شاهدوا نتنياهو يرقص على وقع أغنية حدّاد “أتا توتح” (أنتَ عظيم):
وماذا تتمنى سريت للمستقبل؟ في مقابَلات إعلاميّة، تّدعي حدّاد أنها حققت أحلامها كافةً تقريبًا، وأنها مهتمة هذه الأيام ببناء علاقة زوجية جدّية. فهي تبحث في هذه الأيام عن زوج، يأتي بولد، لتكون أمَّا. كما تريد إطلاق ألبوم عالمي باللغة العربيّة بإيقاعات شرقيّة.
كانت تلك إحدى أجمل الحفلات التي شاهدتها في حياتي. سافرت مع عدد من الأصدقاء إلى حفلة المطربة اللبنانية الأسطورية فيروز في عمان بالأردن، ونسينا أنفسنا من شدة التأثر. كان ذلك في نهاية كانون الثاني عام 1999، عندما كان الملك حسين مريضا جدّا. ورغم الاحتفاظ بكرسي له في القاعة، كان الجميع يعلم أنّه لن يأتي.
افتُتح الحفل بالنشيدين الوطنيين، الأردني المضيف واللبناني للضيفة، كان ذلك غريبا على مسمعي، ولكنني علمت أنّني لحفل من هذا النوع جئت. علاوة على ذلك، فإنّ أغنيات فيروز وأداءها، مع ردود الفعل القوية من قبل جمهور المعجبين، والرقصات العفوية والحوار الذي ليس بالكلمات بين المطربة وجمهورها؛ كل ذلك تجاوز أي نشيد وطني وأنسى تماما الافتتاحية الرسمية للحفل. استمتعنا كثيرا، حيث قمنا في مساء اليوم التالي بشراء بطاقات للحفلة الثانية. كنّا محظوظين. كانت تلك ناجحة ومؤثرة أكثر من سابقتها.
المطربة اللبنانية العملاقة فيروز (AFP)
وقد قضينا في شراكة بقية العرب في العاصمة الأردنية الذين قدمنا معهم في زيارة منظمة من يافا. جاء هؤلاء من مدن وقرى مختلفة في أنحاء إسرائيل/ فلسطين، بينما فوجئ بعضهم من وجود يهود يسافرون إلى حفلة فيروز، بدا الأمر للآخرين واضحا وفقط اختلط عليهم مظهري الأشكنازي.
أذكر أن إحدى الصحف الشهيرة أرسلت مراسلا للحفل وأساءت إليه. لحسن الحظ، فالمجتمع الإسرائيلي اليوم منفتح أكثر بقليل من الماضي على الموسيقى العربيّة. على سبيل المثال، فاز عرض لينا مخول في الموسم الثاني من برنامج الواقع “The Voice”، مع أغنية بالعربية لفيروز ألهبت ليس الحكّام فحسب بل أيضًا معظم الجمهور. صحيح أن هذه معالجة قام بها الملحن زياد الرحباني، نجل فيروز، لأغنية إيف مونتان “Les Feuilles Mortes” وبدا أنّ النغمة كانت سهلة على الأذن الإسرائيلية. ولكن يمكننا أن نرى تجديدا في واقع حضور اللغة العربية في برنامج شعبي يتوجه إلى الجمهور العريض.
ستقدّم مخول في نهاية الأسبوع القادم (5 كانون الأول) في قاعة سانت جوزيف في الناصرة حفلة تكريم لأغنيات فيروز التي احتفلت مؤخرا بعيد ميلادها الثمانين ومن بينها أغنيات كتبها زياد الرحباني.
https://www.youtube.com/watch?v=LkGn0PmNDoc
عملت فيروز منذ بداية احترافها في سنوات الخمسينيات مع الإخوة عاصي ومنصور الرحباني، كما وتزوّجت من الأول أيضًا. عُرف الإخوان رحباني، اللذان كانا ملحّنين، موسيقيين، كاتبي أغان ومسرحيات، في العالم العربي بفضل إبداعهما، وأسلوبهما الموسيقي المميز، وتأثيرات الأنماط الموسيقية المختلفة التي دمجاها مع إبداعهما في الموسيقيّ المحلية، وخصوصا بفضل الأغنيات التي ألّفاها ولحّناها للعروض المسرحية. في بداية سنوات السبعينيات اشتهرا في العالم الغربي أيضًا، وخرج الثلاثة إلى رحلة حفلات في الولايات المتحدة ودول أخرى في أوروبا. كانت أغنيتهم الأكثر شهرة هي “حبيتك بالصيف”، والتي تم تحويلها تحت اسم “Coupabl” (مذنب) لجان فرانسوا ميشيل. أدى أداء الأغنية الفرنسي إلى اشتهار الأغنية في جميع أنحاء العالم. ولا يعلم الكثيرون اليوم أنّها في الأصل أغنية لفيروز والأخوين رحباني.
وقد أصبح زياد الرحباني أيضًا، وهو نجل فيروز وعاصي، موسيقيّا مبدعا، ومؤلفا للمسرحيات الساخرة، وملحّنا موهوبا غزير الإنتاج، ومغنيا وممثّلا. في سنّ السابعة عشرة، عندما كان والده يُعالج في المستشفى واضطرت والدته للغناء دونه، لحّن لها أغنية “سألوني الناس”، التي أصبحت إحدى أشهر أغنيات فيروز. وتمّ مؤخرا تسجيل الأغنية بنسخة عبرية أيضًا، “سألوني”، لفرقة “توركيز”. وقد أثارت الفرقة، التي تقيم الحفلات في هذه الأيام مع أغنيات فيروز، بعضها مترجمة للعبرية وبعضها بالعربية، ضجة خفيفة في العالم العربي. من جهة، كان من اعتبر ذلك بادرة جميلة للمغنية وخطوة مهمة للتقريب بين الشعوب. ولكن إذا أردنا أن نحكم وفقا للتعليقات في الشبكات الاجتماعية، فإنّها في معظمها تعليقات غاضبة تنظر إلى هذا العمل كـ “سرقة ثقافية”، تهين المغنية ومبدعي الأغاني. “لا يبدو لي”، كتب أحد المعلّقين، “أنّ فيروز ستكون فخورة إذا علمت أنّه يتم أداء أغنياتها بالعبرية في إسرائيل”. وتطرّقت تعليقات أخرى أكثر شدّة إلى أنّه بعد أنّ سرق الإسرائيليون أراضي الفلسطينيين وبعد أن سرقوا الأطعمة المحلية، يسرقون الآن التراث الثقافي والموسيقي العربي.
https://www.youtube.com/watch?v=Ntdox12Dl0M
ويبدو أنّ الأمر لا يشغل فيروز ونجلها زياد الذي يلحّن معظم أغنياتها في العقود الأخيرة. ويفكر زياد، الذي اشتهر في العالم العربي بفضل ألحانه الجميلة وبفضل المحتوى الساخر والشائك في أغنياتها ومسرحياته، في مغادرة لبنان لصالح روسيا. قال في مقابلة معه إنّه لن يهاجر وإنما سينتقل فقط للعمل في التلفزيون الروسي، ولكن من الواضح أنه مصاب بخيبة أمل من حياته في لبنان. هناك من يدعي أنّ السياسة تصعّب حياته هناك، سواء بسبب آرائه الشيوعية، أو بسبب تأييد فيروز لحسن نصر الله والنظام السوري، أو بسبب صراع نشأ بينه وبين رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” التي يكتب عمودا فيها. وهناك من يدعي أنّه يائس من التجاهل الإعلامي لعروضه الأخيرة. وهناك من يشير إلى أنّه منذ اكتشافه أنّ ابنه، عاصي، ليس ابنه البيولوجي، لم يعد إلى حالته العادية. وأيا كان السبب، فهو يبدو متعبا، مكسورًا ومصابا بخيبة أمل.
توركيز (Band Turquoise) هو مشروع موسيقي مشوق يعمل على أداء ترجمات لأغاني المغنية اللبنانية الأسطورية، فيروز، التي وصلت إلى قمة شهرتها في السبعينيات وتحوّلت إلى نجمة عالمية معروفة وإلى أعظم سفيرة موسيقية لبنانية.
“سألوني الناس” أو كما ترجمتها الفرقة للعبرية “شألو أوتي” هي أول أغنية يُتوقع أن تصدر خلال الشتاء وسيترافق إطلاقها مع عروض حول البلاد. الأغنية هي، كما هو معروف، أغنية جميلة تعبّر عن الشوق وقد جعل الإيقاع الجذاب والفريد للتوزيع الموسيقي الخاص بـ “توركيز” الأغنية مناسبة لسنوات الألفين.
أُذيعت الأغنية في العديد من محطات الراديو الإسرائيلية ولفتت الانتباه أيضًا، وبشكل كبير، في العالم العربي ورافقت ذلك مقالات نُشرت في أشهر الصحف اللبنانية والقنوات التلفزيونية، وحتى قناة بي. بي. سي العربية.
رغم ما قيل حول دعمِها نصر الله، اللبنانية فيروز تحتفظ بشعبيّتها، وأغانيها الفاتنة تؤدّى مرارًا بشكلٍ مُثير. المطربة الأسطورية ذات الصوت المخمليّ لا تنفكّ تكون مصدر إلهام - في إسرائيل أيضًا. تقرير عن النقاوة والعذوبة
بعد أن أظهرنا التأثير العظيم لعملاقَي الطرب المصري، أم كلثوم وفريد الأطرش، في الثقافة الموسيقيّة في إسرائيل، يجدُر تقديم الكرامة التي تستحقّها من تُعتبَر سائرةً على دربهما. إنّها المطربة الأهم قاطبةً في العالم العربي كلّه، اللبنانية فيروز. يشبه صوتُها صوت الجرس الفاخر والدقيق، تُثير أغانيها التي تتناول الطبيعة شعورًا بالهدوء والسكينة، فيما تتسلّل أغانيها الأكثر شحنًا إلى أعماق السامعين. شكّلت فيروز مصدر إلهامٍ لفنّانين عديدين، أدّوا أغنياتها، جدّدوها، وترجموا الكثير من إبداعاتها، كما أضحت موضع إعجاب شديد لمستمِعيها.
ستحتفل فيروز، التي وُلدت باسم نهاد حدّاد، بعيد ميلادها الثمانين، العام المُقبل. تعرَّف الناس إلى فيروز عام 1957، حين ظهرت في مهرجان بعلبك، شرقيّ لبنان. بفضل تعاوُنها الناجح مع الأخوَين عاصي ومنصور الرحباني، تمكّنت مِن اجتذاب عُشّاق في بلادها وفي الدول العربية كافّةً، وأحيت حفلات كثيرة أمام جماهير غفيرة. عام 1971، أجرت جولة فنيّة في الولايات المتحدة وكندا، وحظيت بذروة من الاهتمام في العالم الغربي أيضًا. بفضل شخصيتها الدمثة، أوتارها الصوتية التي تبدو آلاتٍ موسيقيّة صنعة يد فنّان، والتزامها بمبادئها طيلة مسيرتها (رفضت مثلًا الغناء على شرف الرئيس الجزائري، هواري بومدين)، تحوّلت فيروز إلى رمزٍ حقيقيّ.
فيروز تغنّي عن “شادي” – أغنية مؤلمة حول الحرب الأهلية اللبنانية:
قلّة هم الفنّانون الذين يبلغون المكانة الرفيعة التي بلغتها فيروز. فقد مثّلت أغانيها البساطة، الحنين، والتوق إلى الماضي الجميل. كما دمجت أغنياتها بين العلمانية، التي تقدِّس الطبيعة، والوطنية، التي ترفع الشعب اللبناني إلى مرتبة الأعجوبة، وكذلك الأمة العربية كلّها. وبشكلٍ مماثل لفريد الأطرش، الذي أحرز نجاحًا كبيرًا في السينما، دخلت فيروز عالَم التمثيل، ولكن من بوّابة المسرح، إذ قدّمت نحو 20 مسرحيّة وأوبريتًا، كتبها عاصي الرحباني، الذي كان أيضًا زوجها (انفصلا عام 1979) وشقيقه منصور. لكنّ إطلالاتها الموسيقيّة كانت ما منحها معظم المجد، وحوّلها إلى قدوة يُحتذى بها بالنسبة للفنّانات في المنطقة.
سريت حداد في أداءٍ محرِّك للمشاعِر لأغنية “سألتك حبيبي” في إطار حفل تحية للمطربات العربيات العظيمات:
خلال الحرب الأهلية في لبنان، التزمت فيروز بعدم إحياء حفلات في بلادها، حتّى لا تُحسب على طرف دون آخر. بعد ذلك، عادت إلى تسجيل الأغاني بنشاط، وأصدرت ما لا يقلّ عن 6 ألبومات خلال التسعينات، مع إكثارها من الحفلات أمام جماهير كبيرة في مهرجانات في جميع أنحاء العالم العربي (والعالَم كلّه). قبل 6 سنوات، تحرّرت للمرة الأولى من قيود الإجماع، حين اختارت إحياء حفل في دمشق بعد انقطاع 23 عامًا. إثر التوتّر بين قسم من اللبنانيين وسوريا، طلب بعض السياسيّين منها علنًا الامتناع عن إحياء الحفل، لكنها رفضت.
وغنيّ عن الذكر أنّ الحفل لم يقلّل أبدًا من مكانتها في لبنان. لكن، ربّما كان مؤشّرًا يُنبئ بتغيّر وجهة نظرها. فقبل نحو شهرَين، قابل موقع حزب الله ابنها زياد، الذي روى أنّ والدته – التي يكتب ويلحّن أغنياتها – “مُعجَبة بالسيّد حسن نصر الله”. أثار التصريح جدلًا واسعًا، في الإعلام، ولكن بشكل خاصّ على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكّد مدى خصوصية فيروز. كان فنّانون آخرون سيواجهون انتقادات لاذعة. ورغم أنّ “صاحبة الصوت الملائكي” واجهت انتقاداتٍ، فإنّ معظم المعجَبين بها حاولوا إيجاد تفسير لما نُسب إليها أو التذرّع بسنّها المتقدّمة. كلّ ذلك بهدف الحفاظ على صورتها المثاليّة والناصعة. هذه الشخصية هي ما دفع موسيقيين مختلفين جدًّا واحدهم عن الآخر إلى البحث عن نقاط تربطهم بأغانيها الرائعة.
دكلة تغنّي “حبّيتك بالصيف”، وتضفي على الأغنية إحساسها (المثير):
حتّى إن لم يؤثر فيكم المغنّون الذين يجدّدون أغنية أو اثنتَين، أو يغنّون من حين إلى آخر عددًا من أغاني فيروز، فلا يمكن إلّا أن يثير المشروع التالي اهتمامكم. تترجم فرقة “توركيز” (فيروز)، كما يدلّ اسمها، الأغاني، تعيد توزيعها بأسلوب يدمج الروك مع عذوبة اللحن ويحافظ على العظمة، وتظهر في جميع أنحاء إسرائيل في العقد الأخير. تعتزم الفرقة قريبًا إصدار ألبوم، ننتظره بفارغ الصبر. صحيحٌ أنّ المغنية (وعازفة الناي)، داليت فريدمان، لم توهب تناغُم وعذوبة فيروز، لكنها تتحكم في حنجرتها، وتتاقلم بشكل ممتاز مع إيقاع العزف.
فرقة “توركيز”، التي أنشئت بهدف تكريم المطربة الأسطورية، تقدِّم أغنية “ياكرم العلالي”:
مَن يدري؟ فقد يأتي السلام المنشود يومًا، ويحظى الإسرائيليون أيضًا بعيش الاختبار الرائع وسماع صوت فيروز اللطيف والمهدِّئ. أم كلثوم وفريد الأطرش غادَرانا، لكنّها لا تزال موجودة. سيستمرّ صوتها يصدح حول عظمة الطبيعة، ازدهار الربيع، لينسينا الحروب والألم غير المنتهي. ألا يبدو ذلك مهمة جيّدة لـ “سفيرتنا إلى النجوم”؟
وكيف يمكن أن نُنهي دون أغنية أخرى من روائع “جارة القمر”؟ “سألوني الناس” – وهي الأعظم:
في الأسبوع الماضي تحدّثنا عن أسطورة الغناء المصري، أم كلثوم، وعرضنا أمامكم بعض الإصدارات الأكثر نجاحًا بشكل خاصّ والتي خرجت من إسرائيل. وفي ضوء الاهتمام الكبير فنحن سعداء بتقديم قائمة إضافية، ليست أقلّ نجاحًا.
في العالم الذي نحيا به، اعتدنا على الطموح بشكل مستمرّ للأشياء الجديدة، والتي هي بالضرورة أفضل أيضًا. إنّ الحماس الكبير الذي أثاره الموقع في الأسبوع الماضي، مع عرض تغطيات إسرائيلية لأغاني أم كلثوم الأسطورية، يثبت أن الناس لا زالوا يقدّرون الموسيقى الكلاسيكية، ويستمتعون بالاستماع إلى أداءات جديدة للأغاني المعروفة ليس أقل من الأغاني التي لم يستمعوا لها. أدى اهتمامكم إلى سعينا في البحث عن أداءات مثيرة للاهتمام وزوايا جديدة يمكن من خلالها مراقبة تأثير عملاقة الغناء المصري على الموسيقى الإسرائيلية.
احتفل العالم هذا الأسبوع بـ 39 عامًا على رحيلها عن عالمنا، ومن المدهش أن نرى إلى أيّ مدى لا زالت صورتها وأعمالها حاضرة في بلادنا، المجاورة لوطنها. كان في إسرائيل في الأسابيع الماضية عرض جديد، استضافت في إطاره الأوركسترا الأندلسية المتوسّطية المطربين الرائعين اللذين قدّمناهما لكم في الأسبوع الماضي: نسرين قادري، ذات الصوت المثير للإعجاب، وزيف يحزقيل، وهو شاعر وموسيقي متعدّد الألوان؛ لعرض أغانٍ لأمّ كلثوم. كان الدمج بين الاثنين مثيرًا للاهتمام بشكل خاصّ، نظرًا إلى أنّ يحزقيل هو يهوديّ متديّن يرتدي قلنسوة وقادري مسلمة، ويوضّح كيف يمكن للنغمات الحساسة أن تجمع بين الناس الذين يأتون من خلفيّات مختلفة.
الأندلسية وزيف يحزقيل يرافقون نسرين قادري، التي غنّت عن الأيام الخوالي في أغنية “ودارت الأيام”:
وقد حظي التقدير الكبير الذي حازت عليه أم كلثوم بين الشعب الإسرائيلي، بتوقيع رسمي في العام الماضي. فقد قرّر رئيس بلدية القدس، نير بركات، إطلاق اسم شارع على اسم المطربة الرائعة في عاصمة إسرائيل. كما هو معروف لنا، فهذه هي الحالة الأولى التي يتمّ فيها تخليد رمز ثقافي من دولة مجاورة من قبل مؤسسات الدولة، وذلك تقديرًا لأعمالها ولكونها أصبحت جزءًا من الثقافة في إسرائيل نفسها. الاعتراف الرسمي، جنبًا إلى جنب مع الحقيقة القائلة بأنّ المطربين والمطربات الكبار يواصلون الحفر في أرشيف أم كلثوم والبحث عن إصدارات تغطية مثيرة، جميع ذلك يقول كلّ شيء. نحن نريد أن نصدّق بأنّ الحبّ، الذي كرّسته أم كلثوم بصوتها السماويّ، يتجاوز كلّ شيء.
عوفر ليفي يتحدث عن رحلة الحبّ في أغنية “سيرة الحبّ”:
معظم الأغاني والأداءات التي قمنا باستعراضها حتى الآن تم إنتاجها خلال العقدين الأخيرين، بعد سنوات طويلة من وفاة “كوكب الشرق”. إلى حدّ ما، هناك تشويه للتاريخ وبالتالي فنحن نسعى للتوضيح: كانت أغاني أم كلثوم موضع الإعجاب والتقليد حتّى قبل رحيلها. في عام 1970 سجّل المطرب اليوناني-الإسرائيلي، أريس سان، أغنيته الأكثر نجاحًا “بوم فوم”.
ربّما يعود ذلك إلى كونه جاء من الخارج، فقد كان من الأوائل الذين تجرّأوا على دمج مقاطع وعبارات من الموسيقى العربية الغنية بأغنيات شعبية وقصيرة. وهكذا أدخل إلى أغنية على النمط اليوناني، الخفيف والأقل بهجة، مقاطعًا من “أنت عمري”. خلافًا لمعظم إصدارات التغطية، التي تم تسجيلها بعد أن تحوّلت أم كلثوم إلى أسطورة ودخلت إلى الإجماع الإسرائيلي، حيث من المفترض أن تنال تلك الإشارة التقدير الكبير لكونها الأولى ولكسرها للحواجز.
وهذا هنا شيء مختلف، ولكن التأثير واضح وجليّ: أريس سان يكرّم الأسطورة في حياتها!
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم في القراءة (والاستماع) عن العلاقة الوثيقة بين الأعمال الموسيقية في إسرائيل وجذور الموسيقى العربية. وبالطبع فهناك – إلى جانب أم كلثوم – سلسلة من الموسيقيّين الذين أثّروا بشكل كبير على الأصوات والألحان، وكذلك على الكلمات والموضوعات، يستخدمها ويشتغل بها قسم من الفنّانين في النوع الغنائي المتوسّطي. فريد الأطرش وفيروز، على سبيل المثال، نالا كذلك صدًى ملحوظًا في سجّلات الموسيقى في إسرائيل. ونحن نعدكم بمواصلة الكشف، شيئًا فشيئًا، عن الموسيقى الإسرائيلية، وعن جذورها المتعدّدة والقاعدة التي نشأت عليها وعن الأعمال المعاصرة الرائعة. في الوقت الراهن، اغلوا كوبًا من القهوة، افتحوا النافذة واستمعوا إلى أصوات من زمن آخر…
ونختم مع الأصل: أم كلثوم تغنّي “فكّروني” ونحن نستمتع في التذكير والتذكّر أكثر من الجميع:
أثار تصريح الفنان اللبناني زياد الرحباني، ابن المطربة فيروز، بأنها تحبّ حسن نصر الله، أمواجا في الشرق الأوسط بكامله، وصلت أيضا إلى إسرائيل. تحظى المغنية فيروز، الرمز ومصدر الفخر الوطني في لبنان، بتأييد وشعبية عالية في إسرائيل، في الأساس بين محبي الموسيقى الشرقية والعربية، ولكن ليس بينهم فقط. فقد تُرجمت كلمات الكثير من أغنياتها إلى اللغة العبرية في يوتيوب، ويؤدّى بعض منها بالعبرية.
في المقابل، إن حسن نصر الله هو من أكثر الشخصيات المكروهة على الإسرائيليين، ولذلك فقد أُحبطوا كثيرا من مواقف فيروز. نشرت جميع المواقع الإخبارية الكبيرة تقارير بشأن فيروز ومواقفها، ولم تتأخر الردود في الوصول. لقد كتب الكثيرون أنها مُطربة كبيرة فعلا، غير أن مواقفها كانت منذ البداية ضد إسرائيل، فلذلك لا يفاجئهم موقفها الأخير. وعبّر آخرون عن الغضب لأنه رغم مواقفها، يتم تشغيل أغانيها في ساعات الاستماع القصوى الإسرائيلية (على ما يبدو فإن المقصود هو تأدية الأغنية “بذكر بالخريف” (“Feuillet Mores”) بالعربية، في برنامج الواقع “The Voice” من قبل المشارِكة لينا مخول).
كتب آخرون: “الأمر واضح. إنها مسيحية، الأسد ونصر الله أيضًا يحميان المسيحيين من المتشددين الإسلاميين…”. وكان آخرون أكثر وقاحةً، وكان من الصعب عليهم فهم السبب الذي من أجله تحب إلى هذه الدرجة شخصا ينادي بإبادة دولة كاملة. وردّ البعض بالتفوّه بالشتائم.
لكن كانت هنالك الكثير من الردود المؤيدة والمتفائلة.”لقد كانت تكره إسرائيل دائما، لكن بسبب صوتها العظيم لم يلتفتوا إلى رأيها وأقوالها. ستبقى دائما مغنيتي المفضلة رغم آرائها. رغم أنها ستموت يومًا، لكنّ صوتها الذهبي سيبقى خالدًا”. كتبت إحدى المعلقات بتفاؤل.
وردّ شخص آخر قائلًا إنّ “التقرير سطحي ويضلِّل الجمهور”، مصرًّا على أن “فيروز ليست كذلك…”. وطلب أيضًا تصحيح خطأ في التقرير، وأوضح أن فيروز ليست مارونية بل مسيحية أرثوذكسية، ما يثبت برأيه أنّ “التقرير ليس صحيحًا”. وكتبت معلِّقة أخرى: “ملكة الطرب. دعوها وشأنها. إنها لا تتدخل في السياسة. إنها تغني للحب”. وطالب كثيرون بإبقاء فيروز بعيدًا عن السياسة، لائمين ابنها الذي قرر أن يُدخل أمه في السياسة من أجل إبراز نفسه وتصدّر العناوين، بشكل مشابه للردود التي ظهرت في لبنان والعالم العربي بأسره. في هذه الأثناء، لا تزال أغاني فيروز تُسمَع في إسرائيل، ولا يزال صوتها رقيقًا مُرهفًا، دون أية علاقة بمواقفها السياسية.
ملكة الغناء الشرقي سريت حدّاد (Flash90/Olivier Fitoussi)
ملكة الغناء الشرقي: سريت حدّاد
في الرابعة والثلاثين من عمرها، سريت حداد هي على قائمة المطربات الإسرائيليات الشرقيات الأكثر نجاحًا في إسرائيل والعالم. بعد21 ألبومًا، وعشق خاصّ للغناء الشرقي، نقدّم لكم "سندريلا حداد"
مَن في إسرائيل لا يعرف أغاني سريت حداد؟! حتى في الدول المجاورة، الأردن، لبنان، ومصر، سمعوها تؤدي خيرة أغاني أم كلثوم وفيروز والفنانَين العصريَّين عمرو دياب واليسا، بعربية واضحة إلى حدّ بعيد. حوّلت سريت حداد رُوَيدًا رُوَيدًا حلم طفولتها إلى واقع ناجح بسرعة.
بدأت سريت حداد مسيرتها الموسيقية بسنّ مبكرة جدًّا. وُلدت حدّاد في مدينة العفولة باسم سارة حوددطوف في أسرة يهودية من أصل قوقازيّ. وقد كانت آخر العنقود بين أربعة إخوة وأربع أخوات. عام 1981، حين أتمت الثالثة من عمرها فقط، انتقلت أسرتها للسكن في الخضيرة. أراد والدها أن تصبح طبيبة أو ممثّلة، على أن تبتعد عن مجال الموسيقى فقط.
بمساعدة أختها، اعتادت حدّاد على الهرب من البيت دون علم والدَيها لإحياء حفلات في نوادٍ.
نجاح باهر سريت حداد تحيي حفلة في اللطرون (Flash90/Yossi Zeliger)
عام 1990، بسنّ 12 عامًا، اكتشف والداها سرّ حفلاتها، مانعَين إيّاها من مغادرة البيت لإحياء حفلات. في الفترة التي مُنعت فيها من إحياء حفلات، تعلمّت بمفردها العزف على عدّة آلات موسيقية، مثل الغيتارة، البيانو، الخشبية (الإكسيلوفون)، الأورغ، المزمار، الطبلة، التشيلو (الكمان الكبير)، الأكورديون، والمتردّدة (الترومبون). وانتظرت حدّاد إلى عام 1993، حين بلغت الخامسة عشرة من عمرها، لتعود إلى إحياء الحفلات. في إحدى حفلات الجوقة في نتانيا، رآها قائد الفرقة الموسيقية آفي غويتا، الذي أذهله صوتها المميّز، وعرض عليها عقدًا لإنتاج تسجيلات. في مقابَلات عديدة في الإعلام، قالت سريت إنّ سرّ نجاحها يكمن في التناغُم بينها وبين غويتا.
كان النجاح الباهر الأول في سن السابعة عشرة (عام 1995)، حين أصدرت سريت ألبومها الأول “نيتسوتس حييم” (ومضة حياة)، الذي تضمّن الأغنية الضاربة “شالوم حافير” (سلامًا صديقي). بين عشية وضحاها، أصبحت سريت أميرة الغناء الشرقي، الذي لم يحظَ حتى ذلك الحين بالاهتمام الكافي على الساحة الإسرائيلية، بل اعتُبر غناءً ثانويًّا.
استمعوا الى أغنية “شالوم حافير” ،سلامًا صديقي…
أمّا المحطّة الأهم في حياة حدّاد فكانت في تشرين الأول 1997 حين أحيت حفلات لنحو شهر في المملكة الأردنية تحت ستار مطربة فلسطينية باسم “سيريت حداد مطربة الكرمل”. في مقابلاتها الإعلامية، تعترف أنّ الغناء العربي جزءٌ لا يتجزأ من حياتها، حتى إنها تعترف أنها تأثرت في ألبومها الأخير بكثير من أغاني اليسا وعمرو دياب ألحانًا وكلمات. خلال مكوثها القصير نسبيًّا في المملكة الأردنية، أصدرت سريت أسطوانة باللغة العربية، رغم أنها ليست ناطقة باللغة.
شاهدوا سريت في مصر تسجّل أغاني باللغة العربية
عام 1998، صدر ألبومها الخامس “حوك هحييم” (قانون الحياة) الذي شكّل بالنسبة إليها التقدّم الأبرز. أدّى الألبوم إلى اختراق حدّاد التيّار المركزي الإسرائيلي. رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأت سريت بدخول الوعي الثقافي كواحدة من أقوى المطربات بعشرات الأغاني الناجحة والتعاونات العديدة. بين الإيقاعات التي جرّبتها إيقاعات قوقازيّة، لاتينية، بوب، وشرقيّة. كذلك لم تترك الصلوات والمزامير.
بداية عام 2002 اختيرت حدّاد لتمثيل إسرائيل في مسابقة الغناء الأوروبية “الأوروفيزيون”. كانت الأغنية التي اختيرت “ندليك بياحَد نِر” (لنضئ معًا شمعة)، وأنهت المسابقة في المركز الثاني عشر.
سريت المرشدة في برنامج الواقع Flash90/Yonatan Sindel) The Voice)
واصلت سريت إصدار أغانٍ ضاربة على مرَ السنين. ووفقًا لتقرير حديث، نجحت في إطلاق أغنية جديدة كلّ شهر منذ بداية مسيرتها الفنية، وهو ما لم ينجح أي مُغنٍّ آخر في فعله. وتابعت سريت نجاحها إذ شاركت كمدرّبة في برنامج الواقع الناجح “The Voice”. وحطّمت مشاركة سريت كمرشدة في برنامج واقع ذي نسب مشاهدة مرتفعة الاعتقادَ أنّ ذوي الأصول الشرقية في إسرائيل يصعب عليهم أن ينجحوا مثل ذوي الأصول الغربيّة.
شاهدوا سريت حدّاد مع فريقها في مسابقة THE VOICE
ولم يقتصر نجاح سريت وانقلابها في السنوات الأخيرة على قدراتها الموسيقية فحسب، بل امتدّا ليشملا شكلها الخارجيّ أيضًا. فمن فتاة انطوائية لا تعتني بنفسها كثيرًا، بدأت حدّاد بالاهتمام بنفسها، فخفضت وزنها وبدأت بالاعتناء بمظهرها الخارجي. وقالت في مقابلات إعلامية: “بدأ ذلك حين شاهدتُ نفسي في الدي.في.دي (DVD) الخاص بإحدى حفلاتي، وقلتُ لنفسي: “ما هذا؟”. فجأةً، شعرتُ بالحاجة إلى التغيير، ودون تخطيط، نجح ذلك. صباح اليوم التالي، ذهبتُ لأصفّف شعري، وخرجتُ مع تسريحة كاريه. وحتّى آفي (وتعني آفي غويتا) لم يعرفني. فاجأتُه جدًّا. مذّاك، لا أقوم بتغييرات كهذه دونَ استشارته. بدأت بحمية غذائية، خفضتُ وزني 14 كيلوغرامًا. استشرتُ بعض مصممي الأزياء. صُدم الناس، لأنّ ذلك كان مُفاجِئًا حقًّا. حتى السادسة عشرة، كنتُ فتاة نحيلة. ولكن مُذّاك، بدأت الحفلات، وبعد الحفلات تكون قابليتي مفتوحة، فنبسط طاولة ونأكل ممّا هبّ ودبّ: الخبز، السلطات، المشاوي، البطاطا، والكولا، الكثير من الكولا. وهكذا، دون أن أشعر، بدأ وزني يزداد. ليس سهلًا الحفاظ على الرشاقة، فهذه حرب يومية. لكنّ هذا هو نمط حياتي اليوم”.
نجحت سريت أيضًا، بين أمور كثيرة فعلتها، في جذب انتقاد شديد لحفلة واحدة، يبدو أنها لن تنساها ما دامت حيّة. ففي حفل إطلاق الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشريكه أفيغدور ليبرمان، عشيّة الانتخابات في إسرائيل (كانون الثاني 2013)، صعدت حدّاد للغناء مع رئيس الحكومة.
ألقى نتنياهو خطابًا طويلًا وحماسيًّا، جعل أفيغدور ليبرمان الجمهور يرفع صوته عاليًا، لكن النجمة الحقيقية لحفل إطلاق حملة الليكود كانت المطربة سريت حداد. حين نزل نتنياهو عن المنصة في نهاية خطابه، حيَّتهُ حدّاد بغنائها لإحدى أغانيها الضاربة “أتا توتح” (أنتَ عظيم). وقف نتنياهو إلى جانبها، مرتبكًا بعض الشيء، فيما كان يتمايل من جانب إلى آخر. بعد دقائق معدودة، انسحب نازلًا عن المنصّة. بقيت سريت تغنّي وحدَها.
لم تتأخر الانتقادات. ففي اليوم التالي، احتجّت الصحف على مناورة العلاقات العامّة الرخيصة، إذ جرى تعظيم شخصية رئيس الحكومة، وتحوّل الأمر إلى عبادة شخصية حقيرة. وجرى أيضًا انتقاد نفقات الحفل، التي غطّاها بالطبع دافعو الضرائب في إسرائيل.
شاهدوا نتنياهو يرقص على وقع أغنية حدّاد “أتا توتح” (أنتَ عظيم):
وماذا تتمنى سريت للمستقبل؟ في مقابَلات إعلاميّة، تّدعي حدّاد أنها حققت أحلامها كافةً تقريبًا، وأنها مهتمة هذه الأيام ببناء علاقة زوجية جدّية. فهي تبحث في هذه الأيام عن زوج، يأتي بولد، لتكون أمَّا. كما تريد إطلاق ألبوم عالمي باللغة العربيّة بإيقاعات شرقيّة.