مرّت عشرة أيام منذ بداية عملية “الجرف الصامد” ويبدو أنّ الطرفين ربّما يبدآن بالتوصل إلى تفاهم بأنّ وقف إطلاق النار ضروريّ في هذه المرحلة، ولكل طرف دوافعه.
نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي حتى الآن مئات من الطلعات الهجومية ضدّ أهداف مختلفة لحماس وضدّ البنى التحتية للمدفعية وبالمقابل، أطلِقت من قطاع غزة مئات الصواريخ التي وصلت إلى مدن المركز: تل أبيب، القدس وحتى أكثر شمالا.
فتاة من مستوطنة كفار داروم قبل إخلاء المستوطنة (AFP PHOTO/Menahem Kahana)
في مرحلة مبكّرة من العملية، يبدو أنّ حماس تقوم بما يتطلّبه الأمر كي تحقّق صورة النصر: تطلق الصواريخ تجاه منازل المواطنين، ترسل إلى شواطئ إسرائيل فرق كوماندوز بحريّة وتستخدم الأنفاق للتفجير.
تعتبر الأيام الأخيرة في الواقع مسارًا لحرب جديدة طويلة الأمد ومركزها طنجرة الضغط التي تسمّى قطاع غزة. أطلق صاروخ القسّام الأول تجاه المدينة الجنوبية سديروت في نيسان عام 2001، حين اندلعت الانتفاضة الثانية ورأت التنظيمات الإرهابية كيف أنّ جدار المنظومة الذي أحاط القطاع أوقف جميع العمليات الإرهابية التي حاولوا إخراجها ضدّ مواطني الجنوب.
حي من أحياء غزة بعد قصف إسرائيلي (Flash90/Emad Nasser)
تزايد إطلاق الصواريخ من غزة في السنوات التي تلت فكّ الارتباط، مما أدى إلى عمليات واسعة للجيش الإسرائيلي في القطاع. بعد عشرة أيام من بداية عملية الجرف الصامد، حيث أنه ليس من الواضح بعد إذا كانت حماس ستقبل باتفاق التهدئة، قرّرنا النظر إلى الوراء إلى جولات القتال السابقة، التي تزايدت مع الوقت وأصبحت أكثر عنفًا بشكل خاصّ.
2004: عملية أيام الندم
عملية أيام الندم هي العملية الواسعة الأولى التي خرج بها الجيش الإسرائيلي ردّا على إطلاق الصواريخ من القطاع.
تاريخ البدء: 30 أيلول 2004 ردّا على إطلاق الصواريخ والتي قُتل نتيجته طفلان في سديروت. تمركزت قوات الجيش الإسرائيلي خلال العملية في مناطق بيت حانون، بيت لاهيا ومخيّم جباليا للاجئين والتي كانت مناطق إطلاق الصواريخ الأساسية للقسّام تجاه مدينة سديروت.
تمّ تنفيذ العمليات العسكرية البرّية خلال هذه العملية بمساعدة وإطلاق النار الدقيق من الطائرات التي كشفت عن المواقع ودمّرت خلايا إطلاق صواريخ القسّام.
بعد العملية، شملت الإصابات الإسرائيلية جنديّين ومواطنة. وقد وصل عدد الضحايا في الجانب الفلسطيني أكثر من مائة قتيل، من بينهم 87 شخصًا ينتمون إلى التنظيمات الإرهابية المختلفة في القطاع. بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير عشرات المنازل التي استخدمتها التنظيمات الإرهابية كمخازن للصواريخ، فخاخ ومواقع لإطلاق النار.
منظومة القبة الحديدية تتعرض لصواريخ اطلقت من قطاع غزة (Flash90)
خلال العملية، اتهمت إسرائيل الأونروا بمساعدة الإرهابيين بل وكشفت عن فيلم يُثبت نقل صاروخ بسيارة تابعة للأمم المتحدة.
تاريخ الانتهاء: 17 تشرين الأول 2004.
2005: عملية أول الغيث
تاريخ البدء: 25 أيلول 2005. قرّرت إسرائيل الخروج بعملية بعد أنّ نفّذت التنظيمات الفلسطينية إطلاقًا هائلا لصواريخ القسّام تجاه مدينة سديروت. كانت تلك هي العملية الأولى بعد خطّة فكّ الارتباط وكان توقيتها بعد أسبوعين من الانتهاء منها.
كان يكمن المحرّك لبداية العملية في استعراض مسلّح لحماس في القطاع. خلال الاستعراض، انفجر صاروخ قسّام كان يُعرض على سيارة وأدى إلى انفجارات ثانوية لذخائر أخرى كانت على السيارات المجاورة التي شاركت في الاستعراض. نتيجة للانفجار الهائل قُتل 20 فلسطينيًّا من بينهم عدد من الأطفال وجُرح عشرات آخرون. اتّهمت حماس إسرائيل بالانفجار بل وزعمت أنّه في وقت الاستعراض لاحظ عناصر الحركة الطائرات التي كانت في الجوّ. نفت إسرائيل بالطبع ما نُسب لها، ولم يمنع ذلك بطبيعة الحال من إطلاق عشرات الصواريخ تجاه سديروت في نفس الليلة.
امرأة تصب بالهلع جراء القصف الكثيف على البلدات الإسرائيلية (Flash90)
استمرّت العملية نفسها لعدّة أيام وتم خلالها تدمير مخارط لتصنيع صواريخ القسّام، مخازن للأسلحة، مقرّات ومراكز خدمات لوجستية لحماس. بالإضافة إلى ذلك، نفّذت طائرات الهليكوبتر الحربية التابعة لسلاح الجوّ اغتيالات مركّزة قُتل فيها عدد من الإرهابيين. خلال العملية، وضع الجيش الإسرائيلي أمام القطاع قوات برّية كثيرة، ولكن في نهاية المطاف، لم تدخل إلى القطاع.
تاريخ الانتهاء: 1 تشرين الأول 2005.
2006: عملية أمطار الصيف
جلعاد شاليط (Jack Guez /FLASH90)
تاريخ البدء: 28 حزيران 2006 في حادثة اختطاف جلعاد شاليط والتي قُتل فيها جنديّان من فريق الدبابة الذي كان معه. رافق حادثة الاختطاف إطلاق نار هائل تجاه بلدات الجنوب، وجاءت ضربة قوية بعد أشهر من الرشقات الصاروخية الخفيفة.
وكردّ فعل على حادثة الاختطاف وعلى إطلاق النار الهائل، قصف سلاح الجوّ محطّة توليد الكهرباء في قطاع غزة، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن ثلثي سكّان القطاع. وأيضًا، تمّت مهاجمة عدد من الجسور من أجل إعاقة تهريب الجندي المختطف. بالمقابل، دخلت – وللمرة الأولى منذ فكّ الارتباط – قوات المدرّعات، المشاة والهندسة إلى جنوب القطاع.
في هذه العملية أيضًا نفّذ سلاح الجوّ عددًا من الاغتيالات المركّزة، حيث تمّ قصف معسكرات تدريب ومخازن بالإضافة إلى مبنى وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة. استمرّت هذه العملية عدّة أشهر وتدحرجت إلى سلسلة من العمليات الأصغر حجمًا.
قُتل خلال العملية ثلاثة جنود ومواطنان. في الجانب الفلسطيني، قُتل 394 شخصًا، من بينهم 270 إرهابيًا بشكل مؤكّد. فضلًا عن ذلك، جُرح نحو 1000 فلسطيني.
تاريخ الانتهاء: 26 تشرين الثاني 2006.
2008 عملية الشتاء الساخن
انفجار صاروخ أطلق من غزة مباشرة عل منزل في مدينة أشدود (Flash90/Yossi Zamir)
تاريخ البدء: 27 شباط 2008. هاجمت طائرات سلاح الجوّ سيارة تجارية كان فيها خمسة إرهابيين من حركة حماس عادوا للتوّ من تدريبات في قاعدة تابعة للحرس الثوري في إيران. كان من المفترض أن يدرّب هؤلاء عناصر التنظيم لتنفيذ عمليات نوعية واستخدام أسلحة متطوّرة تمّ تهريبها هي أيضًا من إيران.
ردّا على اغتيال الخمسة، أطلقت حماس نحو خمسين صاروخًا تجاه سديروت بل وأشكلون. قُتل إثر هذا الإطلاق شخص واحد من الجانب الإسرائيلي.
وردّا على إطلاق الصواريخ، هاجم سلاح الجوّ أهدافًا في قطاع غزة وبعد مرور عدّة أيام دخلت إلى الأراضي أيضًا قوات برّية كبيرة. ولكن، استطاعوا في قطاع غزة مواصلة إطلاق الصواريخ تجاه مدن الجنوب، بما في ذلك أشكلون وأشدود.
قُتل عشرة جنود في العملية وجُرح 35 مواطنًا إسرائيليًّا. سجّل الفلسطينيون من جهتهم نحو 170 قتيلا، من بينهم 115 إرهابيًّا والبقية مواطنين وأيضًا 350 جريحًا على الأقل.
تاريخ الانتهاء: 3 آذار 2008
2008-2009: عملية الرصاص المصبوب
الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم بري، عملية الرصاص المصبوب (Flash90/Nati Shohat)
كانت عملية الرصاص المصبوب هي العملية الأكبر التي قام بها الجيش الإسرائيلي في القطاع على الإطلاق.
تاريخ البدء: 27 كانون الأول 2008 بعد فترة طويلة من إطلاق الصواريخ تجاه مدن الجنوب.
بدأت العملية بهجوم جوّي بتكتيك تركيز النيران الكثيفة في وقت قصير. بالمقابل، هاجمت طائرات سلاح الجوّ مئات الأهداف المختلفة، من بينها ساحة الاستعراضات للشرطة الفلسطينية وقت إجراء حفل تخريج لدورة ضبّاط. قُتل في تلك العملية 89 شرطيًّا، معظمهم من عناصر حماس حيث قُتل في الضربة الأولى نحو 150 عنصرًا من حماس بالمجمل.
ألم ودمار كثير في غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
خرجت هجمة جوّية أخرى في اليوم التالي، حينها تم تدمير – من بين أمور أخرى – نحو أربعين نفق للتهريب. بعد ذلك اجتاحت قوات كبيرة من المشاة، المدرّعات والهندسة وعملت ضدّ مئات الأهداف الإرهابية.
كان التقدير أنّه خلال العملية تمّ تدمير أكثر من 500 منزل استخدمتها التنظيمات الإرهابية لأهداف مختلفة.
لدى الانتهاء من العملية، بلغ عدد قتلى الفلسطينيين 1,160 قتيلا من بينهم 250 قتيلا كانوا – وفق كلام مسؤولين فلسطينيين – من الأبرياء. بلغ عدد الجرحى عدّة آلاف آخرين. تكبّدت إسرائيل في العملية 13 قتيلا من بينهم 3 مواطنين وأكثر من 800 جريح، نحو 550 منهم من المدنيين.
تاريخ الانتهاء: 18 كانون الثاني 2009
2012: عملية عمود السحاب
الجيش الإسرائيلي خلال عمليات تمشيط في القطاع، عملية عمود السحاب (Flah90/Edi Israel)
تاريخ البدء: 14 تشرين الثاني 2012. بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عمود السحاب بعد سلسلة من الأحداث التي أدّت إلى تدهور الوضع الأمني: استخدمت عبوّات ناسفة ضدّ قوات الجيش الإسرائيلي، وأطلقت صواريخ مضادّة للدبّابات تجاه إسرائيل من القطاع وأطلقت الصواريخ تجاه مدن الجنوب.
كانت طلقة البداية للعملية في 14 تشرين الثاني في الساعة الرابعة بعد الظهر، وذلك حين اغتال سلاح الجوّ من كان يُعرف برئيس أركان حماس، أحمد الجعبري. بعد ذلك فورًا، بدأت سلسلة من الهجمات على مخازن الذخيرة وحفر إطلاق الصواريخ التي احتوت على صواريخ أرض أرض من نوع فجر 5 (ذات مدى يصل إلى 75 كيلومترًا). بالمقابل، هاجم سلاح البحريّة عددًا من الأهداف في شمال القطاع من البحر.
خراب هائل بعد قصف إسرائيلي خلال عملية عمود السحاب (Flash90/Abed Rahim Khatib)
رغم النشاط المتزايد لسلاح الجوّ، سلاح البحريّة، سلاح المدرّعات وسلاح المدفعية والتي قامت بتنفيذ 1,500 ضربة في القذائف، استطاع الفلسطينيون أن يطلقوا عشرات بل مئات الصواريخ كلّ يوم.
كانت تلك أيضًا هي العملية العسكرية الأولى التي يبدأ فيها نظام القبة الحديدية بدوره الكبير في اعتراض الصواريخ والقذائف ذات المدى المتوسّط: في اليوم الأول للعملية تم إطلاق 250 صاروخًا تجاه إسرائيل، وتمّ اعتراض 71 منها بواسطة المنظومة العسكرية الجديدة. جنّد الجيش الإسرائيلي قوات كبيرة من الاحتياط، ولكن في نهاية المطاف لم يدخل هؤلاء إلى القطاع.
غارات جوية على القطاع غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
قُتل خلال العملية سبعة إسرائيليون، من بينهم جنديّان، بالإضافة إلى جرح 240. في الجانب الفلسطيني كان هناك 210 قتيل، من بينهم 58 من المدنيين وجُرح نحو 450 فلسطينيًّا. أطلق خلال العملية تجاه إسرائيل 1,506 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخًا وتم اعتراض 431، والبقية سقطت في مساحات مفتوحة.
تاريخ الانتهاء: 21 تشرين الثاني 2012.
استمرّت هدنة وقف إطلاق النار لأشهر معدودة حتى زاد ذلك ووصلنا إلى العملية الحالية، الجرف الصامد التي لم تنته بعد رغم الجهود الإقليمية لإنهائها.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني