يحلّ كلّ سنة في الربيع، ويشغل الإسرائيليين بجنون – تنظيف، مشتريات، هدايا، طعام، وهلمّ جرّا. عيد الفصح هو أحد أهمّ الأعياد وأعظمها في اليهودية وفي إسرائيل. له ما لا يقلّ عن أربعة أسماء، يمثّل كلّ منها جانبًا مختلفًا من العيد.
عيد الحُرِّيَة:
بدأت قصة الفصح كلّها قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، حين ذهب بنو إسرائيل إلى مصر، جرّاء مجاعة ضربت موطنهم، أرض كنعان. وبعد أن استعبَد فرعون، ملك مصر، بني إسرائيل سنواتٍ طويلة، أتى النبي موسى، باسم الله، طالبًا من فرعون تحرير شعبه. بعد أن أبى، أنزل الله عشر ضربات على المصريين، كانت كفيلة بإقناع فرعون بتحرير بني إسرائيل، الذين تاهوا في البرية أربعين عامًا.
هكذا أضحى عيد الفصح رمزًا للتحرّر من العبودية. وفي الواقع، يحتفل اليهود في هذا العيد، مثل أعياد أخرى، بإنقاذهم من مكيدة كادت تودي بهم. هكذا نال العيد لقب “عيد الحُرِّيَة”، إذ يُكثر القادة السياسيون في إسرائيل من استخدام استعارة تحرّر الشعب اليهودي.
عيد الفصح:
يرتبط اسم عيد الفصح بآخر “الضربات العشر” التي أنزلها الله على المصريين وأشدّها، وهي التي أقنعت فرعون في نهاية المطاف بصرف بني إسرائيل أحرارًا، وتُدعى “ضربة الأبكار”. وفق الشريعة، ضُرب في الضربة الأخيرة جميع “أبكار مصر”، أي جميع الأبكار في كلّ عائلة، بما في ذلك أسرة فرعون، وحتّى الحيوانات.
ولكن لكي يضمن اليهود “اجتياز” ملاك الله عن بيوتهم وعدم قتل أبكارهم، ذبحوا حملًا، قرّبوه لله، وأخذوا من دمه ورشّوه على قائمتَي الباب وعتبته العُليا. هكذا “عَبَرَ” [بَساح، بالعبرية] الملاك عن بيوت اليهود، مُنقذًا أبكارَهم. لهذا، يمكن فهم سبب طرد فرعون جميع اليهود من مصر بعد ضربة بهذه الشدّة.
عيد الفطير (عيد المصات):
وفق التقليد اليهوديّ، حين خرج اليهود من مصر، لم يكفِهم الوقت لتخمير الخبز، لذا خبزوا فطيرًا (خبز المصة)، في الأصل طحين وماء لم يختمِرا. إحياءً لتلك الذكرى، يُحظَر على اليهود أكل الخبز في الفصح، إذ يأكلون الخبز الفطير (وهو اليوم خبز مستوٍ وقاسٍ، مربّع غالبًا، مع ثقوب، يجري تحضيره من طحين خاصّ ومياه موجودة تكون في عُزلة وتحت مراقبة شديدة، دون أية إمكانية للاختمار).
يحرص اليهود المتديّنون كثيرًا، بحيث يستبدلون في أسبوع الفصح كلّ أواني المطبخ، بما فيها الأطباق، القدور، الملاعق، السكاكين، وكلّ ما يمسّ الطعام، بأوانٍ جديدة، تُحفَظ طيلة السنة من أجل هذا الأسبوع، دون أن يمسّها خبز مُطلقًا. ويُعتبَر حظر أكل الخبز في الفصح شديدًا جدًّا إلى درجة تشبيهه بحظر أكل الخنزير، وربّما كان أشدّ.
هذا هو أحد الأسباب التي تجعل اليهود منشغِلين بالتنظيف لأسابيع عديدة قبل العيد، من أجل التخلّص من أيّ أثر لشيء “مختمِر” (أيّ أمر مصنوع من حنطة يُحتمَل أن يكون قد اختمر، بما في ذلك الكعك، الخبز، المعجّنات، الباستا، السميد، وغيرها). والسبب الإضافيّ للتنظيف هو تجدّد البيت وتنظيفه استعدادًا للربيع.
عيد الربيع
ترتبط أعياد اليهود ارتباطًا وثيقًا بفصول السنة الزراعية. مثلًا، يُدعى عيد الأسابيع الذي يُحتفَل به في بداية الصيف “عيد الحصاد”، إذ يجري فيه حصاد الحنطة، فيما يُدعى عيد المظالّ، الذي يُحتفَل به في أوائل الخريف “عيد الجَمع”، إذ يجري فيه جمع محصول الحقل. لكنّ العنصر الأبرز في عيد الفصح هو الربيع. فكلّ عام، يأتي الفصح بين أواخر آذار وأواخر نيسان، فتكون الحقول في ذروة ازدهارها بعد الشتاء، فيما يكون الطقس جميلًا، والشمس لطيفة.
لذلك، يُعتبَر العيد رمزًا للتجدُّد، الازدهار، البدايات، والطهارة – جسديًّا وروحيًّا على حدٍّ سواء. ينتهز إسرائيليون كثيرون عطلة العيد للتنزُّه في البِلاد، والتمتُّع بدثار الأزهار المذهل الذي يملأ البلاد في هذا الموسم.
يعيِّدون ويأكلون
مثل أيّ عيد يهودي، ثمة أهمية كبيرة للطعام في الفصح أيضًا، ولا سيّما في ليلة التهيئة – الليلة الأولى والأكثر أهمية في العيد. في ليلة التهيئة، تجتمع كلّ العائلة في لباسٍ احتفاليّ، أحيانًا برفقة الجيران والأصدقاء، ويتلو الجميع الرواية الطقسية (الهاجاداه) – قصة خروج بني إسرائيل من مصر، نجاتهم من حُكم الموت بفضل الله، كما يروون كيف لم يتوقّف بنو إسرائيل عن رواية القصّة أبًا عن جد، ما أبقاهم موحَّدين كشعب.
خلال القراءة تُنشَد أغانٍ، تشمل أغاني ربيعية وكذلك أغاني دينية، إذ يشترك الأطفال الصغار في الغناء، يسألون أسئلة وينالون إجابات تشرح ماهيّة العيد، ويلعبون ما يشبه “الغميضة”، حيث يخبئ رأس العائلة قسمًا من رغيف الخبز الفطير المركزي الذي باركه، وعلى الأطفال إيجاده. يحظى الطفل الفائز بجائزة أو مفاجأة.
لكنّ أحد الأجزاء المركزية في الأمسية هو الوجبة طبعًا. في مركز المائدة، يكون طبق الفصح. ومنذ بداية الليلة، مع قراءة الرواية، تُؤكَل من الطبق مأكولات رمزيّة – الأعشاب المرّة، لذكرى مرارة العبودية في مصر، الذِّراع لذكرى “اليد القويّة والذراع الممدودة” التي أخرج بها الله بني إسرائيل من مصر، وطبعًا الخبز الفطير، وباقي المأكولات الرمزيّة.
لكن حين تبدأ الوجبة، يبدأ توافد ما لذّ وطاب من الأسماك، الدجاج، واللحوم. ثمّة وفرة من الطعام، دون خبز على الإطلاق طبعًا، ولكن مع الكثير من البطاطا، التي تشكّل طوال أسبوع مصدر الكربوهيدرات الأساسيّ…
ثمة مَن يحبّ كثيرًا ليلة العيد، فيما يراها آخرون منهِكة ومرهِقة (لا سيّما حين يتوجب اللقاء مع عددٍ كبير جدًّا من الأشخاص والأقرباء الأبعدين، الذين لا يعرفهم المرء ويحبّهم جميعًا). لكن في النهاية، ينتظر الجميع العيد ويحتفلون به. إذا كان لديكم صديق يهوديّ، نوصيكم بالانضمام إلى ليلة العيد وعَيش اختبارٍ فريدٍ من نوعه. عيدًا سعيدًا!