لقد اشتريت بطاقة مرتين لعرض فرقة “مشروع ليلى” وطلبت إجازة من العمل، وخططت مع أصدقائي أين سنتنزه، أين سننزل بعد الحفل، وانتظرت بفارغ الصبر حتى مشاهدة العرض، ولكن قبل بضعة أيام من الموعد المنتظر ألغي العرض. رغم ذلك في الأسبوع الماضي، للمرة الثالثة، نجحت أخيرا في رؤية الحفل الموسيقي للفرقة عندما عرضت في الأوركسترا في مدينة كولونيا في ألمانيا. بعد أن حظرت مصر عرضا للفرقة في أراضيها، وألغى الأردن حفلها مرتين، بدأت تعرض الفرقة بشكل خاصّ في المدن الأوروبية وبيروت.
ولكن ماذا يحدث عندما توصل الفرقة العربية البديلة الأكثر نجاحا في الشرق الأوسط في السنوات الماضية إلى أوروبا؟ يمكن أن يقدم الجمهور في كولونيا الإجابة. لاحظت وأنا جالسة في مقعدي أن أكثرية الجمهور كانت من الشبان العرب المهاجرين من الشرق الأوسط، المشجعين للفرقة، وحتى أن كان هناك من وصل بشكل خاص إلى كولونيا لمشاهدة عرض الفرقة. أما الجزء الآخر من الجمهور فكان من الألمان المتقدمين في العمر، غير الناطقين بالعربية واتضح من تعابير وجههم أنهم لم يشاهدوا أبدا حفلة موسيقية كهذه في قاعة الأوركسترا الرسمية والعريقة في الماضي. فكرت في نفسي أن جزءا منهم هم متقاعدون ألمان يحضرون عروضا للأوركسترا، وقد توقعوا أنهم سيشاهدون عرضا موسيقيا آخر يجلس فيها الحضور ويصغون بهدوء إلى الموسيقى. ولكن لم يظل أحد في مكانه في نهاية هذا العرض.
كان هذا الحفل مصدر تعب للمسؤولين عن النظام. فبدءا من الأغنية الثانية بدأ المشاركون بالرقص على الكراسي، ونزل جزء منهم نحو المنصة وبدأ يرقص بالقرب منها، يلتقط الصور، ينشد كلمات الأغنية مع الفرقة بصوت عال. حاول المسؤولون عن النظام فرض النظام ولكن باءت محاولاتهم بالفشل. قالت مسؤولة عن النظام لشابة كانت ترقص على الدرج المؤدي إلى المسرح، إنه يحظر عليها وضع الحقيبة على الدرج، وعليها وضعها تحت الكرسي الذي جلست عليه سابقا، في مكان بعيد. ابتسمت الشابة، ودفعت الحقيبة تحت أقرب كرسي وجدته، بالقرب من مقعد جلس فيه رجل ألماني كان مندهشا من وقاحة الشابة التي تميز الشرق الأوسط. غضبت المسؤولة عن النظام بهدوء، ولكن تابعت الشابة كسائر الشبان الآخرين الرقص عمدا.
كان عرض الفرقة رائعا كالمعتاد، وتمتع الجمهور الذي لم يعرف معنى كلمات الأغاني العربية. ولكني شعرت بالانزعاج، عندما سمع الألمان الذين لا يفهمون الرسائل الانتقادية والفوارق الدقيقة التي ظهرت في أغاني الفرقة والتي تهدف إلى زعزعة آذان المحافظين، الذين يعانون من رهاب المثلية، والفاسدين في الشرق الأوسط، وعندما رقص هؤلاء الألمان وابتسموا عند سماع كلمات مثل “قبل ما تقبرني قلّ لي شو كان سعري” من أغنية “رومان” أو “هون السّت بس مقياس لكرامته قدّام الناس” من أغنية “مغاوير”.
من المؤكد أن يعرف أعضاء الفرقة الفارق الكبير في أغانيهم المعدّة للشبان العرب الذين يختارون رؤية عروض الفرقة رغم الوصمة السائدة تجاههم في المجتمع العربي. لا يفهم الجمهور الأوروبي كلمات أغاني الفرقة حتى بعد أن يقرأ الترجمة فلن يستطيع التعرف إلى الخلفية الثقافية التي تتضمنها هذه الأغاني لأنه لا يواجه يوميا معظم التحديات التي تتحدث عنها أغاني الفرقة. وبشكل عام فإن رسائل النسوية، الليبرالية، حقوق المثليين، والمعادين للأبوية مدمرة أقل في أوروبا مقارنة بالشرق الأوسط. يسبب رفع علم المثليين في الشرق الأوسط سببا للاعتقال ولكن مَن يفهم هذا الواقع في أوروبا؟ لقد لاحظت السهولة التي يدير فيها شخص من مجتمع الميم حياته في أوروبا بشكل علني دون أن يدفع ثمنا باهظا، بشكل واضح في نهاية العرض عند إضاءة المصابيح.
بالنسبة لبعض الشبان العرب، فالفرقة هي حركة اجتماعية فريدة من نوعها وتشكل أحيانا مشروعا لإنقاذ النفوس الضائعة تماما. ولكن يعتقد الأوروبيون أن الحديث يجري عن فرقة جيدة تعزف موسيقى عالمية بلغة غير واضحة. ولكن في نهاية الأمر، نجحت الفرقة في جمع هذان الجمهورين تحت سقف واحد وهذا مصدر سحرها.