إن كانت هناك في الماضي مخاوف في الأنظمة الأمنية الإسرائيلية من تعاظم السلفية الجهادية في المناطق الفلسطينية، وفي غزة تحديدًا، فاليوم لا شك أن المخاوف قد صارت واقعا سيئًا. تعمل التنظيمات السلفية في القطاع ما يحلو لها، ولا تعمل بموجب تعليمات حماس وتواصل إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، رغم أنها بذلك تخرق الهدنة وتشكل خطرًا على القطاع، وعلى رأسه حماس، في حال شن حملة من قبل الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة.
من ناحية إسرائيل، الوضع معقد ليس أقل من وضع حماس. وبما أن حماس لا يمكنها أن تسيطر على مجريات الأمور في القطاع، يستمر إطلاق القذائف نحو إسرائيل بلا هوادة منذ ثلاثة أيام متوالية. من جهة، عدم الرد البارز من إسرائيل، يُفهم على أنه ضعف ويقلل من قدرة الردع. ومن جهة أخرى، قد تؤدي حملة كهذه في قطاع غزة إلى انهيار حماس، وبعد ذلك إلى أسوأ ما يمكن أن يحدث: سيطرة الجهاد العالمي المرتبط بالقاعدة على القطاع وامتداد فرع داعش على بُعد خطوة. إسرائيل عالقة بين مطرقة الصواريخ وسندان الجهاد.
لقد كتب بعض المحللين والمختصين الإسرائيليين سابقًا أن امتناع حماس والتنظيمات الأخرى عن عمليات إرهابية في السنة الأخيرة يؤدي إلى فرار النشطاء الذين أحبطوا من هذه التنظيمات إلى تنظيمات من التيارات السلفية الجهادية، التي تدعم أعمال العنف المتواصل. بل وأبدى بعض منها خشيته من أن التنظيمات السلفية الجهادية والجهاد العالمي لهم دور مستقبلي أكثر ثقلا في تنفيذ عمليات إرهابية ضدّ إسرائيل. وهذا بالضبط ما تخشاه إسرائيل.
يتم التصعيد في الضفة والقطاع في الأيام الأخيرة، منذ نشر الخبر عن قتل الفتى العربي محمد أبو خضير، الذي حسب النشرات الأخيرة يبدو أنه قُتل بيد إسرائيليين كانتقام على قتل الفتيان الثلاثة الذين خطفتهم حماس في منطقة الخليل، بتعزيز السلفيين في غزة. هذا المقطع، الذي نُشر في تاريخ 1.07.14 في نفس اليوم الذي وجدت فيه جثة الفتى، يوثق رجالا وشبانًا في غزة يمشون في مسيرة تمجّد أبا بكر البغدادي، قائد داعش، والذي يرى في نفسه الخليفة الجديد للمسلمين:
https://www.youtube.com/watch?v=4mPtGWwXA9M&feature=youtu.be
قبل أسبوع، في آخر شهر حزيران، اغتال الجيش الإسرائيلي في مخيم اللاجئين الشاطئ في قطاع غزة ناشطَين أطلقوا قذائف نحو إسرائيل. بعد موتهما سُمح بالنشر أن كليهما كانا تحت لواء التيار السلفي الجهادي وكانا من مؤيدي التنظيم الإرهابي الدولي، داعش. حسب عدة نشرات، عمل كلاهما في القطاع بإطار منظمة “لجان المقاومة الشعبية”. في جنازة الاثنين، رُفعت الأعلام السوداء التي تُميّز جبهة النصرة وداعش، وحسب وكالة الأنباء “حق” نوى كلاهما السفر إلى سوريا للانضمام للمتمردين المقاتلين هناك.
تعزز شهادات أخرى كثيرة المعلومات أن السلفية الجهادية عمّقت سيطرتها على القطاع، والآن أكثر من أي وقت مضى، تهدد حماس. إذًا، ما هي تلك الجماعات الجهادية، التي ترى في القاعدة تنظيمَ الأم لها، وبأبي بكر البغدادي قائدها؟ خمس مجموعات هي الأبرز:
جيش الإسلام – الذي يتزعمه ممتاز دغمش، وكانت أولى عملياته العسكرية المشاركة في عملية خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006. يقع مركز التنظيم في حي صبرا في مركز مدينة غزة، وينتمي غالبية أعضائه إلى عائلة دغمش القوية والأكثر تسليحًا في قطاع غزة. كانت المجموعة في البادية متقاربة من حماس، لكنها ابتعدت عنها بعد معارضة حماس وفتح لنشاطاتها، ومنذ ذلك الوقت اندلعت خصومات بين التنظيمات. في آب 2008 أحاطت قوات الأمن التابعة لحماس في قطاع غزة مسجد ابن تيْمِية في مدينة رفح، التي ألقى فيها خطبة عبد اللطيف موسى، رئيس الفرقة المنتمية للقاعدة في غزة، والذي أعلن أن غزة إمارة إسلامية مخلصة لابن لادن”. في عام 2011 خطف التنظيم ناشطا إيطاليًّا في حركة التكتل العالمية وطلب أن تحرر حماس أحد قواده الذي اعتقل خلال 30 ساعة، وبسب عدم الاستجابة لمطلب التنظيم أعدم الناشط.
إلى جانب “جيش الإسلام الأقدم، بدأ يعمل في القطاع تنظيم يُسمى “فتح الإسلام في أرض الرباط”، المنضوي تحت لواء “فتح الإسلام” في لبنان. كذلك، وضع هذا التنظيم نصب عينيه هدفًا وهو العمل على تنفيذ عمليات تخريبية لأهداف إسرائيلية وغربية.
جيش الجلالات – مجموعة أنشأها متطرفون منشقون عن حماس الذين لم يكونوا راضين عن التيار المركزي في حماس. قاعدة التنظيم في مخيم اللاجئين الشاطئ في غزة. قال قائد التنظيم، أبو بكر الأنصاري، في مقابلة في آذار الأخير، إن فكرة القاعدة والجهاد العالمي انتشرت في القطاع وإن لها الآن الآلاف من الناشطين والمؤيدين. أضاف أيضًا أن تنظيمه المكوّن من ست مجموعات توحدت معًا، ويعد ما يقارب 4,000 محارب في قطاع غزة. تقدّر بعض الجهات في حماس أن هناك عشرات الآلاف فقط في التنظيم، بينما تقدر إسرائيل بأن فيه 1,000 مقاتل.
مجلس شورى المجاهدين – تأسس عام 2012 وهو ائتلاف من عدد من التنظيمات والجماعات السلفية الجهادية في غزة وسيناء، وأقامه الشيخ هشام السعيدني، وهو من أصل فلسطيني وعاش في مصر. لقد أودع في سجن حماس منذ مارس 2011، ثم أطلق سراحه 2012، وبعد شهرين اغتالته طيارة إسرائيلية مع نائبه. خَلَف بعده عبد الله الأشقر. يبدو أن التنظيم مكوّن من عدة تنظيمات سلفية مسلحة وقام عبر السنوات بإطلاق قذائف قصيرة المدى نحو إسرائيل، وكذلك أطلق صواريخ جراد إلى إيلات.
جماعة التوحيد والجهاد – وتُسمى أيضًا “أنصار بيت المقدس”، لم يعرف تاريخ تأسيسها وتنتهج جميعها أفكار عن تنظيم القاعدة، لكن لم يُعلن يومًا عن انتمائها لهذا التنظيم بشكل رسمي وشاركت جميعها في عمليات إطلاق صواريخ وقذائف هاون ضدّ إسرائيل.
جيش الأمة – يُعتقد أن زعيمه هو المتحدث باسمه، أبو حفص، وظهرت أولى بياناته التي أعلن فيها عن إطلاق قذائف هاون على مواقع عسكرية إسرائيلية عام 2006.
يبدو، حقًا، أن الجيش الإسرائيلي أمام تحد معقد. هل ستؤدي عملية واسعة في غزة إلى سقوط حماس وارتفاع شأن قيادة متطرفة من بين السلفيين الجهاديين؟ وإن حصل ذلك، هل يمكن لإسرائيل أن تصل معهم إلى اتفاق وقف إطلاق النار من أي نوع كان؟ هجوم كهذا على غزة، يمكنه حقًا أن يكلف ثمنًا غاليًّا، لكن بالنسبة إلى نتنياهو، فإن ثمن انتقاد جمهور منتخبيه له على تردده ورضوخه لحماس يمكنه أن يكون صعبًا، ليس بأقل من ذلك.