عيدي أمين دادا

من هم اليهود الذين يعيشون في قلب القارّة السوداء؟ (AFP)
من هم اليهود الذين يعيشون في قلب القارّة السوداء؟ (AFP)

من هم اليهود الذين يعيشون في قلب القارّة السوداء؟

لمحة عن يهود أوغندا الذين لم يكونوا يعلمون بوجود اليهود في سائر أنحاء العالم وهم جالية ضغيرة مستقلة تكافح من أجل بقائهم في بيئة معادية

لو قلتم لأحد ما، وحتى لو كان يهوديا، إنّ هناك جالية من الأفارقة اليهود في أوغندا، فمن المرجّح أنه سيظن أنكم تسخرون منه. ولكن الجالية اليهودية في أوغندا، والتي تسمي نفسها “ابايودايا” مثيرة للدهشة وموجودة فعلا في الواقع. يتحدث أفرادها اللغات الإفريقية المحلية، إضافة إلى الإنجليزية والقليل من العبرية، لديهم زعيم روحي بل وخلافات فقهية كما في كل جالية دينية، وكنيس واحد، أقاموه في قلب غابات إفريقيا الوسطى.

بدأ كل شيء بشكل مثير للدهشة، من قبل مبشّرين مسيحيين ومسلمين قدِموا إلى أوغندا للمرة الأولى عام 1860 وحاولوا تحويل دين الملك. كان سماي كاكونجولو (1928-1868) أحد معتنقي المسيحية وكان زعيما لإحدى الممالك التقليدية في أوغندا، والتي تدعى بوغندا، والذي وجد اليهودية بعد رحلة طويلة.

"ابايودايا" - الجالية اليهودية التي تعيش في أوغندا (AFP)
“ابايودايا” – الجالية اليهودية التي تعيش في أوغندا (AFP)

في البداية رحّب كاكونجولو بالغزاة البريطانيين. لقد قاتل من أجلهم، وانتصر في المعارك، واحتل من أجلهم أراض كثيرة وفي عام 1880 تنصّر بمساعدة مبشّرين مسيحيين. بعد أن انتهكوا وعدهم بمنحه السلطة على أجزاء البلاد التي غزاها، أهمل كاكونجولو القتال في خدمة البريطانيين وتخلّى عن دينهم. لقد توجه في رحلة خاصة، حيث كانت ذروتها، في عام 1913 عندما وصل إلى قبيلة تؤمن بالمزج بين المسيحية واليهودية. وحينها صادف الكتاب المقدس للمرة الأولى، وكان ذلك حبّا من النظرة الأولى.

ألّف كتابا للصلاة بلغته الإفريقية “لوغندا”، وأقام جالية من الأفارقة الذين تركوا في أعقابه المسيحية وانتقلوا للحياة وفقا لمبادئ اليهودية. بدأوا بالاحتفال بالأعياد اليهودية، تناول اللحوم الموافقة للشريعة اليهودية، تسمية الأطفال بأسماء من الكتاب المقدّس وارتداء القلنسوات، ولكن على مدى السنين لم تكن لهم أية علاقة مع الجاليات اليهودية الأخرى في أنحاء العالم.

"ابايودايا" - الجالية اليهودية التي تعيش في أوغندا (AFP)
“ابايودايا” – الجالية اليهودية التي تعيش في أوغندا (AFP)

بلغ تعداد الجالية في ذروتها ألفي شخص، ولكن بعد صعود الدكتاتور الشهير عيدي أمين، في السبعينيات، أجبِر معظمهم على اعتناق الإسلام. “دمّر جنوده كنيسنا، وألقي شيوخ الجالية في السجن، عُذّبوا وقُتلوا”، كما قال أحد أعضاء الجالية. نجي من تلك الأزمة 500 عضو فقط من الجالية وظلّوا يهودا.

ولكن عاد الكثير من هؤلاء الذين تركوا الجالية في فترة حكم عيدي أمين إلى حضنها بعد سقوطه وبدأت الجالية بالازدهار مجددا. والآن يرغبون بشكل أساسيّ في أن يعترف اليهود في أنحاء العالم بوجودهم، وأن يساعدوهم على توسيع المعرفة الدينية واللاهوتية الخاصة بهم. نجح اثنان من كبار الجالية في القدوم إلى إسرائيل عام 2012. يوضح أحدهم أنّه رغم توقه الكبير إلى العيش كيهودي في أرض إسرائيل، إلا أنه يعتقد أنّ ليس على اليهود فقط أن يعيشوا في الأراضي المقدّسة، وإنما عليهم أن “يدعوا بقية الأمم للانضمام”.

اقرأوا المزيد: 370 كلمة
عرض أقل
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (IPPA/AFP)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (IPPA/AFP)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)

عملية إنتيبي: العملية الأجرأ على الإطلاق

قبل 40 عامًا تمامًا، اختُطفت طائرة "إير فرانس" من تل أبيب من قبل عصابة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لم يفكّر الخاطفون الذين هبطوا بالطائرة في قلب إفريقيا بالتأكيد أنّه لا مناص لإسرائيل إلا بإطلاق سراح الأسرى.‎ ‎لقد أخطأوا

40 عامًا مرّت منذ العملية الجريئة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في إنتيبي، ولا يزال هناك اسمان يُلزمان كل إسرائيلي على التوقف فورًا عما يعمله، وأن يتذكر: إنتيبي، يوناتان ونتنياهو. العملية التي أديرت بخلاف قوانين المنطق البشري، والتي تضمّنت رحلة جوّية سرية لأكثر من 3,800 كيلومترًا من إسرائيل إلى أوغندا، وبعد ذلك معركة على الحياة أو الموت ضدّ الإرهابيين، أذهلت العالم.

ذكّرت العملية كل إنسان أراد الإضرار بدولة إسرائيل أو بمواطنيها، أنّه في اللحظة التي يمسّ فيها الأمر بأمن دولة إسرائيل؛ فليس هناك ما يُسمّى “مستحيل”، وليس ما يُسمّى أنّ إسرائيل لن توافق على عمل ذلك للحفاظ على أمنها.

الدكتاتور المجنون والإرهابي الخطير

كان وديع حداد، قائد الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هو العقل المدبّر الذي يقف وراء سلسلة من عمليات اختطاف الطائرات التي سافر فيها إسرائيليون. أمر عام 1968 باختطاف طائرة “إل عال” التي كانت في طريقها من روما إلى إسرائيل، وهبطت في الجزائر. تم احتجاز 32 رهينة على مدى أكثر من شهر، واضطرّت الحكومة الإسرائيلية إلى الموافقة على طلبات الخاطفين بهدف إطلاق سراح الإسرائيليين.

وديع حداد (UPI/AFP)
وديع حداد (UPI/AFP)

بعد ذلك أمر حداد بمهاجمة طائرة إسرائيلية أخرى في أثينا عام 1968، واختطاف أربع طائرات إسرائيلية، وجعلها تهبط في القاهرة والأردن وتفجيرها في تشرين الثاني عام 1970. شكّلت المطارات ميدان العمل الأفضل لرجال حداد. متشجّعًا من نجاحاته، بادر حداد إلى عملية اختطاف أخرى لطائرة “إير فرانس” التي أقلعت من تل أبيب إلى فرنسا عن طريق أثينا، وعليها 248 راكبًا. بالإضافة إلى رجال الجبهة، تلقّى الخاطفون المساعدة من رجل وامرأة ألمانيين، أعضاء في تنظيم أناركي.

 

علم خاطفو الطائرة أن دكتاتورًا مجنونًا كعيدي أمين دادا سيستقبل الطائرة المختطفة بأذرع مفتوحة

طارت الطائرة إلى ليبيا، وأقلعت من هناك باتجاه أوغندا. وتلقّوا الخاطفين دعم حاكم أوغندا المستبدّ والسفاح، عيدي أمين دادا. ولقد سيطر أمين، وهو ضابط في الجيش الأوغندي على الحكم في البلاد لسنوات قليلة قبل ذلك، وكان في البداية صديقًا لإسرائيل، ولكن مع مرور عدّة سنوات قرّر تغيير موقفه ونمّى علاقاته مع معمّر القذّافي، ومع الاتّحاد السوفياتي ومع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

معمر القذافي مع عيدي أمين دادا (AFP)
معمر القذافي مع عيدي أمين دادا (AFP)

سمّى نفسه “فخامة الرئيس لمدى الحياة، الفيلد مارشال الحاج الدكتور عيدي أمين، سيّد جميع الحيوانات البرية وأسماك البحر، قاهر الإمبراطورية البريطانيّة في إفريقيا عمومًا وفي أوغندا خصوصًا”. علم خاطفو الطائرة أن دكتاتورًا مجنونًا كهذا سيستقبل الطائرة المختطفة بأذرع مفتوحة، وهكذا اختيرت أوغندا كوجهة لاحتجاز الرهائن. ولذلك هبطت الطائرة في مطار إنتيبي.

هدّد الخاطفون بانتهاء المهلة، وأنّهم سيعدمون الرهائن. وفي هذه الأثناء أمرت وحدات النخبة الإسرائيلية بالتجهّز لعملية لن نرى لها مثيلا

قرّر الخاطفون التفريق بين المختطفين اليهود وبين سائر المسافرين، الذين قاموا بإطلاق سراحهم. تمّ إطلاق سراح القبطان الفرنسي وأفراد طاقم الطائرة، ولكنهم رفضوا الرحيل وقرّروا البقاء مع المختطفين اليهود. وقد منحهم رئيس الحكومة الإسرائيلية وسام الشرف مقابل هذا العمل النبيل.

طلب الخاطفون إطلاق سراح 53 من رجالهم، معظمهم من الإرهابيين المسجونين في إسرائيل، وأيضًا فدية مالية. بتاريخ 4.7 هدّد الخاطفون بانتهاء المهلة، وأنّهم سيعدمون الرهائن. قرّرت إسرائيل التفاوض مع الخاطفين لكسب الوقت، وفي هذه الأثناء أمرت وحدات النخبة بالتجهّز لعملية لن نرى لها مثيلا.

الهجوم ليلا

اختيرت وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي، ومن بينها سرية هيئة الأركان العامة، سرية المظلّيّين وسرية جولاني، للمشاركة في العملية. أقلعت أربع طائرات هيركوليس جوًا من أجل نقل المقاتلين، والمختطفين الذين سيُطلق سراحهم. كان على رأس القوة المقاتلة لسرية هيئة الأركان قائدها، يوناتان (يوني) نتنياهو. كان نتنياهو من جنود السرية الشجعان، وقال ضبّاط آخرون إنّ طريقه لمنصب رئيس الأركان معبّد. خدم أخواه الصغيران، بنيامين وعيدو نتنياهو أيضًا في وحدة النخبة.

أرسِل أفضل المقاتلين الإسرائيليين إلى ساحة المعركة الخطيرة والبعيدة

أقلعت الطائرات الأربع قبل تلقّي الموافقة على العملية. بعد نقاشات كثيرة وعميقة، وافق رئيس الحكومة حينذاك إسحاق رابين ووزير الدفاع حينذاك شمعون بيريس على الهبوط في إنتيبي. أُرسِل أفضل المقاتلين الإسرائيليين إلى ساحة المعركة الخطيرة والبعيدة. وكان بينهم ما لا يقلّ عن أربعة رؤساء أركان مستقبليّين: دان شومرون، إيهود باراك، شاؤول موفاز وجابي أشكنازي.

هبطت الطائرة الأولى في ساعات المساء في 4 تموز، وأمّنت هبوط الطائرات الأخرى. ولإزالة اشتباه الحراس الأوغنديين، اقتحم المقاتلون على متن سيارة مرسيدس سوداء من نفس طراز سيارة عيدي أمين. ألغيَ تأثير المفاجأة للقوة المقتحمة حين أثار وابل من الطلقات من المقاتلين الإسرائيليين انتباه الحراس.

لو كان يدرك الإرهابيون أنّ القوات الإسرائيلية قد وصلت إلى المطار، كانوا سيعدمون الرهائن

عند هذه النقطة، كانت سرعة العمل أمرًا حاسمًا. لو كان يدرك الإرهابيون أنّ القوات الإسرائيلية قد وصلت إلى المطار، كانوا سيعدمون الرهائن. هاجم نتنياهو، الذي كان على رأس القوة، باتجاه المحطة، وأمر جنوده بتسريع وتيرة ركضهم. بعد مرور ثوانٍ، أصيب نتنياهو بطلق ناري من جندي أوغندي، وقُتل قبل بدء عملية الإنقاذ.

حدّد المقاتلون مكان قاعة المسافرين التي يُحتجز فيها المختطفون، ونجحوا في القضاء فورًا على الإرهابيين الذين حرسوها. أحد المختطفين ممّن وقف على رجليه في لحظة اقتحام القوات، اشتُبه به كإرهابي وقُتل رميًا بالرصاص. وقُتلت مسافرة أخرى رميًا بالرصاص من قبل الإرهابيين في لحظة الاقتحام. فيما عدا ستّة مسافرين آخرين أصيبوا خلال الاقتحام، تمّ إنقاذ جميع المسافرين الآخرين وهم على قيد الحياة وبصحّة جيّدة ونُقلوا جوّا إلى إسرائيل.

ابتهاج المفرج عنهم وصراخ العائلة الثكلى

 نجحت العملية أكثر من أي تخطيط. أوقف العالم أنفاسه، حين أردك أية عملية معقّدة، جريئة وذات خطورة قامت دولة إسرائيل بتنفيذها. تمّ استقبال الرهائن المحرّرين من قبل الحشود المبتهجة في المطار الإسرائيلي. احتفلت عشرات الأسر بإطلاق سراح ذويهم، بينما قامت أسرة نتنياهو بالحداد.

“حين رنّ الهاتف عندي في بوسطون في ساعات المساء، علمت قبل أن أرفع السماعة أن يوني لم يعد معنا”

كان بنيامين نتنياهو حينذاك طالبًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. تواجد والده بن تسيون، الذي كان بروفيسورًا في التاريخ، هو أيضًا في الولايات المتحدة ودرّس في نيويورك. تحدّث بنيامين نتنياهو – الذي أصبح مع السنين رئيسًا للحكومة – في جنازة بن تسيون، عن اللحظة التي أخبر فيها والده عن وفاة الأخ والابن يوناتان.

بنيامين نتنياهو مع أخيه يوني نتنياهو (YEDIOTH AHARONOTH/AFP)
بنيامين نتنياهو مع أخيه يوني نتنياهو (YEDIOTH AHARONOTH/AFP)

“حين رنّ الهاتف عندي في بوسطون في ساعات المساء، علمت قبل أن أرفع السماعة أن يوني لم يعد معنا. فكّرت حينها أنّه عليّ القدوم إليكما، يا أبي وأمي، سريعًا قدر الإمكان، إلى مكان تواجدكم في ولاية نيويورك، قبل أن يصلكم الخبر عن طريق آخر. وحينها سافرنا، سبع ساعات في جهنّم، ووصلنا إلى الطريق المؤدي للمنزل الذي عشتم فيه حينذاك.

رأيتك تمشي من خلال النافذة الزجاجية الكبيرة. رأيتك تمشي وتفكّر مشبّك اليدين وراء ظهرك. وفجأة أدرتَ وجهك ورأيتني، نظرة من الدهشة امتدّت على وجهك وقلت “بيبي، ماذا تفعل هنا”؟ وحين تحوّلت نظرتك إلى فهم رهيب، صرختَ صرخة مريرة وبعد ذلك صرخت أمي كذلك، ولن أنسى تلك الصرخات حتى يوم وفاتي”.

علّمت التضحية الهائلة لعائلة نتنياهو دولة إسرائيل كلّها درسًا لا يُنسى عن الثمن الذي تستعدّ دولة إسرائيل دفعه من أجل حماية مواطنيها. حين طُلّب من رئيس الحكومة نتنياهو أن يقرّر كيف يردّ على طلبات التنظيمات الفلسطينية بإطلاق سراح عناصرها مقابل الرهائن الإسرائيليين، فإنّ صورة شقيقه الراحل كانت معلّقة على حائط مكتبه. بعد 40 عامًا على العملية الجريئة، يعتبر يوناتان نتنياهو رمزًا لدولة إسرائيل كلّها، وليس لشقيقه فحسب.

 

اقرأوا المزيد: 1052 كلمة
عرض أقل
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (IPPA/AFP)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (IPPA/AFP)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
  • عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)
    عودة المخطوفين من إنتيبي (GPO)

عملية إنتيبي: العملية الأجرأ على الإطلاق

قبل 38 عامًا تمامًا، اختُطفت طائرة "إير فرانس" من تل أبيب من قبل عصابة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لم يفكّر الخاطفون الذين هبطوا بالطائرة في قلب إفريقيا بالتأكيد أنّه لا مناص لإسرائيل إلا بإطلاق سراح الأسرى.‎ ‎لقد أخطأوا

38 عامًا مرّت منذ العملية الجريئة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في إنتيبي، ولا يزال هناك اسمان يُلزمان كل إسرائيلي على التوقف فورًا عما يعمله، وأن يتذكر: إنتيبي، يوناتان ونتنياهو. العملية التي أديرت بخلاف قوانين المنطق البشري، والتي تضمّنت رحلة جوّية سرية لأكثر من 3,800 كيلومترًا من إسرائيل إلى أوغندا، وبعد ذلك معركة على الحياة أو الموت ضدّ الإرهابيين، أذهلت العالم.

ذكّرت العملية كل إنسان أراد الإضرار بدولة إسرائيل أو بمواطنيها، أنّه في اللحظة التي يمسّ فيها الأمر بأمن دولة إسرائيل؛ فليس هناك ما يُسمّى “مستحيل”، وليس ما يُسمّى أنّ إسرائيل لن توافق على عمل ذلك للحفاظ على أمنها.

الدكتاتور المجنون والإرهابي الخطير

كان وديع حداد، قائد الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هو العقل المدبّر الذي يقف وراء سلسلة من عمليات اختطاف الطائرات التي سافر فيها إسرائيليون. أمر عام 1968 باختطاف طائرة “إل عال” التي كانت في طريقها من روما إلى إسرائيل، وهبطت في الجزائر. تم احتجاز 32 رهينة على مدى أكثر من شهر، واضطرّت الحكومة الإسرائيلية إلى الموافقة على طلبات الخاطفين بهدف إطلاق سراح الإسرائيليين.

وديع حداد (UPI/AFP)
وديع حداد (UPI/AFP)

بعد ذلك أمر حداد بمهاجمة طائرة إسرائيلية أخرى في أثينا عام 1968، واختطاف أربع طائرات إسرائيلية، وجعلها تهبط في القاهرة والأردن وتفجيرها في تشرين الثاني عام 1970. شكّلت المطارات ميدان العمل الأفضل لرجال حداد. متشجّعًا من نجاحاته، بادر حداد إلى عملية اختطاف أخرى لطائرة “إير فرانس” التي أقلعت من تل أبيب إلى فرنسا عن طريق أثينا، وعليها 248 راكبًا. بالإضافة إلى رجال الجبهة، تلقّى الخاطفون المساعدة من رجل وامرأة ألمانيين، أعضاء في تنظيم أناركي.

 

علم خاطفو الطائرة أن دكتاتورًا مجنونًا كعيدي أمين دادا سيستقبل الطائرة المختطفة بأذرع مفتوحة

طارت الطائرة إلى ليبيا، وأقلعت من هناك باتجاه أوغندا. وتلقّوا الخاطفين دعم حاكم أوغندا المستبدّ والسفاح، عيدي أمين دادا. ولقد سيطر أمين، وهو ضابط في الجيش الأوغندي على الحكم في البلاد لسنوات قليلة قبل ذلك، وكان في البداية صديقًا لإسرائيل، ولكن مع مرور عدّة سنوات قرّر تغيير موقفه ونمّى علاقاته مع معمّر القذّافي، ومع الاتّحاد السوفياتي ومع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

معمر القذافي  مع عيدي أمين دادا (AFP)
معمر القذافي مع عيدي أمين دادا (AFP)

سمّى نفسه “فخامة الرئيس لمدى الحياة، الفيلد مارشال الحاج الدكتور عيدي أمين، سيّد جميع الحيوانات البرية وأسماك البحر، قاهر الإمبراطورية البريطانيّة في إفريقيا عمومًا وفي أوغندا خصوصًا”. علم خاطفو الطائرة أن دكتاتورًا مجنونًا كهذا سيستقبل الطائرة المختطفة بأذرع مفتوحة، وهكذا اختيرت أوغندا كوجهة لاحتجاز الرهائن. ولذلك هبطت الطائرة في مطار إنتيبي.

هدّد الخاطفون بانتهاء المهلة، وأنّهم سيعدمون الرهائن. وفي هذه الأثناء أمرت وحدات النخبة الإسرائيلية بالتجهّز لعملية لن نرى لها مثيلا

قرّر الخاطفون التفريق بين المختطفين اليهود وبين سائر المسافرين، الذين قاموا بإطلاق سراحهم. تمّ إطلاق سراح القبطان الفرنسي وأفراد طاقم الطائرة، ولكنهم رفضوا الرحيل وقرّروا البقاء مع المختطفين اليهود. وقد منحهم رئيس الحكومة الإسرائيلية وسام الشرف مقابل هذا العمل النبيل.

طلب الخاطفون إطلاق سراح 53 من رجالهم، معظمهم من الإرهابيين المسجونين في إسرائيل، وأيضًا فدية مالية. بتاريخ 4.7 هدّد الخاطفون بانتهاء المهلة، وأنّهم سيعدمون الرهائن. قرّرت إسرائيل التفاوض مع الخاطفين لكسب الوقت، وفي هذه الأثناء أمرت وحدات النخبة بالتجهّز لعملية لن نرى لها مثيلا.

الهجوم ليلا

اختيرت وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي، ومن بينها سرية هيئة الأركان العامة، سرية المظلّيّين وسرية جولاني، للمشاركة في العملية. أقلعت أربع طائرات هيركوليس جوًا من أجل نقل المقاتلين، والمختطفين الذين سيُطلق سراحهم. كان على رأس القوة المقاتلة لسرية هيئة الأركان قائدها، يوناتان (يوني) نتنياهو. كان نتنياهو من جنود السرية الشجعان، وقال ضبّاط آخرون إنّ طريقه لمنصب رئيس الأركان معبّد. خدم أخواه الصغيران، بنيامين وعيدو نتنياهو أيضًا في وحدة النخبة.

أرسِل أفضل المقاتلين الإسرائيليين إلى ساحة المعركة الخطيرة والبعيدة

أقلعت الطائرات الأربع قبل تلقّي الموافقة على العملية. بعد نقاشات كثيرة وعميقة، وافق رئيس الحكومة حينذاك إسحاق رابين ووزير الدفاع حينذاك شمعون بيريس على الهبوط في إنتيبي. أُرسِل أفضل المقاتلين الإسرائيليين إلى ساحة المعركة الخطيرة والبعيدة. وكان بينهم ما لا يقلّ عن أربعة رؤساء أركان مستقبليّين: دان شومرون، إيهود باراك، شاؤول موفاز وجابي أشكنازي.

هبطت الطائرة الأولى في ساعات المساء في 4 تموز، وأمّنت هبوط الطائرات الأخرى. ولإزالة اشتباه الحراس الأوغنديين، اقتحم المقاتلون على متن سيارة مرسيدس سوداء من نفس طراز سيارة عيدي أمين. ألغيَ تأثير المفاجأة للقوة المقتحمة حين أثار وابل من الطلقات من المقاتلين الإسرائيليين انتباه الحراس.

لو كان يدرك الإرهابيون أنّ القوات الإسرائيلية قد وصلت إلى المطار، كانوا سيعدمون الرهائن

عند هذه النقطة، كانت سرعة العمل أمرًا حاسمًا. لو كان يدرك الإرهابيون أنّ القوات الإسرائيلية قد وصلت إلى المطار، كانوا سيعدمون الرهائن. هاجم نتنياهو، الذي كان على رأس القوة، باتجاه المحطة، وأمر جنوده بتسريع وتيرة ركضهم. بعد مرور ثوانٍ، أصيب نتنياهو بطلق ناري من جندي أوغندي، وقُتل قبل بدء عملية الإنقاذ.

حدّد المقاتلون مكان قاعة المسافرين التي يُحتجز فيها المختطفون، ونجحوا في القضاء فورًا على الإرهابيين الذين حرسوها. أحد المختطفين ممّن وقف على رجليه في لحظة اقتحام القوات، اشتُبه به كإرهابي وقُتل رميًا بالرصاص. وقُتلت مسافرة أخرى رميًا بالرصاص من قبل الإرهابيين في لحظة الاقتحام. فيما عدا ستّة مسافرين آخرين أصيبوا خلال الاقتحام، تمّ إنقاذ جميع المسافرين الآخرين وهم على قيد الحياة وبصحّة جيّدة ونُقلوا جوّا إلى إسرائيل.

ابتهاج المفرج عنهم وصراخ العائلة الثكلى

 نجحت العملية أكثر من أي تخطيط. أوقف العالم أنفاسه، حين أردك أية عملية معقّدة، جريئة وذات خطورة قامت دولة إسرائيل بتنفيذها. تمّ استقبال الرهائن المحرّرين من قبل الحشود المبتهجة في المطار الإسرائيلي. احتفلت عشرات الأسر بإطلاق سراح ذويهم، بينما قامت أسرة نتنياهو بالحداد.

“حين رنّ الهاتف عندي في بوسطون في ساعات المساء، علمت قبل أن أرفع السماعة أن يوني لم يعد معنا”

كان بنيامين نتنياهو حينذاك طالبًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. تواجد والده بن تسيون، الذي كان بروفيسورًا في التاريخ، هو أيضًا في الولايات المتحدة ودرّس في نيويورك. تحدّث بنيامين نتنياهو – الذي أصبح مع السنين رئيسًا للحكومة – في جنازة بن تسيون، عن اللحظة التي أخبر فيها والده عن وفاة الأخ والابن يوناتان.

بنيامين نتنياهو مع أخيه يوني نتنياهو (YEDIOTH AHARONOTH/AFP)
بنيامين نتنياهو مع أخيه يوني نتنياهو (YEDIOTH AHARONOTH/AFP)

“حين رنّ الهاتف عندي في بوسطون في ساعات المساء، علمت قبل أن أرفع السماعة أن يوني لم يعد معنا. فكّرت حينها أنّه عليّ القدوم إليكما، يا أبي وأمي، سريعًا قدر الإمكان، إلى مكان تواجدكم في ولاية نيويورك، قبل أن يصلكم الخبر عن طريق آخر. وحينها سافرنا، سبع ساعات في جهنّم، ووصلنا إلى الطريق المؤدي للمنزل الذي عشتم فيه حينذاك.

رأيتك تمشي من خلال النافذة الزجاجية الكبيرة. رأيتك تمشي وتفكّر مشبّك اليدين وراء ظهرك. وفجأة أدرتَ وجهك ورأيتني، نظرة من الدهشة امتدّت على وجهك وقلت “بيبي، ماذا تفعل هنا”؟ وحين تحوّلت نظرتك إلى فهم رهيب، صرختَ صرخة مريرة وبعد ذلك صرخت أمي كذلك، ولن أنسى تلك الصرخات حتى يوم وفاتي”.

علّمت التضحية الهائلة لعائلة نتنياهو دولة إسرائيل كلّها درسًا لا يُنسى عن الثمن الذي تستعدّ دولة إسرائيل دفعه من أجل حماية مواطنيها. حين طُلّب من رئيس الحكومة نتنياهو أن يقرّر كيف يردّ على طلبات التنظيمات الفلسطينية بإطلاق سراح عناصرها مقابل الرهائن الإسرائيليين، فإنّ صورة شقيقه الراحل كانت معلّقة على حائط مكتبه. بعد 38 عامًا على العملية الجريئة، يعتبر يوناتان نتنياهو رمزًا لدولة إسرائيل كلّها، وليس لشقيقه فحسب.

 

اقرأوا المزيد: 1054 كلمة
عرض أقل