على مدى عشرات السنوات، تحتل الموسيقى اليمنية مكانا آخذا بالازدياد في بانثيون الموسيقى الإسرائيلية. ففي السنوات الماضية، بشكل خاصّ، بات الشبّان من أصول يمنية يعودون إلى جذورهم، ويغنون بلغة أجدادهم. ولكن على مدى سنوات، جعل عدد من المطربين البارزين الموسيقى الشرقية عامّةً واليمنية خاصّةً علامة فارقة لهم، وحققوا بفضلها نجاحا منقطع النظير، محاولين إدخال الموسيقى اليمنية إلى قلوب الجمهور الإسرائيلي.
اخترنا لكم المطربين الخمسة البارزين الذين شكّلوا علامة فارقة في تاريخ الموسيقى اليمنية في إسرائيل:
زوهر أرجوف
كان اسم زوهر أرجوف في صغره زوهر عرقوبي، وكان والداه يمنيَين يعيشان في إسرائيل. أرجوف ليس المطرب اليمَني الإسرائيلي الأكثر نجاحا في كل الأوقات فحسب، بل هو أحد المطربين المسؤولين عن النجاح الكبير للموسيقى الشرقية في إسرائيل أيضا. فهو يُعتبر “ملك” الموسيقى الشرقية خاصة، وأحد كبار المطربين الإسرائيليين عامّةً. ويغني أرجوف أغاني موسيقى شرقية “كلاسيكية، بشكل أساسيّ، ولديه الكثير من الأغاني المشهورة، ومن بينها “هابيرح بكاني” (الزهرة في بستاني)، “إلينور”، “يام شيل دماعوت” (بحر من الدموع)، “تسيل عيتس تامار” (ظل نخلة)، وغيرها. في بداية الثمانينيات، أحرز أرجوف ذروة نجاحه، ولكن للأسف الشديد، أصبح مُدمنا على المخدّرات، التي أثرت في أدائه وجودة أغانيه، مؤدية إلى انتحاره عام 1987.
مرجليت صنعاني
وُلدت مرجليت صنعاني والتي تُعرف أساسًا باسم “مرجول” في اليمن عام 1948، وهاجرت إلى إسرائيل وهي في جيل سنة. بدأت تغني في سن صغيرة جدّا، ولكن باتت مشهورة في الثمانينيات، ومنذ ذلك الحين أصبحت تُعتبر “إلهة الغناء” (Diva) للموسيقى الشرقية في إسرائيل. تغني مرجليت أغان شرقيّة مدمجة بموسيقى السول وحتى بموسيقى بلوز أمريكية، ويمكن أن نجد في الكثير من ألبوماتها قوافٍ لأغانٍ عربية شعبية وموسيقى يمنية أصلية. في الألفية الثانية، كانت مرجليت عضوا في لجنة الحكم لبرنامج الواقع، فهذا ساهم في أن تشتهر بين الجيل الشاب، وتنشر طيلة السنوات ما يزيد عن عشرة ألبومات. من بين أغانيها الأكثر شهرة: “نعري شوفيه إلاي”، “عود يهيه لي”، “عيتس ياروك مبلاستيك”، وغيرها.
مرجليت صنعاني تغني باليمنية:
عوفرا حازا
كان والدا عوفرا من قرية “الحاز” في اليمن. عوفرا هي إحدى المطربات الإسرائيليات الأوائل التي حققت شهرة عالمية ناجحة. وحدث ذلك في الثمانينيات، عندما مثلت إسرائيل في الأوروفيزيون. في الأصل، لم تكن عوفرا تغني أغانٍ شرقيّة، ولكن بعد أن اشتهرت بدأت تعمل على ألبوم كان مكرسا للموسيقى اليمنيّة (جزء منها بالعربية والآخر بالعبرية). في أعقاب تسجيل جديد لإحدى الأغاني في الألبوم، “إم ننعالو”، حظي الألبوم بنجاح عالمي منقطع النظير، لا سيّما في أوروبا وحتى في الدول العربيّة، واليمن أيضا. قدّمت عوفرا عروضا عالمية، مُرتدية ملابس يمينية تقليدية. انتهت سيرة حياة عوفرا حازا المهنية بسبب وفاتها عام 2000 بعد أن عانت من أعراض مرض الإيدز.
أهوفاه عوزري
أهوفاه هي “عملاقة الموسيقى اليمنية”، في إسرائيل، ووُلِدت وترعرعت في حي “كيرم هتيمانيم” (كرم اليمنيين) في تل أبيب. كانت أهوفاه مطربة بارزة في “المشهد الذكوري” للموسيقى الشرقية في إسرائيل، وجزءا من مجموعة المطربين اليمنيين الذين وُلدوا في كيرم هتمانيم. فهي كانت مطربة، مؤلفة، ملحنة، عازفة، وكاتبة موهوبة بشكل خاصّ، وعلّمت تحسين الصوت لمطربين آخرين، ومن بينهم أرجوف المعروف. من بين أغانيها المشهورة: “هيخان هحيال شلي”، “تسلتسولي هبعمونيم”، “عيمك هبراحيم”، “هأيش هاهو”، وغيرها. في عام 2000، أصيبت بسرطان الأوتار الصوتية، لذلك اجتازت عملية جراحية أدت إلى ضرر كبير في صوتها وخسارة قدرتها على الغناء تقريبًا. ولكن بعد أن خسرت قدرتها على الغناء، تابعت، الإبداع، التلحين، الكتابة، وأصدرت ألبوما بمشاركة مطربين إسرائيليين رائدين. تُوفيت أهوفاه متأثرة بمرضها عام 2016.
رفيد كحلاني
كحلاني هو ممثل “الجيل الشاب” في قائمة المطربين. عمره 37 عاما فقط، ولكن نجح نجاحا باهرا في العالم كلّه. خلافا للمطربين المذكورين أعلاه، فهو ليس مطربا معروفا في إسرائيل، ورغم ذلك، يظهر مع أعضاء فرقته “يمن بلوز” في العالم كله ويتألقون في المشهد الموسيقي الإسرائيلي البديل. تدمج موسيقى كحلاني بين الأصول اليمنية وتأثيرات الصحراء الكبرى، وبين موسيقى الفانك وموسيقى السول الأمريكية. مَن يسمعه وهو يغني لن يستطيع أن يعرف أبدا أن الحديث يدور عن مطرب إسرائيلي، وإضافة إلى صوته الرائع فهو يتمتع بطلة جميلة ويتحرك بسرعة جنونية. شاهدوا المقطع التالي المُصوّر في القدس للتعرّف إلى هذا المطرب المميّز.
يتميز يهود اليمن، الذين قدموا إلى إسرائيل في الخمسينات والستينات، بثقافة أصيلة، غنية، ومميزة. عمل الكثيرون منهم في مجال الترفيه في إسرائيل، ومن بينهم المُغنية عوفرا حازا وهي واحدة من النساء المعروفات حول العالم من خلال صوتها الجميل الذي هز الكثير من القاعات حول العالم والتي توفيت عام 2000 وتركت خلفها مجموعة من الأغاني الجميلة المؤثرة.
يُمكن الآن ضم فرقة A-WA، إلى تلك الشخصيات المؤثرة مثل المغنيات اليمنيات شوشانا دامري، عوفرا حازا، ودانا إنترناشونال، بكل فخر وهي فرقة إسرائيلية مُثيرة تجتاح العالم بأكمله بموسيقى مثيرة وأسلوب شبابي ومثير. https://youtu.be/g3bjZlmsb4A حظيت البنات مؤخرًا، بأزيائهن الرائعة، بثناء كبير من خلال موقع “فوغ” والآن يظهرن على غلاف المجلة الفرنسية Stylist. تتكون الفرقة من ثلاث شقيقات: تائير، ليرون، وتغل، وهن يُبدعنّ موسيقى يمنية مُدمجة مع موسيقى الكترو – بوب ولمسات من موسيقى الـ “هيب – هوب”. درست اثنتان من الشقيقات الثلاث مجال تصميم الأزياء ويظهر ذلك الفهم العميق في مجال الأزياء واضحًا في أغانيهنّ المُصورة والأغاني التي يُنتجنها. صممت الفتيات مظهرٍ مُلفت يتكون من عباءات وأحجبة مُلونة مع أحذية رياضية ما يُترجم موسيقاهن إلى أزياء أصلية.
مؤخرًا قامت الأخوات بتنفيذ فكرة تصميم أزياء مُلفتة حيث تعاونّ مع الفنان المغربي حسن حجاج، الذي يتحدث لغتهنّ وقام بتصميم أزياء لهنّ تدمج بين الأزياء العربية وأزياء الشارع. سترتدي الشقيقات الثلاث الملابس التي صممها حجاج، والتي تصورن فيها عنده أيضًا، خلال جولتهن العالمية.
يُمكن أن نرى، من خلال صور المجلة الفرنسية Stylist، الشقيقات اليمنيات بملابس تُحافظ بشكل دقيق على الدمج اللطيف بين التراث والحداثة، مع الكثير من الحلي اليمنية الثقيلة.
تاريخ نسوي في جنوب إسرائيل: لجنة الأسماء البلدية في مدينة بئر السبع تقرر تسمية كافة الشوارع في حي جديد بأسماء نساء. وهي مبادرة من رئيس البلدية روبيك دنيلوفيتش، تهدف إلى زيادة الوعي حول المساهمة الكبيرة للنساء في المجتمع الإسرائيلي. وقد تمت الموافقة على القرار في نهاية الأسبوع الماضي بغالبية أصوات مجلس المدينة.
ومن بين النساء اللواتي تم اختيارهنّ للتألق على لافتات الشوارع ستكون شخصيات نسائية بارزة في إسرائيل والعالم، ونساء من التاريخ اليهودي. ومن بين أمور أخرى، ستظهر أسماء نساء من الكتاب المقدس، عضوات كنيست، شاعرات، مطربات، كاتبات، ممثّلات، قاضيات، وعالمات. ومن بين النساء الشهيرات اللواتي دخلن فعلا إلى قائمة الأسماء: مطربات شهيرات مثل عوفرا حازا وشوشانا دماري اليمنيتَين، المطربة اليهودية المغربية الشهيرة زوهرا ألفاسيا، الحائزة على جائزة نوبل في الكيمياء، البروفسورة عادا يونات، العالمة الشهيرة والحائزة على جائزة نوبل، ماري كوري، القاضية الأولى في المحكمة بتل أبيب، وغيرها.
حتى اليوم، نحو 9% فقط من شوارع المدينة المسماة على اسم شخصيات، تمت تسميتها بأسماء نساء. في الماضي قال رئيس البلدية “تشكل النساء في دولة إسرائيل، على الأقل، نصف السكان، وللأسف فإنّ هذا الأمر لا ينعكس في التعامل معهن… قررتُ أن أقود حملة في إطارها ستتم تسمية أسماء الشوارع في أرجاء المدينة بأسماء نساء، انطلاقا من هدفنا بأن نعكس مساهمة النساء الرائدات السخية للمجتمع الإسرائيلي وللعالم كله. مثل هذا القرار يمكنه فقط أن يعزز كرامتنا وبالموازاة أن يدعم نشاط أولئك النساء اللواتي أحدثنَ تغييرا في مجموعة متنوعة وواسعة من مجالات الحياة، وكنّ نموذجا يُحتذى به”.
وقد بقي في الحيّ الجديد، الذي سيسمّى “حي شقائق النعمان”، بعض الشوارع من دون اسم، ويبحثون في المدينة عن نساء أخريات جديرات بالفوز بشارع على اسمهنّ. بل قد توجّهت صفحة الفيس بوك التابعة للبلدية إلى السكان من أجل أن يقترحوا أسماء. ونأمل نحن في موقع “المصدر”، أن يكون من بين الأسماء التي سيتم اختيارها أيضا بعض النساء العربيات البارزات في مساهمتهنّ للثقافة والمجتمع، مثل أم كلثوم، فيروز، وربما زها حديد، المهندسة المعمارية الشهيرة التي توفيت مؤخرا.
سنة 2000: وضع عوفرا حازا الصحي يتدهور ويتعقد بسبب مرض الإيدز الذي أصابها. نُقلت إلى المستشفى في إسرائيل، وبعد أسبوعين أعلِن عن وفاتها بجيل 42 عامًا، بعد ما يقارب 30 سنة من مسيرتها الفنية.
المطربة الإسرائيلية من أصول يمنية، عوفرا حازا (Facebook)
وقد كشفت عوفرا للعالم عن صوتها الملائكي منذ جيل الثالثة عشر. وقد كان بتسلئل ألوني، المروج الخاص بها، هو من اكتشفها بعدما قدمت عرضًا في حفل زفاف، وقام بإدخالها في ورشة مسرحية، في حي فقير من ضواحي مدينة تل أبيب، والتي أشرف على إدارتها. وُلدت عوفرا وترعرعت في الحي، كانت البنت الأصغر بين ثمانية إخوة وُلدوا ليفت وشوشناه حازا – والتي بدورها كانت مغنية لحفلات الحناء مطلوبة في اليمن.
كان ظهور حازا الأول على خشبة المسرح حقيقة محض صدفة. قدمت الورشة عرضًا باسم “سمبوسك، متى الانتخابات؟”. فقد قرر البطل الرئيسي ترك العرض قبل ساعات من عرضه، وحازا، التي استمعت لكل شيء وحفظت كل دور عن ظهر قلب، طلبها المروج الخاص بها لتقوم بتأدية الدور الرئيسي وتحويله من شخصية ذكورية لنسائية في وقت العرض. ومنذ ذلك الحين كانت ردود الفعل حماسية واستولت على الجمهور في الليلة ذاتها، إلا أن أحدًا من الجمهور لم يتخيّل لأين ستصل عوفرا الشابة.
كانت تلك مجرد مسألة وقت حتى جذبت عوفرا كل العالم. كانت أغنيتها الأولى والتي وصلت لأعلى المراتب من تسجيلها في عرض لذات الورشة المسرحية في الحي، “اشتياق”. أعجِب بها العديد من المنتجين الموسيقيين والسينمائيين حتى قبل تجنيدها للجيش، ووقعوا معها عقد إنتاج لمدة خمس سنوات. في عام 1979، ظهرت في السينما في فيلمها الأول.
في عام 1980، سجلت حازا ألبومها الأول، “عن غرامياتنا”، والذي فتح لها طريقًا واسعًا. وما تلا من ألبوماتها الناجحة، جعل مسيرة عوفرا كواحدة من أحب وأهم المغنيات في الثمانينيات. غنت في عام 1983 بمسابقة الأوروفيزيون، التي عُقدت في ميونيخ، وحازت على المرتبة الثانية بفارق ست نقاط عن المرتبة الأولى. لكنها لم تكن بحاجة لهذه المسابقة لتكسب شهرة على الصعيد العالمي. بعد سنة من ذلك، أطلقت عوفرا حازا ألبوم “أغاني اليمن”، والتي كانت كل أغانيه أغاني يمنية، تكريمًا لأصولها. وصل هذا المشروع المميز والرائد إلى إنجلترا أيضًا، حيث حاز على المديح والإعجاب وجعل من حازا نجاحًا عالميًا.
وكانت الأغنية التي احتلت أعلى مراتب الأغاني في أوروبا هي “إم ننعالو”. في عام 1990 لُقبت رسميًا “بالمغنية الإسرائيلية صاحبة المبيعات الأكثر في كل العصور”، وحتى أنها رفضت عرض مايكل جاكسون بالانضمام إليه في جولة حفلات عالمية.
كل هذا لن يفاجئ كل من سمع صوت عوفرا حازا الفريد من نوعه. فقد كانت القدوة الأعلى لعشرات المغنيات الإسرائيليات، اللاتي تمنين صوتًا عذبًا كصوتها. تستمر أغانيها بإثارة وإسعاد الناس حتى بعد 15 عامًا من موتها. ما زالت شخصية حازا محفوظة في ذاكرة الإسرائيليين وتثير اشتياقهم في كل مرة يستمعون لصوتها. ورغم أنها فارقت الحياة في جيل صغير، إلا أنها خلفت ورائها إرثًا مليئًا بإغانٍ رائعة.
يهود من اليمن مع رئيس دولة إسرائيل شمعون بيريس (Yossi Zeliger/Flash90)
التحيّات من صنعاء وذمار
نجت الجالية القديمة ليهود اليمن من الانقلابات التاريخية، ولكن حتى بعد استقرارها في إسرائيل لم تتوقّف معاناتها. وأيضًا: خمسة مطربين يهود يمنيّين يجب أن تعرفوهم
لا يُعرف الكثير عن الأيام الأولى للجالية اليهودية في اليمن، ولكن من المعلوم للجميع أنّ اليهود الأوائل قدِموا إلى اليمن منذ فترة طويلة جدّا. تعود الأدلة الأثرية الأقدم إلى القرون التي سبقت عام صفر ميلادي، وهناك من يدّعي أنّه قد قامت في اليمن جالية يهودية قبل أكثر من 2,500 عام. في قرية بيت الخضر القريبة من العاصمة صنعاء عثر على أدلة على قيام كنيس قديم من تلك الفترة.
وتظهر أدلة أخرى أن اليهود قد عاشوا في مملكة حِمْيَر، والتي قامت في جنوب شبه الجزيرة العربية، قبل ظهور النبي محمد. تقرّب ملك هذه المملكة، يوسف ذو نواس (الذي اسمّي بهذا الاسم بسبب الضفائر التي زيّنت رأسه) من اليهودية والحاخامات اليهود الذين أقاموا في تلك الفترة في فلسطين (أرض إسرائيل)، وهناك من يقول إنّه قد تهوّد. في أعقاب ذلك، قام بذبح الكثير من النصارى الذين وصلوا من إفريقيا، معظمهم حبشيّ، وذلك في محرقة نجران. في نهاية المطاف، أثار الملك غضب الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، والتي هزمته وجعلته ينتحر.
أحكام قاسية إلى جانب الازدهار في العهد الإسلامي
تمتّع يهود اليمن في الفترة القصيرة التي سيطر فيها الفرس على المنطقة بعلاقات مع جالية بابل الكبيرة، والذي تشعّب من الجزيرة العربية حتى العراق. ولكن مع صعود الإسلام أصبح وضعهم غير مستقرّ، على الرغم من تمتّعهم بمكانة أهل الذمّة. من الصعب أن نعرف كيف كان وضع يهود اليمن بالضبط في تلك الفترة، حيث إنّ الأدلة قليلة جدّا.
أطفال يهود يتعلمون التوراة في اليمن (AFP PHOTO/KHALED FAZAA)
ما نعرفه أنّه أثناء تواجد الجاليات اليهودية في العالم العربي، في العصور الوسطى، كانت أوضاع يهود اليمن صعبة للغاية. فرض ملك في تلك الفترة يسمّى عبد النبي أحكام قاسية على اليهود. ولكن ازدهر الفكر والفلسفة اليهودية في تلك الفترة باليمن أكثر من أي وقت مضى.
يهودي يمني في القدس في اواخر القرن التاسع عشر (Wikipeida)
هناك شخص مذكور أكثر من الجميع وهو ناتانئيل الفيومي، رئيس حاخامات اليمن الذي ألّف الكتاب الفلسفي “حديقة العقول”، وهو نصّ يجمع بين الاعتقاد بإله واحد، أهمية التوبة والإيمان بالخلاص واليوم الآخر. أثّرت الكثير من المصادر على الكتاب، من اليهود والمسلمين، وهناك من يعتبره نسخة يهودية من المذهب الشيعي الإسماعيلي. ويعرف الحاخام نتانئيل بجداله مع المسلمين، واقتبس من القرآن لإثبات ادعائه بأنّ عقيدة اليهود أبدية، من سورة المائدة: “وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله”.
بعد سنوات طويلة من الحرب نجح اليمنيّون في طرد العثمانيين من بلادهم وبدأ حكم الزيديين في اليمن (1635). في البداية، كان هذا الحكم متسامحًا تجاه اليهود، ولكن في عام 1678 أقرّ الملك أحمد بن حسن المهدي قرارات بالنفي لتطهير اليمن من يهودها. ألغيت القرارات بعد عامين وعاد يهود اليمن إلى منازلهم، وحاولوا تأسيس مجتمعهم من جديد. بعد ذلك عاد العثمانيّون واحتلّوا اليمن.
الهجرة إلى إسرائيل
كلّما تطوّرت الصهيونية، تزايدت في اليمن الرغبة بالوصول إلى فلسطين (أرض إسرائيل). وقد ازدادت هذه الرغبة بشكل خاصّ في نهاية القرن التاسع عشر لدى يهود اليمن، والذين كانوا الأوائل من بين الدول العربيّة الذين وصلوا بأعداد كبيرة إلى فلسطين (أرض إسرائيل). هاجر نحو 2,500 يهودي يمني إلى إسرائيل في سنوات الثمانينات من القرن التاسع عشر.
قدوم يهود اليمن إلى إسرائيل في الخمسينات (Wikipedia)
تزايدت في بداية القرن العشرين القوانين المعادية لليهود في اليمن. حُظر على اليهود أن يركبوا الخيول أو السير في الشوارع المعبّدة. رفضت المحاكم اليمنية سماع شهادات اليهود ضدّ المسلمين. وفي ذروة الموجة المعادية لليهود دخل إلى حيّز التنفيذ قانون قديم يقضي بأنّ كلّ يهودي لم يبلغ 12 عامًا بعد سيُجبرعلى اعتناق الإسلام. في أعقاب هذه القرارات، هاجر نحو 17,000 يهودي يمني إلى إسرائيل في الأعوام بين 1922-1945. حتى تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، تمكّن نحو نصف يهود اليمن من الهجرة إلى إسرائيل.
وكما في جميع الدول العربيّة، فقد زاد قيام دولة إسرائيل من التعرّض لليهود المحلّيين وفرضت عليهم أوضاعًا صعبة. توصّل عشرات الآلاف من اليهود إلى طريق، من خلال عدن، لفلسطين (أرض إسرائيل)، وتبقّى العديد من اللاجئين في عدن في حالة صعبة. هاجر إلى إسرائيل في هذه السنوات 50,000 من يهود اليمن، وأصبحت الجالية اليمنية في إسرائيل هي الأكبر. بقي في اليمن اليوم أقل من 200 يهودي، بحيث إنّ معظمهم قد تجاوز الستّين من عمره.
عائلة حباني اليمنية تحتفل بعيد الفصح للمرة الأولى في إسرائيل (GPO)
المحنة وحوادث الاختطاف
لم تنته معاناة يهود اليمن مع وصولهم إلى إسرائيل. لم تحرص المؤسسة الإسرائيلية، التي تألفت حكومتها بالأساس من مهاجري أوروبا، على معاملتهم بالمساواة. تمّ إيواؤهم في ظروف من الفقر. أدّت السنوات الطويلة التي مرّت على يهود اليمن باعتبارهم مجتمع مقطوع الصلة عن بقية العالم العربي، إلى تعامل يهود الدول العربيّة باشتباه تجاه يهود اليمن، ولقد استمروا في إسرائيل أيضًا على العيش كمجتمع منعزل.
خيّمت قضية رئيسية على علاقة المجتمع اليمني في إسرائيل مع المؤسسة
أب يمنى يهودي وابنه (Wikipedia)
والمجتمع وهي قضية الأطفال المختطفين. كان من المعتاد في مخيّمات استيعاب المهاجرين ألا ينام الأطفال مع والديهم، ففي الوقت الذي عاش فيه الوالدان في الخيام، تمّ نقل الأطفال إلى أكواخ. أُخبر العديد من الآباء الذين جاؤوا لزيارة أبنائهم في الأكواخ بأنّ أطفالهم قد توفّوا ودُفنوا، رغم أنّهم أُخذوا منهم وهم بصحّة وعافية. لم يتمّ عرض شهادة الوفاة في أيّ من الحالات، وفي الكثير من الحالات أيضًا لم يكن هناك قبر.
وجد بعض الآباء صعوبة في تقبّل هذا الخبر القاسي، وبعد أن بكوا، صرخوا واشتكوا لكون الطفل الذي أُخذ منهم كان معافى، تمّت إعادة الطفل إليهم وهو في حالة جيّدة، رغم إخبارهم بأنّه قد توفّي. تقبّل بقية الآباء الأخبار القاسية ولم يجادِلوا. أثارت حقيقة أنّ بعض الأطفال أعيدوا إلى آبائهم الاشتباه في أن يكون الأطفال قد خُطِفوا وأُخذوا لعائلات أخرى.
ووفقًا للاشتباه، فإنّ المؤسسة الإسرائيلية لم تثق بالآباء اليمنيّين بأنّ يربّوا أطفالهم في ظروف مناسبة، ولذلك قامت باختطافهم وتسليمهم إلى أسر أخرى. أقيمت ثلاثة لجان تحقيق في إسرائيل على مدى سنوات من أجل معالجة هذه المزاعم، ونوقش أكثر من 800 حادثة اختطاف.
وقد استُمع في اللجان إلى شهادات لمسؤولين كبار كانوا مسؤولين عن عملية استيعاب المهاجرين، حيث قالوا إنّ بعض الأطفال قد نُقلوا لتبنّيهم في الولايات المتحدة. قرّرت لجان التحقيق بأنّه ورغم هذه المزاعم، فإنّ معظم الأطفال الذين اختفوا توفوا فعلا، ولكن لا يزال هناك شعور لدى الكثيرين بأنّ العدالة لم تظهر حتّى الآن.
أصوات العنادل
الشيء الذي يربط المجتمع اليمني في إسرائيل بشكل كبير مع كل الشعب الإسرائيلي، هم أولئك المطربون الرائعون الذين خرجوا من أبناء وبنات هذا المجتمع. ليس الحديث فقط عن المطربين الذين يؤدّون الأغاني بالأسلوب اليمني التقليدي، وإنّما عن مجموعة واسعة من الأساليب التي تمزج بين القديم والجديد.
هل تعلمون، على سبيل المثال، بأنّه في كلّ المرات الثلاث التي فازت فيها إسرائيل بالأوروفيزيون، كان الممثّلون الإسرائيليون من أصول يمنية؟ المطرب يزهر كوهين الذي مثّل إسرائيل عام 1978، المطربة جالي عطري التي مثّلتها عام 1979 والمطربة دانا إنترناشيونال التي مثّلتها عام 1998؛ جميعهم كان من أصول يمنية.
القائمة طويلة وفيها أسماء كثيرة، ولكننا اخترنا للقرّاء خمسة ممثّلين بارزين من أفضل مطربي إسرائيل، والذي قدِم آباؤهم من اليمن:
هل تم تتويجه بلقب “الملك” عبثًا. أوصلت أغاني زوهر أرجوف، الذي غيّر اسم عائلته حيث كان في الأصل يدعى “عورقبي”، الموسيقى الشرقية لكل بيت في إسرائيل، وأصبح نجمًا بلا منازع. ولكن توهّج نجاح زوهر في حياته، وأصبح مدمنًا على المخدّرات واضطرّ في نهاية المطاف للانتحار في الزنزانة في الشرطة الإسرائيلية.
عوفرا حازا
بكت البلاد جميعها حين توفيت عوفرا حازا عام 2000، فقد كانت تعاني المطربة المحبوبة جدّا في سنّ صغير من مرض الإيدز الذي أصيبت به. ليس هناك شخص لا يعرف صوت الطفلة الصغيرة التي ولدت في حيّ فقير بتل أبيب لأسرة مكوّنة من تسعة أطفال، وأصبحت المطربة الأكثر شهرة في إسرائيل. استمعوا إلى أغنية عوفرا حازا باللغة العربية:
بوعاز شرعبي
المطرب صاحب الاسم اليمني المثالي والذي ولد لأسرة مكوّنة من عشرة أطفال، يمزج بين أسلوب الروك الكلاسيكي والجاز وبين الجذور العميقة في اليمن. وهو يزعم أنّ أخته قد اختطفت خلال قضية عمليات الخطف التي ذكرناها في السابق. تزوّج شرعبي ثلاث مرّات، كان من بينها زواج من امرأة اسمها هالين وكانت مدمنة على المخدّرات وانتحرت في السجن. ولكن لم يؤثّر شيئًا من هذه المآسي الشخصية على الموسيقى الرائعة التي ينتجها.
http://youtu.be/P9byhmQ0-bQ
مرجليت صنعاني
ولدت مرجليت صنعاني والتي تعرف أساسًا باسم “مرجول” في اليمن عام 1948، وهاجرت إلى إسرائيل وهي في جيل سنة. تمزج في أغنياتها بين الروك، البلوز والموسيقى اللاتينية، ويُلاحظ في أغنياتها تأثير الروح الأمريكية من أصول إفريقية. وهي تعرف في إسرائيل ليس فقط كمطربة وإنّما كمقدّمة لبرامج تلفزيونية كثيرة. اخترنا أن نعرض لكم إحدى أغانيها اليمنية التقليدية:
شوشانة ذماري
كانت شوشانة ذماري، التي ولدت في اليمن عام 1923 المطربة الأولى التي لم تكن من أصول أوروبية وأصبحت أسطورة إسرائيلية، وكانت مقبولة ومحبوبة بين جميع شرائح الشعب. بل هناك من وصفها بـ “المطربة الوطنية”، في أعقاب 70 عامًا لنشاطها في إسرائيل. رافقت الأغنية العبرية منذ السنوات التي سبقت قيام دولة إسرائيل، ولا يوجد من لا يعرف صوتها العميق والرنّان في إسرائيل. في هذه الأغنية التي تدعى “في كروم اليمن” تعبّر عن شوقها للمكان الذي ولدت فيه.