عمود السحاب

معبر الحدود بين مصر ولإسرائيل في سيناء (AFP)
معبر الحدود بين مصر ولإسرائيل في سيناء (AFP)

خمس لحظات امتحان حاسمة في تاريخ معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر

عرفت السنوات الست والثلاثون التّي مرت منذ توقيع المعاهدة في حديقة البيت الأبيض مدًّا وجزرًا، انتفاضتَين، وثورات. واجهت المعاهدة خمسة مفترقات طرق حاسمة شكّلت محكًّا هدّد مُستقبلها، لكنها بقيت صامدة رغم كلّ شيء

سريعًا جدًّا، مرّت لحظات الغبطة التي رافقت توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 آذار 1979. حلّ الارتياب محلّ آمال تطبيع العلاقات بين الشعبَين، وأضحى التفاؤل خوفًا.

علَّمَنا التاريخ الإقليميّ أنّ الشرق الأوسط مكان غير متوقَّع وغير مستقرّ. داخل كلّ فوضى الثّورات، الحروب، سفك الدماء، والتظاهرات الكبرى، لم تتخذ الدعوات المتكررة إلى إلغاء أو على الأقل “إعادة دراسة” الاتّفاقات أيّ طابع رسميّ أبدًا. حتّى كتابة هذه السطور، بدت معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر إحدى آخر الصخور الثابتة المتبقّية في الشرق الأوسط.

1981 – اغتيال السادات

أتى المحكّ الأول لاتّفاق السلام في 6 تشرين الأول 1981، بعد عامٍ ونصف من دخول الاتّفاق حيّز التنفيذ. خشيت إسرائيل من أنّ منفّذي عملية الاغتيال الذين نزلوا من الآلية العسكرية خلال مسيرة إحياء الانتصار في حرب تشرين 1973، لم يقتُلوا الرئيس فقط، بل كلّ موروثه أيضًا.

اغتيال السادات (MAKARAM GAD ALKAREEM / AFP)
اغتيال السادات (MAKARAM GAD ALKAREEM / AFP)

“السؤال المركزي المطروح الآن مع اغتيال الرئيس السادات هو إلى أيّ حدّ ستستمرّ السياسة التي وضع أسُسها بعد وفاته”، كُتب في اليوم التالي للاغتيال في صحيفة “دافار” الإسرائيلية، التي حذّرت من أنّ “تجربة الماضي غير البعيد تُثبت أن تبادُل السلطة في مصر أدّى إلى تغيير جوهريّ في الخطّ السياسيّ”. مع ذلك، ساد التقدير أنّ وريث السادات، محمد حسني مبارك، معنيّ بالحفاظ على الاتّفاق، وهو ما حدث فِعلًا.

اهتمّ مبارك طوال السنين بالحفاظ على معاهدة السلام، لكنّه لم يتحمّس يومًا للتقريب بين الشعبّين حقًّا. فخلافًا لسلَفه، تجنّب مبارك زيارة إسرائيل، باستثناء زيارته اليتيمة عام 1995، للمشاركة في تشييع إسحاق رابين.

1982 – حرب لبنان

صيفَ العام 1982، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان بهدف التخلُّص من خطر الصواريخ على حُدودها الشماليّة، وطرد منظمة التحرير الفلسطينية المتحصّنة في بيروت، فواجهت معاهدة السلام وضعًا إشكاليًّا. كلّما تقدّمت القوّات الإسرائيليّة في عُمق لبنان، كانت صورة إسرائيل تصبح أكثر اسودادًا لدى الشعب المصري. أمّا القشة التي قصمت ظهر البعير فكانت المجزرة التي نُفّذت في مُخيَّمَي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا، التي أدّت بالحكومة المصرية إلى سحب سفيرها في إسرائيل وإعادته إلى القاهرة، بهدف التشاوُر.

جنود اسرائيليون في بيروت خلال حرب 1982 (Wikipedia)
جنود اسرائيليون في بيروت خلال حرب 1982 (Wikipedia)

“لن تُستأنَف العلاقات مع إسرائيل ما دام لبنان مُحتلًّا”، قال مبارك للصحفيين الإسرائيليين، ملمحًا إلى أنه سيدعو ياسر عرفات، عدوّ إسرائيل الذي كان قد طُرد من لبنان، للاجتماع به في القاهرة. وصرَّح الرئيس المصري أنه رغم اتّفاقات السلام، فإنّ الإسرائيليين لا يزالون “أسرى الحرب والعداء”. كان الجوّ في إسرائيل متوتّرًا، وأنبأت عناوين الصُّحف أنّ العلاقات الإسرائيلية – المصرية “عادت إلى نقطة الصفر”.

رغم ذلك، تمّ رأب الصدع بين الجانبَين، الذي نتج عن ابتداء حرب لبنان. انسحبت إسرائيل من بيروت إلى “القطاع الأمني” جنوب لبنان، وابتعدت مصر مجدّدًا عن منظمة التحرير الفلسطينية، حتّى إنها أعلنت أواخر الثمانينات عن إغلاق مكاتبها في القاهرة. في تلك الأثناء، عُيّنَ محمد بسيوني سفيرًا لمصر لدى إسرائيل، وعكف على توطيد العلاقة بين البلدَين لسنوات.

1996 – الجاسوس الزائف

حتّى الدول الصديقة تتجسّس إحداها على الأخرى، ووثائق وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) خير دليل على ذلك. لكنّ حالة عزّام عزّام كانت مختلفة، وبدا أنّ الأمر كان خطأً كاد يؤدي إلى أثمان سياسية باهظة. تفجّرت الفضيحة عام 1996، بعد عقد ناجح من العلاقات بين مصر وإسرائيل، إذ تحسّنت جراء التوقيع على الاتّفاقات بين إسرائيل من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن من جهة أخرى.

محاكمة عزام عزام عام 1997 (MOHAMMED AL-SEHITI / FILES / AFP)
محاكمة عزام عزام عام 1997 (MOHAMMED AL-SEHITI / FILES / AFP)

اعتُقل عزّام، الذي كان يسافر بشكل متكرّر إلى مصر كممثّل لشركة النسيج الإسرائيلية التي عملت بالتعاون مع مصانع مصرية، في القاهرة في تشرين الثاني 1996. اعترَف عماد الدين إسماعيل، أحد عامِلي النسيج المصريين، الذي سافَر لدورات استكمال في إسرائيل، أنّ الموساد جنّده، وأثار شكّ السلطات بعزّام.

لأيّام، رفضت السلطات المصرية أن تعترف بأنها احتجزت عزّام. بعد أسبوعَين تطرّق الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، إلى القضية للمرة الأولى قائلًا: “إسرائيل تنكر أنها مرتبطة به، لكنّ الجاسوس اعترفَ بكلّ شيء”.

في محاكمة عزّام عزّام، عُرضت الأدلّة “المُدينة”: قطعتان من الملابس الداخلية وأنبوبا دهان من “الحبر السري” استُخدما لنقل رسائل سرية كُتبت على الملابس الداخلية. حُكم على عزّام، الذي أنكر التهم، بـ 15 عامًا من السجن مع الأشغال الشاقّة.

نقل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رسالة صارمة إلى الرئيس مبارك. وقد اتّخذ نتنياهو هذه الخطوة بعد الحصول على توضيحات واضحة من الاستخبارات بأنّ عزّام ليست لديه أية صلة بالموساد أو بأية هيئة استخباريّة. عبّر نتنياهو عن دهشته من الخطوة المصرية، وانتقد السلطات في مصر. أمّا مبارك فقال إنه لن يعفو عن عزّام.

في نهاية المطاف، أُطلق سراح عزّام مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى المصريين المسجونين في إسرائيل إثر محاولتهم تنفيذ عملية إرهابية. وينفي عزّام، الذي يعيش اليوم حرًّا في إسرائيل، كونه جاسوسًا حتّى الآن.

2000‏ – انتفاضة الأقصى

أدّى صعود أريئيل شارون إلى المسجد الأقصى في أيلول 2000، والانتفاضة الدموية التي تلته، إلى التدهور الكبير التالي في علاقات البلدَين. وما صبّ المزيد من الزيت على النار كان فضيحة القتل المروِّع للطفل محمد الدرّة من قطاع غزة، أمام أعيُن الكاميرات. أوعزت مصر، التي اتّهمت إسرائيل بجريمة القتل، إلى سفيرها المخضرَم محمد بسيوني بالعودة إلى القاهرة.

تفريق مظاهرة فلسطينية في المسجد الأقصى (Flash90/Sliman Khader)
تفريق مظاهرة فلسطينية في المسجد الأقصى (Flash90/Sliman Khader)

في الفترة نفسِها، شعر الإسرائيليون بالإهانة بشكل خاصّ من الأغنية الشعبية للفنان شعبان عبد الرحيم، “أنا بكره إسرائيل”، التي مثّلت أكثر من أيّ شيء آخَر التباعُد بين الشعبَين. من جهتهم، شعر المصريون بالإهانة من تقليد الممثّل الكوميدي الإسرائيلي إيلي يتسفان الهازئ بالرئيس مبارك، والذي أظهره رجلًا غبيًّا.

في العلَن، أطلقت السلطات المصريّة تصريحات لاذعة حول مسؤولية إسرائيل عن سفك الدم. لكن وراء الكواليس، لم تتوقّف مساعي التهدئة. عام 2003، جرى التوصّل، بوساطة مصرية، إلى اتفاق الهدنة الأوّل. حتّى بعد وفاة ياسر عرفات نهاية 2004، نجحت مصر في جعل الجانبَين يتوصّلان إلى تهدئة.

لمدّة خمس سنوات تامّة، حتّى عام 2005، لم يكن لمصر سفير في تل أبيب. فرغم التعاون الأمني الوطيد بين الجيشَين، أصرّ المصريون على ألّا يبدوا متحمّسين للتطبيع. وحدها مبادرة أريئيل شارون بالانسحاب من قطاع غزة أدّت إلى تغيير التوجّه المصري، وإعادة تعيين سفير، هو محمد عاصم إبراهيم، الذي عمل بدأب على تحسين العلاقات بين الدولتَين.

2011‏ – الثورة والهزّة

نجم الخوف الأكبر على الإطلاق على الاتّفاق من الثورة المصرية في شباط 2011. فكلما ازدادت التظاهُرات المضادّة للنظام في ميدان التحرير، ازداد القلق في إسرائيل من احتراق اتفاق السلام. ورغم وعود ضبّاط الجيش المصري وراء الكواليس بأنّ الاتّفاق لن يُمسّ، خشيت إسرائيل من حدوث سيناريو تطالب فيه الجموع بإلغائه، أو الأسوأ من ذلك – ارتقاء حكومة إسلامية متطرفة السلطة والإعلان عن إلغائه.

في أيلول 2011، هاجمت الجماهير مبنى السفارة في القاهرة، ما جسّد لكثيرين في إسرائيل القلق الكبير من دفع جماهيري لإلغاء الاتّفاق. سيطر الجموع على مبنى السفارة، وسلبوا محتوى المكاتب. كان رجال الأمن الإسرائيليون في السفارة في خَطَر، وأنقذهم الجيش المصري بعد ضغوط أمريكية على النظام العسكريّ المصري. في أعقاب ذلك، أعيد إلى إسرائيل السفير، عمّال السفارة، وأفراد أُسَرهم.‏

متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)
متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)

ما دام المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة يمسك بزمام الأمور، كانت إسرائيل تتنفّس الصعداء، فرحةً باستمرار التعاوُن السري. لكنّ انتخابات حزيران 2012 أثارت مجدّدًا موجة من القلق. فصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة أدّى بكثيرين في إسرائيل إلى التساؤل كيف سيتصرف محمد مرسي، الرجل الذي قال إنّ “الصهاينة يتحدّرون من القرَدة والخنازير”.

كان المحكّ الأهمّ لتلك الحقبة عملية “عمود السحاب” في قطاع غزة، مطلع عام 2013. في الغالب، حين كانت إسرائيل تهاجم التنظيمات الإرهابية في غزة، كانت تتمتّع بالدعم الكامل (في الخفاء) لمصر وجيشها. ولكن الآن، كانت تحكم مصر حركة الإخوان، راعية حماس، عدوّ إسرائيل.

في بيانٍ نشره الإخوان مع ابتداء العملية العسكرية واغتيال القائد في حركة حماس، أحمد الجعبري، قيل إنّ “على دولة الاحتلال أن تدرك أنّ التغيير الذي جرى في المنطقة العربية، ولا سيّما في مصر، لن يتيح وضع الشعب الفلسطيني تحت عبء العدوانيّة الإسرائيلية كما جرى في الماضي”. بدا أنّ أسوأ المخاوف حدث.

لقاء بين مرسي وخالد مشعل في القاهرة ( (AFP)
لقاء بين مرسي وخالد مشعل في القاهرة ( (AFP)

لكن في نهاية المطاف، حتّى مرسي أدرك أنّ موقعه رئيسًا لمصر يلزمه بالبراغماتية والتعاوُن. فاتّفاق وقف إطلاق النار الذي أُحرِز في نهاية القتال عكس أيضًا المساعي المصرية للتهدئة، لا الإشعال. حتّى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي لا يُعرَف باعتداله، قال علنًا حينذاك إنّ “الرئيس مرسي يستحقّ كلمة شكر بسبب الموقف غير السهل. آمل أن يكون ذلك دلالةً على التعاوُن في المُستقبَل”.

بعد ذلك، أُلقي مرسي في السجن، ويبدو في الوقت الراهن أنّ عبد الفتّاح السيسي سيبقى الرجل القويّ في مصر لسنواتٍ قادمة. ما زالت الجموع في مصر لا تفتح ذراعَيها لاحتضان إسرائيل، كما كان الأمل قبل 36 عامًا. لكن في محكّ الواقع، لا تزال مصر تقول “نعم” للمسار الذي بدأ حينذاك، الخطوة الأولى في العمليّة الصعبة لاندماج إسرائيل في الحيّز الشرق أوسطيّ.

اقرأوا المزيد: 1261 كلمة
عرض أقل
تهريب مواد غذائية عبر الأنفاق بين رفح المصرية وقطاع غزة (AFP)
تهريب مواد غذائية عبر الأنفاق بين رفح المصرية وقطاع غزة (AFP)

الجانب الاقتصادي في عملية “الجرف الصامد”: حاسم لفهم الصراع، وحاسِم لحلّه

المدماك الاقتصادي حاسم في أيّ حل قابل للحياة.‎ ‎نشاط رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فيّاض، في الضفة الغربية بين عامَي 2007 و2013، دليل على أنّ التقدّم الاقتصاديّ الملحوظ ممكن حين تُدير عناصر مهنيّة الإجراءات

اندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة في أعقاب عددٍ من الأحداث، شملت اختطاف الشبّان وقتلهم، عمل الجيش الإسرائيلي في “إعادة الإخوة” (شوفو أحيم) بما في ذلك اعتقال عدد من المُطلَق سراحهم في صفقة شاليط، القتل الانتقاميّ للشابّ العربيّ، والهيجان جرّاء هذه الأحداث.

تُظهر حركة حماس تصميمًا في قتالها ضدّ إسرائيل، في ظروفٍ إقليمية متغيّرة. تهدف هذه المقالة إلى الإشارة إلى أنّ ثمة مدماكًا اقتصاديًّا هامًّا في عملية “الجرف الصامد” – تموز 2014، هو الوضع الاقتصادي في القطاع. لهذا السبب، المدماك الاقتصادي حاسم أيضًا في أيّ حل قابل للحياة.‎ ‎

الوضع الاقتصادي في غزة عشيّة الحرب

طفل فلسطيني أمام مقر الأونروا في قطاع غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
طفل فلسطيني أمام مقر الأونروا في قطاع غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

يقطن في غزة 1.76 مليون نسمة في كثافة سكّانية هي الثالثة في العالم – نحو 4800 إنسان في الكيلومتر المربَّع. البنى التحتيّة في غزة وضعُها مُتردٍّ، ولذلك حتّى في الأوقات العاديّة ثمة توقّف وتشويشات في أنظمة حيوية كالكهرباء، الماء، والصّرف الصحيّ. في سوق العمل بطالة مرتفعة، إذ كانت نسبة البطالة نحو 41% في الربع الأوّل من عام 2014 لأبناء 15 عامًا فما فوق، مقابل 26% في الضفة. بين الشبّان الذين يبلغ عمرهم 15 – 29 عامًا، يُشارك 39% فقط في القوّة العاملة، بينهم 32% يعملون، 10% في بطالة مُقنَّعة، و58% عاطلون عن العمل. أمّا المعطيات الموازية في الضفة الغربية فهي: 42% مشاركة، بينهم 63% يعملون، 9% في بطالة مُقنَّعة، و29% عاطلون عن العمل.

يقطن في غزة 1.76 مليون نسمة في كثافة سكّانية هي الثالثة في العالم

في ظروفٍ كهذه، لا إمكانية للإنتاج على نطاق ذي مغزى. وفق معطيات البنك الدولي، الناتج للشخص في غزة هو نحو 1500 – 1600 دولار سنويًّا، مقابل نحو 3100 – 3200 دولار في الضفة. في التصنيف العالميّ، غزة موجودة في المرتبة 174 بين 223 دولة. بالمقارنة، في إسرائيل، الموجودة في المرتبة 32 في هذا التصنيف، الناتج هو نحو 36000 دولار للشخص في السنة.

بالتالي، معطيات الفقر هي: 39% دون خطّ الفقر (مقارنة بـ 18% في الضفة)، علمًا أنّ خطّ الفقر يبلغ 2293 شاقلًا جديدًا شهريًّا لأسرة من خمسة أنفار. أمّا الذين يرزحون تحت فقر مدقع فيبلغون 21% (مقارنةً بـ 8% في الضفة)، إذ يبلغ خطّ الفقر المدقع 1832 شاقلًا جديدًا شهريًّا. ليس صعبًا فهم مستوى الحياة الممكن حين يبلغ دخل كلّ نسمة 400 شاقل جديد شهريًّا (نحو 4 دولارات في اليوم).

الوضع الاقتصادي كمُحرِّك للحرب

أطفال غزيون يعملون لكسب لقمة العيش (Flash90/Ahmad Kateib)
أطفال غزيون يعملون لكسب لقمة العيش (Flash90/Ahmad Kateib)

بادئ ذي بدء، كثيرًا ما تدفع الضائقة الاقتصادية الأمم إلى مواجهة عسكرية أو عدوانيّة أخرى. ثانيًا، تَدَهْوَرَ الوضعُ الاقتصادي، السيء أصلًا، في الفترة الأخيرة، مع انتقال السلطة في مصر وعمل النظام الجديد ضدّ الأنفاق والمعابر، وتشديد إسرائيل الخناق على غزة. في الواقع، تُعاني غزة من عقوبات اقتصادية قاسية من مصر وإسرائيل. وثالثًا، فضلًا عن القيود على الاقتصاد عامّةً، طرأ هبوط على الدعم الماليّ لحماس من جانب إيران وسوريا، ما أدّى إلى صعوبة في تسديد الرواتب في القطاع العامّ في غزة.

وفق معطيات البنك الدولي، الناتج للشخص في غزة هو نحو 1500 – 1600 دولار سنويًّا، مقابل نحو 3100 – 3200 دولار في الضفة. في التصنيف العالميّ، غزة موجودة في المرتبة 174 بين 223 دولة

ليس صُدفةً أنّ مطالب حماس في المفاوضات حول وقف إطلاق النار، كما في المفاوضات مع فتح حول تأليف حكومة مصالحة، تطرّقت إلى “الحصار” على غزة وفكّه. الأنفاق إلى سيناء هي ردّ الفعل “الطبيعيّ” على حالة العزل الاقتصادي. ويُحتمَل جدًّا أن تكون الأعمال التي آلت إلى تفاقُم هذا الوضع وغياب حلول له، عائدةً إلى أخطاء في سياسة إسرائيل.

دور الديمغرافية

نسبة اليطالة في قطاع غزة يصل ال- 40% (Flash90/Wissam Nasser)
نسبة اليطالة في قطاع غزة يصل ال- 40% (Flash90/Wissam Nasser)

السكّان في غزة شبّان إلى حدّ كبير: فالجيل المتوسّط هو 17 عامًا؛ وثلاثة أرباع السكّان هم دون التاسعة والعشرين. معظم السكّان لا يعرفون بلادهم سوى كمكان تراجُع اقتصادي وصراع مع إسرائيل.

عشيّة الانتفاضة الأولى (كانون الأول 1987)، عمل أكثر من 50% من رجال غزة في إسرائيل، التي شكّلت مصدر دخل هامًّا للاقتصاد الغزيّ. مذّاك، حدث عدد من المواجهات الدمويّة (الانتفاضة الثانية، حرب لبنان الثانية (حرب تموز)، وعمليّتا “الرصاص المصبوب” و”عمود السحاب”). احتمالات انخفاض شدّة المواجهة، ناهيك عن احتمالات السلام، تنخفض مع تراكُم هذه الأحداث في ذاكرة السكّان الشبّان.

اقتراحات لحلّ قابل للحياة

أحد المقاييس الأهمّ للحلّ هو التحسّن الملحوظ في الوضع الاقتصادي. إذا كان للغزيّين ما يخسرونه، ينخفض كثيرًا استعدادُهم للمواجهة. على الحلّ البعيد المدى أن يشمل تغييرًا أساسيًّا في الظروف الاقتصادية السائدة في غزة. ويمكن أن يؤدي الازدهار الاقتصاديّ إلى انخفاض في قوّة حركة حماس والحركات الإسلاميّة الأخرى. ‏

عشيّة الانتفاضة الأولى (كانون الأول 1987)، عمل أكثر من 50% من رجال غزة في إسرائيل، التي شكّلت مصدر دخل هامًّا للاقتصاد الغزيّ

لدى غزة إمكانيّات اقتصادية: تطوير السياحة على طول الساحل، تطوير الخدمات (بما فيها الدخول إلى مجالات التقنيّة المرتفعة كما حدث بين عرب إسرائيل في الشمال)، واستخراج الغاز (إثر اكتشاف حقل غاز بحريّ كبير عام 1999). على المديَين القصير والمتوسّط، يمكن توجيه استثمارات كبيرة وتشغيل عمّال في مجال تطوير البنى التحتيّة الماديّة والخدمات العامّة.‎ ‎

من الحيويّ التشديد: يُقصَد بـ “التغيير الأساسيّ” التقدُّم حقًّا، وليس فقط “تخفيف الحصار” وفتح بعض المعابر إلى حدٍّ ما. يُطلَب إنشاء تقنيات دولية جديدة لتطبيق التغيير، تستلزِم توافُق دول وهيئات دوليّة للتقدُّم للمهمّة. القصد هو إنشاء هيئات هادفة ذات قوى بشريّة ومعرفة مهنيّة. إذا لم تنَل الأمور تجسيدًا تفصيليًّا مُحدَّدًا ومَحسوسًا، فستتلاشى ولن يحدث التحوُّل المطلوب.

مِن أجل تحقيق ذلك، تُطلَب المكوّنات الخمسة التالية: التدخُّل الدولي؛ الترميم وبناء البُنى التحتيّة؛ التمويل، الإشراف على الإنفاق، والأمن.

التدخُّل الدولي

لن تتقدّم الأمور إذا كانت العناصر الفاعلة في المنطقة حتّى الآن في الإقليم صاحبة الكلمة الفصل. فوحدها التغطية الدولية التي تُؤمِّن الهدوء وتمنح المهارات اللازمة تُتيح التغيير الكبير المطلوب.

الترميم وبناء البُنى التحتيّة

يحصل أغلب سكان القطاع على كهرباء فقط لنصف ساعات اليوم (AFP)
يحصل أغلب سكان القطاع على كهرباء فقط لنصف ساعات اليوم (AFP)

في موازاة ترميم ما هُدم في تموز 2014، يجب بدء ترميم البنى التحتيّة وإنشاء البنى التحتيّة الناقصة. يمكن أن تُنشئ هيئة دوليّة، مثل البنك الدولي، قوّة مهمّة تستطلع الوضع وتُحدِّد سلّم أولويّات وفق الزمن. يمكن التوقّع أنه خلال 3 سنوات (من بدء العمل)، يمكن جعل غزة مكانًا معقولًا من جهة البنى التحتيّة الاقتصاديّة، وخلال 6 – 8 سنوات مكانًا جيّدًا. على سبيل المثال، يمكن أن يحدث ذلك بتشغيل العُمّال المحليّين العاطلين عن العمل. من الهامّ جدًّا أن تكون الآليّة تحت سيطرة دوليّة، تستخدم خبراء خارجيين، وتنشر عملها بشكلٍ واضح وشفّاف. سيعزِّز النشر التغيير الحيويّ في الوعي للتقدّم الاقتصادي في القطاع.

فضلًا عن كلفة ترميم المنازل والمباني التي هُدمت، ثمة حاجة إلى استثمار في البنى التحتيّة بمقدار نحو 800 مليون حتّى مليار دولار سنويًّا في كلٍّ من السنوات الثلاث القادمة، واستثمار نحو نصف مليار دولار سنويًّا في السنوات الثلاث – الخمس التي تليها. سيكون بناء المنازل والمباني التي هُدمت بمستوى أعلى بكثير ممّا كانت عليه قبل هدمها خُطوة إيجابية؛ فيمكن أن يغيّر هذا العمل إيجابًا دعم السكّان للنموّ الاقتصادي.

التمويل

على الحلّ البعيد المدى أن يشمل تغييرًا أساسيًّا في الظروف الاقتصادية السائدة في غزة. ويمكن أن يؤدي الازدهار الاقتصاديّ إلى انخفاض في قوّة حركة حماس والحركات الإسلاميّة الأخرى

يأتي تمويل تطوير اقتصاد غزة من الدول العربية والدول الغربية الغنيّة. من الحيويّ وجود تنوُّع من الدول المانِحة، لتبديد المخاطر. في البداية، يمكن فعل ذلك عبر صندوق طوارئ بإدارة البنك الدولي. على المديَين المتوسّط والطويل، يمكن إنشاء مصرف يهدف إلى تطوير غزة، وفق معيار المؤسسات الموازية في العالم، على سبيل المثال مثل المؤسسات التي أُنشئت في أوروبا الشرقية في التسعينات بُعيد انهيار الكتلة السوفياتيّة.‎

الإشراف على الإنفاق

إنّ إحدى القضايا المركزيّة هي خشية إسرائيل من أن يجري استغلال الأموال المنقولة إلى غزة لأهدافٍ عسكريّة. تجسّدت هذه الخشية، بشكلٍ بارز، في استخدام موادّ البناء لإنتاج أنفاق الإرهاب (تحت الحصار الإسرائيلي). جرى حلّ هذه المسألة في حالات مشابهة. فحين اكتشف البنك الدولي وهيئات مؤسّسية أخرى أنّ المساعَدة لم تصل إلى غايتها، أنشأوا تقنيّات لنقل المساعَدة بشكلٍ مباشرٍ إلى هدفها، عبر اشتراط الحصول عليها بمراحل تقدُّم المشاريع. يمكن تطبيق هذه المنهجيّات في حالة غزة أيضًا، عبر عناصِر عربيّة مُعتدِلة وعناصِر دوليّة.

الأمن

لا يُمكِن تطبيق الخطوات المذكورة آنفًا إذا نشبت جولات عُنف. ويمكن أن تشكّل قوّة الشرطة الدوليّة مساعَدةً كبيرة في السنوات الأولى، لا سيّما إذا تعاونت مع الآليّات التي جرت مناقشتها أعلاه، مثل قوّة المهمّة التابعة للبنك الدوليّ.‎ ‎

في الخِتام، يجدر ذِكرُ أنّ نشاط رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فيّاض، في الضفة الغربية بين عامَي 2007 و2013، دليل على أنّ التقدّم الاقتصاديّ الملحوظ ممكن حين تُدير عناصر مهنيّة الإجراءات.

إنّ فكرة كون التقدّم الاقتصاديّ يمنع حربًا راسخةٌ في أوروبا، وجرى تطبيقُها بنجاحٍ في النصف الثاني من القرن العشرين. جرى ذلك بعد أن شهد النصف الأوّل من القرن حربَين عالميّتَين. والعكس صحيح أيضًا: تؤول الضائقة الاقتصاديّة إلى النزاع وسفك الدماء.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع INSS‏‏

اقرأوا المزيد: 1283 كلمة
عرض أقل
جنود الجيش الإسرائيلي تكشف نفقا في قطاع غزة (IDF)
جنود الجيش الإسرائيلي تكشف نفقا في قطاع غزة (IDF)

هكذا يفجر الجيش الإسرائيلي أنفاق حماس

كشف العالم الباطني بين غزة وإسرائيل يتطلب علاجًا جراحيًا يتضمن معدّات خاصة وآليات هندسية

تستخدم المنظمات الإرهابية في غزة؛ منذ 20 عامًا؛ الأنفاق لتفجير المعسكرات واختطاف الجنود – ولم يتم إيجاد حل تام لهذا التهديد الاستراتيجي.

يخوض الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، منذ بدء العملية البرية الإسرائيلية على غزة في يوم الخميس (17.07) المنصرم، سباقًا مع الزمن بمحاولة منه لرصد مواقع الأنفاق الإرهابية التي تخترق الجدار وصولاً إلى المناطق الإسرائيلية.

تشير التقديرات في إسرائيل إلى أن هناك عدد كبير من الأنفاق التي لم تستخدمها حماس بعد وبمحاولة يائسة لإنهاء الحرب على أنها منتصرة قد تقوم الحركة بإرسال مقاتلين آخرين؛ إلى داخل المناطق الإسرائيلية؛ لتنفيذ عملية استعراضية كبيرة. ترى حماس بهذه الأنفاق غاية هامة جدًا كونها الوسيلة الأساسية التي من خلالها يمكن اختطاف إسرائيليين والإتجار بهم، أحياء أو أموات، مقابل اطلاق سراح سجناء فلسطينيين.

ترى حماس؛ في هذه الأيام؛ هذه الأنفاق على أنها السلاح الاستراتيجي الأهم منذ آخر عملية عسكرية، عملية “عمود السحاب”، قبل عام ونصف. بعد أن أدركت القيادة العسكرية، كتائب عزالدين القسام، بأن صناعة الصواريخ لن تكون فعالة بسبب تمكن منظومة القبة الحديدية من اعتراض تلك الصواريخ، انتقلت الحركة إلى حفر مدينة أرضية تحت غزة. المدينة التي تم منها حفر الكثير من الأنفاق التي تصل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. بقيت إسرائيل، حتى الآن، دون حل مناسب لهذا التهديد الجديد.

يحاول الجيش الإسرائيلي رصد هذه الأنفاق بطرق تقليدية مثل حفر آبار في المناطق المشكوك بها. بين الأنفاق التي تم الكشف عنها في الأسابيع الأخيرة تسافر؛ ذهابًا وإيابًا؛ شاحنات نقل تحمل حفارات مدنية ضخمة التي قد استأجرها الجيش من شركات خاصة.

ذكر الناطق باسم الجيش في اليومين الأخيرين أن الجيش الإسرائيلي قد نجح بالكشف عن 28 نفقًا وأكثر من 50 حفرة وتم تدمير 6 منها فقط. طالب الجيش بتمديد القتال في غزة لكي يتسنى له الكشف عن المزيد من الأنفاق، تفحصها ومن ثم تدميرها.

تحتاج حماس، حسب تقديرات الجيش، إلى سنتين أو ثلاث سنوات من العمل على حفر كل نفق من الأنفاق التي تصل إلى إسرائيل ويحتاج تشييد كل نفق إلى عشرات الأشخاص. معدل عمق تلك الأنفاق هو 25 مترًا ويمكن أن يصل طول كل نفق إلى ثلاثة كيلومترات، مع وجود ذراع واحدة مركزية وهو ممر أرضي – و”أصابع” تخرج منها على الجانب الإسرائيلي من أجل خروج المخربين من عدة نقاط في الوقت ذاته.

يسبق أمر تدمير النفق عمل استخباراتي مكثف حيث تتم محاولة فهم أين يقع النفق وعلى ماذا يحتوي، هل الحديث عن عمل في بدايته، هل هو نفق مفخخ؟ هل يصل النفق إلى إسرائيل؟ ومن أين يبدأ؟

تقوم فرق هندسية تابعة للجيش الإسرائيلي، بعد معرفة مكان النفق، بالبحث عن فتحات أخرى وبداية النفق شرقًا باتجاه إسرائيل. يقوم معظم أفراد القوة بتأمين المكان وحمايته بينما تقوم مجموعة صغيرة بالاهتمام بالنفق بمساعدة أجهزة روبوت وكلاب مدربة. فقط بعد هذا تأتي آليات هندسية ثقيلة يتم إدخالها في النفق وبالنهاية يتم ضخ متفجرات سائلة ويتم تفجير النفق. قد تستغرق مثل هذه العملية أيامًا وأكثر حتى، هذا يتعلق بمدى المقاومة في المنطقة.

اقرأوا المزيد: 446 كلمة
عرض أقل
لقطة شاشة لشعار تقارير الجزيرة عن غزة (الجزيرة.نت)
لقطة شاشة لشعار تقارير الجزيرة عن غزة (الجزيرة.نت)

“غزة تقاوم” من قطر

بعد أن اتصل اسمها برفض المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، بات دعم قطر لحركة حماس صارخا، خاصة عبر شاشة الجزيرة التي تحرص على وضع المشاهد في صورة أحادية البعد

21 يوليو 2014 | 11:45

بدا واضحا في الأيام الأخيرة دعم دولة قطر لحركة حماس في قطاع غزة، خاصة عبر قناتها الفضائية المشهورة في العالم العربي، الجزيرة، حيث تخصص الجزيرة تغطية إعلامية مكثفة للأحداث في غزة، حارصة على عرض صورة منحازة لحماس ومقاومتها. وبعد تبنيها شعار “غزة تقاوم” على شاشتها، أشار متابعون إسرائيليون للإعلام العربي إلى أن الجزيرة أصحبت الناطقة باسم حماس ومواقفها.

ولاحظ مشاهد القناة القطرية في الأيام الأخيرة أنها كثفت على نحو ملحوظ من النشرات المخصصة لتغطية الأحداث في قطاع غزة، حتى أنها انتقلت إلى “موجة مفتوحة” لنقل الصور من غزة عبر مراسليها هناك. ويحرص مراسلا الجزيرة في غزة، وائل الدحدوح وتامر المسحال، على بث الصور القاسية للدمار والمصابين، حيث يقضي المسحال جل تغطيته من مستشفيات غزة. وشددت الجزيرة على تسمية أحداث حي الشجاعية بأنها “مجزرة”.

ويقول متابعون إسرائيليون مطلعون على الإعلام العربي إن الجزيرة عادت إلى نهجها المنحاز ضد إسرائيل ومع حماس، حركة تابعة للإخوان المسملين، كما فعلت في السابق خلال عملية “الرصاص المصبوب” وعملية “عمود السحاب”، وقال هؤلاء إن لا فرق بين قناة الجزيرة في هذه الأيام وتلفزيون الأقصى التابع لحماس.

ولكي لا تُفرط القناة في انحيازها لصالح غزة، تقوم بين حين وآخر ببث مقابلات مع مسؤولين إسرائيليين، لكن بأسلوبها الخاص، حيث يقوم مقدمو الجزيرة بمهاجمة المتحدثين الإسرائيليين في كثير من الأحيان. وبين الوجوه التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة على شاشة الجزيرة، رئيس الشاباك في السابق، آفي ديختر، ومنسق العمليات في الأراضي الفلسطينية، يوأف مرديخاي، والناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، آفيحاي ادرعي.

وتتبنى الجزيرة مواقف حماس ومصطلحاتها، فعلى سبيل المثال تهاجم النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، وتتهمه بأنه لا يقدم كثيرا من أجل الفلسطينيين في غزة. وعبّر عن هذا الموقف القيادي في حركة حماس، محمد نزال، الموجود في قطر، وضيف دائم في هذه الأيام على الجزيرة، والذي “طالب مصر بأن تصحح موقفها بما يتناسب مع موقعها في قيادة الدول العربية، مستنكرا أن تكون في موقف المهادن لإسرائيل”.

وتعكس المواقف التي تشدد على عرضها الجزيرة من مصر التوتر السائد في العلاقات بين قطر ومصر، وقد تردد اسم دولة قطر في الأيام الماضية بأنها الجهة التي تمنع من حماس قبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار من دون شروط أولية مع إسرائيل.

ويذكر أن الجزيرة فقدت من هيبتها الإعلامية في السنوات الأخيرة في أعقاب انحيازها الصارخ لحركة الإخوان المسلمين خلال الانقلابات التي شهدتها المنطقة فيما سمي “الربيع العربي”. واتهمت جهات سياسية وغير سياسية قناة الجزيرة، ومن يقف خلفها، بوقوفها مع حركة الإخوان المسلمين وتوظيف كل الطاقات من أجل إبقائها على الساحة السياسية رغم التحولات التي أدت إلى ضعفها في المنطقة، ولا سيما عزل الرئيس محمد مرسي في مصر وصعود عبد الفتاح السياسي إلى سدة الحكم.

اقرأوا المزيد: 402 كلمة
عرض أقل
عناصر حركة حماس في غزة (AFP)
عناصر حركة حماس في غزة (AFP)

إسرائيل – حماس: شروط وقف إطلاق النار المستقرّ

في 15 تموز 2014، في الساعة التاسعة صباحًا، وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية على العرض المصري لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وجهات أخرى في قطاع غزة وعلى إنشاء آلية لصياغة التفاهمات فيما بعد. رفضت حماس هذا العرض واستمرّت في إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل. بعد بضع ساعات امتنعت فيها إسرائيل من مهاجمة القطاع بينما استمرّت حماس في إطلاق الصواريخ، لذلك عادت إسرائيل لمهاجمة أهداف إرهابية ومنصّات الإطلاق في القطاع وهدّدت بتوسيع ملحوظ لعمليّاتها العسكرية. في هذه الأثناء، تستمرّ المحادثات لوضع تهدئة. يوضح الناطقون باسم حماس، أنّها لم تصغ بعد موقفًا نهائيًّا وفي جميع الأحوال فإنّها ترغب بمشاركة قطر وتركيا في عملية الوساطة، وكلاهما تؤيدان التنظيم.

يمكن الافتراض بأنّ إسرائيل ستنهي جولة المواجهة الحالية في حالة أفضل بكثير من حماس. “القبة الحديدية” هي الورقة الرابحة لإسرائيل. لقد اعترضت بنجاح معظم الصواريخ التي كانت في مسارات الإضرار بالمراكز السكانية ووفّرت غطاء حماية جوّي واسع فوق غالبية المراكز السكّانية في إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت إسرائيل في إحباط جميع محاولات حماس في تنفيذ عملية إرهابية استراتيجية، من البحر، من الجوّ وعن طريق باطن الأرض. ومن حيث الهجوم أيضًا، فقد نجحت إسرائيل في إلحاق أضرار كبيرة بحماس من خلال ضرب البنى التحتية للتصنيع، التخزين وإطلاق صواريخ أرض – أرض، تدمير نحو ثلث الصواريخ، وقتل نحو 100 عنصر من عناصر حماس والجهاد الإسلامي، وتم تدمير معاقل القيادة والسيطرة ومنازل قادة في الجناح العسكري لحركة حماس.

حي من أحياء غزة بعد قصف إسرائيلي (Flash90/Emad Nasser)
حي من أحياء غزة بعد قصف إسرائيلي (Flash90/Emad Nasser)

أما حماس، فمن جهتها بادرت إلى جولة صراع وتصعيد، انطلاقًا من حالة من الضائقة، حيث ليس لديها ما تخسره، وطريقة أخيرة لإيقاف التدهور في أوضاعها. وذلك من خلال إظهار القدرة على إحداث الضرر، بشكل أساسيّ من خلال ضرب العمق الإسرائيلي وتقويض الاستقرار على نطاق واسع يشمل إسرائيل، مصر، الأردن ومناطق الضفة الغربية.

إنجاز حماس الوحيد هو في إظهار القدرة على إطلاق وابل من الصواريخ إلى عمق الأراضي الإسرائيلية وبشكل أساسي إلى مدن المركز وحتى حيفا في الشمال والقدس في الشرق. إنّ التقويض الجزئي للحياة الاعتيادية في إسرائيل، وإحباط جميع محاولات حماس لتنفيذ عملية إرهابية مدهشة؛ كلّ ذلك زاد فقط من حدّة الفشل للجناح العسكري لحركة حماس.

رغم التدهور غير المسيّطر عليه للمواجهة، فقد أثّرت على سلوك الطرفين مصلحة مشتركة لمنع التصعيد الواسع والتفاهم، لأنّ إسرائيل لا تسعى إلى إسقاط حكم حماس في القطاع، بسبب غياب البديل ذي الصلة، والقلق من تسلل جهات إسلامية جهادية متطرّفة إلى داخل الفراغ الذي سيتشكّل.

منظومة القبة الحديدية (Hadas Parush/Flash90)
منظومة القبة الحديدية (Hadas Parush/Flash90)

أوقفت هذه المصلحة الضغوط الموجهة في النظام السياسي الإسرائيلي تجاه رئيس الحكومة نتنياهو كي يطوّر ويوسّع المواجهة إلى خطوة من المناورة البرّية في عمق أراضي القطاع. في الواقع، فكما ادّعى مؤيّدو توسيع الحرب، لم يتم إنشاء صورة لانتصار إسرائيلي، ومن الصعب أن نترجم النصر في نقاط لدى الجانب الإسرائيلي لإنجاز سياسي حقيقي، بشكل واضح.

ينبغي على آليات الإنهاء والتنظيم أن تعزّز من تحقيق الهدف الاستراتيجي لكلا الطرفين. اختارت إسرائيل الإشارة إلى حماس باعتبارها المسؤولة في القطاع، جنبًا إلى جنب مع تفعيل جهد مستمرّ لإضعاف حماس، ولكنّها لم تحدّد هدف إسقاط حكم حماس في القطاع.

وفقًا لذلك، فقد عرّفت إسرائيل أهداف عملية “الجرف الصامد” بأنّها: تحسين الحالة الأمنية بواسطة وقف إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل (“الهدوء يقابله الهدوء”)، استعادة الردع من أجل إبعاد جولة المواجهة القادمة، منع تأهيل وتعزيز حماس وتحسين الاستجابة لتحديد وتدمير الأنفاق الهجومية المعدّة للتسلّل وللعمليات الإرهابية في الأراضي الإسرائيلية.

أما أهداف حماس فكانت إعادة تموضعها كفاعل رئيسي، صاحبة السلطة والسيطرة على قطاع غزة، من أجل تغيير موقف مصر وإسرائيل تجاهها. وفي الوقت نفسه، تسعى حماس إلى كسر الحصار عن القطاع من خلال توسيع الحركات في المعابر لإسرائيل ومن خلال الفتح المستمرّ لمعبر رفح إلى مصر، وتحويل الأموال إلى غزة، والتخفيف في مجال صيد الأسماك، التجارة، والزراعة وغيرها.

أسلحة تابعة لعناصر حماس في نفق دمرته القوات الإسرائيلية (IDF)
أسلحة تابعة لعناصر حماس في نفق دمرته القوات الإسرائيلية (IDF)

إنّ نقطة المرجعية في صياغة تسوية لإنهاء جولة المواجهة، هي تفاهمات “عمود السحاب”. ومع ذلك، فإنّ هذه التفاهمات لا تكفي لمطالب كلا الطرفين من عدّة جوانب: بنظر كلّ طرف، فإنّ التفاهمات لم توفّر ضمانات لتنفيذ التزامات الطرف الثاني، وتطالب إسرائيل باستجابة أكثر فعالية لمنع تصنيع وتهريب الصواريخ والقذائف إلى القطاع وأيضًا توسيع حرية الجيش الإسرائيلي في العمل من الناحية الأمنية داخل أراضي القطاع، لكشف وتدمير الأنفاق المؤدية لإسرائيل. تطالب حماس برفع الحصار عن غزة، فتح المعابر، وخصوصًا معبر رفح، توسيع الحقول الزراعية حتى خطّ حدود القطاع، تحويل الأموال والتطوير الاقتصادي في القطاع. في المفهوم الذي يجب حسبه إنهاء القتال أولا، وبعد ذلك أن تتمّ المناقشة حول مكوّنات التسوية؛ فإنّ كلا الطرفين يستطيع في المرحلة الأولى الموافقة على وقف إطلاق النار.

بعد إنجاز التهدئة، ستكون هناك تخفيفات في الحصار واتفاق على سلسلة من الفعاليات لتحسين الحالة الاقتصادية في القطاع، حيث سيتمّ إظهارها كإنجاز لحماس نتيجة استخدام القوة، على الرغم من أنّ التحسّن الاقتصادي لا يتعارض مع المصالح الإسرائيلية بسبب مساهمتها في إحداث الاستقرار.

تلعب مصر دورًا رئيسيًّا في تحقيق وقف إطلاق النار، وفي صياغة التفاهمات المستقبلية وتنفيذها. تردّدت مصر السيسي بين رغبتها في إنهاء حكم حماس للقطاع أخيرًا، وبين تفهّمها بأنّ إسرائيل لا تسعى لذلك، لأنّ عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأمنية للدولة. في الوقت نفسه، ترغب مصر في أن تقلّص قدر الإمكان من مسؤوليّتها والتزامها تجاه حماس تحديدًا والقطاع عمومًا.

في البداية، بدا أنّ المصريّين قد قدّروا أنّ الوقت يمرّ لصالحهم، خاصّة طالما أنّ الجانبين يضربان بعضهما البعض وحماس ترفض قبول مقترحات الوساطة لوقف إطلاق النار. حين اتّضح للقاهرة، أنّ هناك محاولات للوساطة تجري عن غير طريقها، بشكل أساسيّ بمشاركة قطر وتركيا، قرّر الرئيس السيسي ان يقبل دور الوسيط المركزي، من أجل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية لمصر: مكانتها كقائدة في المنطقة وكلاعب وحيد يمكنه أن يضع حدّا للصراع، تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، تعزيز عباس وإدخال السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة من خلال الموافقة على فتح معبر رفح فقط إذا تمّ تشغيله من قبل السلطة ومكّنت الظروف الأمنية من تشغيله. في وقت لاحق، من المتوقع أن يطلب المصريّون نشر قوّة للسلطة على طول الحدود بين القطاع ومصر وغيرها من التدابير التي من شأنها تعميق مشاركة السلطة في القطاع.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFP)

لا ترغب إسرائيل في أن تنهي حماس العملية كمن انتصر بشرعية وحسّن موقفه، ولذلك عليها أن تحرص على توازن دقيق بين الأشياء التي تمّ تنفيذها في كلّ الأحوال، كحلّ مشكلة الأجور في غزة، زيادة حركة البضائع في معبر كرم أبو سالم وفتح معبر رفح بموافقة مصرية، مقابل الأشياء ذات القيمة الرمزية والتي يمكن عرضها من قبل حماس باعتبارها فوزًا: الإفراج عن معتقلي عملية “إعادة الإخوة” في الضفة الغربية. يبدو أنّ معتقلين كثيرين سيُفرج عنهم على أيّة حال لدى الانتهاء من التحقيق معهم لعدم إثبات ذنبهم، ولكن لا ينبغي الموافقة على الإفراج عنهم كحزمة في إطار التفاهمات.

إنّ استقرار الوضع وتعزيز المصالح المتبادلة في وقف إطلاق النار وتنفيذ التفاهمات، كلّ ذلك يتطلّب ملحقًا اقتصاديّا مفصّلا يحدّد خطوات تحسين الحالة الاقتصادية في القطاع، والذي يُلزم إسرائيل، السلطة الفلسطينية وبواسطتها حماس، مصر، المجتمع الدولي والدول العربية – وخصوصًا السعودية، قطر، والإمارات. من الضروري أنّ ترتكز المساعدة الاقتصادية على بناء البنى التحتية المدنية والاقتصادية في القطاع، مثل: شبكات المياه، مياه الصرف الصحّي والتنقية، الكهرباء، بما في ذلك إنتاج الغاز قبالة سواحل غزة، بناء مدني تحت إشراف دولي، التأكّد من أنّ موادّ البناء ليست معدّة لتشييد الأنفاق والشبكات التي في باطن الأرض التابعة لحماس، توسيع مساحة الصيد والزراعة البحرية، زيادة نطاق الحركة في المعابر وغيرها. يتطلّب ذلك إشرافًا على تحويل الأموال كي لا يتمّ إهدارها في دفع الأجور لقائمة طويلة من الموظّفين العموميّين، الذين لا يخدم معظمهم الجمهور.

رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يقوم بمشاورات أمنية في القيادة الجنوبية (GPO)
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يقوم بمشاورات أمنية في القيادة الجنوبية (GPO)

في الرؤية بعيدة المدى على إسرائيل أنّ تطوّر عددًا من الفرص وهي:

1 استمرار الضغط على حماس؛ وأكثر عزلة، وأكثر انضباطا. ثمة دور مركزي لمصر في الحدّ من عملية إعادة التأهيل وتجديد كمية الصواريخ.

2مشاركة عباس والسلطة في التفاهمات. بالإضافة إلى ذلك، فعلى ضوء حقيقة أنّ عباس قد منع من توسّع الأحداث للضفة الغربية، على الحكومة الإسرائيلية أن تفهم بأنّ عباس هو الشريك للتفاهمات والترتيبات الجزئية التي هي ليست اتفاقًا دائمًا. في هذا الإطار، محاولة مشتركة مع مصر للإعادة التدريجية للسلطة إلى غزة، بداية من تشغيل المعابر وفي وقت لاحق من خلال إعطاء أدوار حيوية أخرى في مجالات أمنية، مدنية واقتصادية.

3 اختيار متجدّد لبدائل سلطة حماس في القطاع، والذي من شأنه أن يحرمها من “شهادة التأمين” بأنّ سلطتها ليست هدفًا للإسقاط.

4 تحسين القدرات الاستخباراتية والعسكرية في القتال بالمجال تحت الأرضي.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1266 كلمة
عرض أقل
اطلاق الصواريخ من غزة على المدن الاسرائيلية (AFP)
اطلاق الصواريخ من غزة على المدن الاسرائيلية (AFP)

خطّ زمني عنيف: القتال في غزة من فكّ الارتباط حتى الجرف الصامد

إنّ العنف المتجدّد كلّ عامين بالمعدّل بين إسرائيل وغزة ليس قضية جديدة، واتّضح أنّ بدء القتال كان قبل خطّة فكّ الارتباط

مرّت عشرة أيام منذ بداية عملية “الجرف الصامد” ويبدو أنّ الطرفين ربّما يبدآن بالتوصل إلى تفاهم بأنّ وقف إطلاق النار ضروريّ في هذه المرحلة، ولكل طرف دوافعه.

نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي حتى الآن مئات من الطلعات الهجومية ضدّ أهداف مختلفة لحماس وضدّ البنى التحتية للمدفعية وبالمقابل، أطلِقت من قطاع غزة مئات الصواريخ التي وصلت إلى مدن المركز: تل أبيب، القدس وحتى أكثر شمالا.

فتاة من مستوطنة كفار داروم قبل إخلاء المستوطنة (AFP PHOTO/Menahem Kahana)
فتاة من مستوطنة كفار داروم قبل إخلاء المستوطنة (AFP PHOTO/Menahem Kahana)

في مرحلة مبكّرة من العملية، يبدو أنّ حماس تقوم بما يتطلّبه الأمر كي تحقّق صورة النصر: تطلق الصواريخ تجاه منازل المواطنين، ترسل إلى شواطئ إسرائيل فرق كوماندوز بحريّة وتستخدم الأنفاق للتفجير.

تعتبر الأيام الأخيرة في الواقع مسارًا لحرب جديدة طويلة الأمد ومركزها طنجرة الضغط التي تسمّى قطاع غزة. أطلق صاروخ القسّام الأول تجاه المدينة الجنوبية سديروت في نيسان عام 2001، حين اندلعت الانتفاضة الثانية ورأت التنظيمات الإرهابية كيف أنّ جدار المنظومة الذي أحاط القطاع أوقف جميع العمليات الإرهابية التي حاولوا إخراجها ضدّ مواطني الجنوب.

حي من أحياء غزة بعد قصف إسرائيلي (Flash90/Emad Nasser)
حي من أحياء غزة بعد قصف إسرائيلي (Flash90/Emad Nasser)

تزايد إطلاق الصواريخ من غزة في السنوات التي تلت فكّ الارتباط، مما أدى إلى عمليات واسعة للجيش الإسرائيلي في القطاع. بعد عشرة أيام من بداية عملية الجرف الصامد، حيث أنه ليس من الواضح بعد إذا كانت حماس ستقبل باتفاق التهدئة، قرّرنا النظر إلى الوراء إلى جولات القتال السابقة، التي تزايدت مع الوقت وأصبحت أكثر عنفًا بشكل خاصّ.

2004: عملية أيام الندم

عملية أيام الندم هي العملية الواسعة الأولى التي خرج بها الجيش الإسرائيلي ردّا على إطلاق الصواريخ من القطاع.

تاريخ البدء: 30 أيلول 2004 ردّا على إطلاق الصواريخ والتي قُتل نتيجته طفلان في سديروت. تمركزت قوات الجيش الإسرائيلي خلال العملية في مناطق بيت حانون، بيت لاهيا ومخيّم جباليا للاجئين والتي كانت مناطق إطلاق الصواريخ الأساسية للقسّام تجاه مدينة سديروت.

تمّ تنفيذ العمليات العسكرية البرّية خلال هذه العملية بمساعدة وإطلاق النار الدقيق من الطائرات التي كشفت عن المواقع ودمّرت خلايا إطلاق صواريخ القسّام.

بعد العملية، شملت الإصابات الإسرائيلية جنديّين ومواطنة. وقد وصل عدد الضحايا في الجانب الفلسطيني أكثر من مائة قتيل، من بينهم 87 شخصًا ينتمون إلى التنظيمات الإرهابية المختلفة في القطاع. بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير عشرات المنازل التي استخدمتها التنظيمات الإرهابية كمخازن للصواريخ، فخاخ ومواقع لإطلاق النار.

منظومة القبة الحديدية تتعرض لصواريخ اطلقت من قطاع غزة (Flash90)
منظومة القبة الحديدية تتعرض لصواريخ اطلقت من قطاع غزة (Flash90)

خلال العملية، اتهمت إسرائيل الأونروا بمساعدة الإرهابيين بل وكشفت عن فيلم يُثبت نقل صاروخ بسيارة تابعة للأمم المتحدة.

تاريخ الانتهاء: 17 تشرين الأول 2004.

2005: عملية أول الغيث

تاريخ البدء: 25 أيلول 2005. قرّرت إسرائيل الخروج بعملية بعد أنّ نفّذت التنظيمات الفلسطينية إطلاقًا هائلا لصواريخ القسّام تجاه مدينة سديروت. كانت تلك هي العملية الأولى بعد خطّة فكّ الارتباط وكان توقيتها بعد أسبوعين من الانتهاء منها.

كان يكمن المحرّك لبداية العملية في استعراض مسلّح لحماس في القطاع. خلال الاستعراض، انفجر صاروخ قسّام كان يُعرض على سيارة وأدى إلى انفجارات ثانوية لذخائر أخرى كانت على السيارات المجاورة التي شاركت في الاستعراض. نتيجة للانفجار الهائل قُتل 20 فلسطينيًّا من بينهم عدد من الأطفال وجُرح عشرات آخرون. اتّهمت حماس إسرائيل بالانفجار بل وزعمت أنّه في وقت الاستعراض لاحظ عناصر الحركة الطائرات التي كانت في الجوّ. نفت إسرائيل بالطبع ما نُسب لها، ولم يمنع ذلك بطبيعة الحال من إطلاق عشرات الصواريخ تجاه سديروت في نفس الليلة.

امرأة تصب بالهلع جراء القصف الكثيف على البلدات الإسرائيلية (Flash90)
امرأة تصب بالهلع جراء القصف الكثيف على البلدات الإسرائيلية (Flash90)

استمرّت العملية نفسها لعدّة أيام وتم خلالها تدمير مخارط لتصنيع صواريخ القسّام، مخازن للأسلحة، مقرّات ومراكز خدمات لوجستية لحماس. بالإضافة إلى ذلك، نفّذت طائرات الهليكوبتر الحربية التابعة لسلاح الجوّ اغتيالات مركّزة قُتل فيها عدد من الإرهابيين. خلال العملية، وضع الجيش الإسرائيلي أمام القطاع قوات برّية كثيرة، ولكن في نهاية المطاف، لم تدخل إلى القطاع.

تاريخ الانتهاء: 1 تشرين الأول 2005.

2006: عملية أمطار الصيف

جلعاد شاليط (Jack Guez /FLASH90)
جلعاد شاليط (Jack Guez /FLASH90)

تاريخ البدء: 28 حزيران 2006 في حادثة اختطاف جلعاد شاليط والتي قُتل فيها جنديّان من فريق الدبابة الذي كان معه. رافق حادثة الاختطاف إطلاق نار هائل تجاه بلدات الجنوب، وجاءت ضربة قوية بعد أشهر من الرشقات الصاروخية الخفيفة.

وكردّ فعل على حادثة الاختطاف وعلى إطلاق النار الهائل، قصف سلاح الجوّ محطّة توليد الكهرباء في قطاع غزة، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن ثلثي سكّان القطاع. وأيضًا، تمّت مهاجمة عدد من الجسور من أجل إعاقة تهريب الجندي المختطف. بالمقابل، دخلت – وللمرة الأولى منذ فكّ الارتباط – قوات المدرّعات، المشاة والهندسة إلى جنوب القطاع.

في هذه العملية أيضًا نفّذ سلاح الجوّ عددًا من الاغتيالات المركّزة، حيث تمّ قصف معسكرات تدريب ومخازن بالإضافة إلى مبنى وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة. استمرّت هذه العملية عدّة أشهر وتدحرجت إلى سلسلة من العمليات الأصغر حجمًا.

قُتل خلال العملية ثلاثة جنود ومواطنان. في الجانب الفلسطيني، قُتل 394 شخصًا، من بينهم 270 إرهابيًا بشكل مؤكّد. فضلًا عن ذلك، جُرح نحو 1000 فلسطيني.

تاريخ الانتهاء: 26 تشرين الثاني 2006.

2008 عملية الشتاء الساخن

انفجار صاروخ أطلق من غزة مباشرة عل منزل في مدينة أشدود (Flash90/Yossi Zamir)
انفجار صاروخ أطلق من غزة مباشرة عل منزل في مدينة أشدود (Flash90/Yossi Zamir)

تاريخ البدء: 27 شباط 2008. هاجمت طائرات سلاح الجوّ سيارة تجارية كان فيها خمسة إرهابيين من حركة حماس عادوا للتوّ من تدريبات في قاعدة تابعة للحرس الثوري في إيران. كان من المفترض أن يدرّب هؤلاء عناصر التنظيم لتنفيذ عمليات نوعية واستخدام أسلحة متطوّرة تمّ تهريبها هي أيضًا من إيران.

ردّا على اغتيال الخمسة، أطلقت حماس نحو خمسين صاروخًا تجاه سديروت بل وأشكلون. قُتل إثر هذا الإطلاق شخص واحد من الجانب الإسرائيلي.

وردّا على إطلاق الصواريخ، هاجم سلاح الجوّ أهدافًا في قطاع غزة وبعد مرور عدّة أيام دخلت إلى الأراضي أيضًا قوات برّية كبيرة. ولكن، استطاعوا في قطاع غزة مواصلة إطلاق الصواريخ تجاه مدن الجنوب، بما في ذلك أشكلون وأشدود.

قُتل عشرة جنود في العملية وجُرح 35 مواطنًا إسرائيليًّا. سجّل الفلسطينيون من جهتهم نحو 170 قتيلا، من بينهم 115 إرهابيًّا والبقية مواطنين وأيضًا 350 جريحًا على الأقل.

تاريخ الانتهاء: 3 آذار 2008

2008-2009‏: عملية الرصاص المصبوب

الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم بري، عملية الرصاص المصبوب (Flash90/Nati Shohat)
الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم بري، عملية الرصاص المصبوب (Flash90/Nati Shohat)

كانت عملية الرصاص المصبوب هي العملية الأكبر التي قام بها الجيش الإسرائيلي في القطاع على الإطلاق.

تاريخ البدء: 27 كانون الأول 2008 بعد فترة طويلة من إطلاق الصواريخ تجاه مدن الجنوب.

بدأت العملية بهجوم جوّي بتكتيك تركيز النيران الكثيفة في وقت قصير. بالمقابل، هاجمت طائرات سلاح الجوّ مئات الأهداف المختلفة، من بينها ساحة الاستعراضات للشرطة الفلسطينية وقت إجراء حفل تخريج لدورة ضبّاط. قُتل في تلك العملية 89 شرطيًّا، معظمهم من عناصر حماس حيث قُتل في الضربة الأولى نحو 150 عنصرًا من حماس بالمجمل.

ألم ودمار كثير في غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
ألم ودمار كثير في غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

خرجت هجمة جوّية أخرى في اليوم التالي، حينها تم تدمير – من بين أمور أخرى – نحو أربعين نفق للتهريب. بعد ذلك اجتاحت قوات كبيرة من المشاة، المدرّعات والهندسة وعملت ضدّ مئات الأهداف الإرهابية.

كان التقدير أنّه خلال العملية تمّ تدمير أكثر من 500 منزل استخدمتها التنظيمات الإرهابية لأهداف مختلفة.

لدى الانتهاء من العملية، بلغ عدد قتلى الفلسطينيين 1,160 قتيلا من بينهم 250 قتيلا كانوا – وفق كلام مسؤولين فلسطينيين – من الأبرياء. بلغ عدد الجرحى عدّة آلاف آخرين. تكبّدت إسرائيل في العملية 13 قتيلا من بينهم 3 مواطنين وأكثر من 800 جريح، نحو 550 منهم من المدنيين.

تاريخ الانتهاء: 18 كانون الثاني 2009

2012: عملية عمود السحاب

الجيش الإسرائيلي خلال عمليات تمشيط في القطاع، عملية عمود السحاب (Flah90/Edi Israel)
الجيش الإسرائيلي خلال عمليات تمشيط في القطاع، عملية عمود السحاب (Flah90/Edi Israel)

تاريخ البدء: 14 تشرين الثاني 2012. بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عمود السحاب بعد سلسلة من الأحداث التي أدّت إلى تدهور الوضع الأمني: استخدمت عبوّات ناسفة ضدّ قوات الجيش الإسرائيلي، وأطلقت صواريخ مضادّة للدبّابات تجاه إسرائيل من القطاع وأطلقت الصواريخ تجاه مدن الجنوب.

كانت طلقة البداية للعملية في 14 تشرين الثاني في الساعة الرابعة بعد الظهر، وذلك حين اغتال سلاح الجوّ من كان يُعرف برئيس أركان حماس، أحمد الجعبري. بعد ذلك فورًا، بدأت سلسلة من الهجمات على مخازن الذخيرة وحفر إطلاق الصواريخ التي احتوت على صواريخ أرض أرض من نوع فجر 5 (ذات مدى يصل إلى 75 كيلومترًا). بالمقابل، هاجم سلاح البحريّة عددًا من الأهداف في شمال القطاع من البحر.

خراب هائل بعد قصف إسرائيلي خلال عملية عمود السحاب (Flash90/Abed Rahim Khatib)
خراب هائل بعد قصف إسرائيلي خلال عملية عمود السحاب (Flash90/Abed Rahim Khatib)

رغم النشاط المتزايد لسلاح الجوّ، سلاح البحريّة، سلاح المدرّعات وسلاح المدفعية والتي قامت بتنفيذ 1,500 ضربة في القذائف، استطاع الفلسطينيون أن يطلقوا عشرات بل مئات الصواريخ كلّ يوم.

كانت تلك أيضًا هي العملية العسكرية الأولى التي يبدأ فيها نظام القبة الحديدية بدوره الكبير في اعتراض الصواريخ والقذائف ذات المدى المتوسّط: في اليوم الأول للعملية تم إطلاق 250 صاروخًا تجاه إسرائيل، وتمّ اعتراض 71 منها بواسطة المنظومة العسكرية الجديدة. جنّد الجيش الإسرائيلي قوات كبيرة من الاحتياط، ولكن في نهاية المطاف لم يدخل هؤلاء إلى القطاع.‎ ‎

غارات جوية على القطاع غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
غارات جوية على القطاع غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

قُتل خلال العملية سبعة إسرائيليون، من بينهم جنديّان، بالإضافة إلى جرح 240. في الجانب الفلسطيني كان هناك 210 قتيل، من بينهم 58 من المدنيين وجُرح نحو 450 فلسطينيًّا. أطلق خلال العملية تجاه إسرائيل 1,506 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخًا وتم اعتراض 431، والبقية سقطت في مساحات مفتوحة.

تاريخ الانتهاء: 21 تشرين الثاني 2012.

استمرّت هدنة وقف إطلاق النار لأشهر معدودة حتى زاد ذلك ووصلنا إلى العملية الحالية، الجرف الصامد التي لم تنته بعد رغم الجهود الإقليمية لإنهائها.

اقرأوا المزيد: 1281 كلمة
عرض أقل
منظومة القبة الحديدية تتعرض لصواريخ اطلقت من قطاع غزة (Flash90)
منظومة القبة الحديدية تتعرض لصواريخ اطلقت من قطاع غزة (Flash90)

ثمن الحرب

ليست الحرب أمرًا معقدًا ومؤلمًا يخلّف الضحايا فحسْبُ، بل ومكلفة جدّا. وحسب التقديرات ستكلف الحملة الحالية إسرائيل 2.5 مليار دولار

إضافة إلى ثمن الخسائر البشرية، إطلاق القذائف، الهجمات، الذعر واليأس، يُضاف أيضًا ثمن باهظ  لحملة “الجرف الصامد” التي تدورهذه الأيام في قطاع غزة على المستوى الأساسي والاقتصادي. حسب التقديرات، سيضطر دافعو الضرائب الإسرائيليين إلى دفع 2.5 مليار شاقل لتغطية تكاليف الحملة الباهظة.

يقدّر الضرر الذي أصاب الجبهة الداخلية الإسرائيلية حتى الآن بثلاثة ملايين دولار، ويزداد المبلغ  كلما استمرت الحملة. ويقدّر في نهاية الحملة، التي يمكن أن تستمر لعدة أيام أخرى، أن تضاعف التكلفة نفسها بـ 10 أضعاف، وستصل إلى 30 مليون دولار.

في حملة “عمود السحاب” التي جرت قبل سنة ونصف واستمرت تسعة أيام فقط، سُجل في الجبهة الداخلية حوالي 1,250 حالة إضرار بالممتلكات، ومن بينها مبان، مركبات، ومعدّات زراعية. كان يُقدّر حجم الضرر بمبلغ 15 مليون دولار. وكل هذا دون حساب الأضرار التي تنتج عن  خسارة أيام العمل بسبب توقف المصانع عن العمل جنوب إسرائيل.

وتكلفة المعدّات الحربية نفسها باهظة. فتقدّر تكلفة منظومة “القبة الحديدية” للاقتصاد الإسرائيلي بمبلغ 70 مليون دولار. ويُقدّر ثمن كل صاروخ تطلقه المنظومة بمبلغ 50 ألف دولار. إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه قد أطلقت منذ بدء الحملة نحو إسرائيل 520 قذيفة، فإن التكلفة عالية جدًا.

مع ذلك، تعرف المنظومة أين ستقع الصواريخ المطلقة من غزة وهي لا تصد صواريخ ستقع في مناطق مفتوحة. ويُقدّر إجمالي عدد الصواريخ التي تم اعتراضها منذ بداية الحملة بحوالي 135 صاروخًا.

زد على ذلك، حسب تقديرات مجلة “ذا ماركر” الاقتصادية، فإن التكلفة اليومية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية تطاول عَنان السماء. مثلا، تكلفة ساعة من ساعات طيران طائرة دون طيّار فوق غزة حوالي 1,500 دولار، وساعة من طيران طائرة عمودية 5,000 دولار، وساعة من طيران طائرة حربية 15,000 دولار.

يكلف تجنيد كل جندي من جنود الاحتياط لخزينة الدولة حوالي 130 دولارًا يوميًّا. إذًا، لو تحققت فعلا التوقعات بتجنيد 40,000 جندي احتياط، سيكلف تجنيد الاحتياطيين أكثر من 5 ملايين دولار في يوم واحد.

اقرأوا المزيد: 284 كلمة
عرض أقل
جندي إسرائيلي ودبابة خارج قطاع غزة (Hadas Parush/Flash90)
جندي إسرائيلي ودبابة خارج قطاع غزة (Hadas Parush/Flash90)

الطريق لإنهاء العملية في غزة

يعلّمنا التاريخ أن وقف إطلاق النار في عملية "الجرف الصامد" سيتحقّق بواسطة تسوية دولية. والمرشحون للوساطة بين الجانبين هم قطر، تركيا، مصر، بل ومحمود عباس

حدث ذلك في حرب لبنان الثانية عام 2006، وفي عملية “الرصاص المصبوب” عام 2009، وفي عملية “عمود السحاب” عام 2012، وعلى ما يبدو أنّه سيحدث أيضًا في عملية “الجرف الصامد” – الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس ستنتهي بعد تدخّل دولي واتفاق تسوية بين الجانبين يحقّق وقف إطلاق النار (حتى المرة التالية).

تحدّث رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأول مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي اقترح المساعدة في تحقيق وقف إطلاق النار. في الواقع، وفقًا لمصادر مختلفة، يدرس الأمريكيون خيارات الوساطة بين إسرائيل وحماس.

ولن تعتبر حماس الولايات المتحدة وسيطًا نزيهًا في الصراع الحالي، ويمكننا أن نفهمها على ضوء الدعم الكبير الذي تتلقّاه إسرائيل في واشنطن. ولقد وافق الكونغرس الأمريكي أمس على قانون يعبّر عن دعم كامل لإسرائيل ويدين حماس، وبذلك تحظى إسرائيل بدعم نادر من الحزبين الأمريكيَين، والذي يُظهر فقط توافق الآراء في الولايات المتحدة بخصوص دعم إسرائيل.

بنيامين نتنياهو وباراك أوباما (Avi Ohayon/GPO)
بنيامين نتنياهو وباراك أوباما (Avi Ohayon/GPO)

المرشّحون الأربعة للوساطة

يعلم الأمريكيون أنّ حماس لن توافق على وساطتهم، ولذلك فهم يبحثون عن وسيط يحاول أن يحقّق وقف إطلاق النار المنشود. الخيار الأول هو قطر. تدعم قطر اليوم حماس وتستضيف في أراضيها قيادة حماس في الخارج، وعلى رأسها خالد مشعل. بل وقد اقترحت دفع “الأجور الضائعة” لـ 40,000 موظف لدى حماس.

لا شكّ أنّ حماس ستوافق على وساطة قطر، ولكن السؤال هو: هل ستوافق إسرائيل وقطر؟ لا تعترف قطر بإسرائيل اعترافًا رسميًّا، ولن ترغب إسرائيل بإقامة محادثات مع الدولة العربية الوحيدة التي تكتسب حاليًّا احترام حماس. إذا كان الأمر كذلك، فإنّ وساطة قطر تبدو أقل احتمالا، وإذا تم ذلك فمن المحتمل أن يحدث “وراء الكواليس”.

الخيار الثاني هو تركيا. ولقد شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل صعودًا وهبوطا في السنوات الأخيرة. منذ “أحداث مرمرة” عام 2010، والتي قُتل خلالها تسعة أتراك، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وأعربت تركيا مرّات عديدة عن دعمها لسكان غزة، ولكن يبدو مؤخرًا أن الدولتين تتواجدان على الطريق لتسوية تُعيد العلاقات لمسارها، وقادة كلا الدولتين، نتنياهو وأردوغان، تحادثا هاتفيّا قبل نحو عام ونصف.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (AFP)
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (AFP)

مع ذلك، فإنّ إسرائيل لا تعتبر تركيا محايدة في الصراع بين الجانبين، وقد ظهر  إثبات على ذلك ليلة أمس، حين أعلن أردوغان أنّ العلاقات مع إسرائيل لن تعود كما كانت إذا لم توقف إسرائيل “الظلم في غزة”. وقد قال أردوغان أيضًا أنّه سيطلب من الأمم المتحدة التدخّل في الصراع.

الخيار الثالث هو الخيار المصري. كما هو معلوم، فقد انتهت عملية “عمود السحاب” التي جرت في تشرين الثاني عام 2012 بفضل الوساطة المصرية لوزير الخارجية من قبل الإخوان المسلمين حينذاك، محمد كامل عمرو، ولذلك تعتبر مصر مرشّحًا محتملا للوساطة.

مع ذلك، فقد حدثت أمور كثيرة في بلاد النيل. فيسيّطر عبد الفتّاح السيسي على الحكم ، والمعروف أنّه أعلن الحرب الشاملة ضدّ الإخوان المسلمين وأشار إلى أن حماس أيضًا، شريكهم الطبيعي، باعتبارها عدوّا. لاعتبارات شعبية، فإنّ السيسي لن يسارع في تنفيذ عملية ما تدعم إسرائيل، وبشكل عام فإنّ جدول أعمال السيسي يتركّز على مشاكل مصر الداخلية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (EBRAHIM HAMID / AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (EBRAHIM HAMID / AFP)

ومع ذلك، يزعم مسؤولون إسرائيليون أنّ الأمريكيين لا يستبعدون إمكانية الوساطة المصرية، والتي تبدو هذه الأيام غير محتملة. إذا تمّت هذه الوساطة، فسيحدث ذلك بعد وقتٍ ما (نحو أسبوع على الأقلّ)، وقد يقتنع السيسي أنّ عملية كهذه ستعرضه باعتباره رائدًا في الشرق الأوسط. في جميع الأحوال، لا يبدو أنّه سيكون لدى مصر ميلٌ لدعم أي من  الجانبين ولذلك فهي تعتبر المرشّح الأكثر موضوعية.

الخيار الرابع هو رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي أعرب عن استعداده للوساطة بين الجانبَين. وساطة عباس غير معتبرة في هذه المرحلة من قبل الأمريكيين، وسيتم تلقّيها بشكّ سواء من الجانب الإسرائيلي أو من جانب حماس، لكون الجانبين غير محبوبين لدى فتح وعباس. مع ذلك، لا يمكن استبعاد هذا الخيار أيضًا.

كيف سيبدو وقف إطلاق النار؟

فليكن الوسيط أيًّا كان، فيبدو الآن أنّ الخطوط العريضة للتسوية المستقبلية معروفة بشكل ما. إسرائيل غاضبة جدّا على حماس. وقبل بدء العملية، حين تم إطلاق صواريخ كثيرة تجاه إسرائيل ولكنها لم تردّ، فقد صرّحت تصريحًا  رسميًّا أنّ “الهدوء يقابله الهدوء”.

ولكن، صعّدت حماس من وتيرة إطلاق الصواريخ وفي الواقع جرّت إسرائيل إلى الحرب. رسميًّا، تصرّح إسرائيل أنّها لا تكتفي بالهدوء فقط وأنّها ترغب بتحقيق ردع بل وإحباط قدرات حماس على إطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية. مع ذلك، فمن المحتمل أن تتنازل إسرائيل وتتوقّف عن قصف غزة حين يتوقّف إطلاق الصواريخ تجاه بلداتها.

اطلاق الصواريخ على المدن الاسرائيلية (AFP)
اطلاق الصواريخ على المدن الاسرائيلية (AFP)

من المتوقع أن تضع حماس ثلاثة شروط لتسوية وقف إطلاق النار: إطلاق سراح الدفعة الثانية من محرّري “صفقة شاليط”، الذين تمّ اعتقالهم خلال عملية “إعادة الإخوة”، دفع الرواتب لموظّفيها وفتح معبر رفح. ستوافق إسرائيل على البند الأول وليس بشكلٍ رسميّ وإنما فعليّ، ومن المحتمل أيضًا أن توافق على البند الثالث.

بخصوص دفع الرواتب؛ فمن المحتمل أنّ تعرب إسرائيل عن معارضتها لذلك، لأنّها تعتقد أنّ جزءًا كبيرًا من المال سيُنقل لتسليح حماس. ومن المتوقع أن يتناقش الجانبان في هذه النقطة (من خلال الوسطاء) وأن يصلا إلى حلّ، إبداعيّ على الأرجح. والسؤال المطروح هو: لماذا ينتظر الجانبان وكم من الضرر سيحدث حتى يصلا إلى وقف إطلاق النار؟

اقرأوا المزيد: 751 كلمة
عرض أقل
دبابة اسرائيلية خارج قطاع غزة تستعد لدخول (IDFFlash90)
دبابة اسرائيلية خارج قطاع غزة تستعد لدخول (IDFFlash90)

“الجرف الصامد” إلى أين؟

مع بدء اليوم الرابع للعملية، تواجه إسرائيل ثلاث إمكانيات: الاجتياح البري لقطاع غزة، تقوية الهجوم الجوي، والسعي الفوري لوقف إطلاق النار

تصل عملية “الجرف الصامد”، التي دخلت يومها الرابع، إلى مفترق قرار في غاية الأهمية، وذلك بعد عدة أيام أطلق فيها الفلسطينيون قذائف كثيرة تجاه البلدات الإسرائيلية، وبالمقابل يقصف سلاح الجو الإسرائيلي أهدافًا كثيرة في قطاع غزة.

بدأت الحملة بهدف إسرائيلي واضح: إيقاف إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، وتتجه كل القرارات الإسرائيلية نحو هذا الهدف. حتى قبل بدء الحملة، مع تدهور الوضع الأمني، كانت تأمل إسرائيل أن تتدخل مصر وتحاول إرساء الهدوء في المنطقة، لكن الأمل تبدد، ويبدو أن ذلك بسبب الصلابة الكبيرة لحكومة عبد الفتاح السيسي ضدّ حماس، التي لها علاقة قوية بالإخوان المسلمين.

رشقات قوية من الصواريخ من القطاع على اسرائيل (Flash90Nati Shohat)
رشقات قوية من الصواريخ من القطاع على اسرائيل (Flash90Nati Shohat)

مع بدء الحملة، بدأ الفلسطينيون بإطلاق القذائف المعرّفة  “بالمدى المتوسط”- وهذه قذائف لا يجرؤ مطلقو القذائف في قطاع غزة على إطلاقها في الأيام العادية، وهي تصل إلى مدن مثل تل أبيب، ريشون لتسيون، القدس وأماكن أخرى التي لا تشعر بالتوتر  في الأيام العادية. هذا على النقيض من القذائف التي تصل إلى البلدات حول قطاع غزة، على رأسها سديروت، التي تعاني من القذائف اعتياديًّا.

وتشكل القذائف “ذات المدى المتوسط” معضلة مثيرة. على النقيض من الراجمات وقذائف القسام قصيرة المدى- من الصعب على سلاح الجو الإسرائيلي إصابة منصات القذائف والقضاء عليها، إذ أن معظمها يُطلق من منصات تحت الأرض أو من ساحات بيوت في مناطق كثيفة.

من الناحية الأخرى، على عكس القذائف “القصيرة”، فإن أغلب هذه القذائف لا تسبب ضررًا لأنها تسقط على مناطق مفتوحة، أو تصدها “القبة الحديدية” التي تعمل ضدّها بنجاعة كبيرة بسبب الوقت الطويل التي تبقى فيه في الجو (أكثر من دقيقة، على عكس الـ 15 ثانية من القذائف باتجاه سديروت)، الذي يمكّن “القبة الحديدية” من حساب مسارها بدقة وبذلك صدها وهي في الجو. الضرر الكبير الذي تسببه هذه القذائف هو أخلاقي: مع كل إطلاق كهذا يتراكض ملايين الإسرائيليين نحو الملاجئ ويقطعون مجرى حياتهم العادي لدقائق.

مقدسيون يختبئون في الملاجء بعد سماع دوي 3 انفجارات (Flash90Miriam ALster)
مقدسيون يختبئون في الملاجء بعد سماع دوي 3 انفجارات (Flash90Miriam ALster)

مع صعوبة القضاء على هذه القذائف، يقف المجلس الوزاري الإسرائيلي الأمني المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية  على مفترق طرق: لم تنجح إسرائيل في حسم إطلاق الصواريخ، وحماس وباقي المنظمات في القطاع  قادرة على متابعة  إطلاق القذائف نحو إسرائيل لمدة أطول.

لذلك، هناك  ثلاث إمكانيات أمام إسرائيل: الأولى هي الاجتياح البري لقطاع غزة. ولقد صادق المجلس الوزاري المصغّر على تجنيد 40,000 جندي احتياط، وبدأت فرق عسكرية كاملة بالتجمع حول قطاع غزة وتستعد للاجتياح البري.

الهدف من الاجتياح هو الوصول إلى منصات الإطلاق التي لا يمكن القضاء عليها من الجو، وذلك للقضاء عليها وإزالة خطر القذائف. من الناحية الأخرى، يمكن معرفة كيف سيبدأ التوحل في “المستنقع الغزّي”، كما يعرّفه الجمهور الإسرائيلي، لكن من الصعب تقدير كيف ينتهي، هل ستنجح إسرائيل في إيقاف إطلاق القذائف نحوها وأي ثمن بشري سيكلف ذلك الجيش الإسرائيلي؟ هناك انقسام بين أوساط الجمهور الإسرائيلي، الذي يدعم أغلبه استمرار الحملة، حول إذا كان يجدر دخول قوات برية لقطاع غزة أو إتاحة الفرصة لسلاح الجو  لإكمال عمله.

الغارة الإسرائيلية على قطاع غزة (Abed Rahim Khatib/Flash90)
الغارة الإسرائيلية على قطاع غزة (Abed Rahim Khatib/Flash90)

أما الإمكانية الثانية التي تقف أمام المجلس الوزاري فهي  تصعيد عمليات سلاح الجو. والذي لم يتوقف عن مهاجمة الأهداف في قطاع غزة، ولقد هاجم حتى الآن في أيام  القتال الثلاثة الماضية ما يقل عن 860 هدفًا مختلفًا. تشكل هذه الأرقام الأرقام الأعلى من أي حملة عسكرية أخرى.

يأمل الداعمون للإمكانية الثانية أن ينجح سلاح الجو في النهاية في تدمير كل منصات الإطلاق، أو على الأقل أن يُسبب تصعيد هجماته بأن يتوسل الفلسطينيون إلى إسرائيل لإيقاف هجماتها. ويعود نداء التوسل هذا من الفلسطينيين  إلى مدى صمودهم وقدرتهم على استمرار امتصاص هجمات سلاح الجو.

والإمكانية الثالثة، التي لا تبدو راجحة في الوقت الآنيّ، فهي السعي الفوري لوقف إطلاق النار والعودة لتفاهمات “عمود السحاب” من تشرين الثاني 2012. مع تدهور الوضع، وقبل بدء الحملة، كانت تأمل إسرائيل من مصر أن تتوسط بين الجانبين، لكنّ هذا الأمل تبدّد طبعًا. رسميًّا، إسرائيل لا ترجّح هذه الإمكانية، لكن في محادثة أجريت الليلة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبين رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، اقترح الأخير التوسط ومحاولة التوصل إلى اتفاق.

رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما. تحدث مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو
رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما. تحدث مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو

يمكن الافتراض أنه إذا أبدت حماس  استعدادها لوقف فوري لإطلاق النار، فستوافق إسرائيل على فعل ذلك. لكن من الصعب الافتراض أن حماس ستفعل ذلك، وستطلب أحد الشروط التالية إن لم يكن أكثر، لوقف إطلاق النار: أولا، ستطلب إطلاق سراح نشطاء حماس الذين أطلق سراحهم في “صفقة شاليط” واعتقلوا مجددًا في حملة “إعادة الإخوة” في الشهر الأخير. لقد قال هذا مسؤول حماس، محمود الزهار، في مقابلة لقناة الأقصى ليلة أمسِ.

ثانيا وثالثا، ستطلب حماس تحويل الرواتب لـ 40,000 من ناشطيها (أبدت قطر استعدادها للدفع، لكن مصر وإسرائيل تمنعا إدخال هذه الأموال إلى قطاع غزة)، وكذلك ستطلب فتح معبر رفح، المغلق منذ مدة طويلة وفي الأيام الأخيرة فُتح من أجل نقل المصابين. إسرائيل غير متحمسة لهذه الإمكانيات، إذ أن قسطا كبيرًا من الأموال والتسهيلات مستغل لاستمرار تسليح حماس بالقذائف، لكن يمكن الافتراض أنه عند انتهاء الحملة، وعودة الهدوء، سيكون هذا أحد الشروط التي ستوافق عليها إسرائيل.

اقرأوا المزيد: 732 كلمة
عرض أقل
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (GPO / AFP)
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (GPO / AFP)

قيادة نتنياهو السياسية والعسكرية: التهوّر الذي تحوّل إلى اعتدال

كان نتنياهو في أحداث "أنفاق الحائط الغربي" عام 1996 رئيسًا شابّا للحكومة وفاقدًا للخبرة، ولكن حين قاد إسرائيل في عملية "عمود السحاب" عام 2012 فقد أظهر حسن التقدير والاعتدال

ليس هناك خلاف على أنّ أسلوب قيادة بنيامين نتنياهو قد تغيّر مع السنين. تحوّل من رئيس حكومة شابّ، كانوا ينظرون إليه نظرة شخص متهور، إلى أحد القادة المخضرمين والأكفّاء في دولة إسرائيل.

حتى نحاول رؤية كيف يوجّه نتنياهو السفينة الإسرائيلية خلال عملية “الجرف الصامد” التي بدأت أمس، علينا أن نفحص كيف كان أداء نتنياهو في جولات المواجهة السابقة مع الفلسطينيين.

جاء الامتحان الأول لقيادة بنيامين نتنياهو بعد أشهر قليلة من اختياره رئيسًا لحكومة إسرائيل عام 1996. أعلن رئيس الحكومة نتنياهو في عطلة العيد الإسرائيلية المقدسة ليوم الغفران، وكان حينذاك في سنّ 47 عامًا ودخل إلى وظيفته قبل أسابيع معدودة من ذلك، عن افتتاح نفق في البلدة القديمة في القدس وقد عرف باسم “نفق الحائط الغربي”.

لم يمرّ هذا النفق المتاخم لموقع الصلاة في الحائط الغربي وساحة المسجد الأقصى، إطلاقًا تحت المسجد. حتى عام 1996 كان النفق مفتوحًا من جهة واحدة فقط، وكان يسير زواره  به حتى نهايته، وبعد ذلك يستديرون ويعودون أدراجهم. في أعقاب قرار نتنياهو فُتح النفق من الجانب الآخر أيضًا، والذي يتجه نحو الحيّ الإسلامي.

غضبت القيادة الفلسطينية من الخطوة، وفسّرتها بالخطأ بأنّها محاولة إسرائيلية لإلحاق الضرر بالأقصى. خلال يوم بدأت مظاهرات عنيفة بالانتشار في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. وصلت صلوات الجمعة في ذلك الأسبوع، في 27 أيلول عام 1996، إلى ذروة جديدة من العنف. قُتل نحو 17 جنديّا إسرائيليًّا ومائة فلسطيني في المواجهات التي اندلعت.

تكرّرت الانتقادات لاستهتار نتنياهو وسوء تقديره في كلّ النظام السياسي في إسرائيل والعالم. دعيَ الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، إلى التوسّط بين الطرفين. نجحت محادثة هاتفية فقط بين رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات وبنيامين نتنياهو في تهدئة النفوس، ولكن لا يزال مضمون تلك المحادثة غامضًا.

عرفات، نتنياهو وكلينتون (PAUL J. RICHARDS / AFP)
عرفات، نتنياهو وكلينتون (PAUL J. RICHARDS / AFP)

زعم رجال نتنياهو أنّ رئيس الحكومة هدّد عرفات بأنّه لو لم يهدّئ الساحة، فستهاجم إسرائيل مدن الضفة الغربية بالدبّابات. وبالتباين، زعم رجال المنظومة الأمنية الإسرائيلية أنّ نتنياهو نقل لعرفات رسالة تصالحية، جاء فيها أنّ وجهة إسرائيل ليست نحو التصعيد. في جميع الأحوال، فقط بعد المحادثة الهاتفية، توقف تبادل إطلاق النار بين الطرفين.

نتنياهو الذي تحدّث في الماضي عن “تحطيم حماس” تذكّر بعد أن تولّى من جديد منصب رئاسة الحكومة أنّ الحكمة السياسية سابقة لاستخدام القوة العسكرية

حسب المحلّلين، نتنياهو في الولاية الثانية لا يشبه الرجل الذي كان في الولاية الأولى. بدّل رجلٌ كبير السنّ ذلك الرجلَ الشاب والمتهوّر، رجلٌ رصين ومسؤول لا يسارع في إعطاء الجيش الإسرائيلي أوامر شن  حرب.

قبل كلّ شيء، فالذي تغيّر هو الوضع السياسي. كان على نتنياهو عام 1996 أن يواجه السلطة الوطنيّة الفلسطينية برئاسة عرفات. بالمقابل، ففي عام 2012 وقف أمام حركة حماس، وهي تنظيم يطمح بوضوح إلى القضاء على إسرائيل ويطلق الصواريخ بهدف معلن لإلحاق الضرر بالسكان المدنيين.

ولكن الصواريخ الـ 1,500 التي أطلقتها التنظيمات الفلسطينية من قطاع غزة لم تجعل نتنياهو يرتبك أو يفقد صوابه، ولم ينجرّ إلى تصريحات متطرّفة للقضاء على كلّ البنية التحتية لتنظيم حماس في قطاع غزة.

هذا مقابل عبارات أخرى أطلقها نتنياهو عام 2008، قبل أن يعود إلى منصب رئيس الحكومة. هناك من يزعم أنّ تعاون نتنياهو مع صديقه المقرّب إيهود باراك الذي كان حينذاك وزير الدفاع هو الذي أثّر عليه وزاد من اعتداله.

قارن مراسل صحيفة “هآرتس” باراك رافيد، بين تصريحات نتنياهو عام 2008، حين أدار رئيس الحكومة السابق عملية “الرصاص المصبوب” ضدّ حماس، وبين أفعال نتنياهو كرئيس حكومة عام 2012: “تحطّم التشدد على أرضية الحاضر. لم يبقَ من الخطب الحماسية سوى فهم حدود القوة”، كما كتب رافيد حينذاك.

في الواقع، فإنّ نتنياهو الذي تحدّث في الماضي عن “تحطيم حماس” تذكّر بعد أن تولّى من جديد منصب رئاسة الحكومة أنّ الحكمة السياسية سابقة لاستخدام القوة العسكرية.

لا يزال نتنياهو عام 2014 هو القائد المعتدل والرصين، الذي لا يسارع في اتخاذ خطوات تؤدي إلى اشتعال الساحة.

بنيامين نتنياهو وموشيه يعالون (Haim Zach/GPO/Flash90)
بنيامين نتنياهو وموشيه يعالون (Haim Zach/GPO/Flash90)

وقد بدا في الأسابيع الماضية أنّه يعمل بكلّ ما يمكنه كي لا ينجرّ من جديد لعملية مشابهة لـ “عمود السحاب” التي أدارها عام 2012، في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط للثأر لوفاة الشبان الثلاثة الذين اختطفوا في الضفة الغربية وللرد على إطلاق الصواريخ.

يبدو أنّ حماس تريد اختبار حدود نتنياهو، وأن تنظر متى يتوقف عن الكبت. حتى القائد الذي يعرف حدود القوة العسكرية يعلم أنّه في مرحلة معيّنة يكون من الواجب عليه إعطاء أوامر البدء بالقتال. ولا شكّ الآن أنّ نتنياهو سيلزم حماس بدفع ثمن ثقيل على عدم احترام وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، فالاحتمال لأن نشاهد في الأسابيع القادمة عملية عسكرية تقضي على البنية التحتية لحماس هو احتمال ضعيف. السؤال الآن هو ماذا ستكون قوة الضربة، وماذا سيكون الدرس الذي ستتعلّمه حماس منها.

اقرأوا المزيد: 687 كلمة
عرض أقل