عكاشة وكورين في لقاء خاص (النت)
عكاشة وكورين في لقاء خاص (النت)

هل هؤلاء شركاؤك يا إسرائيل؟

لا يساهم اللقاء بين السفير الإسرائيلي في مصر وعضو البرلمان توفيق عكاشة، الذي يُعتبر مهرّجا سياسيا وإعلاميا في مصر، في دفء العلاقات بين إسرائيل ومصر وإنما يرمز تحديدا إلى انحطاط جديد

منذ صعود عبد الفتّاح السيسي سدة الحكم ظهرت عملية دفء ملحوظة في العلاقات بين مصر وإسرائيل، والتي تتضمن أيضًا محادثات منتظمة بين قادة البلدين وتنسيق سياسي وعسكري واسع بشأن حماس، وما يحدث في سيناء والتطوّرات الإقليمية. في الأيام الماضية استبشرنا في القناة العاشرة الإسرائيلية بخطوة مفرحة أخرى: السفير الإسرائيلي في القاهرة، الدكتور حاييم كورين، يتلقى دعوة رسمية لتناول وجبة عشاء مع عضو البرلمان والمعلق التلفزيوني توفيق عكاشة. لم يكن هذا النوع من المقابلات شائعا حتى الآن في علاقة السلام البارد بين إسرائيل ومصر، وبطبيعة الحال فقد استجاب لها السفير.

وقد أثارت هذه الدعوة في البرلمان المصري ضجّة كبيرة. غضب أعضاء البرلمان من عكاشة بل خلع أحدهم حذاءه وألقاه صوبه، كرمز واضح لاحتقاره وإهانته. في نشرات الأخبار في القناة العاشرة وفي الموقع الإخباري الأكثر مشاهدة في إسرائيل ynet تمت تغطية شخصية عكاشة الاستفزازية. وفُسرت هذه الدعوة، وكذلك رفضه لإلغاء لقاء آخر مع السفير لاحقا، كخطوة شجاعة.‎ ‎وقد صرّح السفير كورين أيضًا بأنّه مستعد لعقد لقاء آخر.

https://www.youtube.com/watch?v=yHNAUTIatV0

ربما كانت ستبدو تلك الدعوة خطوة جميلة لو كانت فعلا خطوة شجاعة من قبل شخص استثنائي، مكافح من أجل السلام ومستعد للتضحية بمكانته الشخصية وربما أيضا المهنية من أجل تعزيز هدف يؤمن به.‎ ‎كان الكاتب المسرحي المصري المعروف علي سالم شخصية كهذه؛ فقد زار إسرائيل رغم معارضة زملائه الشديدة فدفع ثمنا باهظا على ذلك.

ولكن توفيق عكاشة يختلف عن علي سالم. نشر الأنثروبولوجي والباحث بالشأن المصري المعروف من جامعة أوكسفورد، الدكتور وولتر أرمبراست (Armbrust)، مؤخرا ‏‎ ‎‏تحليلا مميزا‏‎ ‎‏حول الرجل ونشاطه. حتى انتفاضة كانون الثاني 2011 كان عكاشة مذيعا في برنامج استضافة ثانوي وسياسي صغير في الحزب الحاكم. ولقد دخل الإعلام المصري بفضل الفراغ الاجتماعي – الإعلامي الذي نشأ بعد الثورة، ويصف أرمبراست عملية تشكّله كمحتال (Trickster)، شخصية متعدّدة الأوجه تعكس القوة ولكنها في الوقت ذاته سخيفة وخطيرة.

https://www.youtube.com/watch?v=brHdrFKBRGA

حصل عكاشة على مركز رئيسي في الإعلام المصري كشخصية مثّلت “إصلاحا” بل معاداة الثورات في فترة الانتفاضة ضدّ حكم مبارك. وقد تم تحديده كمقرّب من الجيش المصري أيضا في الفترة التي بقي فيها الجيش من وراء الكواليس، وظهر أنّ هذا كان سرّ قوّته. أثار ظهوره التلفزيوني الدراماتيكي إلى درجة السخرية (والذي اشتمل على ضرب بالشبشب على الطاولة في الأستوديو من أجل توضيح ما يجب فعله لأعداء مصر من الداخل والخارج) تحفّظا شديدا في أوساط الطبقات المثقّفة في مصر، بل واعتُبر كلام عكاشة خطيرا بسبب ميزة تأثيره على الجمهور العريض وربما أيضا على متخذي القرارات في قيادة الجيش.

ومن ثم فإنّ عكاشة: شخصية غريبة ومثيرة للسخرية. حتى لو كانت لديه تحرّكات بين النخبة العسكرية الحاكمة اليوم في مصر فهو بالتأكيد ليس ممثّلا لها أو ناطقا باسمها؛ في أفضل الأحوال هو بمثابة بالون اختبار أو كيس ملاكمة يهدف إلى قياس المزاج العام لدى الشعب. ما هي الفائدة التي ستحصل عليها دولة إسرائيل من التعاوُن مع شخص كهذا؟

تجري الدول علاقات معقّدة مع جيرانها بشكل رسمي، ليس مع كل جار غير رسمي، وليس مع كل جار في منطقتنا.‎ فتولي الحكومة الإسرائيلية أهمية للحوار والتعاون مع الحكومة المصرية، حتى لو كان هناك جدال حول المصالح التي تعزّزها كلتا الدولتين. ولكن يعرّض اللقاء أو اللقاءات بين كورين وعكاشة معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر إلى انتقادات مجدّدة في الخطاب المصري العام. وذلك تحديدا في فترة يزداد فيها العنف السلطوي في مصر ويتجلّى الموقف القمعي لنظام السيسي بقوة كبيرة.

إنّ اللقاء بين السفير كورين وبين المحتال عكاشة لا يساهم في دفء العلاقات بين إسرائيل ومصر. إنه يرمز، تحديدا، إلى انحطاط جديد في نظر الجمهور العريض في مصر إلى معاهدة السلام، وذلك من دون تعزيز ولو مصلحة إسرائيلية واحدة ظاهرة للعيان. لا يمكن لهذه السياسة أن تكون دبلوماسيّة صحيحة.

نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 566 كلمة
عرض أقل
الكاتب والمسرحي المصري، علي سالم
الكاتب والمسرحي المصري، علي سالم

رحلة علي سالم الأخيرة

دعم المسرحي وكاتبُ الهجاء المصريّ الشهير، علي سالم، الذي رحل يوم الثلاثاء الماضي، للسلام مع إسرائيل، رغمَ كلّ الثورات السياسيّة ما هو إلا دليل على قدرته على السباحة ضدّ التيار

توفّيَ علي سالم، المسرحيّ وكاتب الهجاء المصريّ الشهير، في القاهرة يومَ الثلاثاء المُنصرِم، عن عمر يناهزَ الـ 79 عاما. أصيب سالم في السنوات الأخيرة بمرض السرطان حيثُ باتت أعراض المرض ظاهرةً للغاية على وجهه وجسده. عُرِفَ في العقود الماضية على أنّه واحد من أبرز مؤيّدي السلام الإسرائيليّ-المصريّ وأكثرهم تماسُكا وثبوتا على الرأي. إذ تشبّث بموقفه هذا رغمَ دفعه ثمنا باهظا على ذلك على الصعيدين المهنيّ والشعبيّ.

وُلِدَ سالم عام 1936 لعائلة فقيرة في مدينة دمياط الواقعة في الدلتا. دخلَ مهنة الكتابة تقريبا بالصدفة، وغَدَا أولا وقبل كلّ شيء خلال حياته ناقِدا اجتماعيا وسياسيا. فقد كان رجلَ مُعارضةٍ فذا، ذا عامود مشحوذ بالأقوال في عدة صحف مصريّة وفي صحيفة لندن “الشرق الأوسط” أيضا، وأسس صحيفة المُعارَضة اليومية “نهضة مصر” عام 2003. وكتب سالم مُسبقا في أواخر الثمانينات الكثيرَ تنديدا بالحاكم مُبارك. كان من أوائل المُفكّرين الذين وقفوا مع المُتظاهرين في ميدان التحرير عام 2011، ولكنّه كان أيضا بين أوائل الذين خرجوا علنا ضدّ بلوغ “الإخوان المسلمين” الحكم إثرَ إقالة مُبارك.
https://www.youtube.com/watch?v=zlhfr7WTKks
لقد كانت النزاهة والصدق من ميزات سالم البارزة. فقد أشار إلى نفسه على أنّه لم يكن مؤيّدا بارزا لعملية تحقيق السلام مع إسرائيل منذ بدايتها (سقط أخوه ضحية حرب 1976)، لكنّه رأى في اتفاق أوسلو استمرارا لاتفاق السلام الإسرائيليّ-المصريّ وإتمامَ إقامة دولة فلسطينيّة وتسوية عربية-إسرائيليّة، ووفقا لذلك غيّر رأيه وبات مؤيّدا مُتحمّسا ومُناديا للسلام مع إسرائيل.

رحلة إلى إسرائيل
رحلة إلى إسرائيل

وفي عام 1994 وصلَ سالم في سيارته الخاصة إلى إسرائيل وتجوّل بها بشكل مستقل لبضعة أسابيع، كمُحاولة للتخلص من خوفه السابق ومن أجل التعرف على إسرائيل والمجتمع الإسرائيليّ عن كثب. التقى في رحلته هذه أشخاصا مثقفين من اليهود والعرب، كما وانكشف على جهات أخرى في إسرائيل والتي كان يعرفها سابقا. حصرَ سالم مهمّات وتفاصيل زيارة إسرائيل في كتاب “رحلة إلى إسرائيل”، إذ حظي في أعقابه على شهرة وشعبية كبيرة في إسرائيل والغرب، لكنّه أثار موجة من النقد اللاذع في بلاده. ومنذ ذلك الوقت، قام بزيارة إسرائيل مرتّين إضافيّتين، حتّى نعته مُفكّرون وكُتّاب كثيرون بأنه خائن لمصر وعميل للمؤسسات الإسرائيليّة. في سنة 2001، إثر ثباته على ذات الآراء حول العلاقات مع إسرائيل رغمَ انتفاضة الأقصى، نجحَ مُعارضوه، أخيرا، بإقصائه خارجَ جمعية الكُتاب المصرييّن. روفقت هذه العمليّة بشطب اسمه من أعماله المعروفة، وحتّى اليوم تُباع في العالم العربيّ أفلامٌ لمسرحياته مع حذف اسمه منها.

علي سالم يجسد المثل المعروف “لا كرامة لنبيّ في قومه”. لم تكن الأوسمة والجوائز، التي حاز على الكثير منها في إسرائيل وفي العديد من الدول الأخرى، لصالحه في مسقط رأسه، إذ لم ينل جائزة أو اعترافا علنيا لعظمته في مصر ذاتها. في حين أنّ أعماله الهجائية ما زالت، حتّى بعد تلطيخها بالتسوية مع إسرائيل، معروفةً ومحبوبة ومحلّ تقدير في العالم العربيّ. إذ يصعب التفكير عن شخص ناطق بالعربيّة لا يعرف عمله الأكثر شهرة، “مدرسة المُشاغبين”، الذي صدر في منتصف السبعينات. سيترك موته فراغا كبيرا في الثقافة والأدب، وليس ما دون ذلك في مجال النقد الاجتماعيّ والسياسي أيضا في مصر. لن يجرؤ الكثير من زملائه على الاعتراف بوجود هذا الفراغ، لكنّ أحد مُعجبيه قد لخّص الأمر بصورة جميلة في مديح نشره في صفحته على تويتر: “رحلَ صاحبُ المدرسة، ولم يبقَ سوى المُختلّينَ”.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 490 كلمة
عرض أقل