علي أكبر هاشمي رفسنجاني

الزعيم الإيراني أية الله علي خامنئي (AFP)
الزعيم الإيراني أية الله علي خامنئي (AFP)

الزعيم الإيراني على وشك الحَسم

يقف علي خامنئي أمام لحظات حاسمة: قراره يمكن أن يؤثر ليس في مستقبل الاتفاق المتبلوِر بين إيران والغرب في الشأن النووي فحسب، بل أيضًا في صورة إيران ومستقبلها

في مطلع الأسبوع، نشرت وكالة “رويترز” للأنباء تحقيقًا جاء فيه أنّ الزعيم الروحي لإيران، علي خامنئي، يسيطر على منظمة تحتفظ سرًّا بعشرات الممتلكات والشركات في السوق الإيرانية، والتي تُقدَّر قيمتها بأكثر من 95 مليار دولار. وشدّد معدّو التحقيق على أن لا دليل أبدًا على استخدام خامنئي أموال المنظمة لأغراضه الشخصية، لكنهم ذكروا أنّ المنظمة تمثّل بالنسبة له مصدر قوة، وتمنحه أدوات اقتصاديّة هامة غير قابلة للمراقبة. وأثار نشر التحقيق مجدّدًا مسألة السلطة العليا لخامنئي في إدارة السياسة الإيرانية، وكذلك قضية مكانته الشعبية.

في السنوات الماضية، عمل المقرَّبون من المرشِد على تحصين صورته ومكانته. وبين الطرق التي اعتُمدت كان التشديد على تواضعه ونمط حياته البسيط. بالتوازي، جرت محاولة لتعظيم شخصيته، وحتّى نسب صفات تفوق الطبيعة له. في نيسان 2011، انتشر في إيران فيلم على يوتيوب يوثّق خطبة دينية ألقاها خطيب الجمعة في مدينة قُم، حجة الإسلام محمّد سعيدي. في الخطبة، نقل رجل الدين عن مقرَّبين من المرشِد الأعلى أنه في الساعة التي وُلد فيها خامنئي صرخت القابلة وادّعت أنه صرخ: “يا عليّ”، نداء متعارَف عليه بين الشيعة، يشير إلى الإمام الشيعيّ الأول، عليّ بن أبي طالب. يمكن رؤية مساعي تحصين مكانة خامنئي السياسية والدينية ردًّا مباشرًا على تآكُل قيادته السياسية وسلطته الدينية، لا سيّما منذ الأزمة السياسية التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية صيف 2009. ولا يقتصر انتقاد قيادته كما في الماضي على دوائر صغيرة نسبيًّا من المثقفين اليساريين، رجال الدين الإصلاحيين، والمعارِضين للنظام، بل أضحى يُسمَع وسط المعارضة الإصلاحيّة، وحتى من قِبل عناصر في المعسكر المحافظ نفسه.

من طالِب دينيّ إلى مُرشِد أعلى

المرشد الأعلى أية الله روح الله الموسوي الخميني (AFP)
المرشد الأعلى أية الله روح الله الموسوي الخميني (AFP)

وُلد علي خامنئي عام 1939 في مشهد، وكان الثاني بين ثمانية أبناء. بعمر 19 عامًا، انتقل إلى مدينة قُم، المركز الديني الشيعي الأكبر في إيران، ليصبح أحد تلامذة الخُميني. في الستينات والسبعينات، لعب دورًا فاعلًا في حركة مقاومة حُكم الشاه، حتّى إنّ قوّات أمن الشاه اعتقلته وعذّبته مرارًا. في وقت الثورة الإسلامية، اعتُبر خامنئي أحد المقربين من الخُمينيّ. في حزيران 1981، نجا من محاولة اغتيال، أدّت إلى شلل يده اليُمنى. بعد أربعة أشهُر، عُيّن رئيسًا بعد حادثة اغتيال أخرى، أودت بحياة الرئيس محمد علي رجائي. وبقي رئيسًا حتّى موت الخميني، حيث عيّنه “مجلس الخبراء” مرشدًا للثورة.

جرى النظر إلى تعيينه خليفةً لخامنئي كخُروج صاخب عن مبدأ “حُكم الفقيه”. فوفقًا لنظرة خامنئي وانسجامًا مع دُستور الجمهورية الإسلامية من عام 1979، على المُرشِد الأعلى أن يكون عالِم الدين الأعلى رُتبة. أدّى اختيار خامنئي، الذي كان في رُتبة “حجة الإسلام” (رتبة أقلّ من تلك التي لآية الله) إلى إنتاج وضع ما عادت فيه الزعامة السياسية بين يدَي مصادر السُّلطة الدينية. في بداية قيادته، بدا أنّ خامنئي قانع بالمكانة التي اكتسبها وأنّ القوة السياسية المركزية هي بين يدَي الرئيس رفسنجاني. لكنّ خامنئي عمل تدريجيًّا على تثبيت سُلطته باستخدام سلطته على أجهزة الدولة، وعلى رأسها الحرس الثوريّ، لزيادة قوّته. وهكذا قوّى تدريجيًّا صلاحياته، حادًّا من قدرة الرؤساء رفسنجاني، خاتمي، ونجاد على المبادَرة.

خامنئي كمٌفتٍ حاسم في إدارة السياسات

أتاح تثبيت مكانة خامنئي له أن يركّز بين يدَيه معظم صلاحيات إدارة الدولة، وحتّى توسيعَها. يعمل القائد مصمِّمًا للخطوط العامّة للسياسة الإيرانية، يشرف على الأداء السليم للنظام، ويعمل قائدًا أعلى للقوات المسلحة. تمنحه صلاحياته في الواقع تحكُّمًا مطلَقًا بالسلطات الثلاث وتضعه فوق القانون عمليًّا، رغم أنّ الدستور ينصّ نظريًّا على أنه مساوٍ لباقي أفراد الشعب أمام القانون.

آية الله علي خامنئي  (AFP)
آية الله علي خامنئي (AFP)

رغم صلاحياته الواسعة، يعمل خامنئي إلى حدٍّ كبير خلفَ الكواليس، مستغلًّا المؤسسات ومراكز القوى الخاضعة له ليفرض استراتيجيته. لا يتجلّى تأثيرُه غالبًا في التدخُّل المباشر في إدارة شؤون الدولة اليومية، وهو يمتنع عامّةً عن التدخُّل بشكل واضح في عمل المؤسسات السياسيّة المُنتَخَبة. أمّا في الحالات التي رأى فيها خامنئي أنّ تدخّله مطلوب لمنع الانحراف عن قِيَم الثورة، فلم يتردّد في فِعل ذلك. هكذا، مثلًا، منع المُرشد عام 2000 نقاشًا في مجلس الشورى كان يهدف إلى زيادة حرية التعبير في البلاد. كذلك، توقّف الدعم الذي قدّمه خامنئي للرئيس محمود أحمدي نجاد في ولايته الأولى حين تبيّن للمرشِد أنّ الرئيس يشكّك في قيادته. أضحت الخلافات في وجهات النظر بين الرئيس والمرشِد أزمة سياسية حادّة في آخر عامَين من عهد أحمدي نجاد. وأتاح وقوف المؤسسة الدينية والحرس الثوريّ إلى جانب المرشِد لخامنئي تحييدَ قوة أنصار الرئيس، الذين دعاهُم خصوم أحمدي نجاد “التيار المنحرِف”، وتوطيد مكانته أكثر.

خامنئي، الغرب، والنووي: بين العدوانيّة والبراغماتية

خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)
خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)

تظهر صلاحيات المرشِد الواسعة خصوصًا في الشُّؤون الخارجية. ففي مقاربته للغرب، ولا سيمّا الولايات المتحدة، يحافظ خامنئي على الخطّ المضادّ لأمريكا الذي وضعه الخُميني. وتبرز عدوانيته الأساسية وشكُّه العميق بالولايات المتحدة حتّى في ذروة المفاوضات النووية بين إيران وممثّلي الولايات المتّحدة.

في الشأن النووي أيضًا، تبنّى خامنئي في السنوات الأخيرة موقفًا هجوميًّا. فالمسألة النووية تُشكّل، في نظره، ذريعة يستخدمها الغرب لإضعاف إيران وعزلِها. وهو يعتقد أنه حتى لو وافقت إيران على تفكيك برنامجها النوويّ، فلن يتنازل الغرب عن صراعه ضدّها. ويرى خامنئي أيضًا في البرنامج النووي بوليصة تأمين هدفها إحباط المؤامَرات الغربيّة. فقد فهم جيّدًا الدرس من تعامُل الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية، دولة ذات إمكانيات نووية عسكرية، مقابل تعامُلها مع العراق، الذي لم يمتلك إمكانيات كهذه، لذا يرى لزامًا على إيران أن تحافظ على ثرواتها النووية لوضعٍ قد تحتاجها فيه مُستقبَلًا.

علي خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية ايران الإسلامية (AFP)
علي خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية ايران الإسلامية (AFP)

في السنوات الماضية، ادّعى متحدّثون إيرانيّون أنّ خامنئي أصدر فتوى تحظُر تطوير، إنتاج، واستخدام سلاح دمار شامل، بما فيه السلاح النووي، لأنّه حرامٌ في الإسلام. لم تُنشَر هذه الفتوى مُطلَقًا، رغم أنّ خامنئي تطرّق في عدد من المناسبات للحظر الفقهيّ للسّلاح النوويّ. مع ذلك، تمنح الجمهورية الإسلامية في الكثير من الأحيان حاجات الدولة أولوية على الاعتبارات الفقهيّة. فقد قرّر الخميني نفسُه، في أواخر فترته كمُرشِد، أنّ الدولة مخوّلة أن تهدم مسجدًا أو تجمّد تنفيذ الوصايا الأساسية في الإسلام إن تطلّبت مصلحة الدولة ذلك. بناءً على ذلك، حتّى لو كانت ثمّة فتوى تحظر تطوير سلاحٍ نوويّ واستخدامه، يمكن أن يجري إلغاؤها مستقبلًا في حال تطلبت مصلحة الدولة ذلك.

رغم عدائه الجوهريّ للولايات المتحدة ونظرته المبدئية المناهضة لتسويات هامّة في الشأن النووي، يوفّر خامنئي دعمًا للرئيس روحاني في عملياته السياسية. حتى إنه صرّح في مؤتمر لقادة الحرس الثوري في أيلول أنّه لا يمانع تسويات تكتيكية في إطار أسلوب دعاه “مرونة بطوليّة”. يبدو أنّ تفاقُم الأزمة الاقتصاديّة نتيجةً للعقوبات الدولية وآثارها على استقرار النظام جعلت خامنئي يعي أنّ إيران تقف في مواجهة لحظة حاسمة، وأنّ قراراتٍ مؤلمة قد يُضطرّ إلى اتّخاذها. حتّى إن وافق خامنئي على اتّفاق نوويّ مع الغرب، يُتوقَّع أن يُصرّ على أن يتضمّن أيُّ اتّفاق رفعَ العقوبات وأن يُتيح لإيران أن تبقى على مسافة وثبة صغيرة قدر الإمكان نحو إمكانيات نووية عسكرية.

اقرأوا المزيد: 993 كلمة
عرض أقل
مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)
مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)

إيران والولايات المتحدة: من “الشيطان الأكبر” إلى طاولة المفاوضات

التطبيع الكامل للعلاقات بين إيران والولايات المتحدة غير متوقّع في المدى المنظور، خصوصًا ما دام علي خامنئي صاحب الكلمة الفصل في تحديد الاستراتيجية الخارجية لبلاده.

في الأسابيع الماضية، وُضعت لافتات مضادّة لأمريكا في شوارع عدد من المدن الإيرانيّة. وكُتب على اللافتات: “النزاهة بالأسلوب الأمريكي”، وهي تعرض صورًا تُظهر ممثلي إيران في المفاوضات جالسين للتفاوُض مع ممثّلي الولايات المتحدة بطريقة تهدف إلى التشديد على عدم نزاهة الأمريكيين ونواياهم الخبيثة تجاه إيران.

وأثار نصب اللافتات بالتزامُن مع تقدّم المفاوضات بين إيران ومندوبي الغرب، بمَن فيهم مندوبو الولايات المتحدة، انتقادًا لاذعًا من جانب أنصار حكومة روحاني الذين ادّعَوا أنّ هذه خطوة سياسية من قِبل خصومهم، هدفها وضع العصيّ في دواليب المساعي الدبلوماسية للحكومة. بالمقابل، عبّرت مصادر محسوبة على اليمين المحافظ عن دعمها لوَضع اللافتات. فقد دافع رئيس بلدية مشهد، الذي قرّر إبقاء اللافتات، عن قراره قائلًا إنّ الولايات المتحدة حاربت مواطني إيران بطُرق مختلفة منذ الثورة الإسلامية. وادّعت مقالات تحليل نُشرت في الصحافة المحافِظة أنّ اللافتات تعكس بدقّة تعامُل الولايات المتحدة مع إيران: إدارة مفاوضات دبلوماسية معها مقابل استمرار التهديدات العسكرية لها.

منذ البداية، نظرت الثورة الإسلامية إلى الولايات المتحدة بصفتها “الشيطان الأكبر”، وتطوّر العداء تجاهها حتّى أصبح بمثابة معتقَد دينيّ. رأت إيرانُ الثورية الولاياتِ المتحدة مصدرًا لكلّ الشر في العالم ومسؤولة عن السياسة المضادّة لإيران في الإقليم والمسّ بمصالح إيرانيّة مباشرة عبر العقوبات الاقتصادية، دعم المعارضة الإيرانية، انتقاد سياسة النظام، دعم الأنظمة العربية المعتدِلة في الشرق الأوسط، دعم إسرائيل، والهجوم الحضاريّ ضدّ إيران. وضمن لائحة الاتهامات للولايات المتحدة شُملت بنود لا تتعلق بسياستها ضدّ إيران بعد الثورة فحسب، بل أيضًا بدعمها لنظام الشاه الاستبداديّ، الذي جرى التعبير عنه في تورّط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (‏CIA‏) في الانقلاب الذي أطاح بحكومة محمد مصدق في آب 1953.

مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)
مظاهرات إيرانية ضد سياسة الولايات المتحدة (AFP)

وبقيت النظرة التي لا تقبل التسويات، التي انتهجها الخميني تجاه الولايات المتحدة قائمة حتّى بعد تعيين علي خامنئي مُرشدًا للثورة عام 1989. وعبّر خامنئي عن نظرته العدائية للولايات المتحدة حتى حين أبدت عناصر براغماتيّة في إيران، منذ التسعينات فصاعدًا، اهتمامًا أكبر بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وبدأت تدافع عن التفاوُض معها. فحين دعا الرئيس محمد خاتمي إلى التفاوض مع الولايات المتحدة بُعَيد انتخابه رئيسًا عام 1997، رفض خامنئي أية إمكانية للتسوية. وبعد مقابلة أجرتها CNN مع خاتمي في كانون الثاني 1998، عاد المرشد الأعلى وكرّر إدانته للولايات المتحدة بشدّة، واعدًا أنّ إيران ستواصل الصراع ضدّها.

واشتدّ الجدل السياسي الداخلي في إيران بشأن سياستها حيال الولايات المتحدة أكثر فأكثر في أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي على إيران في السنوات الأخيرة والأزمة الاقتصادية الخانقة. وفيما زعمت مصادر في اليمين المحافِظ، وعلى رأسها المرشد الأعلى، أنه لا يجب الانحراف عن الخط الأيديولوجي المعادي للولايات المتّحدة، فإنّ عناصر براغماتيّة في الوسط السياسي دعت إلى إعادة دراسة جدوى رفض إيران للمفاوضات مع واشنطن. وأثير هذا النقاش مؤخرا قرابة الذكرى السنوية للسيطرة على سفارة الولايات المتحدة في طهران، التي جرى إحياؤها في 4 تشرين الثاني. فعشية الذكرى السنوية، قال رئيس “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، إنّ مفجّر الثورة الإسلامية، روح الله الخميني، وافَق مبدئيًّا على إلغاء الشعار “الموت لأمريكا”. وأثارت أقواله نقدًا لاذعًا من جانب أوساط في اليمين المتطرف اتهمته بتحريف أقوال مرشد الثورة.

وتتجلّى النظرة المتغيّرة تجاه الولايات المتحدة في العقد الأخير بين الشعب الإيراني أيضًا. في أيلول 2002، نشر معهد الأبحاث الإيراني “إيندا” نتائج الاستطلاع، الذي تناوَل مواقف الجمهور فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة. وأظهر الاستطلاع أنّ 74% مِن مواطني إيران يدعمون استئناف العلاقات مع الولايات المتحدة، رغم أنّ 60% منهم لديهم مواقف سلبيّة من العلاقات مع الولايات المتحدة ومن سياستها. وسرعان ما رفض المرشد الأعلى بحزم نتائج الاستطلاع مصرِّحًا أنّ الإيرانيين يعارضون الحوار مع الولايات المتحدة وأنّ ذوي التفكير المغاير هم عديمو الفخر الوطني أو جهَلة. وفي أعقاب نَشْر الاستطلاع، أمرت السلطات بإقفال معهد الأبحاث واعتقال مُديريه. مؤخرا، أوعز الرئيس روحاني بإجراء استطلاعات رأي حديثة تفحص مواقف الشعب من المفاوضات مع الولايات المتحدة. من النتائج الأولية للاستطلاعات، التي نُشرت في تشرين الأول، تبيّن أنّ بين 80 و90 من المئة من الشعب يدعمون تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

رغم الدعم الذي وفّره خامنئي للرئيس روحاني لإدارة المفاوضات مع الأمريكيين، فمن الواضح أنّ موقفه الأصليّ من الولايات المتحدة لم يتغيّر. ففي خطابه في ذكرى السيطرة على السفارة الأمريكية، هاجم خامنئي بحدّة الولايات المتحدة، وأكّد أنه لا يثق بها. وتعبّر الجهود التي بذلها النظام لتجري تظاهُرات 4 تشرين الثاني كالمُعتاد، وحتى بطريقة أبرز، عن خشية النظام من أنّ التراجع عن سياسته التقليدية تجاه الولايات المتحدة سيُعتبَر انحرافًا صارخًا عن طريق الثورة، وبالتالي يمسّ بهويّته.

ومعنى هذه النظرة هو أنّ التسوية التامّة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة غير متوقّعة في المدى المنظور، خصوصًا ما دام علي خامنئي المفتي الأعلى في تحديد الاستراتيجية الخارجية لبلاده. مع ذلك، يمكن أن يؤدي استمرار المفاوضات بين مندوبي إيران والولايات المتحدة في الشأن النووي – لا سيّما إذا أدّى إلى تسوية في هذه المسألة – إلى تمهيد الأرض لحلّ خلافات أخرى بين واشنطن وطهران، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو فيما يتعلّق بالمصالح الإقليمية للبلدَين، مثل: الأزمة السياسية في سوريا، والتطوّرات في العراق. على المدى البعيد، يمكن أن تعيد اتفاقات كهذه ترميم الثقة بين الدولتَين، أو حتى تقود إلى تطبيع العلاقات بينهما.

اقرأوا المزيد: 777 كلمة
عرض أقل
علي خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية ايران الإسلامية (AFP)
علي خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية ايران الإسلامية (AFP)

هل تقف الجمهورية الإسلامية أمام أزمة ميراث؟

الإشاعات حول مرض عضال خامنئي تضرم معارك سرية حول وراثة منصب القائد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية

ازدادت الإشاعات بعد أن امتنع خامنئي بشكل استثنائي من إلقاء خطاب شعبي في العيد الشيعي غدير خم، الذي كان الأسبوع الماضي. بلّغ الإعلام الإيراني في الحقيقة في الأيام الأخيرة عن رسائل لا تزال تنشر باسم خامنئي في قضايا مختلفة، لكنه لم يظهر بنفسه أمام العامة. يصادف الرابع من تشرين الثاني في إيران الذكرى السنوية للسيطرة على سفارة الولايات المتحدة في طهران عام 1979، وبعد أسبوع من ذلك الوقت سيكون يوم حداد على وفاة الإمام الشيعي في إيران، الحسين بن علي، في معركة كربلاء. إن استمرار اختفاء القائد أمام الشعب في هذه الأحداث أيضًا، يشهد بوضوح على تطور غير عادي لوضعه وسيزيد الكثير من الإشاعات حول صحته.

يشغل القائد الأعلى منصب رئيس الدولة في إيران، منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ويركز تحت سيطرته أساس صلاحيات إدارتها. لقد تم توسيع هذه الصلاحيات أكثر في نطاق إصلاحات تم إدخالها على دستور إيران في أعقاب وفاة مؤسس الثورة، آية الله روح الله خميني، وانتقال الحكم منه إلى وريثه، علي خامنئي، عام 1989. يعمل القائد كمصمم الإستراتيجية للسياسة الإيرانية، خاصة في القضايا الخارجية، ومفتش على الأداء السليم للحكم ويشغل منصب الضابط الأعلى للقوات المسلحة. إن صلاحياته الموسعة تمنحه في الواقع سيطرة تامة على السلطات الثلاث. إن القدرة العملية للمؤسسات المنتخبة من قبل الجمهور، وعلى رأسها الرئيس، تتعلق إلى حد كبير في حرية التي يمنحها لها القائد وهي مجبرة في الحقيقة على العمل بموجب الاستراتيجية العليا التي يحددها.

على الأمد القصير، إن موت القائد لا يُتوقع حتما أن يهز النظام السياسي في إيران، لأن الأخير أعد على مر السنين الأجهزة المطلوبة لنقل القيادة بشكل مرتب لوريث متفق عليه. إن المسؤولية لاختيار القائد الأعلى موجودة في حوزة “مجلس المختصين” المكوّن من 86 من رجال الدين ومسؤول وفق دستور الجمهورية الإسلامية عن التفتيش على نشاط القائد، تعيين وريث له وحتى إقالته في حال وجد أنه لم يعد مؤهلا على الاستمرار وإشغال منصبه. إن تشكيله الحالي، الذي تم تحديده في الانتخابات الأخيرة التي أجريت للمجلس في كانون الأول من عام 2006، يجسد سيطرة اليمين المتعصب. يقر الدستور الإيراني، أنه في حالة وفاة القائد أو أنه لم يعد بمقدوره أن يؤدي وظيفته، يختار مجلس المختصين قائدا جديدا في أقرب وقت من بين رجال الدين الكبار. وحتى أن يتم انتخاب القائد يؤدي وظائفه مجلس قيادة مكوّن من الرئيس، رئيس السلطة القضائية وأحد أعضاء “مجلس صيانة الدستور” الذي يتم تحديده من قبل رئيس “مجلس تحديد مصلحة الحكم”. في الحقيقة يتوقع أن يكون تعيين القائد القادم متأثرًا من نزاعات وراثة سياسية، تجري خلف الكواليس ضمن تدخل جهات قوة مختلفة في الجهاز السياسي، في ديوان القائد، في المؤسسة الدينية وفي حرس الثورة.

من الصعب تقدير من سيتم انتخابه كوريث لخامنئي. في الماضي، ظهر اسم رئيس “المجلس لتحديد مصلحة الحكم” والرئيس السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، كأحد المرشحين البارزين لوراثة القائد الحالي. يعد رفسنجاني أحد أقدم السياسيين وذوي التأثير الكبير في إيران، ولكن أيضًا أحد مثيري الاختلاف البارزين فيما بينهم. إن العلاقات بينه وبين خامنئي متوترة كثيرًا منذ سنوات الثمانين، عندما أشغل خامنئي منصب الرئيس ورفسنجاني منصب رئيس المجلس والمسؤول عن إدارة الحرب مع العراق. نظرًا للأزمة السياسية التي اندلعت في إيران بعد انتخابات الرئاسة عام 2009، تفاقمت العلاقات بين الاثنين. وقف رفسنجاني إلى جانب مرشح المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي، واعترض على تصرف خامنئي في الأزمة. ردًا على ذلك، قام خامنئي بإبعاد رفسنجاني من خطبة الجمعة في طهران وبعد ذلك أقاله أيضًا من وظيفته كرئيس “مجلس المختصين”. في الانتخابات الأخيرة لرئاسة إيران رفض “مجلس صيانة الدستور” ترشح رفسنجاني الذي عمره 79، رسميا من منطلق الجيل لكن في الواقع كما يبدو من اعتبارات تتعلق بوفائه المشكوك في أمرها للقائد.

رئيس "المجلس لتحديد مصلحة الحكم" والرئيس السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني (AFP)
رئيس “المجلس لتحديد مصلحة الحكم” والرئيس السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني (AFP)

بسبب فوز حسن روحاني في الانتخابات، الذي يعتبر أحد مقربي رفسنجاني، تعززت في الواقع مكانة رفسنجاني وقوي تأثيره السياسي. تتيح له ترقية مكانته مجددًا، في الواقع، مساعدة رفسنجاني على لعب دور مركزي في نزاعات الوراثة المتوقعة، لكن هنالك شك في أن تكفيه لكي يتم انتخابه كوريث. لا يزال رفسنجاني يُعتبر “قماشًا أحمر” في نظر القسم اليميني المتطرف في المعسكر المحافظ وفي أعين كبار في حرس الثورة. إن إمكانية تعيينه كقائد ستواجه دون شك معارضة شديدة من جانب جهات في اليمين المتطرف، رجال دين متطرفين، مثل رجل الدين عالي الرتبة، آية الله محمد تقي مصباح اليزدي وكبار في حرس الثورة. يمكن لهذه المعارضة أن تضعضع التكتل السياسي الداخلي، وثمة في ذلك شك كبير في أن يفضل كبار الشخصيات في الحكم تمرير قيادة الدولة إليه.

ظهر اسم آخر في السنوات الأخيرة كوريث ممكن للقائد وهو ابنه، مجتبى خامنئي، الذي يعتبر أحد أكثر الأشخاص تأثيرًا في ديوان الحاكم. كما تدعي جهات في إيران، عمل أبوه في السنوات الأخيرة في وسط كبار رجال الدين الشيعيين في إيران والعراق لتوطيد مكانة ابنه، الذي يعتبر ذا تأهيل ديني وحتى أنه تم الاعتراف به كمفتي (مجتهد) لكي يتمكن من وراثته عندما يحين الوقت. في الأسبوع الماضي، نشرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية بشكل استثنائي صورة مجتبى وهو يرتدي ملابس رجال الدين. لقد أثار نشر صوره مجددًا الشائعات فيما يتعلق بنية خامنئي بتجهيز الظروف لتعيينه كوريث. مجتبى الذي يحمل على ما يبدو مواقف محافظة متطرفة يقيم علاقات جيدة مع رجال دين كبار ومع ضباط كبار في حرس الثورة. إن تأهيله كوريث قائم، مع ذلك، في مراحل مبكرة نسبيا وهنالك شك كبير في أن يتمكن من خلافة والده قريبًا.

يمكن أن يقرر “مجلس المختصين” أن يعيّن كوريث واحدا من أكبر رجال الدين الذين يعتبرون ذوي تجربة سياسية غنية. من بين الأسماء المحتملة، يمكن الإشارة إلى رئيس السلطة القضائية، آية الله صادق آملي لاريجاني؛ رئيس السلطة القضائية سابقًا، آية الله محمد يزدي؛ عضو “مجلس صيانة الدستور” آية الله محمود هاشمي شاهرودي؛ وإمام صلاة يوم الجمعة في طهران، آية الله أحمد خاتمي. سيتأثر انتخاب الوريث، كما قيل، من نزاعات وراثة ستجري خلف الكواليس. إن إحدى الجهات الهامة، المتوقع أن تلعب دورًا في هذه النزاعات، هي حرس الثورة، الذين تحولوا في السنوات الأخيرة إلى مصدر قوة مركزي في الجمهورية الإسلامية. على الرغم من وصية مؤسس الثورة، آية الله الخميني، بمنع تدخل القوى المسلحة في السياسة، ازداد تدخل حرس الثورة في النظام السياسي والاقتصاد كثيرًا. سيطمح حرس الثورة لإشغال منصب مركزي في نزاعات الوراثة بسبب إدراكهم للمسؤولية الملقاة على كاهلهم في الحفاظ على ثبات الحكم من جهة، ومن دافع السعي وراء الحفاظ على المصالح التنظيمية الخاصة بهم في العهد الذي يلي موت القائد من جهة أخرى.

كذلك إذا لم يضعضع موت القائد بشكل دراماتيكي النظام السياسي الإيراني على الأمد القريب، بحيث يكون له تأثير فعلي على عملية اتخاذ القرارات في إيران، في الأساس في مجال السياسة الخارجية الذي يشغل فيه القائد وظيفة مصيرية مقابل السياسة الداخلية التي يتم تحديدها غالبا من قبل الرئيس. إذا توفي خامنئي قريبا، سيترك وراءه إرثا معقدا قابلا لتحليلات مختلفة في مجال السياسة الخارجية. لقد منح في الأشهر الأخيرة حماية للسياسة الخارجية المصالحة للرئيس روحاني أمام الولايات المتحدة والغرب من جهة، وقد عاد ووضح معارضته على قطع “الخطوط الحمراء” الضرورية للمصالح الوطنية لبلاده، وعبر عن توجهه الأساسي القلق تجاه الولايات المتحدة من جهة أخرى. إن موته المفاجئ يمكن له أن يثير جدالا قويا حول وراثته بين الجهات البرغماتية في الحكم وبين جهات في اليمين المحافظ المتطرف. في جميع الحالات، ثمة شك كبير إن كان قائد جديد بمقدوره اتخاذ قرارات استراتيجية ضرورية من أجل توقيع اتفاق بين إيران والغرب في الملف النووي. وفقا لذلك، من الممكن أن يؤجل موت خامنئي، بشكل ملحوظ، المفاوضات الحالية بين إيران وإمبراطوريات الغرب حول برنامجها النووي.

كذلك في السياسة الخارجية الإقليمية، ستكون قدرة قائد جديد على إجراء التغييرات الهامة محدودة على الأقل حتى تثبيت حكمه. إن جهات مختلفة في الجهاز السياسي، في حرس الثورة وفي المؤسسة الدينية يمكنها استغلال استبدال القائد من أجل تشغيل تأثيرها في محاولة لإقناع القائد الجديد أن يتبنى رؤيتها السياسية. على الرغم من ذلك، يجب أن نفترض، أن كل قائد جديد سيفضل أولا تأسيس حكمه وتثبيت النظام السياسي قبل التفرغ لاتخاذ قرارات معناها تغيير الاتجاه في سياسة إيران.

على الأمد المتوسط والبعيد يمكن لموت خمانئي أن يضع تحد كبير أمام الحكم وحتى تهديد ثباته. يمكن لموت القائد أن يسرع تطور عمليات داخلية تجري في إيران في العقود الأخيرة. إن الضائقة الاقتصادية الصعبة التي تصيب إيران، الضوائق الاجتماعية والاقتصادية التي تقف أمام مواطنيها، وأساسا في وسط الجيل الشاب، والضرر المستمر لمركز رجال الدين وفي تبني “سلطة نابغة الشريعة” يمكن لجميعها أن تثير مجددًا الجدل حول شخصية وهوية الجمهورية الإسلامية في العهد الذي يلي خمانئي. لذلك يمكن أن يؤدي موته في المستقبل، إلى تغييرات استراتيجية في سياسة إيران ليس فحسب، بل حتى إلى تأثيرات داخلية بعيدة الأمد في مبنى الحكم.

اقرأوا المزيد: 1330 كلمة
عرض أقل
آية الله علي خامنئي  (AFP)
آية الله علي خامنئي (AFP)

أين اختفى الزعيم الإيراني خامنئي؟

لم يُشاهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بشكل علني منذ ثلاثة أسابيع وثمة خوف في بلاده من حالته الصحية ومن معارك على خلافته بعد وفاته‎

كان الزعيم الروحي الإيراني، الذي يعاني من سرطان البروستات، قد انهار خلال لقاء خاص وطرأ تدهور على حالته الصحية في الأسابيع الماضية – هذا ما أفادت به صحيفة التايمز اللندنية. ويستشف من التقرير أن خامينائي لم يُشاهد بشكل علني في الأسابيع الثلاثة الماضية وقد أعربت جهات في الدولة عن قلق كبير حيال الفراغ القيادي الذي قد ينشأ إذا وافته المنية.

وقد جاء أيضا أن خامنئي لم يلق خطبته السنوية خلال “عيد الغدير” – وهو أهم عيد في التقويم الشيعي ولم يهنئ بعيد الأضحى المبارك كالمعتاد. وقال أحد مؤيديه: “يبدو أن مرضه متفاقم أكثر مما اعتقدنا”، “ثمة أشخاص قلقون من أن تكون هذه هي النهاية”.

وقد جاء ادعاء في وثائق “ويكيليكس” أن خامينائي يعاني من سرطان مميت في البروستات. من شأن وفاته أن تُحدث فراغًا سلطويا كبيرا في إيران، في الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات مع الغرب بالذات حول البرنامج النووي إلى مرحلة حاسمة.

في العام 1989، ورث خامينائي زعيم الجمهورية الإسلامية، أية الله روح الله الخميني، ليكون المرشد الأعلى وهو لم يحدد من سيخلفه. رغم القوة الكبيرة التي بين يديه، فقد تضررت مكانة خامينائي بشكل كبير في المظاهرات الاحتجاجية الكبيرة التي انطلقت في العام 2009، بعد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد من جديد.‎ وقد اضطر أيضا إلى مواجهة طموحات غير مكبوحة من قبل الشخص الذي احتضنه ودعمه على الرغم من الانتقادات الكبيرة من الداخل والخارج.

تتخوف أوساط خامنئي من أن من سيخلفه في حال وفاته، سيكون الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الأمر الذي سيعتبره المحافظون بمثابة كارثة في إيران بسب علاقاته الحميمة مع منظمات إصلاحية.

بعد أن رفض ترشيحه للتنافس في الانتخابات الأخيرة للرئاسة في إيران، ألقى رفسنجاني بكل ثقله ودعم المرشح المعتدل حسن روحاني، الذي انتخب في شهر حزيران ليكون وريث محمود أحمدي نجاد.

اقرأوا المزيد: 270 كلمة
عرض أقل

عودة جدل علاقة الحجاب بالدولة إلى المجتمع الإيراني

عاد موضوع الحجاب وشكله وطريقة تعامل السلطات معه ليطرح نفسه في المجتمع الإيراني، خاصة أنه كان بين أهم شعارات الحملة الانتخابية للرئيس حسن روحاني

وكالة إيرانية تعدل تصريح رفسنجاني المنتقد لنظام الأسد

استبدلت وكالة أنباء العمال الإيرانية خبرا سابقا قالت فيه، إن الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، اتهم النظام في سوريا بمهاجمة شعبه بالسلاح الكيماوي، وضمنت الوكالة لاحقا نسخة مختلفة من التصريحات، تخلو من تحميل أي طرف المسؤولية عن الهجوم.

02 سبتمبر 2013 | 09:10

وكالة: رفسنجاني يقول إن حكومة سوريا شنت هجمات بالغاز

دبي أول سبتمبر أيلول (رويترز) – نقلت وكالة العمال الإيرانية شبه الرسمية اليوم الأحد عن الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني قوله إن الحكومة السورية الحليف القوي لطهران نفذت هجمات بأسلحة كيماوية ضد أفراد شعبها.

ونقلت الوكالة عنه قوله “كان الشعب هدفا لهجمات بأسلحة كيماوية من قبل حكومته والآن يتعين عليه كذلك انتظار هجوم من الأجانب.” وأضاف “شعب سوريا تحمل الكثير من الأضرار في هذين العامين.”

اقرأوا المزيد: 65 كلمة
عرض أقل
خطاب حسن روحاني في مجلس الشورى الإيراني خلال مراسم أداء اليمين الدستورية (AFP)
خطاب حسن روحاني في مجلس الشورى الإيراني خلال مراسم أداء اليمين الدستورية (AFP)

حكومة روحاني المقترَحة: مميّزات ودلالات

قدّم الرئيس المنتخَب، حسن روحاني، بداية هذا الأسبوع، قائمةً بالمرشّحين للوزارة في حكومته الجديدة، إلى رئاسة مجلس الشُّورى. ويتطلب تعيين المرشّحين مصادقة أعضاء المجلس، الذين سيعقدون بدايةَ الأسبوع القادم جلسةً خاصّةً لمنح الثقة للمرشّحين.

وتتألف حكومة روحاني المقترَحة بمعظمها من وزراء تكنوقراط ذوي ثقافة جامعية واسعة (أكثر من نصف الوزراء يحملون شهادة دكتوراه، بعضهم من جامعات غربيّة). معظم الوزراء المرتقَبين قريبون سياسيًّا من التيار المركزي في معسكر المحافظين. وقد سبق لعددٍ منهم شغل مناصب وزارية في حكومات الرئيسَين السابقَين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. ولا تشمل الحكومة المقترَحة أية امرأة، كما لا تضمّ أي تمثيل للأقليات العرقية – اللغوية السنية (الكرد، البلوش، والعرب).

حكومة وسطية بأفضليّة إصلاحات اقتصادية لا إصلاحات سياسيّة

تعكس تشكيلة حكومة حسن روحاني المقترَحة طموحه إلى الموازنة بين القوى السياسية المتناقضة. فمن جهة، روحاني ملتزِم تجاه حلفائه في التيار المعتدل للمعسكر الإصلاحي، الذين دعموه خلال معركة الانتخابات. ومن جهة أخرى، تجنّب تعيين وزراء إصلاحيين مثيرين للخلاف، يمكن أن يُثيروا اعتراضًا من المؤسسة الدينية المحافظة برئاسة المرشد الأعلى، وحتّى أن يرفض مجلس الشورى تعيينهم.

ولمنع معارَضة اليمين المحافِظ، امتنع روحاني عَن ترشيح وزراء محسوبين على التيار الإصلاحيّ في وزارات “حساسة” في نظر المؤسسة الدينية – المُحافِظة، وعلى رأسها وزارات الداخلية، الاستخبارات، الإرشاد الإسلامي، والعدل. حتى إنه وضع في وزارتَي الداخلية والعدل مرشحَين محسوبَين بشكل جليّ على اليمين المحافظ. وتتجلى محاولة روحاني الامتناع عن الاحتكاك مع المؤسسة المحافِظة في امتناعه عن دعوة الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، إلى مراسم أدائه اليمين الدستورية.

وامتنع روحاني أيضًا عن الاستجابة لاقتراحات اليسار الإصلاحي بضمّ سياسيين إصلاحيين بارزين إلى حكومته، مثل: محمد رضا عارف ، الذي كان نائبًا للرئيس خاتمي، وانسحب لصالح روحاني قبل أيام معدودة من الانتخابات الأخيرة؛ أحمد مسجد جامعي، الذي كان وزير الإرشاد الإسلامي في حكومة خاتمي؛ وصفدر حسيني، الذي شغل منصبَي وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووزير الاقتصاد في حكومة خاتمي.

بالمقابل، ضمّن تشكيلتَه وزراء يُعتبَرون إصلاحيّين مُعتدِلين في وزارات أقل حساسية في نظر اليمين المحافظ، مثل: وزارات الخارجية، التربية، الصحة، النفط، العمل والرفاه، الاتصالات، والزراعة. وقد عيّن أيضًا عددًا من السياسيين، الذين اقترحهم التيار الإصلاحي، نوّابًا للرئيس، إذ لا يتطلب تعيينهم موافقة مجلس الشورى. مثلًا، عيّن الرئيسُ المنتخَب علي يونسي، الذي شغل منصب وزير الاستخبارات في حكومة خاتمي نائبًا للرئيس للشؤون السياسية والأمنية، وكذلك مرتضى بانك ، الذي عمل مستشارًا له في مركز الأبحاث الاستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام، نائبًا للرئيس للشؤون التنفيذية.

ويعكس امتناع روحاني عن ترشيح وزراء محسوبين على اليسار الإصلاحي في وزارات أساسية مسؤولة عن بلورة السياسات في شؤون الداخلية وفرض القانون تفضيلَه إجراء إصلاحات اقتصادية على إصلاحات سياسيّة – مدنيّة. وكانت قدرة الرئيس المنتخَب على إجراء إصلاحات سياسيّة – مدنيّة ذات أهمية، مثل: إطلاق سراح سجناء سياسيّين، دعم مؤسسات المجتمع المدنيّ، رفع القيود في مجال فرض الشريعة الإسلامية والرقابة على وسائل الإعلام، محدودة جدًّا منذ البداية بفعل معارضة المؤسسة الدينية – المحافِظة لهذه الإصلاحات التي تُعدَ تهديدًا لقيَم الثورة والنظام. ويمكن أن يَحُدّ تعيين وزراء ذوي ميول يمينية – مُحافِظة في وزارات الداخلية، العدل، والإرشاد الإسلامي أكثر من قدرة الرئيس على أن يبرّ بالوعود التي قطعها إبّان معركة الانتخابات بخصوص إجراء إصلاحات مدنيّة، والتقليل من الجوّ الأمني في المجتمَع.

ويعزّز ضمّ وزراء تكنوقراط ذوي ثقافة أكاديمية غربية، شغل بعضهم مناصب بارزة في الحكومة في عهدَي رفسنجاني وخاتمي، ليشغلوا مناصب اقتصادية هامّة، التقديرات المتعلّقة بنيته إجراء إصلاحات اقتصادية نيو ليبرالية. كذلك يُحتَمل أن يشير تعيين محمد نهاونديان ، الذي شغل حتى الآن منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة، رئيسًا لمكتب الرئيس، على نية الرئيس التركيز على السياسة الاقتصادية ودفع إصلاحات تعزّز القطاع الخاصّ.

ويمكن أن يشهد تعيين الدبلوماسي العريق، محمد جواد ظريف، وزيرًا للخارجية على طموح روحاني بتخفيف التوتّر مع المجتمع الدولي وتحسين علاقات إيران مع جيرانها. يُذكَر أيضًا أنّ بلورة استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية متعلقة إلى حدّ كبير بالمرشد الأعلى. إضافةً إلى ذلك، فإنّ صلاحيّات وزارة الخارجية محدودة بشكل عامّ، وهي مجرّد واحدة من الهيئات الفاعلة في مجال السياسة الخارجية، التي تشمل: المجلس الأعلى للأمن القومي، قسم الشؤون الدولية في مكتب المرشد، والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية.

خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)
خامنئي, أحمدي نجاد وروحاني (KHAMENEI IR / AFP)

“خائبو الأمل” من حكومة روحاني المقترَحة

ثمة ثلاث مجموعات مركزية يمكن أن تنتقد تشكيلة حكومة روحاني المقترَحة: النواة الأيديولوجية للمعسكر الإصلاحي، النساء، والأقليات العرقية – اللغوية السنّية. وقد أثار تعيين سياسيَّين مُحافظَين: عبد الرضا رحماني فضلي ، المقرَّب من رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، وزيرًا للداخلية، ومصطفى بور محمدي  وزيرًا للعدل، انتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي. ويثير تعيين بور محمدي نقدًا لاذعًا لا سيّما على اتّهام منظمات حقوق إنسان، له بالتورط في قضية قتل سجناء سياسيين في سجون في إيران عام 1988، وفي قضية “عمليات القتل المتسلسلة” لمثقفين إيرانيين في التسعينات.

ويثير قرار روحاني بعدم تعيين نساء في حكومته نقدًا من جانب منظمات حقوق إنسان، وفي مواقع التواصل الاجتماعي منذ عدة أيّام. فقد انتقدت ناشطة حقوق المرأة فاطمة راكعي‏)، الأسبوع الماضي غياب المرأة عن الحكومة المقترَحة. وكانت عضو مجلس الشورى الإصلاحية سابقًا قد صرّحت في مقابلة مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أنّ على الرئيس أن يعيّن ثلاث نساء على الأقل في الحكومة. وذكرت أنّ ضمّ نساء إلى الحكومة لم يعُد أمرًا محرَّمًا إذ سبق أن عيّن الرئيسان خاتمي وأحمدي نجاد نساءً وزيراتٍ في حكوماتهما. لذلك، ليس بوسع أحد التذرّع بأنّ رجال الدين يعارضون تعيين النساء في مناصب وزاريّة. وقالت إنّ لدى النساء في إيران قدرةً على إدارة الكثير من الوزارات، مثل وزارات العمل والرفاه، التربية، الإرشاد الإسلامي، الرياضة، الشباب، والاقتصاد. وقد ذكرت أنّه لم يُتَح لناشطات حقوق المرأة في الأسابيع الماضية اللقاء بالرئيس المنتخَب، لكنّ مطالبهنّ نُقلت إليه بوسائل مختلفة (‏http://www.kaleme.com/1392/05/09/klm-153422‎‏/).

كما وُجّه النقد لعدم ضمّ التشكيلة الحكومية نساءً خلال مؤتمر عالج ضمّ النّساء في حكومة روحاني، عقدته صحفيات إيرانيات الأسبوع الماضي. وقالت زهرة بهرم نجاد، عضو نقابة الصحفيين، في المؤتمر إنّ المشاركة الفاعلة للنساء في الحكومة يمكن أن تسهم في تحسين مكانة المرأة في إيران. وذكرت أنّ ثمة جدرانًا مرتفعة في إيران تعيق دخول النساء المجالَ السياسي، وأنّ الحضور القليل للنساء يمنعهنّ من لعب دور بنيوي في اتخاذ القرارات. وادّعت أن تشكيلة الحكومة المقترَحة تناقض تصريحات روحاني قبل الانتخابات بشأن ضرورة إشراك النساء في القرارات السياسية في البلاد، ولا تدلّ على مساواة بين النساء والرِّجال (‏http://www.mehrnews.com/detail/News/2107668‎‏).

كما يُتوقّع أن يثير انتقاداتٍ أيضًا عدمُ تعيين ممثّلين عن الأقليات العرقية – اللغوية السنية (العرب، الكرد، والبلوش)، لا سيّما في ظلّ نسب الدعم المرتفعة التي حظي بها روحاني في المحافظات التي يقطنها الكرد، البلوش، والتركمان في الانتخابات الأخيرة. ومنذ الانتخابات، توقّع ممثّلو الأقليات أن يحقق روحاني وعوده عشيّة الانتخابات بخصوص الاهتمام بحقوق الأقليات، وإلغاء التمييز الممارَس بحقها، وضمّ ممثِّليها إلى حكومته.

على الرغم من ذلك، من الجدير بالذكر أنّ تشكيلة الحكومة بحدّ ذاتها ليست كافية لخلق أزمة توقعات بين مناصري روحاني، وأنّ الدعم الجماهيري للرئيس المنتخَب متعلق إلى حدّ كبير بسياساته على أرض الواقع، إنجازات حكومته في الشهور القادمة، ونجاحه في تحقيق وعوده فعليًّا.

اقرأوا المزيد: 1014 كلمة
عرض أقل