مثل كل الأمور الجيّدة والمميّزة، اكتُشف عقار LSD، أو باسمه الكامل ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك، بمحض الصدفة. ففي أحد أيّام ربيع العام 1943، جلس الكيميائي ألبرت هوفمان في مختبَره في سويسرا، وكان يعمل على مركّب كيميائي كان يدرسه منذ سنوات بهدف تصنيع دواء نسائيّ.

كانت المادّة صيغةً ما لفطرٍ كان ينمو على أجناس معيّنة من نبتة الجاودار. لم يتخيّل أيّ شخص أنّ دراسة كيميائية لمادّة عاديّة إلى هذا الحدّ ستقود إلى اكتشاف مزلزِل كهذا. بعد أن لمس المادّة المُعالَجة، بدأ هوفمان يشعر بالدُّوار، ودخل في حالة “تشبه السكر”، إذ بدأ خياله يعمل بشكل مفرِط. كان الاختبار الذي عاشه قويًّا وعميقًا إلى حدّ أنّ الكلمات لم تتمكّن من وصفه كاملًا.

بدأ هوفمان يرى أشكالًا متلألئة تتحرّك على الجُدران، وطلب من معاونه أن يرافقه إلى البيت. لكن فيما كان يركب على درّاجته إلى البيت، روى أنّ “كلّ شيء في حقل رؤيتي كان يتأرجح، وكان مُشوَّهًا كأنه انعكس في مرآة منحنية”. حين وصل، ظنّ خطأً أنّ جارته “ساحرة شرّيرة”، وعزل نفسه في البيت عاجزًا عن صياغة جملة مفيدة واحدة. لكنّ الأمر الأكثر غرابةً الذي شعر به هوفمان هو أنّ إحساسه بالذات فارقه، وأنّ نفسه تغادر جسده بحيث يتمكّن من رؤية نفسه في الخارج، ضمن رؤية واسعة للعالَم.

ألبرت هوفمان (Philip H. Bailey)
ألبرت هوفمان (Philip H. Bailey)

هكذا اكتُشف عقار الهلوَسة الأكثر تأثيرًا في العالم. وإليكم هنا بعض الأمور التي لا تعرفونها حتمًا حوله:

1. لا تتألف جرعة الـ LSD التي في وسعها التسبُّب بهلوسة شاملة من أكثر من 100 ميكروغرام، أي 0.0001 غرام. تتطلب عقاقير هلوَسة أخرى كمية أكبر بـ 5000 ضعف على الأقلّ لإحداث الهلوَسة.

2. لم يؤيّد هوفمان نفسه استخدام العقار لأغراض المتعة أو الفنون. فقد نظر إليه كدواء شرعيّ، يمكن أن يساعد أبحاث علم النفس والطبّ النفسيّ. لهذا السبب، جرى استخلاص دواء يُدعى “Delysid” من العقار، بهدف مساعدة الناس على التغلُّب على الصدمات النفسية التي عاشوها، وتخفيف معاناة المصابين بأمراضٍ عُضال.

3. أبدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) اهتمامًا خاصًّا بهذا الدواء، فقد نظرت إليه على أنه مفتاح السيطرة على نفوس البشَر. وكجزءٍ من مشروع هدف إلى دراسة إمكانية السيطرة على النفس البشرية، درست الوكالة تأثيرات العقار في العسكريين، الأطبّاء، وكلاء الحكومة، الطلاب الجامعيين، العاهرات، ومتلقّي العلاج النفسيّ.

وجبة LSD
وجبة LSD

4. خرجت إحدى التجارب الأمريكية عن السيطرة كما يبدو، وأدّت وفق التقارير إلى تسمُّم قرية كاملة جنوب شرقيّ فرنسا، بعد أن تسرّب العقار إلى مخزونها من الخبز عام 1951. صرّح رجُل: “أنا طائرة”، وبعد ذلك قفز من الطابق الثاني، كاسرًا رِجليه. بالمقابل، أغرق رجل آخر نفسه لأنّه ظنّ أنّ الأفاعي تأكل بطنه من الداخل. وادّعى شخصٌ آخر أنه يرى قلبه خارجًا من جسمه عبر القدمَين، فيما حاول فتى في الحادية عشرة من عمره خنق جدّته. عام 2010، ادّعى صحفي باحث أمريكيّ أنّ لديه أدلة تربط الحادثة بوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه).

5. أدرك كين كيزي، أحد المشاركين في تجارب وكالة المخابرات المركزية على LSD، أنه فيما كان الأطباء يعتقدون أنهم كانوا يستخدمونه، منحوه في الواقع مفتاح الكون كلّه. فقد قرّر الانطلاق في رحلة في الحافلة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، وقام بتوزيع جرعات من العقار في كلّ مكانٍ توقَّف فيه. وكان هدفه تحرير وعي الشعب الأمريكي. إثر تجربته للعقار، وضع كيزي كتاب أحدهم طار فوق عش الوقواق، الذي حُوّل إلى فيلم ناجح أيضًا.

6. أثار انتشار العقار خلال الستينات هلَعًا كبيرًا جدًّا في الولايات المتحدة، بحيث منعت الحكومة نشره، وأزيل الدواء عن الرفوف. واليوم، يُمنَع استخدام الـ LSD في جميع أنحاء العالَم تقريبًا.

7. إنّ تأثير استخدام العقار على الموسيقيين الأكثر شهرةً في الولايات المتحدة، أمثال أعضاء فرقتَي “البيتلز” و”دورز” أمر جليّ. لكن هل تعلمون أنّ عالم التكنولوجيا أيضًا يدين بالكثير لهذا العقار؟ فأحد الأشخاص الذين تفاخروا كثيرًا باستخدام العقار هو ستيف جوبز، مؤسس شركة “أبل” الراحل.

مؤسس شركة "أبل" ستيف جوبز (KIMIHIRO HOSHINO / AFP)

وفق جوبز، “كانت تجربة الـ LSD اختبارًا عميقًا، وأحد أهمّ الأمور في حياتي. يُظهر لك الـ LSD أنّ ثمة جانبًا آخَر للعُملة. لا يمكنك أن تتذكر ذلك حين يزول التأثير، لكنك ببساطة تعرف ذلك. قوّى هذا العقار لديّ التمييز بين الهامّ وغير الهامّ، إرادة إنجاز أمور كبيرة، القدرة على إنتاج تفكير خاصّ بي، والمعرفة أنني جزء من التيار والوعي الكبير للجنس البشريّ”.

سخر جوبز أيضًا من منافسه الشهير بيل غيتس لأنه لم يختبر العقار مُطلَقًا، وبقي بالتالي رجلًا يفتقر إلى الخيال يكتفي بنسخ أفكار الآخَرين.

اقرأوا المزيد: 653 كلمة
عرض أقل