تعتبر السعودية المستهلك الأكبر للعطور في العالم العربي. ومع ذلك، فاستخدام العطور لدى النساء والرجال المسلمين يثير أسئلة جندرية وفقهية عديدة: يتم تسويق العطور كمنتج فاخر، عصري، يتصل بالجمال، بالشهوانية، والأناقة، ويستدعي الإغراءات المحظورة. تثير الرسائل التي تُنقل إلى المستهلكين المسلمين عدم الراحة بخصوص استخدام العطور، ويُطرح السؤال إذا ما كان من المسموح استخدام منتجات العطور وفقا للشريعة.
بدأت تقاليد استخلاص العطور من أزهار الياسمين، الورود، رانتج الأشجار، والزيوت المختلفة في اليونان ومصر القديمة قبل الميلاد. في القرن السابع تطوّرت تجارة واسعة للعطور والزيوت العطرية داخل أراضي الإمبراطورية الإسلامية وبينها وبين جيرانها. نمتْ صناعة العطور وتطوّرت بفضل المساهمة الهائلة للكيميائيين المسلمين للعلم، وقد كان ابن سينا (1037—980) من البارزين، وهو طبيب، فيلَسوف وعالم من أصول فارسية، وكان أول من طوّر عملية التكرير لصناعة مركّبات العطور.
خلال الحملات الصليبية في القرن الثاني عشر جعل اللقاء بين الصليبيين والحضارة الإسلامية المسيحيين يستعيرون العلوم التي خزنها المسلمون في مجالات العلوم الإنسانية، الاجتماعية، الطبيعة، والطبّ، بما في ذلك تقنية استخلاص العطور وتكريرها. في تلك الفترة تم إنتاج معظم العطور من أزهار الخزامى، والتي كانت احتمالات نموّها في المناخ الأوروبي البارد منخفضة جدّا. في القرن الرابع عشر والخامس عشر، عندما وصلت التجارة بين أوروبا، الهند، والجزيرة العربية إلى ذروتها، استورد الأوروبيون مركّزات من أزهار الخزامى. في القرن التاسع عشر بدأوا بإنتاج العطور من خلال خلط الكحول بنسبة عالية (96%) مع مركَّز من الأزهار. واليوم أيضا تُستخدم الكحول الصناعية بنسبة مرتفعة في العطور، بسبب تكلفتها المنخفضة.
يعارض الكثير من الفقهاء استخدام المسلمين للعطور بسبب الكحول الموجودة فيها. وفق أقوالهم، لا ينبغي استهلاك المنتجات التي تكون فيها نسبة كحول مرتفعة (فيما عدا الاستخدام الطبي). فضلا عن ذلك، تضر الكحول الصناعية الموجودة في منتجات الرعاية ببشرة وصحّة المؤمنين. يجوز للمسلم المؤمن استخدام العطر على أساس الزيت فقط، وقبل الصلاة عليه تنظيف كل بقايا الكحول عن جسمه، شعر رأسه، وملابسه. يُحظر على المسلمة المؤمنة استخدام العطر ذي الرائحة الحلوة لأسباب تتعلق بالاحتشام، ويمكن للعطور النسائية أن تكون متنوعة الألوان ولكن ألا تفوح رائحتها. وإذا كان استخدامها هو لأسباب التعقيم أو منع رائحة الجسم غير اللطيفة فاستخدامها مسموح، ولكن أيضا في مثل هذه الحالات من المفضل استخدام الماء أو العطور على أساس الزيت.
ويجيز الفقهاء المعتدلون، مع ذلك، استخدام منتجات الرعاية على أساس الكحول، إذا كان الهدف منها هو الحفاظ على نظافة الجسم وصحته. وذلك باعتبار أن الكحول مصنوعة من السكّر، وهي مادّة طاهرة فقهيا. فضلًا عن ذلك، فإنّ استخدام المنتجات التي تكون فيها نسبة معينة من الكحول مسموح إذا لم تكن مسكرة، وطالما أن ليس هناك خوف من أن يُغرى المؤمنون لتذوّق السائل. وقد أجاز فقهاء آخرون للمصلّين تطهير أيديهم وأرجلهم قبل الصلاة أو قبل الحجّ إلى مكة بالعطور والزيوت (بدلا من الماء). وذلك بسبب منهج النبي، الذي شجّع المصلّين على القدوم إلى المسجد أو الحج وجسدهم نظيف ورائحته زكية.
ولأنّ هناك خلاف فقهي حول مسألة إنتاج، تسويق، واستهلاك العطور، فحتى المعتدلون من الفقهاء ينصحون رجال الأعمال المسلمين بترك منتجات الرعاية والاستثمار في مجالات أخرى. ولكن الفقهاء يدعمون رجال الأعمال والمسوّقين الذين ينتجون عطورا “تقليدية”، غير صناعية، خالية من الكحول وعلى أساس الزيت.
ومن المعتاد أن تضاف إلى العطور على أساس الزيت التي يتم إنتاجها في أوروبا اليوم وفقا لهذه التعليمات كحولا “حلال” يتم إنتاجها من العنب فقط. يحظى هذا البديل الصحّي والأخضر بدعم كبير في عالم الفقه الإسلامي. يتم إنتاج العطور من شمع النحل، من زيت جوز الهند أو زيت اللوز، وتباع هذه المنتجات أيضًا في الإنترنت ويؤكد رجال الأعمال أنّهم يتبرّعون بعشرة بالمائة من الإيرادات للصدقات، وهو كما يبدو حلّ يرضي الفقهاء والمؤمنين أيضًا. وللمفارقة، فإنّ المؤمنين الخُضَريّين يعارضون استخدام شمع النحل في مستحضرات التجميل، بل ويطالبون – لأسباب تتعلق بالأخلاق والبيئة – باستخدام بدائل صناعية، ومن بينها الكحول الصناعية.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي