اليوم الخميس (14 تشرين الثاني)، يحيي الشيعة ذكرى عاشوراء، يوم الحداد لذكرى المجزرة التي راح ضحيتها الإمام الشيعي الحسين بن علي وأنصاره في معركة كربلاء عام 680 للميلاد. وفيما يستعدّ الشيعة في إيران لمراسم الحداد التقليدية، يستمرّ السنة في البلاد في المعاناة من تمييز قاسٍ من سلطات الجمهورية الإسلامية.
ورغم أنّ نسبة السنة تناهز عُشر سكّان إيران، فهم يعانون من تمييز مستمرّ ناجم جزئيًّا عن كونهم أقليات إثنيّة – لغوية أيضًا. فمعظمهم عرب وكُرد، وأقلية منهم بلوش. في السنوات الأخيرة، منعت السلطات الإيرانيّة المصلّين السنّة من إقامة صلواتهم خلال عيد الفطر. في طهران، ليس ثمة مسجد سني واحد ناشط، كما تضايق السلطات مرارًا المدارس والمراكز الدينية التي يستخدمها السنة.
وعلى خلفية التمييز المستمر ضدّ السنة، يبرز مؤخرًا تصعيد جديد في التوترات في المناطق التي تسكن فيها الأقليات الإثنية – اللغوية السنية، ولا سيّما في سيستان – بلوشستان في جنوب شرقيّ إيران وفي الإقليم الكردي شمال غربي الدولة. ففي 6 تشرين الثاني، أعلن تنظيم يُدعى “جيش العدل” مسؤوليته عن اغتيال موسى نوري، المدعي العام لمدينة زابول في سيستان – بلوشستان. وحدث الاغتيال بعد مجرّد أسبوعَين من حادث خطير آخر قُتل فيه 14 شخصًا من حرس الحدود الإيراني في مواجهة مع مسلّحين في منطقة سراوان على حدود إيران مع باكستان. وأعلن “جيش العدل” أيضًا مسؤوليته عن هذه الحادثة. ردًّا على ذلك، أصدرت السلطات الإيرانيّة أوامر بإعدام 16 أسيرًا بلوشيًّا.
حركة جيش العدل السنية في إيران (BalouchRightsAd Twitter)
وتعكس الأحداث الأخيرة تصعيدًا جديدًا في المواجهة المستمرّة منذ سنوات بين السلطات الإيرانيّة والحركة السرية البلوشية. ويقود الصراع في السنة الماضية “جيش العدل”، الذي تأسّس في نيسان 2012. في البيان الأول الذي نشره التنظيم بعد إنشائه جاء أنه يهدف إلى حماية السنة من استمرار القمع من قِبل السلطات والنضال ضدّ سياسة النظام المؤسسة على التحقير، التمييز، الإعدامات، التعذيب، تدمير المساجد والمدارس الدينية، والتمييز الاقتصادي، السياسي، والثقافي. منذ إنشائه، تحمّل التنظيم مسؤولية عدد من الأعمال ضدّ قوى الأمن الداخلي والحرس الثوري، بينها: تفجير عبوات ناسفة في مركبات وقوافل للحرس الثوري وهجمات على قواعد عسكرية في المنطقة. قُتل في هذه الأعمال، حسب التنظيم، عشرات من رجال الحرس الثوري.
وبموازاة تنظيم “جيش العدل”، يعمل منذ 2011 تنظيمان محظوران آخران في منطقة البلوش: “صفاه صحابة” و”حركة أنصار إيران” المحسوبين على عناصر جهاد عالمي. في آذار 2011، أعلنت “صفاه صحابة” مسؤوليتها عن تفجير أنبوب غاز في منطقة مدينة قُم، وفي تشرين الثاني 2012 أعلنت مسؤوليتها عن تفجير في قاعدة الباسيج التابعة للحرس الثوري في مدينة زهدان. وكثّف تنظيم “حركة أنصار إيران” أو “أنصار سُنّة إيران” نشاطه هو الآخر منذ 2012. ففي تموز 2013، أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير في قيادة قوى الأمن الداخلي في مدينة تشبهار على سواحل خليج عُمان. وقال المتحدث بلسان التنظيم، أبو حفص البلوشي، في مقابلة مع قناة “العربية” إنّ التفجير نُفّذ بسبب دعم إيران لنظام بشار الأسد.
https://www.youtube.com/watch?v=gTdlJMW0gI0&feature=youtube_gdata_player
ويشهد التصعيد المتجدّد في الإقليم البلوشي أنّ الإنجاز الذي سجّلته السلطات الإيرانيّة في الصّراع ضدّ الحركات السريّة البلوشية هو وقتيّ فقط. وأدّى التوتر على خلفية عرقية مؤخرا في الإقليم الكردي أيضًا في أعقاب إعدام ثلاثة أسرى سياسيين من أصل كردي أوائل تشرين الثاني. وأدّى الإعدام إلى سلسلة من الإدانات الشديدة اللهجة من قِبل ناشطي حقوق مواطن، والاحتجاجات في المدن الكردية شمال غرب البلاد.
بالتوازي مع التوتر لدى البلوش والأكراد، لا يزال يحظى موضوع الأقليات بمكانة مركزية في جدول الأعمال الشعبي في إيران. ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كرّر ممثلو الأقليات طلباتهم بتغيير السياسية الحكومة تجاههم. وأثار انتخاب روحاني رئيسًا توقّعات بين الأقليات بتغيير سياسة التمييز المنتهَجة ضدّهم، لا سيّما على ضوء الواقع أنّ الرئيس المنتخَب حظي بما يزيد عن 70% من الأصوات في المحافظات البلوشية والكردية. بعد فترة قصيرة من انتخابه، التقى روحاني الزعيم الديني للسنة في إيران، مولوي عبد الحميد. بعد اللقاء، وصفه عبد الحميد بالإيجابي، قائلًا إنّ السنة يتوقعون من الرئيس الجديد أن يعمل على إزالة التمييز ضدّهم، لا سيّما فيما يتعلّق بتعيين سنة في مناصب إدارية بارزة على مستوى القُطر والمحافظات.
حركة إنصار إيران السنية (AnsarIran_arb Twitter)
ويستمرّ موضوع الأقليات في إثارة حساسية شعبية في إيران بين الحين والآخر. وظهر الأمر مثلًا في تموز 2013 في أعقاب مسابقة رسائل قصيرة أجرتها شركة الهواتف الخلوية “إيران سيل” بين زبائنها. أثارت المسابقة عاصفة بين السنة بعد أن لُقّب في أحد الأسئلة الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، “مَن خدعه الشيطان”. أثار السؤال احتجاجات حادّة بين السنة، الذين ادّعَوا أنّ هذا مسّ خطير بمعتقداتهم الدينية. إثر الاحتجاج، اضطرت الشركة إلى تجميد المساقة ونشر اعتذار علنيّ.
تجسّد الحوادث العنيفة في مناطق الأقليات التحدي، الذي تواصل المسألة الإثنية وضعه أمام السلطات الإيرانيّة. ورغم أنّ الرئيس الجديد وعد بالعمل على تحسين وضع أبناء الأقليات وتقليص التمييز الذي يعانون منه، لكنّ وعودًا كهذه أُعطيت في الماضي، ولم تُطبَّق في نهاية المطاف. يؤدي استمرار التمييز ضدّ الأقليات إلى جانب التزام عدد من تنظيمات الأقليات بمواصلة الصراع المسلّح ضدّ النظام إلى إضعاف قدرته للتوصّل إلى تسوية، تحفظ حقوق الأقليات وتضع حدًّا للنزاع العنيف على حدود إيران.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني