نقدّم لكم الكُتّاب الإسرائيليين الخمسة الرائدين اليوم. هم أولئك الأفضل من أي شخص آخر في وصف حالة الإنسان، كما ينعكس أمام أعينهم. في حياتهم وإبداعاتهم، هم المرآة الأدبية للمجتمع الإسرائيلي.
ديفيد غروسمان
“في إحدى المرات، قبل أن يُولد، قلتُ لها إذا وُلد لي طفل، فأول شيء سأفعله كل صباح سيكون القدوم إليه وإعطاؤه صفعة في وجهه. هكذا فقط. حتى يعلم أنني على حقّ. وبأنّ هناك حرب فقط“.
(من كتاب “انظر تحت: الحبّ”)
ديفيد غروسمان (Flash90)
عندما حدث أفظع شيء لديفيد غروسمان، كان قد أصبح كاتبا موضع تقدير. بعد سنوات تعمّق فيها بكتبه في دراسة ماهية الحبّ – الحب الذي بين الرجل والمرأة، بين الأب وابنه، وبين الرجل وصديقه – فقد ابنه أوري الذي قُتل في دبابة كان يُقاتل فيها في حرب لبنان الثانية، صيف عام 2006.
من خلال الفهم بأنّه “ليست هناك عدالة، هناك حربٌ فقط” – يظهر دائما في كتب غروسمان الإيمان بقوة الحبّ
في الفترة التي فقد فيها ابنه، عمل غروسمان على رائعته التي تحكي قصته الذاتية: “امرأة هاربة من الأنباء”، والتي تحكي قصة امرأة تهرب من منزلها في الوقت الذي يُجنّد ابنها للجيش، وذلك حتى لا تسمع خبر موته وتنقذه بذلك. حتى قبل ذلك فقد حظي بتقدير كبير بعد أن أجاد في وصف محنة الفلسطينيين في مخيّمات اللاجئين في كتابه “الزمن الأصفر” منذ عام 1987، والذي توقع اندلاع الانتفاضة الأولى.
ومع ذلك، مع كل المعاناة والفجيعة، من خلال الفهم بأنّه “ليست هناك عدالة، هناك حربٌ فقط” – يظهر دائما في كتب ديفيد غروسمان الإيمان بقوة الحبّ، وبقدرته على إصلاح الالتواء الذي في عالمنا. من شخصية شمشوم الجبّار في الكتاب المقدّس، مرورا بقصة الفتاة التي ناضلت من أجل إنقاذ شقيقها من إدمانه على المخدّرات وصولا إلى المرأة الهاربة خوفا من الأنباء عن وفاة ابنها – لا يختفي الأمل من أعماله أبدا.
وفي الوقت نفسه، فإنّ ديفيد غروسمان هو كاتب للأطفال موضع تقدير، حيث يستطيع كتابة أعمال تزيد من الحكمة وتتوجه إلى قلوب المراهقين، فضلا عن الكبار.
دوريت رابينيان
دوريت رابينيان (Moshe Shai/FLASH90)
“يُقلقني أنه يبكي في كثير من الأحيان. وعندما يضحك، يقلقني السعال الذي ينطلق من حنجرته. في إحدى الليالي، في الوقت الذي كان يغسل فيه الأطباق في الحوض، تنزلق إحدى الكؤوس وتستقرّ قطعة من الزجاج السميك في يده، في وسادة إبهامه الأيسر، كشفرة سكين، وتمزّق في لحمه جرحًا عميقًا، فتملأ كل الحوض بالدم“.
(من كتاب “جدار حي”)
في نظر الكثيرين، فإنّ دوريت رابينيان هي الصوت النسائي الرائد في الأدب الإسرائيلي. إنها تجيد – أكثر من أي كاتب وكاتبة إسرائيليين – أن تصف الفوارق الدقيقة في الحب: الشوق، الألم، القلق، الحميمية الهشّة.
بعد انطلاقها الأول ككاتبة شابّة واعدة، لم تستطع رابينيان على مدى 15 عامًا العودة للكتابة
بعد انطلاقها الأول ككاتبة شابّة واعدة، لم تستطع رابينيان على مدى 15 عامًا العودة للكتابة. استولى عليها الشلل. لقد بدأت بكتابة ما كان يفترض أن يُصبح روايتها الثالثة. كتبتها ثلاثة مرات أو نسخا مختلفة لها، وبعد خمس سنوات وضعتها على الرفّ.
انطلقت رابينيان هذا العام من جديد مع كتابها “جدار حيّ”، والذي يتناول أكثر القضايا تفجّرا: علاقة غرامية بين امرأة إسرائيلية ورجل فلسطيني، تجري في نيويورك. في نهاية المطاف، فإنّ الصراع في كتابها هو بين الاندماج والانفصال، بين المصير المشترك والهروب. وهي تثبت بذلك مجدّدا إلى أي مدى تعتبر محاولة الاعتماد على الحبّ ضعيفة، ولكنها رغم ذلك لا مفرّ منها.
إيلي عمير
إيلي عمير (Chen Leopold/Flash 90)
“إلى أين يذهب كل هذا، تساءلتُ الآن، لماذا لا يبقى الحبّ. إنّنا نتبعه طوال الحياة، وعندما يكون بأيدينا ينزلق من بين أصابعنا، ولسنا سريعين بما فيه الكفاية كي ننحني ونرفعه عن الأرض“
(من كتاب “ما تبقى”)
ليس هناك كاتب آخر أجاد في قصّ تجربة الهجرة من الدول العربيّة إلى دولة إسرائيل مثل إيلي عمير. في الثالثة عشرة من عمره، وصل فؤاد إلياس ناصح خلاصجي من بغداد إلى إسرائيل. ولظروف الزمان والمكان فقد غيّر اسمه إلى اسم عبري، أكثر إسرائيليةً: إيلي عمير. في الفترة التي بدأ فيها يهود الدول العربيّة في الوصول إلى إسرائيل، وحظوا غالبا بمعاملة سيئة، تمّ إيواء أسرة عمير في مخيّم للمهاجرين، وهو نوع هشّ من المخيمات الانتقالية، في ظروف قاسية ومكتظّة.
يتناول الكتاب الأول، والأكثر شهرة لعمير، “ديك الفداء”، فترة صباه ومراهقته كـ “صبي أجنبي” في كيبوتس في شمال إسرائيل، وعملية “الانتقال” وتشكيل الهوية التي مرّ بها، كما مرّ الكثيرون من أبناء جاليات المهاجرين الشرقيين. والكتاب متشابك بالدوافع التي تؤكد على التوتر بين الشرق والغرب، المهاجر الجديد مقابل القديم، القوي مقابل الضعيف، التقاليد مقابل العلمانية، وهي موضوعات استمرّ في تناولها في بعض كتبه.
يعود “الوطن المزدوج” دائما ليُطرح من خلال كتابات عمير
حظي كتاب عمير “مُطيّر الحمام” والذي يتناول الفترة التي فرّ فيها يهود العراق إلى إسرائيل، بنجاح كبير في العالم وتم تجسيده سينمائيّا في الآونة الأخيرة. تشتبك داخل الكتاب، بالإضافة إلى قصة الجالية اليهودية، أيضًا قصص حبّ وخيانة، ويتناول معضلة الولاء: للحبيبة من جهة، وللوطن من جهة أخرى.
يعود “الوطن المزدوج” دائما ليُطرح من خلال كتابات عمير. من جهة، الإيمان بإسرائيل كوطن لليهود، ومن جهة أخرى، ذكريات الطفولة التي تعيده إلى الأحياء اليهودية في مدن العراق.
فيما عدا اشتغاله في الكتابة عمل عمير في عدة وظائف في وزارة استيعاب القادمين الجدد والوكالة اليهودية، وشجّع هجرة اليهود إلى فلسطين (أرض إسرائيل). بل شغل في الستينيات منصب مساعد رئيسي لمستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب.
عاموس عوز
عاموس عوز (Flash90)
“هناك ما يكفي من الألم حولنا، ولا يجوز إضافة الألم. ينبغي، إذا كان بالإمكان، التقليل. عدم رش المزيد من الملح على الجروح المفتوحة“.
(من كتاب “راحة تامّة”)
عاموس عوز هو شيخ القبيلة الإسرائيلية، وصاحب الصوت الأوضح والأوثق للصهيونية الليبرالية في إسرائيل. فهو يؤمن بدولة إسرائيل، بمكانتها التاريخية، وبالثورة التي أحدثتها في أوساط الشعب اليهودي. ولكن من نقطة الانطلاق هذه، فهو يتألم أكثر من أي كاتب آخر في إسرائيل احتلال الأراضي الفلسطينية، والذي يُفسد – في رأيه – طابع البلاد التي يحبّها جدّا.
وهو يصرّح في العديد من الفرص، بثقة كبيرة، بأنه عن قريب ستقوم في القدس سفارتان: سفارة فلسطين في إسرائيل، وسفارة إسرائيل في فلسطين. وستكون المسافة بينهما، كما يعتقد، مسافة بضع دقائق من المشي.
من خلال هذا الاضطراب الشديد من فقدان الأم والانفصال عن الأب تجمّع في قلب عوز ينبوع من الأعمال الأدبية
كان “الانفجار الكبير” الذي قلب حياة عوز رأسًا على عقب هو انتحار أمه، عندما كان في الثانية عشر من عمره. ترك بيت والده في أعقاب هذا الحدث المأساوي، وهو بروفيسور صهيوني-يميني، واكتشف عالم الصهيونية الاشتراكية. في أعقاب ذلك تمرّد على صورة والده، كما يقول في أحد كتبه. ومن خلال هذا الاضطراب الشديد من فقدان الأم والانفصال عن الأب لصالح العالم الجديد، تجمّع في قلب عوز ينبوع من الأعمال الأدبية.
هذا الصدع بين حياته حتى انتحار أمه، وحياته منذ ذلك اليوم؛ واضح في جميع أعماله. ثمة منافسة في كل واحد من كتبه، بين اليهودي القديم والصهيوني، بين اليمين واليسار، بين الشاب والكبير، بين الرجل والمرأة، بين الكارثة والأمل في حياة أخرى.
في رائعته “قصة عن الحبّ والظلام”، تشابكت قصة حياته الشخصية والمأساوية بشكل رائع مع تاريخ إسرائيل. إنّ الصراع الأبدي بين الحبّ والظلام هو القصة الواسعة التي تجمع بين كلّ أعماله.
سيد قشوع
“سيارات معظم العرب ألمانية، باهظة الثمن، محرّكاتها كبيرة، مليئة بالإكسسوارات، أكثر تألّقًا بقليل ويوجد بينها عدد كبير من سيارات الطرق الوعرة ذات الدفع الرباعي. ليس أنّ أهالي التلاميذ اليهود يربحون أقلّ من أهالي الأطفال العرب في المدرسة، فالعكس هو الصحيح. ولكن وبخلاف الأهالي العرب، ليست هناك منافسة بين اليهود، لا يشعر أحد منهم بأنّ عليه أن يثبت نجاحه لأي شخص آخر، وبالتأكيد ليس عن طريق ترقية حجم محرّك السيارة كلّ عام“.
(من كتاب “ضمير المتكلّم”)
سيد قشوع (Nati Shohat/Flash90)
ليس هناك مثيل لسيد قشوع، المولود في مدينة الطيرة العربية، في وصف المعضلة الداخلية للفلسطينيين من مواطني إسرائيل. في الصراع بين اللغة العربية التي تحدّث بها قشوع في منزل أبيه وأمه وبين اللغة العبرية، انتصرت العبرية. عندما كان في سنّ الخامسة عشرة أرسله والداه للدراسة في مدرسة ثانوية إسرائيلية عبرية، حيث تعرّف فيها على العمق والثراء اللغوي للغة العبرية. ومنذ ذلك الحين فهو يجيد التعبير عن نفسه باللغة العبرية – وذلك على الرغم من أنه يراها لغة المحتلّ والظالم.
ينظر الفلسطينيون إليه كخائن صهيوني، ولكن العديد من الإسرائيليين ما زالوا ينظرون إليه كعربي ليس أكثر
ينظر الفلسطينيون إليه كخائن صهيوني، ولكن العديد من الإسرائيليين ما زالوا ينظرون إليه كعربي ليس أكثر، ويتعاملون معه باشتباه وتشكّك. ومن ناحيته فهو فلا يخفي يأسه من الأوضاع، وأنّه هشّ وضعيف. وهو يعرض في أعمدته الأسبوعية في صحيفة “هآرتس” نفسه بكامل النقد الذاتي: موبَّخًا من قبل زوجته، يهرب إلى شرب الكحول، ويربّي أطفالا ينسون تراثهم العربي.
وكذلك قشوع، وأيضًا أبطاله، يبحثون أبدا عن مكانهم الحقيقي، ولا يشعرون بالأمان في أي من المعسكرين. ويجدُ الصدام الذي لا بدّ منه بين هويّتيه الاثنتين، الفلسطينية والإسرائيلية
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني