شمال إفريقيا

أوفير توبول (Al-Masdar / Guy Arama)
أوفير توبول (Al-Masdar / Guy Arama)

من جبل طارق إلى تل أبيب.. الإسرائيلي الذي يسبر أغوار الموسيقى الشرقية

في غضون سنوات، نجح أوفير توبول في دفع الموسيقى العربية والشرقية في إسرائيل قدما: "هناك أهمية لمعرفة اللغة والثقافة العربية".. برنامجه الأسبوعي على الراديو يبعث الحياة في الموسيقى القديمة وينشر الإيقاعات الشرقية الحديثة في إسرائيل

قبل شهر، بدأ يُبث في محطة الإذاعة الإسرائيلية برنامج “شاحور زهاف” (الذهب الأسود) وهو برنامج جديد استثنائي يهتم بشكل أساسي بموسيقى الشرق الأوسط وتأثيرها على الموسيقى الإسرائيلية. في إطار البرنامج الجديد، يخرج مقدم البرنامج، أوفير توبول، إلى رحلة مؤثرة في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويعرض على المستمعين الموسيقى العربية المثيرة للفضول والمعروفة أقل.

إن اهتمام توبول بالموسيقى العربية والشرقية ليس جديدا، وهو يعتبر أحد خبراء الموسيقى العربية في إسرائيل، وحتى أنه كرس كل السنوات الماضية للبحث عن الأنغام التي تعرف إليها في صغره. أقام توبول، ابن 33 عاما لوالدين من أصل مغربي، قبل نحو ثماني سنوات “مقهى جبرلتر” وهو منتدى-مجلة يهدف إلى تسليط الضوء على الأجزاء غير المعروفة من الثقافة الإسرائيلية، التي تحظى بأهمية قليلة بشكل تقليدي. أصبح الموقع سريعا منصة هامة للنقاش النقدي حول العلاقة بين الثقافة والهوية، مشددا على الهوية اليهودية الشرقية. في السنة الماضية، أصبح موقع توبول المميز، الذي يتابعه الكثيرون، برنامجا تلفزيونيا يبث في سلطة البث الإسرائيلية، ويتناول الإبداع الشرق أوسطي متعدد الثقافات، يمزج بين القديم والجديد، الشرق والغرب والتقليدي والعصري.

أوفير توبول في استوديو الراديو (Facebook)

لم يكن حب الموسيقى الشرقية والتضامن مع بلد المنشأ والتاريخ العائلي أمرا مفهوما ضمنا بالنسبة لتوبول، فقد بدأ كل هذا في العشرينات من عمره. “ترعرعت على سماع الموسيقى”، قال توبول. “بيت مغربي، أغان يهودية دينية، أنغام شرقية في الكنيس، ولكني سخرت منها في صغري. حاولت الابتعاد عنها ولكن لم أجرأ على سماع الموسيقى الشرقية في شبابي”، قال توبول. عندما أصبح توبول بالغا، إلى جانب محبته للموسيقى والتغييرات التي طرأت على نظرة المجتمَع الإسرائيلي إلى الموسيقى الشرقية، ساهم جميعها في حب الفضول لديه فيما يتعلق بماضي عائلته والموسيقى التي سمعها في صغره.

“في مرحلة معينة، عندما أصبحت بالغا، أدركت أني لا أعرف شيئا عن ماضي عائلتي”، قال توبول. “بدأت أقرأ كتبا، وعندها تساءلت لماذا تحفظت من الموسيقى الشرقية طيلة حياتي؟ هل يمكن أن تكون هذه الموسيقى سيئة جدا؟” هكذا وفق أقواله، كسر الحاجز وبدأ يهتم بإجراء بحث ودراسة شخصية وسياسية على حد سواء. “قررت الخروج والبحث. جلست مع جدتي وطلبت منها أن تحدثني عن حياتها”، قال توبول.

توبول وضيوفه في البرنامج “مقهى جبرلتر” (لقطة شاشة)

في تلك الفترة، تعرف توبول إلى عازف بيانو يهودي جزائري، يدعى موريس ألمديوني، وأصبح يحب تلك الموسيقى التي عزفها جدا وسريعا. “لم أصدق أن هناك هذا النوع من الموسيقى”، قال توبول. “تدمرت كل مفاهيمي الموسيقية. شعرت وكأن العازف الجزائري يعزف الموسيقى التي ترعرعت عليها، وقد عزفها وهو يتفاخر وكأنها موسيقى عالمية”. قرر توبول، الذي كان منبهرا من عزف ألمديوني، أن يبحث عن أصوله ويصبح عضوا منتسبا لعروض الفرقة الموسيقية الأندلوسية الإسرائيلية. شعر توبول بدهشة كبيرة عندما زار ألمديوني إسرائيل وعرض عرضا موسيقيا مع الفرقة الأندلوسية.

“في نهاية الحفل الموسيقي ذهبت مع والدتي للتحدث مع ألمديوني”، قال توبول. “اتضح أنه يعرف كل أبناء عائلتي من جهة والدي ووالدتي من فرنسا”. بعد مرور نصف سنة، بعد أن زار ألمديوني إسرائيل لتقديم عرض موسيقي آخر، أجرى توبول لقاء بين ألمديوني وبين جدته، التي وصلت إلى إسرائيل من مدينة وهران التي وصل منها ألمديوني أيضا. “كان ذلك اللقاء محفزا لإقامة ‘مقهى جبرلتر’. كان هذا اللقاء محفزا”، قال توبول. بالمناسبة، قرر ألمديوني بعد مرور نحو سنة الهجرة إلى إسرائيل وذلك في سن 83 عاما، ومنذ ذلك الحين ينظم له توبول حفلات موسيقية في أرجاء إسرائيل.

يعرب توبول عن ندمه لأن جزءا كبيرا من الإسرائيليين، حتى هؤلاء الذين يفهمون الموسيقي ويهتمون بها، لا يعرفون أغاني المطربة المشهورة فيروز وليسوا قادرين على التفرقة بين أغان تركية ومصرية. “بدأت أعرف ثقافات عربية عريقة، تتضمن تقاليد وتراثا عريقا، لا نعرفها. لاحظت فجأة أن هناك إسرائيليين كثيرين يهتمون بهذه الثقافة، وهكذا نشأت في الواقع حركة ثقافية”، وفق أقواله.

الأوركسترا الأندلسية “David Cohen / Flash90) “Moreshet Avot)

بعد خمس سنوات من إقامة “مقهى جبرلتر” قرر توبول العمل وإقامة حركة اجتماعيّة – سياسية تعرض هذه الأفكار وتتضمن المجتمع، السياسة والهوية اليهودية. هكذا أقيم “العصر الذهبي” – اتحاد يتضمن أشخاص من الضواحي أصحاب رؤيا ثقافية واسعة للمجتمع الإسرائيلي. “مجتمَع يتعامل بشكل سليم وصحيح مع تراث حضارته الشرقية، لا يفرق بين مناطق الضواحي ومناطق المركز”، أوضح توبول.

“لا داعي لأن يكون الإنسان يساريا ليحترم الثقافة العربية”، وفق أقوال توبول. “أعتقد انطلاقا من حبي للوطن، علينا تعزيز علاقاتنا مع الدول العربية، مثل المغرب والسعودية. يجب أن تتصدر هذه الخطوة سلم أفضليات الدولة”. يؤكد توبول على أهمية تعلم اللغة العربية في إسرائيل، والتعرف إلى الثقافة العربية، ويعرب عن ندمه لأنه لم يتعلمها. “طيلة سنوات، سادت في إسرائيل فكرة ‘فيلا في الأدغال’، الجميع حولنا اعدائنا. تغمرني السعادة في ظل التغييرات التي تحدث الآن”، قال توبول. “بدأت علاقات تحالف بين إسرائيل والسعودية في ظل محور الشر، ويمكن التوحد والعمل معا حول موضوع واحد”.

توبول مع نشطاء حركة “العصر الذهبي” (Facebook)

يؤكد توبول أن ليست هناك علاقة بين التوجه السياسي والحاجة إلى التعرف إلى الثقافة القريبة. “يمكن أن يكون الفرد مغرما بوطنه، وأن يفهم في الوقت ذاته أنه يعيش في الشرق الأوسط ويجدر به التعرف إلى ثقافته ولغته”، وفق أقوال توبول. “لا أعتقد أن صنع السلام أصبح قريبا، ولكن لم َلا نستغل الفرصة ونربي هنا جيلا من الأطفال اليهود الناطقين بالعربية؟ عندما ينشأ هنا جيل يتحدث العربية ويكون قادرا على التواصل مع غزة بشكل مباشر، على سبيل المثال، يتغير الوضع. ربما يطرأ تغيير على المفهوم العربي أيضا وعندها ينظر العرب إلينا نظرة مختلفة”.

يؤكد توبول على أن معرفة اللغة العربية لا يشكل بالضرورة تقاربا، ولكنه يعتقد أن على الإسرائيليين أن يكونوا مطلعين على الثقافات المجاورة، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه من خلال برنامجه الإذاعي الجديد “شاحور زهاف” (الذهب الأسود). يوضح توبول أنه طرأ تغيير هام في السنوات الأخيرة وهناك حركة نهضة نشطة في مجال الموسيقى العربية والشرقية في إسرائيل. وفق أقواله، “هناك عدد كبير من الفرق الموسيقية التي تعزف الموسيقى العربيّة والأندلوسية، وافتُتحت في القدس معاهد موسيقى شرقية، ويقدم المطربون الإسرائيليون أغاني مقلدة بالعربية وليس بالعبرية. تغيّر الوضع مقارنة بالسنوات العشر الماضية”.

يعتقد توبول أن الوضع المثالي هو عندما يكون المجتمع الإسرائيلي مطلعا على ما يحدث في الشرق الأوسط، يعمل وفق التراث اليهودي، ويستخدمه كعامل ربط وتقارب. “آمل أن نعيش في مجتمع يربط بين التراث اليهودي والشرقي الخاص به بشكل متواصل”، قال توبول.

https://www.youtube.com/watch?v=m0PndhvZgLs

اقرأوا المزيد: 920 كلمة
عرض أقل
يهود اللبية عام 1945
يهود اللبية عام 1945

هولوكوست اليهود الشرقيين

لا يعلم الكثيرون أن هولوكوست الألمان ضدّ اليهود حدث ليس فقط في أوروبا، بل في أجزاء واسعة من الشرق الأوسط أيضًا ولا سيما في شمال إفريقيا

عندما نتحدث عن “هولوكوست اليهود” في الحرب العالمية الثانية، يخطر في البال غالبا يهود أوروبا، الذين أبادهم النازيون بطريقة ممنهجة، ونتذكر معسكرات الإبادة الفظيعة، التي عملت في معظمها على أرض بولندا.

ولكن، فعلًا أدى احتلال فرنسا في عام 1940، وإنشاء نظام فيشي اللاسامي، بـ415 ألف من يهود شمال إفريقيا، وهم معظم يهود تلك المنطقة، إلى دنيا الاضطهاد والملاحقة. وقد جعل النظام النازي للمارشال بيتان يهود المغرب والجزائر وتونس أسوأ حالا بعد فرض التشريعات اللاسامية المطابقة لتشريعات فيشي على تلك البلدان.

في المغرب، ومع أن القوانين المناوئة لليهود لم تطبق رسميا، لأن يهوده كانوا يتمتعون بحقوق المواطن، إلا أن جهاز الحكم الفرنسي أصدر سلسلة من القرارات تضمنت فيما تضمنته منع الأطفال اليهود من استخدام المسابح العامة وحل حركات الشبيبة اليهودية.

أما يهود الجزائر الذين كانوا يحملون الجنسية الفرنسية فقد تم تجريدهم من حقوقهم وألزموا بحمل شارة تشير إلى يهوديتهم، بالإضافة إلى إخضاعهم لحصص القبول حتى في المدارس الابتدائية.

وفي ليبيا، حيث كان الإيطاليون قد طبقوا القوانين العنصرية منذ العام 1938، فقد صعدت أجهزة الحكم إجراءاتها التعسفية من تعليم جوازات سفر اليهود وفرض القيود على فعالياتهم الثقافية وترحيل الآلاف منهم إلى معسكرات الاعتقال النازية ومنها معسكر جادو بوجه خاص، حيث مات المئات بالمجاعة والأمراض.

وفي نوفمبر تشرين الثاني 1942، وبعد غزو الحلفاء للمغرب والجزائر، دخلت قوات الجيش الألماني الأراضي التونسية ترافقها وحدة تابعة لل”إس إس” كانت مهمتها تطبيق السياسة المناهضة لليهود في تونس.

يهود التنس عام 1942
يهود التنس عام 1942

وكانت أكثر المناطق احتكاكا بين الألمان واليهود هي العاصمة التونسية، ولكن أعضاء الجاليات اليهودية الأخرى في تونس، مثل جالية جزيرة جربة، كانوا يعانون هم أيضا من سوء معاملة الألمان. وقد أجبر يهود العاصمة على إنشاء مجلس يهودي محلي، أصدر له الألمان أمرا باختيار ما بين 5000 و6000 يهودي، تم إرسال بعضهم إلى معسكرات العمل. وفي أوائل مايو أيار 1943 اضطر الألمان إلى الانسحاب بحكم التطورات.

معسكرات الاعتقال والعمل

بعد ترسّخ حكومة فيشي، بدأ إرسال الأجانب الذين عاشوا في دول شمال إفريقيا إلى معسكرات العمل. إذ عمل الكثيرون من اليهود من المغرب والجزائر، في الصناعة والزراعة، من دون الحصول على مقابل. ووجد آخرون أنفسهم في معسكرات العمل الجديدة التي أقيمت لبناء السكة الحديدية العابرة للصحراء. وُضع في هذه المعسكرات أيضًا معارضو النظام وعناصر أخرى لأنهم كان يشكلون “خطرا على الأمن العام”، وكانوا قد وصلوا من فرنسا.

كان معسكر الجلفة في الجزائر هو المعسكر الأكبر. وكان يقع في منطقة صحراوية، تسود فيه ظروف غير إنسانية. فكان نقص كبير فيه في الغذاء والماء، وتسللت العقارب إلى الخيام. بالإضافة إلى ذلك، أقامت حكومة فيشي على طول الصحراء المغربية والجزائرية عدة معسكرات أخرى للأجانب الذين فرّوا من أوروبا الشرقية.

في تونس، وفي أعقاب الغزو النازي في تشرين الثاني عام 1942، أرسِل نحو 5000 رجل يهودي، بين أعمار 17 حتى 50، للعمل في أعمال السخرة. كانوا مسؤولين عن صيانة الشوارع، إصلاح المطارات، إقامة التحصينات والقنوات، ونقل الذخيرة إلى الألمان في خطّ الجبهة. كانت بعض المناطق التي أرسِل إليها اليهود، مثل المطارات والموانئ، هدفا بحد ذاتها فقصفها الحلفاء، مما أدى إلى قتل الكثير من اليهود.

في ليبيا، في أعقاب أمر من موسوليني سُجن اليهود في موسمي الصيف والخريف من العام 1942. وأرسِل اليهود من أصول فرنسية أو بريطانية إلى معسكرات العمل في تونس أو إيطاليا، بل طُرد بعضهم إلى معسكر الاعتقال الألماني بيرغن بيلسن. سُجن 2600 يهودي من ليبيا في معسكر الاعتقال “جادو” في ظروف قاسية، وأرسِل الرجال للعمل في أعمال السخرة في الصحراء. توفي 500 يهودي في معسكر جادو، بسبب الجوع، الإرهاق أو التيفوس.

العراق

في عام 1934، وبتأثير من السفير الألماني لدى العراق، أصدرت الحكومة العراقية ذات الميول القومية مجموعة من القوانين المناهضة لليهود. في عام 1936 حدثت بعض المجازر بحق اليهود، وفي ربيع عام 1941 تم تعيين حكومة جديدة موالية للألمان، لم تحرك ساكنا للحيلولة دون شن الحملات على اليهود.

وحين احتلت القوات البريطانية مدينة بغداد خلال شهر مايو أيار 1941، نشبت اضطرابات وأعمال شغب خطيرة عرفت بالفرهود، قتل فيها 179 يهوديا وجرح مئات آخرون. ورغم أن الحكومة الجديدة أعادت الأمن والنظام إلى نصابهما، إلا أن العلاقات التي كانت تربط بين اليهود والمسلمين بقيت متوترة، حيث اختار عدد من اليهود الهجرة إلى الصين، ليقيموا في مدينة شنغهاي.

الحاج أمين الحسيني وأدولف هتلر، برلين 1941
الحاج أمين الحسيني وأدولف هتلر، برلين 1941

أعرب الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، منذ عام 1933 عن تأييده للنظام النازي. في تشرين الأول عام 1937 هرب الحسيني إلى العراق وتولى فيه دورا مركزيا في تنظيم الثورة المؤيدة للنازيين والتي اندلعت في نيسان عام 1941. بعد قمع الثورة سافر الحسيني إلى ألمانيا وتعاون مع ألمانيا النازية وحلفائها في حربهم ضدّ الحلفاء. أدار الحسيني دعاية خبيثة معادية للسامية وحاول التأثير في قوات المحور لتوسيع برنامج الإبادة أيضًا نحو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في ربيع عام 1943 جنّد ونظّم وحدات مسلمة بوسنية في كرواتيا كانت قد قاتلت في إطار الإس إس.

 

 

 

اقرأوا المزيد: 720 كلمة
عرض أقل