بدأ قبل أسبوعين بث الموسم الرابع من المسلسل “عفوداه عرفيت” (“شغل عرب”) في القناة الإسرائيلية الثانية. لقد تحول المسلسل الذي يصف الواقع الإسرائيلي من وجهة نظر عربية، إلى ظاهرة لم يسبق لها مثيل، حين تم وضع عائلة عربية في زمن البث الأكثر مشاهدة في إسرائيل، وحظيت بنجاح كبير. استعدادا لبدء عرض الموسم الرابع من المسلسل هذا المساء، نقدم لكم مقالا حول كاتب المسلسل، سيد قشوع، الذي توّجه كثيرون كأحد الكتاب الإسرائيليين الموهوبين وذوي التأثير الأكبر.
يكتب الكاتب العربي الإسرائيلي الساخر سيد قشوع زاوية أسبوعية في صحيفة “هآرتس”، برنامج كوميدي واسع الانتشار في ساعات الذروة في التلفزيون الإسرائيلي، وثلاث روايات حظيت باستحسان النقاد. وكل ما يفعله، يفعله باللغة العبرية. إنه الغريب الذي شق طريقه إلى الحظيرة.
تقول دانا أولمرت، منظرة أدبية، محررة، وابنة رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت: “سيد قشوع يكتب ضمن كونه حقا كاتبا مهجرا حائرًا بين التقليد والهوية. فهو لم يعد جزءا من الثقافة العربية التقليدية، لأنه تلقى تعليمه باللغة العبرية وفي مدرسة يهودية. إنه إسرائيلي أكثر من أيّ شيء آخر”.
قشوع ابن السابعة والثلاثين معتاد على تعاطي الكحوليات وهو يدخن السيجارة تلو الأخرى، يتميز وجهه الطفولي بانتفاخات تحت عينيه، وغالبا ما ينتهي كلامه بتمتمة يتعذر فهمها. يكشف قشوع في زاويته الأسبوعية في صحيفة “هآرتس”، عن توعكه المستمر، شعوره المترسخ بعدم الأمان، وصراعاته المتعثرة مع الأبوة، الحياة الزوجية، والطموح المهني. ليس قشوع سوى قاصًا روائيا مركَّبًا.
نشأ في “الطيرة”، الواقعة في منطقة المثلث في إسرائيل، والمجاورة للخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن الأراضي الفلسطينية. الأغلبية الساحقة من عرب إسرائيل – الذين يشكلون 20 في المئة من السكان، ويعرّفون أنفسهم كفلسطينيين – يعيشون في المثلث وفي الجليل.
في العام 1990، إذ بلغ 15 سنة، التحق قشوع بالأكاديمية الإسرائيلية للفنون والعلوم (IASA)، وهي مدرسة داخلية في القدس للمراهقين الموهوبين. وسرعان ما أدرك أن مجرد حضوره أثار الشبهات. “كرهتُ المدينة فور دخولها”، يكتب قشوع عن انتقاله إلى القدس. “في أول سفرة لي في الباص، دخل جندي وصنفني حالا كعربي: شاب يغادر قريته للمرة الأولى، بملابس عربية، شارب عربي خفيف، والأكثر تعبيرًا هو مظهر العربي الخائف. كانت هذه أول مرة أستقل فيها الباص ويتم تفتيشي فيها. هذا الأمر تطلب مني إخفاء هويتي الخارجية بعض الوقت”.
هذا الغوص في قلب المجتمع اليهودي – الإسرائيلي هو الذي خلّف التناقض الوجودي الذي يربك قشوع حتى اليوم. في الأكاديمية، تعلم كيف يبدو ويتصرف كإسرائيلي. تمرس هناك في اللغة العبرية وكل التشعبات الثقافية المشتقة عنها. منذ ذلك الحين، أصبح دون شك الكاتب العربي الأبرز في إسرائيل، وقد أصبح كذلك عن طريق الكتابة باللغة العبرية فقط.
يُقحم قشوع نفسه في كل ما يكتبه، وهو يفعل ذلك بطريقة لطيفة جدا. سخريته الذاتية خبيثة. عوضا عن تسمية أبطال رواياته “سيّد” يختار عدم تسميتهم إطلاقا؛ لكن المرء لا يحتاج إلى الكثير من التحليل ليفهم أنهم انعكاسات لشخصه.
“أحب التعامل مع الشخصيات التي أعرفها بشكل أفضل”، يقول قشوع في مقابلتنا الأخيرة. ويضيف دون أن يتردد: “أنا أعشق نفسي”. يجلس قشوع في مكتب يملؤه الدخان في الستوديو الذي يتم فيه إنتاج البرنامج التلفزيوني الناجح “عفوداه عرافيت” (شغل عرب)، وهو متحفظ، ودي ولكن حذر، وغالبا ما يكون غير متحيز أيضًا. يقدم الكثير من السخرية والسخرية المرّة، ولكن القليل من الإجابات المباشرة ذات القيمة. يبدو وكأنه يقول إن عمله يجب أن يتحدث عن نفسه. وهو يفعل ذلك على عدة أصعدة.
الشخصية المركزية في كل من روايات قشوع الثلاث هي عربي إسرائيلي بائس، ليس بطلا، ودون اسم. عمله الأول، “عرب راقصون”، هو الأكثر وضوحا كسيرة ذاتية. فالرواية تتحدث عن طفل فلسطيني من الطيرة يلتحق بمدرسة داخلية محترمة في القدس، وينتهي به الأمر حائرا بين هويتين منفصلتين. بدلا من تعريف نفسه بطريقة أو بأخرى، ينجرف دون اسم نحو سن البلوغ، حاملا على عاتقه هم قومية عائلته المفرغة، ومسحوبا إلى الأسفل بملل الحياة اليومية.
“بطل [قشوع] لا إله له. فهو لا يهدّد بالعنف، ولا يطلب الشفقة، ” تكتب البروفيسورة مريم شليزنغر، التي ترجمت أعمال عدد من الكتاب العبريين المحترمين أمثال إتغار كيريت، أ.ب. يهوشوع، وشاي عجنون. “حياته كناية عن حفلة تنكرية، ورغم أنه يخون نفسه، ينكر نفسه، ويسكب نفسه في شخصية جديدة في كل مرة، فإنه صادق دائمًا. ولا يمكن لأي قارئ، محليا كان أم أجنبيا، أن يبقى لا مباليا إزاء حقيقته”.
لكن الحقيقة، كالحضارة، فهي نسبية. قال يوسف حاييم برنر، أحد روّاد الأدب العبري الحديث، يوما: “ذرّة حقيقية واحدة أكثر قيمة بالنسبة لي من كل الشعر الممكن”.
الراوي المجهول لرواية “ليكن صباحٌ” هو – كقشوع نفسه – صحفي عربي يعمل في صحيفة إسرائيلية. لكن بخلاف قشوع، الذي انتقل قبل سنوات من منطقة بيت صفافا العربية في القدس الشرقية إلى القدس الغربية اليهودية، يقرر بطل الرواية نقل زوجته وطفلته إلى مسقط رأسه في بلدة عربية إسرائيلية مجاورة للضفة الغربية.
تجري أحداث الرواية إبان انتفاضة الأقصى في أواخر العام 2000. تتحفز الشخصية المركزية في رواية قشوع للعمل، كما يخبر القارئ، جراء يومَين من الشغب. كصحفي، يُكلّف بطل “ليكن صباح“ بحضور مآتم ومقابلة العائلات الثكلى. خلال ذلك، ينكسر شيء داخله.
“غيّر هذان اليومان حياتي،” يكتب قشوع على لسان الراوي بضمير المتكلم. “فجأة، بدأت حياتي كغريب، والتي كانت لها حسناتها، بالتوغل في الطريق. كوني غريبا هو ما أهلني لعملي وموقعي، وأعطاني اللغة التي أحتاجها لأكون محترفا بما فيه الكفاية كصحفي. كوني غريبا كان البداية لوضع حياتي في دائرة الخطر”.
لذلك يعود إلى موطنه، دون أن يأخذ بالاعتبار، أنه في الوقت الذي لم تتغير قرية طفولته فيه، فقد تغيّر هو. فيما ترغي السياسة وتزبد خارج حدود القرية، ينتهي الأمر بالراوي إلى الوقوع في تخبطات دائمة، محكومًا عليه ألا يشعر بالانتماء إلى أي مكان.
قد يكون شريك قشوع الأقرب هو شاي كابون، مخرج إسرائيلي بارز يخرج “عفوداه عرافيت”. والآن، بعد إنتاج الموسم الرابع، عفوداه عرافيت هو أحد البرامج الكوميدية الإسرائيلية الخمسة الأولى في كل الأزمنة، وبرنامج رائد دون منازع بالنسبة للممثلين العرب الإسرائيليين.
باستثناء برامج التلفزيون الواقعي، فإن عفوداه عرافيت هو البرنامج الوحيد في التلفزيون الإسرائيلي الذي يعرض شخصيات عربية رئيسية، والوحيد بالتأكيد الذي يدور جزء كبير من الحوار فيه بالعربية. تعترف المجموعة الإعلامية الإسرائيلية “كيشيت” أنها خاطرت مخاطرة كبيرة حين أطلقت البرنامج عام 2007، وكانت مستعدة لرد فعل عنيف في البداية. وقد أتى رد الفعل العنيف – من الإعلام العربي في إسرائيل. جرى اتهام قشوع بالبذاءة، التنميط، وحتى الخيانة. لكن الإسرائيليين اليهود، الذي خافت “كيشيت” من أن يهتاجوا، شاهدوا وضحكوا فقط في الغالب.
“عندما يكتب عربي بالعبرية، فهو يربك هذه الألفة لأنه يتبين فجأة أن بإمكانك أن تنطق وتكتب بالعبرية دون أن تكون صهيونيا … إنه يكتب للجمهور اليهودي، وعندما نقرأه نشعر بالارتباك. من جهة تتعاطف مع تجاربه، ومن جهة أخرى، فهي مرآة صعبة جدا للنظر من خلالها”
“لن يقبل سيّد أن أقول ذلك، لكنني أعتقد أن هذا البرنامج أحدث تغييرا كبيرا في المجتمع الإسرائيلي”، يقول كابون. “إنها المرة الأولى التي ترى فيها عربيا كإنسان عادي معرّضًا للهجوم على التلفزيون الإسرائيلي. ليس كإرهابي ولا كضحية. ليس كأي شيء، بل كإنسان عادي كأي واحد فينا”.
بسبب القيود التي يفرضها التلفزيون، اضطر قشوع إلى تسمية الشخصية المركزية في البرنامج باسم محدد. فهو يُدعى أمجد، وهو (مرة أخرى) صحفي يكتب في جريدة عبرية. كقشوع نفسه، أمجد متزوج من عاملة اجتماعية عربية إسرائيلية؛ وهو كصانعه، يرسل أبناءه إلى مدارس عبرية. يجسّد أمجد نسخة مبالغًا فيها من هوية قشوع المضطربة. يُعتبر قشوع، في إسرائيل، وهي أمة مبتلاة برهاب الأجانب وبالعنصرية العرضية، نسخة محسنة عن العربي الجيد، العربي الذي يتجاوز الأمور، الذي لا يجرؤ على المهاجمة.
لكن ليس ثمة قطاع من المجتمع الإسرائيلي لا يمسه برنامج عفوداه عرافيت. من العلماني إلى الأرثوذكسي، مرورًا برفاقه العرب، يستخدم قشوع مهاراته الكوميدية البارعة والحوارات الثاقبة ليعرّي النفاق المنتشر في إسرائيل، بمحافظيها العنصريين، لبرالييها التبريريين، وعجز كل شخص في المركز. يمكنه أن يفعل ذلك، لأنه مهما كان المكان الذي يقف فيه، فقشوع يراقب من الخارج.
قشوع وكابون صديقان حميمان، يقضيان الكثير من الأمسيات بعد الإنتاج في السمر معًا. عملهما الإبداعي متضافر جدا بحيث يتقاسمان مكتبًا، جالسَين خلف طاولتَين متوازيتَين، مواجهَين أحدهما للآخر، بحيث يتمكنان من تمرير الأفكار، الإهانات، والسجائر أحدهما للآخر.
سألتُ كابون عن التشابهات بين حياة أمجد وحياة قشوع. “لا يمكنك أن ترسم شخصية بعيدة جدا عنك أنت،” يقول كابون. “لذلك نعم، أظن أنّ أمجد قريب جدا من سيّد. فهو يتلاعب بلون معين من شخصيته. بالطبع، أمجد هو أكثر تعقيدًا. فشخصيته متعددة الألوان. لكن هذا لون بارز، وهذا ما نراه في البرنامج”.
لذلك لا عجب أن مآزق قشوع الوجودية تتجلى بطريقة جديدة عبر أمجد. خلال الموسم الثالث من عفوداه عرافيت، يذهب أمجد إلى برنامج “الأخ الأكبر” الإسرائيلي ويتظاهر (ربما بقدرة شديدة على الإقناع) أنه إسرائيلي يهودي؛ يزعم أن لديه أختًا لبرالية، ذات فكر حر ليثبت تعاطفه مع النسوية؛ وبما أنه لا نباتيين عربًا، يقرر الامتناع عن أكل اللحوم ليصبح “متحضرا”.
لكن الحلقة الأخيرة في الموسم تتخذ دورا أكثر جديا. تدوي صفارة إنذار من غارة جوية في منتصف الليل، ما يؤدي إلى تدافع كل سكان شقة أمجد في القدس إلى الملجأ. يعلق يوسكي ويوكابد المسنان، العروسان الجديدان العربية واليهودي أمل ومئير، أمجد، وزوجته بشرى، وأولادهما خلف باب فولاذي. بفقدان الاتصال بالهواتف الخلوية وبانعدام أية وسيلة للتحقق مما يثير الرعب في الخارج، يبدأ الجيران بالتعبير عن مشاعرهم الحقيقية.
“كان يجب أن ندعهم يحصلون عليها” يقول أحد الجيران لجار آخر، فيما يراقب أمجد من الجانب الآخر من الملجأ. يقول أمجد، المتألم من إهماله، “إلى جانب واقع وجود حرب في الخارج، ثمة شيء ما بخصوص هذه الوحدة، أليس كذلك؟” يحدق الجميع بصمت. أخيرا، يتهجم ناتان، صديق جيد لأمجد خارج الملجأ، قائلا: “قل أمجد، لماذا تهاجمون القدس؟”.
يستمر التوتر حتى يندلع جدال سياسي حامٍ. يجد أحدهم زجاجة فودكا، ويقترح لعبة “حقيقة-أمر” المسلية. لكن اليهود في الغرفة يعودون مرارا وتكرارا إلى مسألة الولاء: أنت تعيش هنا، لكن إلى جانب مَن أنت؟ ربما يكون الإيرانيون هذه المرة، يقول أمجد، مذكّرا المجموعة أنّ الإيرانيين ليسوا عربا. “ربما هذه المرة”، يقول بمسحة من التفاؤل، “نحن هنا معا”.
لكن الزجاجة تستقر سريعا على أمجد، وهو دوره ليقول الحقيقة. يسأله يوسكي أين يختار العيش إذا خُيّر بين إسرائيل وأية دولة عربية. تركّز الكاميرا على أمجد، وأخيرا بعد ثلاثة مواسم طويلة، لا يحاول أن يكون غير ما هو عليه حقّا. فجأة، تتخذ “الغرفة الآمنة” معنى جديدا. إذا كان ذلك يعني تجنب الحياة على هامش المجتمع، يقول أمجد ليوسكي، فإنه يفضل أن يكون قد وُلد في مكان آخر. حتى لو كان “المكان الآخر” يعني العيش تحت حكم استبدادي في مصر أو سوريا.
يتردد قشوع حين أسأله إن كان يتماثل مع انعكاس ذاته. يقول “سيكون من الصعب جدا”، ويضيف، “لأنني أعرف واقعا آخر. لدي حرية التعبير”. لكن إذا كان ذلك يعني معرفة مكاني في المجتمع والانسجام فيه، فإنني حقا، “أفكر أحيانا مثل أمجد”.
هذه هي عبقرية كتابة قشوع. في كل كتاب، زاوية صحافية وحلقة تلفزيونية، يسخر من العالم حوله، لكنه يسخر من نفسه أيضا. لا يمكن لأحد أن يقول إنه غير منصف.
وتقول أولمرت “هناك مبدأ في القومية أنه ثمة ألفة بين اللغة التي تنطق بها والمكان الذي تعيش فيه”. “عندما يكتب عربي بالعبرية، فهو يربك هذه الألفة لأنه يتبين فجأة أن بإمكانك أن تنطق وتكتب بالعبرية دون أن تكون صهيونيا … إنه يكتب للجمهور اليهودي، وعندما نقرأه نشعر بالارتباك. من جهة تتعاطف مع تجاربه، ومن جهة أخرى، فهي مرآة صعبة جدا للنظر من خلالها”.
لأنه جزء من الحضارة الإسرائيلية وغريب عنها في آن واحد، تظن أولمرت أن قشوع هو في الموقع المثالي ليقدم هذا الانعكاس. “إنه يظهر الحضارة الإسرائيلية كعنصرية، مليئة بالإجحاف ضد العرب، تفتقر إلى النقد الذاتي”، تتابع “لذلك فإن الشخصيات المركزية لديه هي دائما غير أبطال”.
في روايته الثالثة الأحدث، “ضمير المخاطب المفرد”، يعرض قشوع اثنين، لا واحدا، من اللا أبطال. أحدهما يُشار إليه بصفته “المحامي“، ويبقى دون اسم، فيما الآخر اسمه أمير. لكن السماح لأحد شخصياته بالتمتع باسم لا يشكل ذلك الانعطاف الذي قد يبدو للبعض. فأمير هو اسم شخصي شائع لدى العرب واليهود على حد سواء، وهو ما يشدد قشوع عليه لقرائه فيما يمضي الكاتب بعمق أكبر نحو سياسة الهوية وإغواء “التمرير“.
لا يمضي وقت طويل حتى يفقد أمير، ليس اسمه فحسب، بل كامل هويته العربية. فهو يتبنى التاريخ الشخصي لشاب إسرائيلي يُدعى يوناتان، يتواجد في حالة نفسية نامية نتيجةً لمحاولة انتحار فاشلة. في قصتَين منفصلتَين لكن متضافرتَين، يباشر أمير/يوناتان والمحامي المجهول الاسم رحلة مليئة بالمصاعب للقبول والاندماج في القدس العصرية.
“العقدة هنا هي الوسيلة التي يفحص قشوع من خلالها مسائل الهوية والطبقة الاجتماعية” كتب سكوت مارتيل في مقالة نقدية في لوس أنجلس تايمز. وبفعله ذلك، يعزف قشوع على الوتر الأهم في الحياة الإسرائيلية، كاتبًا روايات تتحدث عن العلاقات العرقية والتوتر الديني في هذه الدولة الأكثر تعقيدا بين الدول.
توقف قشوع عن الكتابة بالعربية منذ انخرط في الأكاديمية الإسرائيلية للفنون والعلوم. فيما لا يزال يتحدث العربية بطلاقة، ويستطيع أن يكتب حوارات بالعربية لبرنامج عفوداه عرافيت، فإن فهمه للعربية الفصحى ضعيف في أفضل الأحوال. في الموسم الثالث من البرنامج، يسخر قشوع من قدراته المحدودة بإظهار أمجد، محاولا الكتابة لصحيفة فلسطينية، يبذل جهده لطباعة بضع كلمات بسيطة بالعربية على حاسوبه.
“لغتي العبرية أفضل بكثير من العربية لأنني لم أمارس العربية منذ كنت في الخامسة عشرة” يقول قشوع. “لكنني أكذب إن أنكرت أنني كنتُ أرغب دائما أن أكون جزءا من الشعب الأقوى في إسرائيل. وقد كانت هذه الطريقة الوحيدة”.
إنجازات قشوع مثيرة للإعجاب بالطبع، لكن حملها، يقول كابون، ساحق أيضًا. “بطريقة ما، يحمل سيّد همّ كامل الشعب الفلسطيني على كاهله” يخبرني كابون. “أظن أنّ الضغط عليه أكثر من أي شخص آخر. من السهل إنتاج الأدب الساخر حينما تكون مرتاحا على مقعدك. لكن من الأصعب فعل ذلك حينما تكون في الشرق الأوسط الدموي، وحينما تكون عربيا”.
توضح أولمرت الأمر بطريقة مختلفة. قشوع، حسب رأيها، لا يعيش في عالمَين. فأبواب العالمَين موصدة أمامه. “فالعرب يعتبرونه يهوديا جدا، واليهود يعتبرونه عربيا جدا. إنه عالق في الوسط”.
حتى بعد ثلاث روايات عبرية ناجحة، يعترف قشوع أنه ما زال يحلم بكتابة كتاب بالعربية. فقد يمنحه ذلك، كما يقول، ذاك الإحساس المتملص بالانتماء. ويقول لي “اللغة مجرد أداة”. “مؤخرا، أفكر بممارسة العربية، القراءة أكثر بالعربية، وربما كتابة رواية بالعربية يومًا ما. لديّ إحساس غريب بأن روايتي الرابعة ستبدأ بالعبرية، تنتقل إلى مزيج بين العبرية والعربية، وتنتهي بالعربية”.
سألتُ قشوع إن كان هذا التنقل بين لغة وأخرى رمزيا. ضحك وغيّر الموضوع. كان هذا السؤال، كما بدا يحاول القول لي، مفرطًا في التبسيط. سألته لاحقا إن كان ثمة رسالة يريد إيصالها للشعب الإسرائيلي. فهو في النهاية، أمضى سنوات حياته كبالغ يعمل بالعبرية ويعيش بين اليهود.
“لا، لا، ليس لديّ أي نقطة” يقول. “أريد من الجميع أن يحبوني فقط”.
نشر على موقع The Tower Magazine