إضافة إلى الأسباب مثل ضائقة اقتصادية واجتماعية، والاحتلال الإسرائيلي، هناك سبب آخر في قائمة الأسباب التي أدت إلى موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة – فيسبوك. “لا تعكس شبكات التواصل الاجتماعي واقعا فقط بل تحدث تغييرا”، يدعي دكتور هرئيل حوريف، من مركز موشيه ديان، ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﺸﺮق أوﺳﻄﻴﺔ واﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ، في جامعة تل أبيب. في دراسته حول شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينيية، فحص دكتور هرئيل العلاقات بينها وبين ازدياد العمليات الفلسطينية في السنة الماضية.
كان معدل الأعمار في العمليات في الموجة الأخيرة 21 عاما. والجيل الشاب هو ليس الخاصية الوحيدة التي تميزها، وفق المعطيات، بل عامل مناهضة المؤسسات أيضا. فمن بين نحو 900 مُعتقل في موجة العمليات الأخيرة، هناك أكثر من 500 مُعتقل ليسوا مستعدين أن يكونوا منتميين إلى أية حركة سياسية فلسطينية موجودة.
أصبحت سلطة الوالدين التقليدية في أوساط هذا الجيل مضعضعة – ليس في فلسطين فحسب بل في العالم كلّه. لم تعد تنجح مصارد السلطة التقليدية الأخرى أيضا – وسائل الإعلام الرسمية، الأحزاب السياسية – في كسب ثقة الشبان وتعاطفهم مثل الماضي، ولا تشكل مصدر معلوماتهم، وذلك بعد أن أصبح يشكل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي مصدر معلومات جديدة ومكشوفة للجميع.
يُدعى هذا الجيل “الجيل المصلحجي”، ولكن ما زالت لديه رغبة في الانضمام إلى جماعات، ولذلك فهو يلتحق كثيرا بالمجموعات الافتراضية. “الفلسطينيون مدمنون على الإنترنت، لا سيما شبكات التواصل الاجتماعي”، يدعي دكتور هرئيل. كمثال، يقدّم حوريف وكالتين إخباريتين فلسطينيتين معروفتين بصفتهما ليستا مرتبطتين بحزب أو حركة سياسية بشكل علني: نحو خمسة ملايين ونصف متابع في “شبكة قدس الإخبارية”، وأكثر من 6.5 مليون متابع في “شبكة شهاب الإخبارية”، صحيح حتى يومنا هذا.
أقام أصحاب الرأي العام في فيسبوك، ومن بينهم هاتان الوكالتان، حلبات اجتماعيّة افتراضية تنتشر فيها شائعات وتقارير، مثلا عن عمليات، بسرعة كبيرة وتُضخمها وتحظى بأهمية أكبر من الأخبار الأخرى. كذلك نشأت بهذه الطريقة بيئة اجتماعيّة ذات نسبة دعم عالية جدا لتنفيذ العمليات، مقارنة بالآراء المختلفة البعيدة عنها.
فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أشار دكتور حوريف إلى كيف استخدم أصحاب الرأي العام في فيسبوك دوافع مثل المواجهات والعمليات، لخلق “عدوة اجتماعيّة” جرفت شبان مترددين إلى داخل دائرة الشهداء.
رغم أن المعلومات المنتشرة في شبكات التواصل الاجتماعي تعتبر غير تابعة لأحزاب وصحافة حرة أكثر، يوضح دكتور حوريف أن المنظمات والمؤسسات التي يحاول الشبان المناهضون للمؤسسات، قياديو الانتفاضة، التهرب منها هي التي تدير هذه الشبكات. الفرق هو أن صفحات فيسبوك هذه تخفي الانتماء التنظيمي، وهكذا تنجح ببراعة في نقل رسائلها إلى الجمهور الواسع. “مثلا تنشر وكالة شهاب الإخبارية رسائل حماس، دون أن تعترف علنا بعلاقتها بالحركة”، يقول حوريف.