شباب الانتفاضة

جيل المستقبل الفلسطيني  (Flash90Abed Rahim Khatib)
جيل المستقبل الفلسطيني (Flash90Abed Rahim Khatib)

جيل المستقبل الفلسطيني في عيون إسرائيلية

يعيش نحو مليون وأربعمائة ألف شاب فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم ليسوا راضين عن وضعهم الاقتصادي، الأمني، والاجتماعي. في حال لم يطرأ تغيير هام حتى عام 2018، فستندلع انتفاضة ثالثة صعبة

يعيش نحو مليون وأربعمائة ألف شاب في عمر ‏15‏—‏29‏ في يومنا هذا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم يشكلون ‏‎30%‎ ‎‏من السكان الفلسطينيين‎. ‎‏ كما هي الحال في سائر الدول العربية، يعاني الفلسطينيون من زيادة سريعة في عدد السكان، تؤدي إلى ضرر بالنمو الاقتصادي.

في الوقت الذي ينشغل فيه زعماء المنطقة في التحضيرات لقمة سلام إقليمية برعاية أمريكية ستُعقد على ما يبدو في الصيف، وينشغل أبو مازن في الحرب اللانهائية ضد معارضيه، تصفية حسابات سياسية، وتحسين علاقاته مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ويكمل يحيى السنوار إجراءات دخوله لمنصبه الجديد ودخول القيادي في حماس، الحركة التي تسيطر على غزة بيد حديدية، وفي الوقت الذي تواصل فيه أجهزة الأمن الإسرائيلية مواجهة العمليات العدائية التي تحدث أحيانا، عمليات الدهس والطعن من قبل الشبان الفلسطينيين، وبينما ما زال السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية يجرون مفاوضات حول شروط اعتقالهم، ويهددون بالإضراب الجماعي عن الطعام بقيادة مروان البرغوثي، هناك شعور عام من الغضب الجماهيري، في الداخل الفلسطينيي، يهدد بالاندلاع في وجه القيادة الفلسطينية وإسرائيل أيضا.

دوار المنارة رام الله (Flash90\Zack Wajsgras)
دوار المنارة رام الله (Flash90\Zack Wajsgras)

لفهم العمليات المختلفة التي يمر فيها الجيل الشاب في المجتمَع الفلسطيني (يتطرق المصطلح الشاب إلى الرجال والنساء في عمر 15-29)، جيل المستقبل الفلسطيني، حاولنا رسم خطوطه. حاولنا معرفة ما الذي يهتم به جيل المستقبل، ماذا يؤثر فيه، يحفزه، ممّ سئم، وهل سيشن هذا الجيل في المستقبَل القريب، انتفاضة عامة؟

في محادثة مع الباحثة الإسرائيلية حول المجتمَع الفلسطيني، دكتور رونيت مرزان، حاولنا رسم خطوط جيل المستقبل الفلسطيني. [(تم الحصول على المعطيات بالأرقام التي تظهر هنا من مصادر مختلفة: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أوراد – مركز العالم العربي للبحوث والتنمية، والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (‏PCPSR‏)].

تدعي دكتور مرزان أن من بين الشبّان (في عمر ‏15-29)، فإن الشبان الذين يعربون عن غضبهم ضد إسرائيل من خلال عمليات الطعن، الدهس، وإلقاء الحجارة، في عدة مناطق في الضفة الغربية هم شبان عمرهم 15 حتى 19 عاما. وهم يشكلون نحو %40 من إجمالي السكان الشباب.

يؤمن ‏32%‏ من الشبّان الفلسطينيين أن الاحتلال سيستمر إلى الأبد، على مدى 50 عاما إضافيا على الأقل. بالمقابل، يؤمن %53 أن الاحتلال سينتهي قريبا، خلال 5 حتى 10 سنوات

ثمة ظاهرة أخرى تحدث بين الشبّان في الدول العربيّة وهي الزواج في سن متأخر. هناك ‏16%‏ من الشبّان (في عمر ‏15-29‏) متزوجون مقارنة بـ ‏41%‏ من الفتيات المتزوجات. تكمن المشكلة المركزية في التكاليف المادية الباهظة للزواج. ثمة معطى آخر هام يشهد على ثقافة هؤلاء الشبان إذ إن %40 ينهون دراستهم الثانوية وتنهي مجموعة ضئيلة جدا، نسبتها %13 التعليم للقب الأول.

استعمال الإنترنت: يستخدم معظم الشبّان الفلسطينيين، 70%، الإنترنت في أحيان قريبة، بالمُقابل فإن %23 من الشبّان يعرفون كيف يتصفحون الإنترنت ولكنهم لا يفعلون ذلك، بالمُقابل، قال %7 فقط إنهم لا يعرفون كيف يتصفحون الإنترنت ولا يستخدمونه.

لا يرى الشباب الفلسطيني أي أفق سياسي (Flash90\Wisam Hashlamoun)
لا يرى الشباب الفلسطيني أي أفق سياسي (Flash90\Wisam Hashlamoun)

من جهة الضائقة التي يعاني منها الشبّان الفلسطينيون (وفق الاستطلاعات التي نُشرت عام 2016)، ادعى %79 من الشبّان الفلسطينيين أن المشكلة الرئيسية التي يرغبون في حلها هي إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة. أعرب %7 فقط أنهم معنيون بتحسين ظروف حياتهم. توضح دكتور مرزان أن إنهاء الاحتلال يعني بالضرورة تحسين وضع الشبان سياسيا، لا سيّما تحسين الوضعَين الاقتصادي والاجتماعي الصعبين. وفي هذا الصدد، يؤمن ‏32%‏ من الشبّان الفلسطينيين أن الاحتلال سيستمر إلى الأبد، على مدى 50 عاما إضافيا على الأقل. بالمقابل، يؤمن %53 أن الاحتلال سينتهي قريبا، خلال 5 حتى 10 سنوات.‎ إن الاعتقاد أن الاحتلال سينتهي سريعا، أقوى لدى الشبّان في غزة من الشبان في الضفة الغربية، في أوساط نشطاء حمساويين وأشخاص يعرفون أنفسهم متديّنين أكثر.

لماذا لا تندلع انتفاضة شاملة يشارك فيها فلسطينيون كثيرون، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، نقص الأفق السياسي، واستياء الشبان من القيادة الحاليّة في الضفة وقطاع غزة على حدِّ سواء؟

إذا لم تحدث عملية سياسية حتى عام 2018، وبقي وضع الشبّان الفلسطينيين دون تغيير، فإن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة فلسطينية كبيرة وشاملة كبير جدا (Flash90\Hadas Parush)
إذا لم تحدث عملية سياسية حتى عام 2018، وبقي وضع الشبّان الفلسطينيين دون تغيير، فإن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة فلسطينية كبيرة وشاملة كبير جدا (Flash90\Hadas Parush)

تعتقد دكتور مرزان أن حقيقة عدم اندلاع انتفاضة مسلحة كبيرة وشاملة لا تشهد على الوضع الحقيقي للشبّان الفلسطينيين. فهي تعتقد أن هناك غضبا عارما بطيئا ومتواصلا نجح في جذب اهتمام زعماء الدول العربية أيضا.

فإذا لم يأخذ بالحسبان زعماء الدول العربيّة، حتى قبل بضع سنوات، رأي الشبّان الفلسطينيين، لأنهم كانوا مشغولين في ثورات داخلية، ففي الأشهر الماضية طرأ تغيير في وجهة النظر وبدأ الشبان الفلسطينيون يتصدرون سلم أولوياتهم ثانية. إثباتا على ذلك تشير دكتور مرزان إلى عقد مؤتمرات في القاهرة، إسطنبول، طهران، رام الله، والدوحة، للبحث في قضايا ذات صلة بالشبان الفلسطينيين وحقوق الإنسان.

ادعى %79 من الشبّان الفلسطينيين أن المشكلة الرئيسية التي يرغبون في حلها هي إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة (Flash90\Hadas Parush)
ادعى %79 من الشبّان الفلسطينيين أن المشكلة الرئيسية التي يرغبون في حلها هي إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة (Flash90\Hadas Parush)

هناك دور مركزي للشبان الفلسطينيين فيما يحدث في المنطقة، وكلما ازداد غضبهم تزداد احتمالات حدوث مقاومة في الدول العربيّة ثانية. مثلا، كانت انتفاضة الأقصى (عام 2000) تجربة مصممة للشبان العرب، إذ شاركوا بعد مرور عقد في ثورات “الربيع العربي” وكسروا حاجز الخوف من السلطات العربية.

ثمة مثال على عقد مؤتمر للشبان، هو المؤتمر الذي نظمه محمد دحلان في القاهرة تحت شعار “شبابنا شركاؤنا”. عرض دحلان أمام المشاركين في المؤتمر وجهة نظره السياسية التي تتضمن دمجا بين المقاومة، الحل السياسي، والشراكة السياسية في الحلبة الداخلية، مؤكدا على الحاجة إلى الصمود أمام إسرائيل. حتى أن دحلان انتقد سياسة أبو مازن التهميشية بحق الشبّان الفلسطينيين. شارك في المؤتمر نحو 500 شاب وشابة من قطاع غزة، الضفة الغربية، لبنان، وأوروبا، واختُتِم بسلسلة من التوصيات لزيادة مشاركة الشبان في الحياة السياسية: تجنيد الأموال ودعم الأطر الاجتماعية مثل نواد رياضية وحركات كشافية معدة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا؛ التعاون مع منظمات المجتمَع المدني والتربية على التعددية، العمل بموجب القانون، واحترام حرية الفرد.

كان التعاون بين القيادة المصرية، قيادة حماس، ومحمد دحلان من أجل تنظيم المؤتمر، جزءا من الجهود الشاملة لإعادة مكانة مصر بصفتها زعيمة العالَم العربي، ولطرح القضية الفلسطينية على سلم أفضليات الوطن العربي.

تعتقد دكتور مرزان أيضا أنه إذا لم تحدث عملية سياسية حتى عام 2018، وبقي وضع الشبّان الفلسطينيين دون تغيير، فإن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة فلسطينية كبيرة وشاملة كبير جدا. ستكون هذه الانتفاضة موجهة بشكل أساسي ضد القيادة الفلسطينية، إخفاق الزعماء، ولكن ضد الاحتلال وإسرائيل أيضا.

ما هو الهدف من تهديد الأسرى الفلسطينيين بشن إضراب عن الطعام؟ هل يشكل هذا علامة أخرى على الغضب الجماهيري؟

مروان البرغوثي (Flash90)
مروان البرغوثي (Flash90)

تدعي دكتور مرزان أن الأسرى الفلسطينيين يمثلون إشارة لإمكانية اندلاع انتفاضة أو فوضى. فمثلا، قبل اندلاع انتفاضة الأقصى (عام 2000)، شن الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية إضرابا كبيرا عن الطعام وأثاروا فوضى. “يرغب البرغوثي في إشعال المنطقة خارج السجن. من جهته، تم إبعاده قسرا عن الخارطة السياسية الفلسطينية. ويبدو أن الطريق للوصول إلى مركز الأحداث هو عبر إشعال المنطقة”. وتعتقد دكتور مرزان أن المصلحة الإسرائيلية الأولى هي إطلاق سراح البرغوثي وبأسرع وقت، “فإذا بقي مسجونا سيُحدِث ثورة كبيرة خارج السجن. سيدفع هذا الوضع إسرائيل نحو التوصل إلى مفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى لتهدئة النفوس، مثلما حدث حتّى الآن”، تقول دكتور مرزان.

ماذا يحدث الآن؟ هل السنوار هو الرجل الصحيح في الوقت الصحيح؟

القيادي البارز في حركة حماس، يحيى السنوار (Flash90/Abed Rahim Khatib)
القيادي البارز في حركة حماس، يحيى السنوار (Flash90/Abed Rahim Khatib)

تتعرض محاولات حماس لعرض نفسها لاعبا سياسيًّا لصعوبات كثيرة. فقد حظرت نشاط حماس كل من السلطة الفلسطينية، إسرائيل، جزء من الدول العربيّة، والمجتمع المحلي، وفُرِض عليها وعلى مناطق نشاطها حصارا مستمرا، وخاضت مواجهات عسكريّة كثيرة مع إسرائيل.‎ ‎إلا أن التحديات الداخلية، الإقليمية، والدولية تُرغم حماس على متابعة تمسكها بقرارها الاستراتيجي الذي اتخذته عام 2006: أن تكون لاعبا سياسيًّا نشطا وشعبيا في الحلبة الفلسطينية.

إن توقيت اختيار يحيى السنوار قائدا لحماس في قطاع غزة هام جدا لإسرائيل. من المعروف عن السنوار في إسرائيل، أنه قوي وقاس جدا. فتعتقد إسرائيل أنه قد يكون الرجل الصحيح في الوقت الصحيح، فهو قوي وقادر على توجيه غزة نحو مسار بعيد عن الفوضى، اجتثاث عائلات الجريمة التي تسيطر على الأنفاق التي ما زالت قائمة، واجتثاث ظاهرة استخدام المخدّرات المتزايدة. فهو قيادي ذو تأثير كبير في الجناح العسكري في حماس، أقواله مسموعة، وينجح في إدارة الجناح العسكري علنا أيضا. لن تجرؤ كتائب عزّ الدين القسّام على مخالفة تعليماته.

منذ عام 2006، في مقابلة مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، ادعى السنوار أنه لا يعارض التوقيع على هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل قد تؤدي إلى هدوء وازدهار في المنطقة. وتؤدي أيضا إلى أن يكون السنوار قادرا على السيطرة بشكل أفضل على الفصائل الجهادية السلفية في قطاع غزة وجعلها معتدلة أكثر. قد يكون من الجيد إذا سمحت له إسرائيل بإكمال عملية سياسية دون أن تسخر منه وتحرجه من خلال شن اغتيالات سياسية. ليس واضحا من المسؤول عن اغتيال مازن فقهاء، ولكن تصعّب حالات كهذه على السنوار. من المتوقع أن يتعرض الشبّان الفلسطينيون في غزة لحالة من فرض قيود أمنية وسياسية أقوى.

اقرأوا المزيد: 1258 كلمة
عرض أقل
إسرائيل تحارب موجات التحريض على النت (Flash90)
إسرائيل تحارب موجات التحريض على النت (Flash90)

وزارة الخارجية الإسرائيلية تحارب الإرهاب في الشبكة

موارد بشرية خاصة ستُجنّد للعمل في وزارة الخارجية لمحاربة التحريض في مواقع التواصل الاجتماعي. سيعمل الموظفون على رصد المواد التحريضية وإزالتها

وزارة الخارجية الإسرائيلية تحسّن مكافحة ظاهرة التحريض على قتل اليهود المستعرة في مواقع التواصل الاجتماعي. وقد بادرت نائب وزير الخارجية، تسيبي حوطوبلي، إلى إقامة مقر لمكافحة الظاهرة في الشبكة.

تعمل وزارة الخارجية منذ بداية موجة الإرهاب ضد التحريض في مواقع التواصل الاجتماعي ولكنها تخطط الآن لتجنيد موارد بشرية جديدة تعمل على هذا الموضوع فقط. لذلك سيتم تخصيص سبعة موظفين جدد من الناطقين باللغة العربية للعمل على ذلك في مقر تابعة للوزارة.

وسيعمل الموظفون خمسة أيام في الأسبوع، وستقتصر وظيفتهم على رصد التحريض في الشبكات، وسيكونون مشاركين في المحادثات عبر الشبكات، وسيركّزون على العثور على أفلام فيديو قصيرة ذات فحوى تحريضي وسيتوجهون إلى مدراء الشبكات بطلب إزالة أفلام كهذه. إضافة إلى ذلك، سينشر الموظفون مواد إرشادية تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية.

وقالت حوطوبلي عن المقر: “هذه هي خطوة كبيرة لمكافحة التحريض. إن العمليات التي تحدث يوميًّا في إسرائيل ناتجة عن تحريض شبان وأولاد في مواقع التواصل الاجتماعي. فهذه هي حرب يومية ضد التحريض ولا يمكن توفير رد لها من دون توفير رد أساسي من قبل جهة يرتكّز عملها على مواقع التواصل الاجتماعي. وتعمل وزارة الخارجية على هذه القضية طوال الوقت وقد آن الأوان لتوفير رد جذري لحل المشكلة. فبفضل علاقات الوزارة الجيدة مع مسؤولي مواقع التواصل الاجتماعي، أنا متأكدة من أن إقامة المقر ستُساعد على خفض مستوى التحريض في الشبكات وآمل أن يتم خفض مستوى العنف أيضا”.

اقرأوا المزيد: 212 كلمة
عرض أقل
مظاهرة تأييد لحماس في غزة (Mostafa Ashqar/Flash90)
مظاهرة تأييد لحماس في غزة (Mostafa Ashqar/Flash90)

“في الوقت الراهن، لا بديل لحماس في غزة”

تشعر إسرائيل ببذل جهود حماس لـ "إشعال الضفة والقدس" بمساعدة "شباب الانتفاضة"، تقييم: الوضع في غزة مشابه للوضع قبل الحرب

“الهدوء الأمني في غزة مرتبط بشكل مباشر بإعادة الإعمار”، هذا ما يقوله مصدر إسرائيلي رفيع، قبل ساعات من الرد على صاروخ تم إطلاقه من القطاع بقصف إسرائيلي على القطاع. تنجح حماس، غالبا، في الرقابة على إطلاق الصواريخ والسيطرة على التنظيمات الأخرى في القطاع، ولكن يبدو أنّ هؤلاء قد بدأوا يفقدون الصبر.

المفتاح هو في إعادة الإعمار

بالفعل، فرغم المساعدات التي تدخل القطاع بكميات كبيرة، فإنّ النقص لا يزال هائلا. المصريون لا يفتحون المعابر ويراقبون بحرص عمليات التهريب من سيناء، ومنذ سقوط نظام مرسي، فإنّ الضغوط في القطاع آخذة بالازدياد.”هكذا تماما كان الواقع عشية عملية “الجرف الصامد”، كما يقول المصدر. في حين أنّ مصلحة حماس هي الحفاظ على الهدوء، ومنع إطلاق الصواريخ، فإنّ الفصائل في القطاع أكثر تطرّفا وترغب بإشعال المنطقة. فيما لو أرادوا التوصل إلى جولة تصعيد أخرى – فهم قادرون على فعل ذلك. بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة المستمرّة منذ انتهاء القتال في غزة في الصيف الأخير، تبدأ حماس بفقدان شرعيّتها، ومن المرتقب أن تستغلّ الفصائل ذلك.

وتُضاف إلى ذلك أضرار الحرب؛ أكثر من 100 ألف(!) شخص بقّوا دون منزل، ووصفة الإحباط مضمونة. وقد رفعت حماس مؤخرا الضرائب على سكان القطاع، في محاولة لاستعادة أموال الحركة التي تعاني هي أيضًا، بشكل أساسيّ لأنّها لا تنجح في تجنيد دعم من الدول العربيّة. يخشى المواطنون في غزة من الانتفاض، ولكن أصوات الاحتجاج بدأت تُسمع، حتى ولو بصوت خافت.

نتائج قصف الطيران الإسرائيلي في غزة (AFP/ROBERTO SCHMIDT)
نتائج قصف الطيران الإسرائيلي في غزة (AFP/ROBERTO SCHMIDT)

ولكن حماس ليست قلقة. فهي تعرف أنّ معظم الإحباط يخرج ضدّ إسرائيل، وضدّ السلطة التي تؤخر نقل أموال إعادة الإعمار للقطاع. بالإضافة إلى ذلك هناك مصر، وأيضا الأنروا اللتان تتلقّيان الاتهامات أكثر من مرة. حماس هي الأخيرة في “القائمة”، والحركة تدرك ذلك، ولذلك فهي لا تخشى من انتفاضة شعبية. كما وتدرك أيضًا أنّه في الواقع ليس هناك بديل مناسب لها في القطاع.

معركة التحرير

في إسرائيل أيضًا، فإنّ التقديرات هي أنّه لا يُتوقّع حدوث انتفاضة شعبية ضدّ حماس في القطاع، وأنّ التضامن الشعبي بين السكان قويّ جدّا. ومع ذلك، إذا استمر الإحباط في غزة بالازدياد، فمن المحتمل ألا يكون هناك مناص لحماس من تشجيع بدء معركة أخرى ضدّ إسرائيل، من أجل توجيه إحباط السكان ضدّها.

وبالفعل، تخطّط حماس مسبقا للمعركة القادمة، ولكن الطموح هذه المرة هو توسيع النطاق، وإدارة القتال أيضًا خارج القطاع. في خطابات مسؤولي حماس ومتحدّثيها – مشير المصري، خليل الحية وأبو عبيدة، يكرّر هؤلاء أكثر من مرة عبارة “معركة التحرير”.

مقاتلوا كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في غزة (Flash90 Wissam Nassar)
مقاتلوا كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في غزة (Flash90 Wissam Nassar)

الوضع الأمثل كما يبدو هو إدخال مقاتلي كتائب عزّ الدين القسّام إلى الأراضي الإسرائيلية المجاورة للقطاع، سواء بواسطة تجديد الأنفاق الهجومية أو من خلال اختراق بحري لمقاتلي الكوماندو البحري. وفي كلتا الحالتين فإنّ التطلّعات واضحة؛ اختراق حدود قطاع غزة وجلب القتال إلى داخل حدود إسرائيل.

ليس هناك بديل لحماس، ولكن الشعب يتطرّف باتجاه داعش

حتى لو لم تندلع قريبًا معركة حقيقية بين إسرائيل وحماس في غزة، فيبدو أنّه ليس هناك تنظيم قوي بما فيه الكفاية في غزة بحيث يمكنه أن يكون بديلا لسلطة حماس في حال “سقوطها”. حركة فتح مشغولة بشكل رئيسي في المعاركة القبلية الداخلية؛ سواء كان ذلك بين أنصار دحلان وأنصار عباس، أو ضدّ أنصار حماس، وليس لديها منذ وقت طويل تفويضا من الشعب لقيادتها.

التنظيمات التي تُعتبر أكثر تطرّفا، لا تزال صغيرة أو ضعيفة جدّا، وليس لديها نظام تحكّم منظّم كما لدى حماس. وفي كلّ ما يتعلّق بداعش يبدو أنّه ليس هناك ما يُخشى منه؛ إذ يقدّر مسؤولون إسرائيليون بأنّه وبخلاف الوضع في شمال سيناء، ليست هناك فروع لتنظيم “الدولة الإسلامية” داخل غزة، في الوقت الراهن على الأقل. ومع ذلك، يمكننا أن نعثر بالتأكيد على خلايا صغيرة تنتمي إلى السلفية الجهادية.

سلفيون في غزة (SAID KHATIB / AFP)
سلفيون في غزة (SAID KHATIB / AFP)

ومع ذلك، حتى لو لم تدخل داعش فعليا إلى القطاع، فالتنظيم يكتسب التأييد بالتأكيد. ظهر في استطلاع رأي عام عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول، وهو أن ‏19‏% من سكان قطاع غزة يعتقدون أن “تنظيم الدولة (داعش) يمثل الإسلام الصحيح” وأكثر من ‏60‏% من ضمن هذه المجموعة يعتقدون أنه “ينبغي قيام حركة إسلامية تابعة لها في فلسطين”. وأشار المسؤول إلى أن النسب التي جاءت في الاستطلاع لافتة لأنها تُعبّر عن دعم كبير لفكر داعش في القطاع مقارنة مع دول عربية أخرى.

حماس في الضفة: قصة أخرى

في حين أن حماس في غزة صاحبة الكلمة الفصل، فالوضع في الضفة الغربية مختلف تمامًا. على مدى عدّة أشهر، ترغب حماس بإشعال انتفاضة في الضفة الغربية، ولكن دون نجاح. يترأس هذا الهدف بشكل رئيسي صالح العاروري، المقيم بتركيا، والذي ينقل تعليماته لرجاله في الضفة، بشكل خاصّ إلى محرّري صفقة شاليط الذين تمّ طردهم إلى الضفة بدلا من غزة.

لعاروري، الذي يُسمى في دوائر حماس “محمد ضيف الضفة”، علاقات وثيقة مع رئيس الحركة، خالد مشعل. فبينما وُلد الأول وترعرع في قرية عارورة الواقعة شمال شرق رام الله، فإن مشعل من  سلواد، القرية المجاورة، حيث هناك اتصال طبيعي بين الاثنين. ولكن العاروري يعمل بشكل شبه مستقلّ. فهو يقوم بتوجيه “شباب الانتفاضة” من تركيا، وهي حركة من الشباب المناصرين لحركة حماس والتي تكتسب زخمًا متزايدا في الضفة (هناك أكثر من خمسين ألف معجب في صفحة الفيس بوك الخاصة بهم)، بمساعدة معيّنة من قيادة حماس في غزة.

مظاهرة ل"شباب الانتفاضة" في الضفة الغربية (صورة من فيس بوك)
مظاهرة ل”شباب الانتفاضة” في الضفة الغربية (صورة من فيس بوك)

ولكن محاولات العاروري في إثارة “مقاومة” حقيقية في الضفة، والتي يمكن أن تصب في مصلحته، لم تنجح حتى الآن. طمح العاروري في أن يحقّق عدة أهداف بضربة واحدة:، إثارة انتفاضة ضدّ إسرائيل، وإضعاف السلطة أيضًا، وبالإضافة إلى ذلك نقل مركز الصراع إلى الضفة مع الحفاظ على الهدوء في غزة، ممّا يسمح بإعادة إعمارها. ولكن التنسيق الجدّي بين الأجهزة الفلسطينية والقوى الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب طموح سكان الضفة إلى نمط حياة آمن وهادئ، أدت إلى فشل محاولاته. تم إخماد وتفريق مظاهرات وتنظيمات شباب الانتفاضة، بالإضافة إلى بعض محاولات الاحتفال بيوم انطلاقة حماس في مدن الضفة، من قبل أجهزة الأمن التابعة للسلطة.

في القدس أيضًا كانت هناك عدة محاولات لحماس في إرسال إرهابيين واستغلال موجة الأحداث التي ثارت في المدينة، إلا أنّه فيما عدا إرهابيا واحدا، الذي كان شقيقا لأحد عناصر حماس، لم يُسجّل نجاح في هذا المجال أيضًا.

التقارب من إيران

منذ سقوط حكم محمد مرسي في مصر، تجد حماس صعوبة في إيجاد راعٍ واحد كبير، ومصادر التمويل في الحركة آخذة في التقلّص. تحوّلت الحركة في مصر منذ وقت طويل إلى حركة غير مرغوب بها، ويحرص عبد الفتّاح السيسي على توضيح ذلك في كلّ فرصة. باستثناء موسى أبو مرزوق، الذي قد يتمّ قبوله بشكل ما في دوائر مصرية معيّنة، فلا أحد من حماس يمكنه الاقتراب من مصر.

ورغم أنّ الوضع في قطر أفضل بقليل، إلا أنّه وفي الوقت الراهن، حيث جميع أنظار العالم مفتوحة تجاه دولة الخليج الصغيرة قبيل كأس العالم، يبذل الأمراء القطريّون جهودهم في طمس علاقاتهم مع التنظيمات الإرهابية من أجل عدم تشكيل خطورة على إقامة كأس العالم في 2022.

خالد مشعل يلتقي بالزعيم الروحي لإيران آية الله علي خامنئي (AFP)
خالد مشعل يلتقي بالزعيم الروحي لإيران آية الله علي خامنئي (AFP)

في ساعة الذروة هذه، يبدو أّنّه لم يعد هناك مناص لحماس، وهم يطرقون على أبواب الإيرانيين مع طموح لتوسيع مصادر تمويلهم. وترغب إيران من جهتها بأن تتدخّل في الشؤون الفلسطينية، وترى في ذلك فرصة، حيث إنّ الاتصال الجديد يخطو خطواته الأولى. وخير مثال على ذلك ما رأيناه في احتفالات الانطلاقة لحماس في غزة، عندما حرص الناطق باسم كتائب عزّ الدين القسّام، أبو عبيدة، على شكر إيران بشكل علنيّ وواضح. يبدو أن حماس – الآن وأكثر من أيّ وقت مضى – تسير في طريق حزب الله، زميلها من الشمال منذ القدم.

اقرأوا المزيد: 1106 كلمة
عرض أقل